تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    توقيف الكاتب الفرنسي الجزائري بوعلام صنصال في مطار الجزائر بعد انتقاده لنظام الكابرانات    الحكومة تُعزز حماية تراث المغرب وتَزيد استيراد الأبقار لتموين سوق اللحوم    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    بورصة البيضاء تنهي التداولات ب "انخفاض"    رسميا.. اعتماد بطاقة الملاعب كبطاقة وحيدة لولوج الصحفيين والمصورين المهنيين للملاعب    البيت الأبيض يرفض قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت    تحطم طائرة تدريب تابعة للقوات الجوية الملكية بداخل القاعدة الجوية ببنسليمان    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط: اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    سلطات القنيطرة تُعلن عن قرار سار لجماهير اتحاد طنجة    يخص حماية التراث.. مجلس الحكومة يصادق على مشروع قانون جديد    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    توقيف شخصين بطنجة وحجز 116 كيلوغراماً من مخدر الشيرا    القوات المسلحة الملكية تفتح تحقيقًا في تحطم طائرة ببنسليمان    الجديدة.. الدرك يحبط في أقل من 24 ساعة ثاني عملية للاتجار بالبشر    برقية تهنئة إلى الملك محمد السادس من رئيسة مقدونيا الشمالية بمناسبة عيد الاستقلال    القنيطرة تحتضن ديربي "الشمال" بحضور مشجعي اتحاد طنجة فقط    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    "الدستورية" تصرح بشغور مقاعد برلمانية    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا        وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور الهادي شلوف ل " هسبريس " : على المواطن العربي أن يكفّ عن اعتبار نفسه مجرد جهاز هضمي يأكل ويشرب ويتبرّز
نشر في هسبريس يوم 01 - 03 - 2010

الدكتور الهادي شلوف، معارض سياسي للنظام الليبي والأنظمة العربية الدكتاتورية التي تحكم العالم العربي، أو "الأنظمة الاحتلالية" كما يسميها. يعيش متنقلا بين العاصمة الفرنسية باريس حيث يشتغل محاميا، وبين العاصمة الهولندية لاهاي، حيث يعمل عضوا في محكمة الجنايات الدولية، وهو أيضا عضو بنقابة محاماة بباريس، وأستاذ جامعي سابق.
في هذا الحوار الذي خصّ به "هسبريس"، يتحدث الدكتور شلوف عن رؤيته لحاضر ومستقبل الديمقراطية في الوطن العربي... لنتابع...
* الشعوب العربية تعاني من خوف مزمن من الأنظمة الحاكمة، ولديها مشكلة في الثقافة والوعي الاجتماعي.
* المواطن العربي لا يعيش في تناقض مع ذاته، بل يعيش مشكلة نفسية وسياسية واجتماعية.
* الشعوب العربية تتظاهر للمطالبة بالخبز، ولا تخرج للتظاهر دفاعا عن حقوقها السياسية.
* الأنظمة العربية هي التي تفتح أبواب الوطن العربي في وجه الاستعمار الأجنبي.
* الأنظمة العربية قدمت كل شيء للجيش الأمريكي وجيوش قوات التحالف إبّان الحرب على العراق، بما في ذلك "شرف" نسائهم.
* مصْر أرسلت أفواجا من النساء إلى العراق من أجل الترفيه عن الجنود الأمريكان أثناء حرب الخليج.
* الإسلام يدعو إلى الحرية والديمقراطية، ولا يمكن أن يكون عائقا أمام التطور الديمقراطي.
* يجب على المواطن العربي أن يكفّ عن اعتبار نفسه مجرد جهاز هضمي يأكل ويشرب ويتبرّز.
* تقديم عمر حسن البشير للمثول أمام محكمة الجنيات الدولية ليس سوى مسألة وقت ليس إلا.
--------------------------------
* في الحلقة ما قبل الماضية من برنامج "الاتجاه المعاكس" على شاشة فضائية "الجزيرة"*، التي كنتم أحد ضيفيْها، قال 68,7% من المشاهدين بأن الاستعمار الأجنبي أرحم بهم من الأنظمة التي تحكمهم. كيف تقرؤون هذه النتيجة الغريبة وكيف تفسرونها؟
هذا يؤكد حقيقة أن المواطن العربي، أدرك اليوم أن الأنظمة التي تحكمه هي أنظمة أكثر ديكتاتورية وأكثر طغيانا من الاستعمار الأجنبي، وهذا شيء مخجل للأنظمة العربية. يمكننامن خلال قراءة نتائج هذا الاستفتاء، أن نستخلص نتيجة مُرّة، وهي للأسف الكبيرأنالمواطن العربييعيش حالة منالتذمر أينما كان، سواء في الشرق أو الغرب، ومن الخليج إلى المحيط، وأن يحصل هذاعلى الرغممن حُكم أنفسنا بأنفسنا منذ عقود، أي بعدخروج المستعمر، هو شيء مؤسف جدا، فلو أن الأنظمة العربية لديها قليل من الإحساس فقط، كان عليها أن تستقيل وتترك لشعوبها حرية اختيار الأنظمة التي تلائمها، وتترك حرية الأحزاب وتجري انتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة. ولكن هذه الأنظمة للأسف متشبثة بالسلطة، وتحاول أن تدمّر المواطن العربي وتدمّر بلدانها وتستمر في انتهاك حقوق الإنسان، يجب على الأنظمة العربية أن تخجل من نفسها وتدرك أن الزمن قد تجاوزها.
الشيء المؤسفأيضا،هو أنكلشعوب العالم تتغير من حولناوتُتركلها مساحةلحرية الرأي وحرية الأحزاب و تداول السلطة،أما الأنظمة في البلاد العربيةفلا تقبل حتىبتقاسم السلطة، أي أنها تستحوذ عليهااستحواذا مطلقا وتورثها إلى أبنائها وأحفادها ضاربة بحقوق الشعوب والمواطنين عرض الحائط.
بكل تأكيدنتيجة الاستفتاءتوضح مدىعمق الفجوةالتي تفصل المواطن العربي عنحقوقهفي إدارة شؤون بلاده، لذلك صار يفضل الاستعمار علي حكامه.
* في ذات الوقت، هؤلاء الذين قالوا بأن الاستعمار أرحم بهم، ينددون بالاحتلال الأمريكي للعراق، والامبريالية الغربية وما إلى ذلك... إلى ما تعزون هذا التناقض في مواقف الشعوب العربية؟
- إذا أردنا أن نحلل المسألة من الناحية النفسية والاجتماعية، سنجد أن المواطن العربي يوجد أمام خيارين: الأول هو الأنظمة الديكتاتورية، والثاني هو التدخل الأجنبي في شؤونه الداخلية، من خلال استغلال الاقتصادات الوطنية، سواء في دول الخليج التي تمتلك النفط، أو في دول المغرب والمشرق. المواطن العربي لا يعيش في تناقض، بل يعيش مشكلة نفسية وسياسية واجتماعية. فلو كانت لدينا أنظمة ديمقراطية، ما كان للجيش الأمريكي ولا لغيره أن يدخل إلى البلدان العربية، ولكن الأنظمة العربية هي التي فتحت وتفتح له الأبواب. فلو لم يحصل أن العراق غزا الكويت، ولو لم تشارك الجيوش العربية في دعم اجتياح العراق بعد ذلك، لما صار حال العراق على ما هو عليه اليوم.
* الأنظمة العربية إذن هي التي تجلب الاحتلال لأوطانها وتقدم له كافة التسهيلات؟
- الأنظمة العربية لا يمكنها أن تنكر بأنها ساهمت في الحرب على العراق، البعض قدّم الدعم المالي، والبعض قدّم الدعم العسكري، والبعض وصل به الأمر إلى حدّ إرسال أفواج من النساء للترفيه عن الجنود الأمريكان، كما هو الحال بالنسبة لمصر. مصر بعثت بوفود من النساء إلىالقواعد العسكريةالغربية في الخليج والعراق أثناء حرب الخليج الأولىلتحريرالكويت، من أجل الترفيه عن الجنود الأمريكان، وهذا سبق لي أن قلته عام 2008.
لا ننسي هنا أن كل صاروخ "توما هوك" أورصاصة أطلقت ضد العراق و الشعب العراقيدفع ثمنهاإخوانهم في السعودية وبلاد الخليج. أمريكا وحلفاؤها أرادواأن يتخلصوا من أسلحة الحرب الباردة وبقايا الحرب العالمية الثانية فأسقطوها علي رؤوس العراقيين. على المواطن العربي ألا يتباكى علي العراقوهو أول من شارك في تدمير العراق، أليست الجيوش العربية بما فيهاالجيش السوري والمصري والمغربي والأردني والقطري الخ.. قد ساهمت مع القوات الأجنبية أو الغربية لضربالمواطنين العراقيين. إذن يجب على تجار الكلاموالمزايدات في الوطن العربي أن يكفّوا عن الكذب والنفاق، ويجب علينا تسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية. الكلب كلب والقط قط.
* العرب إذن، قدموا كل شيء للأمريكان وجنود الحلفاء، بما في ذلك "شرف" نسائهم؟
- بكل تأكيد. الأنظمة العربية قدمت كل شيء، سواء السلاح أو المال أو النساء أو الأرض، أو من خلال فتح المجال الجوي للطائرات الحربية الأمريكية وحلفائها. هذه الأنظمة العربية تفعل ما يحلو لها، لأنها لم تجد في واقع الأمر شعوبا تجابهها.
* تقولون إن الشعوب العربية منبطحة أمام طغيان الأنظمة التي تحكمها، برأيكم، ما الذي يتوجب على هذه الشعوب أن تقوم به لإنقاذ نفسها من هذا الذل والطغيان؟
- أولا، يجب على الشعوب العربية أن تستيقظ من سباتها. نحن نرى الشعوب تنتفض في العالم بأسره، من النيپال إلى كينيا وأوغندا وساحل العاج وغيرها، نحن نرى كثيرا من الشعوب حولنا تحررت، واستطاعت أن ترغم الأنظمة التي تحكمها على تداول السلطة. الشعوب العربية بدورها يجب عليهاأن تقول لحكامها أنه يجب أن يكون هناك تداول وتقاسم للسلطة. ثانيا، يجب على المواطن العربي أن يدافع عن حقوقه، يجب عليه ألا يعتبر نفسه مجرد جهاز هضمي يأكل ويشرب فقط، على المواطن العربي أن يتحمل مسؤوليته ويدافع عن حقوقه. المواطن العربي عليه مسؤولية كبيرة، وبالتالي عليه ألا ينبطح. عليه أن يستيقظ، ويقول بأن لدي حقوقا يجب علي أن أدافع عنها، أن يقول هذه أرضي، وهذه الخيرات خيراتي. يجب على الشعوب العربية أن تدرك أن لديها حقوقا يجب أن تدافع عنها، وإن لم تفعل، فلن تمنّ عليها الأنظمة بهذه الحقوق. يجب على المواطن العربي أن يدرك أنه هو صاحب الحقوصاحب الأرض وأن الحاكم ما هو إلا مكلفبأن يؤدي واجبه لحماية الوطن واحترام الدستور. يجب على المواطن العربي أن يعي بأن الحاكم ليس فوق القانون بل إنه مسؤول ويجب محاكمته عند إهمال واجباته تجاه شعبه أو إذا سولت له نفسه أن يمارس الرعونة في حق هذا الشعب.
* برأيكم، هل يكمن المشكل في الشعوب العربية، أم في غياب أحزاب قوية معارضة لتأطير هذه الشعوب حتى تتمكن من الوقوف في وجه الأنظمة الاستبدادية التي تحكمها؟
- بكل تأكيد، المشكلة تكمن في الشعوب أساسا، الشعوب هي التي تستطيع أن تصنع الأحزاب السياسية وأن تحدد مسارها، وهي التي تستطيع أن تقول "لا" للاستبداد والطغيان. الشعوب العربية هي التي يجب عليها أن ترفض هذا الوضع الذي تعيشه اليوم. نحن نعاني من مشكلتين، المشكلة الأساسية هي مشكلة ثقافية، ونعاني كذلك من مشكلة غياب الوعي الاجتماعي، والمشكلة الثانية هي مشكلة الخوف. الخوف هو أحد أكبر عوامل القهر الداخلي للإنسان، ولكي يتحرر المواطن العربي من هذا القهر يجب عليه أن يتخلص من الخوف أولا، فلو أن الشعوب العربية خرجت للمطالبة بحقوقها، فمن المؤكد أنها ستنال هذه الحقوق، ولن تستمر الأنظمة في قهرها، خصوصا وأننا اليوم نعيش في ظل إعلام عالمي قوي يستطيع أن يوصل الأخبارإلى أي بقعة من الأرضفيدقائق ويكشف عنكلالانتهاكاتالقانونية أو غيرها، مما يعطي للرأي العام العالمي المعلومات التي تؤدي حتماإلى ملاحقة المجرمين أمامالقضاء الجنائي الدولي، وهومايمنع على الأنظمة والحكومات أن تمارس الشطط وانتهاك حقوق الإنسانكما كان في الماضي، فلو افترضنا أنجريمةالقتل الجماعي في سوريا تمت اليوم فسوف تصل إلى الإعلام العالمي وسوف تقدم أمام القضاء الجنائي الدولي. لذلك يجب على المواطن العربي أن يخرج من صمته ويدافع عن حقوقه، وإلا فإن الأنظمة التي تحكمه ستستمر حتما في الطغيان والديكتاتورية والاستبداد إلى الأبد.
* الشعوب العربية إذن بمستطاعها أن تغيّر الوضع الذي تعيش فيه نحو الأفضل؟
- نعم، وإذا لم تبادر إلى ذلك، فسوف تظل الشعوب العربية الوحيدة المتخلفة من بين باقي شعوب الدنيا، فالدول العربية ليست متخلفة فقط اقتصاديا وسياسيا وعلميا، بل نحن متخلفون في جميع المجالات. الأمة العربية اليوم مهددة بالانقراض، هذه الأمة ليست لها القدرة حتى على الدفاع عن نفسها، وهي مهددة من جميع النواحي، في الوقت الذي تتقدم فيه بقية الأمم نحو الأمام، ونحو مزيد من الديمقراطية والرقي والازدهار، كما هو الشأن بالنسبة لدول شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية التي تغيرت بفضل تضحيات شعوبها. الشعوب العربية هي الشعوب الوحيدة التي ما زالت تعيش في العصر الحجري، وهي مسألة أعتبر هذه الشعوب هي المسؤولة عنها، لأنها تخاف، ولا تستطيع أن تدافع عن حقوقها. فمثلا في الأرجنتين، كان هناك نظام ديكتاتوري عسكري، ونفس الشيء بالنسبة للشيلي، لكن الوضع اليوم هناك لم يعد كما كان في الماضي، بفضل تضحية شعبي البلدين. في اندونيسيا أيضا، وهي دولة مسلمة، هناك تقدم في المجال الديمقراطي، وحتى في ماليزيا وباكستان.
لا ننسى أيضا أنالحكام العرب قد سرقوا خيرات الشعوب ووضعوها في بنوك غربية ناهيك عن الممتلكات التي يملكونها في أوروبا وجميع بقاع الأرض، في الوقت الذي نرى فيه أن أكثر من 70 في المائةمن الدخل القوميفي المغربوتونس ومصر ولبنان وسوريا والأردن يأتي من العمالةالعربية التي تعيش في الدول الغربيةوأمريكا أو دول الخليج النفطية. ألا يخجل هؤلاءالحكام الذين لم يوفرواحتى مصادر دخلوطنية في قطاعات الصناعة و الزراعة داخل بلدانهم للاكتفاء الذاتيوضمان سلامة شعوبهم.
أيضا الدول النفطية الاستهلاكية التي هي الأخرى لم تستطع على مرّ السنوات والعقود أن تنشئ حتى صناعة نفطية عربية قادرة على تصدير النفطوتكريرهواشتقاق المنتوجات الأساسية منه مثل البلاستيك إلي آخره.. حتى يومنا هذاالشركات الغربية هي التي تقوم بالكشف عن النفط و استخراجه وتصديره. الأنظمة العربية لم تنجح أيضا حتى على المستوي الثقافيوالتعليميحيث نعاني من أمية تتجاوز في الوطن العربي 70 في المائة، كل ذلكهو مسئولة الأنظمة الحاكمة والمواطنالذيلا يريد أن يصنع مستقبلا لأبنائهو الأجيال المقبلة. إذن الشعوب العربيةأي المواطن العربي هو إنسان سلبيو يبحث فقط عن ملأ بطنهولا يهمه لا وطنه ولا مستقبله.
* قلتم بأن اندونيسيا تتقدم ديمقراطيا رغم كونها دولة مسلمة، هناك من يقول عندنا بأن الإسلام والديمقراطية لا يتعايشان، ما ردّكم على هذا الكلام؟
- لا، هذا ليس صحيحا. عقلية المواطن العربي هي التي يجب أن تتغير، وأن تفهم الإسلام على حقيقته. الإسلام يدعو إلى الحرية ويدعو إلى الديمقراطية، نحن نعرف أن الإسلام يدعو إلى الشورى، ويدعو إلى تبادل وتقاسم السلطة. الخلفاء كانوا يتبادلون السلطة، وهنا أريد أن أقول بأن الملكية ليست موجودة في الإسلام، الملك هو الله سبحانه وتعالى، نحن نرى مثلا في ليبيا، أن العقيد معمر القذافي أصبح ملك الملوك، ونرى في سوريا كيف يتم تغيير الدستور بهدف تحويل الجمهورية إلى ملكية، في الجزائر أيضا وفي تونس رأينا كيف تم تغيير الدستور كي يستمر الرئيس في الحكم لولاية ثالثة ورابعة وخامسة وسادسة، بينما في الدول الإسلامية غير العربية مثل اندونيسيا وماليزيا وتركيا وحتى باكستان، فيها انتخابات تشريعية ورئاسية وتبادل للسلطة. المشكل إذن لا يكمن في الإسلام، بل في العقلية المتحجرة للأنظمة العربية الحاكمة.
* ألا ترون أن الأنظمة العربية تستغل الدين من أجل تكريس استبدادها وطغيانها وقهرها للشعوب؟
- أنا أقول بأن الإسلام ليس حكْرا على أحد، بل هو دين للجميع، ولا يجب أن يكون عائقا أمام التطور الديمقراطي. السلطة لا يجب أن تكون في يد الحاكم، بل في يد الشعب، الشعوب هي التي يجب أن تحكم نفسها بنفسها، وبالتالي فليس من حق أحد أن يتحول إلى أمير للمؤمنين، وليس من حق أحد أن يعتبر نفسه ملك الملوك، فالله هو الذي بيده الملك، ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: "تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير". المشكلة إذن تكمن في الفهم الخاطئ للإسلام، وهذا شيء مؤسف جدا، وهنا أعيد وأكرر بأن الشعوب العربية هي التي أرادت وقبلتْ لنفسها أن تنبطح للحكام، ما دامت لا تدافع عن حقوقها. هل تعلم يا سيدي، أن الشعوب العربية تخرج للتظاهر من أجل المطالبة بالخبز، ولا تخرج للتظاهر دفاعا عن حقوقها؟ عندما نقُص الخبز في السوق في مصر وتونس والجزائر، خرجت المظاهرات، ولكن الحقوق السياسية لا أحد يطالب بها. لا أحد يطالب بتقاسم السلطة وتداولها، ولا أحد يطالب بانتخابات تشريعية ورئاسية نزيهة، وهذا ما يفتح المجال أمام الأنظمة ويشجعها على ممارسة مزيد من الطغيان والاستبداد والاستفراد بالسلطة.
* باعتباركم عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، هل تستطيع الشعوب العربية أن تدفع بالأنظمة التي تحكمها للمثول أمام هذه المحكمة؟ وكيف؟
- للأسف الكبير، الدول العربية لم تنضمّ لحد الآن إلى محكمة الجنايات الدولية، باستثناء الأردن وجيبوتي وجزر القمر، وهذا شيء مؤسف جدا، أنا دعوت منذ تأسيس المحكمة الجنائية الدولية إلى الانضمام إليها، وشاركت في تأسيس نقابة للمحامين بباريس، وأخرى في برلين سنة 2003،أي إنشاء نقابة المحامين الدولية للمحكمة الجنائية الدولية. الأنظمة العربية تدرك بطبيعة الحال أنها في حال قبولها الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، قد يعرضها ذلك إلى المساءلة، لذلك فهي لن تبادر أبدا إلى الانضمام، ولكن، لو كانت لدينا شعوب مؤثرة، ومنظمات حقوقية وازنة وبرلمانات قوية، كان بالإمكان أن تُرغَم هذه الأنظمة على الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية. نحن للأسف ليس لدينا سوى محاميان أو ثلاثة، هم مغاربة، يشتغلون أو يعيشون بالغرب، حيث تم انضمامهم إلى المحكمة الجنائيةالدولية، بينما أغلبية الدول العربية الأخرى ليس لديها محامون مسجلون في المحكمة، مصر مثلا غير موجودة، ونفس الشيء بالنسبة لباقي الدول العربية، للأسف، ليس لدينا أيضا قضاة هناك. القضاة هم أفارقة، أو من دول أخرى هم الذين يبثون في القضايا التي تهم الدول العربية، كقضية دارفور مثلا، فيما نحن متخلفون عن باقي المجتمعات والمنظمات الدولية.
لا ننسي هنابأن العرب والمسلمينكان لهم تاريخ حافل في مجال القانون والقضاء، وحتى يومنا هذا القانون الإسلامي يدرّس في كل جامعات العالم، ناهيك أن جذور القانون تأتي منالعراق، حيثتمإنشاء أو تشريع أول قانون في العالم وهو قانون "حمو رابي". إذن للأسف نحن لم ننتهز الفرصة ونستفيد من هذا التراث الفكري والقانوني العربي/الإسلامي كي نكون في قيادة القضاء الدولي والمحافل الدولية، وبالمناسبة أدعو كل رجال القانون العربأن يحاولوا الاقتراب من القضاء الدولي الجنائي أو المدني أو التجاري، والعمل من أجل الانضمام إلى المنظمات الدولية.
* وهل يستطيع العرب أن يدفعوا بالمسؤولين الإسرائيليين للمثول أما محكمة الجنايات الدولية بسبب جرائمهم في حق أهل غزة وفلسطين بصفة عامة؟
- هذه القضية لا يمكن أن تمرّ نحو محكمة الجنايات الدولية إلا عن طريق مجلس الأمن الدولي، وإذا عرفنا أن الدول العربية غير ممثلة في محكمة الجنايات الدولية، ولا تملك القدرة للضغط على مجلس الأمن الدولي، فالأمر سيظل إذن مجرد أحلام ليس إلا، لأن أمريكا، أو فرنسا وربما روسيا، التي تملك حق النقض "الڤيتو"، ستصوت طبعا ضد قرار تحويل القضية إلى محكمة الجنايات الدولية، لذلك يجب على العرب أن يفهموا هذه المسألة جيدا، فنحن نعاني من مشكل عدم الفهم وعدم القراءة المعمقة للقانون الدولي، وكثير من رجال القانون العرب يقولون كلاما غير قانوني وغير علمي، أغلبه مبني على الأحلام. أنا ما أطالب به هو إنشاء محاكم جنائية دولية خاصة، وسبق لي أن قدمت ملفا متكاملا لإنشاء محكمة جنائية دولية في دارفور. النظام السوداني توجه إلى بعض رجال القانون في بريطانيا لأخذ استشارات قانونية، ودفعوا أموالا طائلة مقابل ذلك، ولكنهم حصلوا على معلومات غير صحيحة، ومن تمّ ها هي القضية الآن أصبحت كبيرة جدا، والرئيس عمر البشير وضع نفسه في مأزق كبير، حتى بعد توقيع اتفاقية السلام بين الحكومة السودانية وأطراف النزاع في دارفور، فإن ذلك لن يعفي البشير ومجموعة من الموجودين على لوائح محكمة الجنايات الدولية من المتابعة.
* ولكن عمر البشير ما يزال إلى حدود اليوم حرّا طليقا، باعتباركم مكلفا بملف دارفور من طرف محكمة الجنيات الدولية، هل ستستطيعون يوما أن تقدموه للمثول أمام المحكمة؟
- بكل تأكيد، الآلة الجنائية الدولية عندما تتحرك لا يستطيع أحد أن يوقفها، بمعنى أن مسألة تقديم عمر حسن البشير أمام محكمة الجنايات الدولية ليس سوى مسألة وقت ليس إلا. البشير معرّض في أي وقت من الأوقات إلى الاعتقال، وسوف يتمّ إلقاء القبض عليه في الوقت المناسب.
* ختاما دكتور شلوف، كيف تنظرون إلى مستقبل الديمقراطية في الوطن العربي؟ هل يمكن أن تهبّ عليه رياح الديمقراطية يوما ما، أم أن الوضع سيظل على ما هو عليه إلى أجل غير مسمى؟
- إذا بقي المواطن العربي بدون حراك ولم يسْعَ إلى المطالبة بحقوقه، وإذا ظل المواطن العربي منبطحا أمام الحكام، سنقول بأنه ليس هناك أي أمل في أن تكون هناك ديمقراطية في الوطن العربي. على الشعوب العربية أن تنتفض وتحرر أوطانها من جبروت هذه الأنظمة، على الشعوب العربية أن تدافع عن حقوقها المهضومة، وإذا لم تبادر إلى القيام بذلك، فإن هذه الأنظمة ستستمر لمئات وربما لآلاف السنين على نفس النهح، ويظل المواطن العربي مجرد جهاز هضمي يأكل ويشرب ويتبرز، وستبقي البلاد العربية في مؤخرة بلدان العالم، وسنبقي أضحوكة أمام البشرية جمعاء، ولربما سوفندخل قريبا مرحلة الانقراض كما انقرضت الديناصورات من الأرض.
*شاهد حلقة الاتجاه المعاكس بتاريخ 16 فبراير 2010 في موضوع الاستعمار والاعتذار والتي حلّ فيها الدكتور الهادي شلوف ضيفا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.