د. محمد عزيز البازي بعدما كنتُ قد تعرضتُ لوضعية الدكاترة في أسلاك الوظيفة العمومية في المقالات السابقة المنشورة في «المساء التربوي»، يجدر بي الآن التطرق للمؤسسات النقابية، لِما لها من تأثير بالغ في هذه الوضعية، قبل سرد خلاصة عامة في الموضوع المحوري المتناوَل.. من الواضح أن تعدد وتكاثر النقابات في وطننا هو مظهر من مظاهر التخلف وليس التقدم، إذ بقدر ما تستفحل درجة انتهاك حقوق الإنسان، بمقدار ما تتعدد وتتكاثر وتتنافر النقابات للذود عن هذه الحقوق، نتيجة لما تعرفه من جور واغتصاب وسياسة «فرّق تسُدْ»، المُغرّضة والمتسولة والمتوسلة بميزة التعدد والاختلاف التي تطبع هوية تاريخ هذا البلد، وهكذا تعددت حتى تشعبت مجموعة وافرة من الأحزاب والنقابات، من بينها النقابات التعليمية، التي تناسلت بسبب تنوع وتفاقم اغتصاب حقوق فئات موظفيها، حيث يمكن تقسيمها، في ما يتعلق بموضوع دكاترتنا، إلى ثلاثة أصناف من النقابات: نقابات التعليم المدرسي ونقابات التعليم العالي ونقابة دكاترة أسلاك الوظيفة العمومية، تتوزعها فئتان من الدكاترة: دكاترة التحقوا بالوظيفة العمومية قبل نيلهم شهادة دكتوراه الدولة أو الدكتوراه، ودكاترة استُدرِجوا إلى أسلاك وظائفها، بعد حصولهم على إحدى هاتين الشهادتين. نقابات التعليم المدرسي: وتشمل المؤسسات النقابية التالية: -1النقابات الخمس الموسومة ب«الأكثر تمثيلية»، وهي -1 النقابة الوطنية للتعليم (ك. د. ش) -2 الجامعة الوطنية للتعليم (ج. و. ت.) -3 الجامعة الوطنية لموظفي للتعليم (ا. و. ش.) -4 النقابة الوطنية للتعليم (ف. د. ش.) -5 الجامعة الحرة للتعليم (ا. ع. ش. م.) -6المنظمة الديمقراطية للتعليم (م. د. ش.) اعتبارا لكون النقابات الخمس الأولى حظيّت بصفة المنابر النقابية التعليمية الأكثر تمثيلية، فقد اقتفت أثرها وانضوت تحت ألويتها ثلاث مجموعات لدكاترة القطاع المدرسي، أطلقت عل نفسها «المنسقية الوطنية للدكاترة العاملين بقطاع التعليم، وهي: -الهيئة الوطنية للدكاترة التابعة للجامعة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد المغربي للشغل (UMT) ، -العصبة الوطنية للدكاترة التابعة للجامعة الوطنية لموظفي التعليم، المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل (UNTM) -السكريتارية الوطنية للدكاترة التابعة للنقابة الوطنية للتعليم، المنضوية تحت لواء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (CDT). والملفت للنظر أن النقابات الخمس الأولى المذكورة المسماة «الأكثر تمثيلية» هي المحاورة الأساس في ملف الدكاترة مع وزارة التربية الوطنية دون كافة المنابر النقابية المعنية بالأمر، كالمنظمة الديمقراطية للتعليم والنقابة الوطنية المستقلة للدكاترة بالمغرب، علما أن ملف الدكاترة لا يمكن اكتناه مطالبه ومراميه وإنصافه إلا بالإحاطة بوضعه الكلي، أفقيا وعموديا، بجميع أسلاكه وقطاعاته وفئتي دكاترته. لقد أفضى الابتعاد عن هذا الرهان وغياب منبر موحّد محاور مباشر أساس من صلب كافة الدكاترة المستدرجين إلى مختلف أسلاك الوظيفة العمومية، إلى تعامل وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي والنقابات المحاورة «الأكثر تمثيلية» تجاه ملف الدكاترة بالمقاييس نفسها التي أنشأته، مثل التجزيئية والإقصائية والإكسليبانية والأقدمية والأكثر تمثيلية.. وهي مفاهيم سلطوية، بالأساس، نلمسها في تراضي وزارة التربية الوطنية والنقابات المحاورة حول إجراء مباراة لإدماج زهاء 440 من دكاترة القطاع المدرسي في إطار «أستاذ باحث»، بناء على معيار الأقدمية أو الترقية بالأقدمية، الذي يخدم المصلحة الخاصة للفئة الأولى من الدكاترة، التي حصلت على شهادتها الأكاديمية العليا بعد ولوجها الوظيفة العمومية، حيث أعدت أطروحة دكتوراتها في إطارها المهنيّ، الأمر الذي يضمن لها قبولها الكلي المباشر في المباراة المذكورة دون الفئة الثانية من الدكاترة التي توظفت على حساب زمن عمرها البطالي وتحصيلها العلمي قبل التحاقها بالوظيفة العمومية، وبالتالي، فإن عددا وافرا من دكاترتها تعوزهم الأقدمية المتوخاة التي تحرمه من اجتياز هذه المباراة /المؤامرة... إذا سلّمنا أو لجأنا إلى معيار الاستئثار الموضوعي بين هاتين الفئتين، ليس بناء على مقياس الأقدمية، السلطوي المجحف، فإن الأولوية تعطى للفئة الثانية، لأنها الأكثر تضررا وتهميشا وإقصاء وجورا، لحرمانها من الوظيفة العمومية لمدة طويلة من الزمن التي ستؤثر سلبا على معاشها، ولمعاناتها شتى أنواع القمع والضرب والتنكيل للحصول على حقها، المشروع، في التوظيف المناسب، فهي الأكثر تعبيرا وتمثيلا وتشخيصا لوضعية الدكاترة المزرية في جميع أسلاك الوظيفة العمومية، بغضّ النظر عن لا مشروعية إجراء المباراة، لعدم اكتمال نصاب التمثيلية الشاملة لكافة الدكاترة، بصنفيهم، المُوزَّعين على جميع القطاعات، فإنه عوض الاحتكام إلى مساطر المؤهلات والكفاءات العلمية: أصالتها وإسهاماتها، جدتها وجودتها، في إجراء هذه المباراة، وانتخاب اللجن الجامعية العليا للبحث العلمي المؤهلة، نجد الطرفين المتحاورين في شأن هذا الملف يتواطآن، دون خجل، على اشتراط مساطر ماضوية صدئة أكل الدهر عليها و شرب، والتي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تطبق على هذا الملف الضخم، المزمن، الذي اختلط وضعه وأمْرُه بين باقي الملفات التي اعتادت الوزارة والنقابات المحاورة التعامل معها بمثل هذه الآليات المتقادمة، وكأن الأمر يتعلق بترقية الموظفين من درجة إلى درجة ومن سُلّم إلى سلّم.. وهكذا جرت جولات متتالية من الحوار في شأن تغيير إطار الدكاترة العاملين في قطاع التعليم المدرسي إلى أستاذ مساعد في التعليم العالي، انتهت باتفاق وزارة التربية الوطنية بالتزام تفعيل هذا الطلب، بعد أن تم إحصاؤهم من طرف الوزارة المعنية في مختلف التخصصات لسد الخصاص الذي تعاني منه مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر، دون أن تعير أي اهتمام لإحصاء باقي الدكاترة المُستدرَجين إلى قطاعات مختلفة. حيث يَجْمَع عدد كبير من الدكاترة المتصرفين وغيرهم بين عملهم الإداري والتعليمي، كتدريس وتأطير وتوجيه الطلبة الوافدين عليهم من مختلف مؤسسات التعليم العالي وتكوين الأطر وبين الإشراف على بحوثهم، قصد إنجاز دوراتهم التدريبية كل سنة، مرتكبة جورا سافرا في حقهم، وكأنهم أقبروا في قطاعهم الإداري ولم يعد لهم الحق في مجال البحث العلمي، وهذا قصور سخيف وبليد وساذج في النظر إلى البحث العلمي والقطاع الإداري وإلى ملف الدكاترة، بأكمله. إن الحل الذي اصطفتْه وأقرّتْه الوزارة في آخر المطاف للملف المطلبي لدكاترة القطاع المدرسي، بإجراء المباراة لولوج الإطار الجديد، هو حل ظرفي تجزيئي نفعي تلفيقي ديماغوجي غير عادل، باعتبار أنه يخدم مصالح وزارة التربية الوطنية وتكوين الأطر والبحث العلمي في سد الخصاص الذي تعاني منه في مجموعة من التخصصات المعينة، على حساب مصالح هؤلاء الدكاترة، وهو نهج تلوذ إليه الوزارة حين تعجز عن إيجاد الحل الشمولي لملف مطلبي ما، وإلا: -ما جدوى إجراء المباراة إذا كان سيتم توظيف كل دكاترة التعليم المدرسي على ثلاث دفعات بين سنتي 2010 و2012؟ -لماذا لم يتمَّ التوقيع على محضر اتفاق بين الجانبين لضمان توظيف باقي دكاترة القطاع المسجلين في الفوجين المزمع تباريهما في السنتين المتتاليتين 2011 و2012؟ -لماذا لم يتمَّ تحديد مناصب المباراة المُكرِّسة لهذين الفوجين في السنتين المذكورتين؟ -ما مصير الراسبين، لسبب أو لآخر، في هذه المباريات المحدودة في السنوات الثلاث 2010 و2011 و2012؟ -لماذا تم تحديد تاريخ هذه المباريات في سنة 2012، الموازي لتاريخ انتهاء المخطط الاستعجالي وعهد الحكومة الحالية؟ هل لكي تؤدي ما بذمتها أم لكي تتملص من المسؤولية؟ -أبهذا السبيل تبحث الوزارة عن حل ملف هؤلاء الدكاترة، وهي ما زالت متمادية في تبخيس الدكتور، بتوظيفه، إلى حد الآن، في نفس الإطار والدرجة والمهام المخولة له؟ -وما حصة مناصب هذه المباراة للدكاترة المعطلين غير الموظفين؟ هل تم إقصاؤهم وتغييبهم حتى يذوقوا، بدورهم، حصتهم من المعاناة، سواء في فترة البطالة أو في الوظيفة التبخيسية المخصصة لهم؟ -ما مصير الملف المطلبي للدكاترة العاملين في قطاعات وزارية مختلفة من غير التعليم المدرسي؟ ولماذا لم يتمَّ منح إطار أستاذ باحث للدكاترة العاملين في الوظيفة العمومية وشبه العمومية والجماعات المحلية، ضمنها قطاعا التعليم المدرسي والعالي، بينما أدمج نظراؤهم الدكاترة في وزارة الثقافة في الإطار نفسه، مع احتساب أقدميتهم، المُكتسَبة، في درجاتهم القديمة دون إجراء أي مباراة؟!... يتبع