إذا كان الدستور الذي عرض على الاستفتاء جديدا، فإن الانتخابات التي تجري في الخامس والعشرين تفوح منها «الغمولية»، وعلى من يريد التصويت أن يسد أنفه بمنديل كي لا تزكمه الرائحة. فاقد الشيء لا يعطيه، وهذه ليست أحزابا بل محميات لتربية الديناصور. آمال المغاربة في الانتقال «الديمقراطي» انقرضت، والديناصورات لا تريد الانقراض. من الفاسي إلى الراضي مرورا بمزوار وبنعبد الله وبنعتيق والعنصر والخياري وبيد الله... كلهم وجوه مستعملة، جربهم المغاربة في البرلمان والحكومة والمعارضة، وصار يصاب بالإحباط لمجرد سماع أسمائهم. كيف تريد أن تبني مغربا جديدا بوجوه قديمة؟ حتى «العدالة والتنمية»، الذي لم يشتغل بعد «حمّال حقائب» في «القامرة» التي نسيتها الحكومة، يتصرف بحربائية مدهشة، ويبدو مهتما بالغنائم و«نواقض الوضوء» أكثر من اهتمامه بمستقبل البلاد. أحيانا، يبدو لي حزب «المصباح» أكبر حركة انتهازية في تاريخ المغرب الحديث، لأنه يقتات على تضحيات الآخرين («العدل والإحسان» في الداخل، و»الإخوان المسلمين» في الخارج) ويركب موجة الإسلاميين التي أغرقت العالم العربي، دون أن يقدم دليلا واحدا على اختلافه عن الأحزاب الأخرى، وعن خلو صفوفه من المرتشين والمفسدين والطماعين. ألم يكن عبد الإله بنكيران من الزعماء القلائل الذين عارضوا علانية حركة ال20 من فبراير، قبل أن يخرج علينا لحسن الداودي مهددا بأنهم، في حال عدم فوز الحزب في الانتخابات، سينزلون إلى الشارع مع «الدراري» ديال 20 فبراير»؟ على ذكر «الدراري»، حتى لوائح الشباب التي شكلت إضافة نوعية في الاقتراع الجديد، حولها الديناصورات إلى مصعد لأبنائهم وأقربائهم نحو السلطة والنفوذ، والاستفادة من الريع السياسي على غرار آبائهم. مشكلة المغرب أن الوجوه التي تدعي إخراج البلاد من الأزمة هي التجسيد الحي للأزمة، و«كون كان الخوخ يداوي كون داوا راسو». لقد ضيعنا موعدنا مع التاريخ، ومررنا جنب «الربيع العربي»، لأن الخطاب «الثوري» الذي ألقاه الملك في التاسع من مارس، لم يجد من يترجمه على أرض الواقع. وهاهي أول انتخابات تجري في ظل الدستور الجديد، تشكل تراجعا واضحا بالمقارنة مع آخر انتخابات، من حيث مشاركة الهيئات السياسية، إذ تقاطعها أحزاب شاركت في اقتراع 2007، مثل «اليسار الموحد» و«الطليعة الديمقراطي الاشتراكي»، ويواجهها شباب ال20 من فبراير في الشارع. لا «المزرعة» التي صار يدبر شؤونها مزوار ولا «الكتلة» التي يريد أن ينفخ فيها الراضي الروح، يمكن أن تقنع المواطنين بالذهاب إلى الصناديق لإكمال المسرحية. وعلى ذكر الراضي، عندما نتأمل المصير الذي آل إليه حزب «القوات الشعبية» على يديه، لا نملك إلا أن نترحم على الشرفاء الذين بنوا البيت الاتحادي حجرا حجرا، بدمائهم وأرواحهم. حزب بن بركة وبن جلون وبوعبيد واليوسفي انتهى بين يدي إقطاعي يعتصم في القبة منذ عام 1963 ولا يريد أن ينسحب، ترأس البرلمان مرتين وحمل حقائب وزارية عندما كان الاتحاديون في السجون وعندما غرقوا «في المجون»، وختمها بأن أصبح «رئيس رؤساء برلمانات العالم». ولعل أحسن شيء يمكن أن يصنعه الاتحاديون اليوم هو أن يطبعوا المقرر الإيديولوجي الشهير لعام 1975 على ورق «أخضر»، ويعلنوا قيام «جماهيرية» «القوات الشعبية». مات القذافي، يعيش القذافي...