سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس الفينة: الولوج إلى العقار يشكل عائقا أمام الاستثمار الأجنبي في قطاع العقار الباحث المغربي قال للمساء إن الشركات الأجنبية تعتمد على التمويل المحلي ولم تحاول ولوج بورصة الدار البيضاء
ماهو حجم الاستثمارات الخارجية المباشرة في قطاع العقار بالمغرب؟ وما هي العلاقات التي تربطها بالمنعشين العقاريين المحليين؟ وماهي العراقيل التي تحول دون تأمين حضور قوي للاستثمارات الخارجية المباشرة في صنف السكن الاجتماعي؟ وماهي نقط ضعف تلك الاستثمارات في المغرب... تلك بعض الأسئلة التي حاولنا عبرها مقاربة حجم الاستثمارات الخارجية في قطاع العقار، مع الباحث المغربي، إدريس الفينة، فكان الحوار التالي: - كيف تقيم أداء الاستثمار الأجنبي في قطاع العقار في المغرب؟ استفاد المغرب كثيرا خلال السنوات الأخيرة من الاستثمارات الخارجية المباشرة، خصوصا على مستوى العقار، حيث شهد هذا القطاع تطورا مطردا لهذا النوع من الاستثمارات سمحت له بالتموقع في المرتبة الأولى خلال السنوات الأخيرة، كأول وجهة لرؤوس الأموال الخارجية، متجاوزا كلا من قطاع الصناعة والأبناك والاتصالات، التي كانت خلال السنوات الماضية الملجأ الأول لهذا النوع من الاستثمارات. هناك نوعان من الاستثمارات الخارجية المباشرة في قطاع العقار: النوع الأول يتعلق بالاقتناءات، التي يقوم بها الأجانب للمنتوجات العقارية المغربية، سواء كأفراد ذاتيين أو معنويين، وهي تمثل الجزء الأهم من هذه الاستثمارات بما يناهز 80 في المائة. والنوع الثاني مرتبط بخلق شركات برؤوس أموال خارجية أو بمساهمات جزئية في رؤوس أموال شركات عقارية تعمل بالقطاع. خلال العشر سنوات الأخيرة راكم قطاع العقار (إلى حدود نهاية 2010) ما قيمته 44 مليار درهم، أي 17 بالمائة من مجموع رؤوس الأموال الخارجية المستثمرة بالمغرب. وبالنسبة إلى رؤوس الأموال الخارجية الموظفة في المقتنيات العقارية تشكل رؤوس الأموال من أصل فرنسي 45 في المائة، وتأتي في المرتبة الثانية رؤوس الأموال الإسبانية. أما بالنسبة إلى رؤوس الأموال الموظفة في إطار الشركات العقارية فتشكل منها الفرنسية 28 بالمائة والعربية 26 بالمائة (جلها صناديق استثمارية) والإسبانية 24 بالمائة. وما تمت ملاحظته خلال دراستنا لهذه الظاهرة هو النمو السريع لهذا النوع من الاستثمارات خلال العشر سنوات الأخيرة مقارنة بباقي القطاعات الأخرى، فالاستثمارات الخارجية بقطاع العقار تنامت بوتيرة سنوية ناهزت 26 بالمائة، مقابل وتيرة لا تتعدى 10 بالمائة بالنسبة إلى باقي الاستثمارات الخارجية. - ماهي العوامل التي ساهمت في تنامي هذا النوع من الاستثمارات؟ هناك نوعان من العوامل ساهمت في هذه الدينامية: النوع الأول ذو طابع عام يشمل مستوى الانفتاح الكبير للاقتصاد المغربي على باقي الاقتصاد العالمي والتشريعات المتقدمة في مجال الاستثمار، وخصوصا في مجال الملكية العقارية، والتطور الكبير لنظام التمويل المالي المغربي. أما النوع الثاني فهو قطاعي مرتبط أساسا بالدينامية، التي سجلها القطاع خلال العشر سنوات الأخيرة في مختلف الإصلاحات التي عرفها القطاع في إطار سياسة السكن الجديدة وبحجم ومردودية السوق العقاري المغربي والتحفيزات الضريبية الممنوحة للمستثمرين في مجال العقار، خصوصا في مجال السكن الاجتماعي، وكذا الشراكة بين القطاع العام والخاص لتسهيل الولوج للعقار العمومي. هذه الأخيرة وكما أظهرت المعطيات كانت وراء جلب نصف الشركات الأجنبية العاملة في قطاع العقار. كما استفاد هذا القطاع من الدينامية التي خلقتها قطاعات أخرى، وخصوصا قطاع السياحة. - هل كانت الاستثمارات الأجنبية في مستوى الانتظارات والإعلانات التي تم التعبير عنها في السنوات الأخيرة ؟ لقد قرر المغرب منذ بداية العقد الحالي الانفتاح على رؤوس الأموال الخارجية على مستوى قطاع العقار في إطار استراتيجية تهدف بالأساس إلى الاستفادة من الخبرة الأجنبية في هذا المجال لتحسين مستوى المنافسة داخل القطاع، من جهة، والرفع من الإنتاج السكني لمواجهة العجز المتراكم في هذا المجال والطلب الجديد، من جهة أخرى. هذه الاستراتيجية سمحت بعد عشر سنوات من التنفيذ بالوصول إلى نتائج هامة، فقيمة المقتنيات العقارية الأجنبية فاقت خمسة مليارات درهم كمعدل سنوي خلال الثلاث سنوات الأخيرة، كما عرف القطاع العقاري استقرار أكثر من 50 شركة ذات رؤوس أموال دولية. هذه الشركات تنشط في العديد من المدن وعلى مستوى كل الأصناف العقارية، خاصة السكن الراقي. - ما تأثير ذلك على قطاع العقار في المغرب؟ ساهمت رؤوس الأموال الخارجية في تطوير قطاع العقار على عدد من المستويات، فعلى مستوى الإنتاج السكني لاحظنا ارتفاعا كبيرا لوتيرة الإنتاج، خصوصا الأصناف العليا من السكن. كما لاحظنا حلول عدد من الخدمات الجديدة المرتبطة بالقطاع لمواكبة الشركات الأجنبية في نشاطها العقاري، وخصوصا الوكالات العقارية الدولية ومكاتب الدراسات وأبناك خدمة المشاريع. كما لاحظنا نوعا من التوسع لسوق العقار المغربي دوليا من خلال الحصة الهامة، التي أصبح يستفيد منها من المقتنيات الأجنبية. ويعود الفضل بالتأكيد إلى الطفرة التي عرفتها المنتوجات العقارية الراقية، التي قامت بتطويرها الشركات الأجنبية، التي سعت على الخصوص إلى تطوير منتوجات عقارية موجهة بالأساس إلى زبناء دوليين. كما ساهمت الشركات الأجنبية بشكل غير مباشر في ظهور شركات إنعاش محلية عملاقة كان هدفها الاستحواذ على أكبر حصص في الأسواق المحلية وملء الفراغات التي تركها القطاع العام. وعرف القطاع عددا من التحالفات الإستراتيجية بين شركات عقارية محلية ودولية، كان الهدف منها إما إنجاز مشاريع عقارية كبرى أو تطوير أصناف عقارية من الجيل الجديد جاءت لتحل محل «الرياضات» التي شكلت في فترة سابقة أهم المنتوجات العقارية التي يقبل عليها الزبناء الأجانب. - وماهي نقط ضعف تلك الاستثمارات ؟ نقط ضعف هذه الاستثمارات مرتبطة أساسا بمحدودية نقل التكنولوجيا في مجال الإنعاش العقاري، وضعف المساهمة في الرفع من المنافسة داخل سوق العقار، وعدم ارتباط هذه الشركات بالشركات العملاقة المعروفة (Firmes Multinationales) في مجال الإنعاش العقاري، خصوصا الفرنسية منها (في لائحة العشر شركات الكبرى للإنعاش العقاري الفرنسية لا توجد أي واحدة منها في المغرب). كما لاحظنا اعتماد هذه الشركات على مصادر التمويل المحلية وغياب أي محاولة لإدراج أي منها في بورصة القيم بالدارالبيضاء، مما يطرح أكثر من سؤال حول رغبة هذه الشركات في الاستقرار في قطاع العقار، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون استثمارات خارجية محدودة في الزمان بالنسبة إلى قطاع العقار، وهو الأمر الذي تبين من خلال تحويل أنشطة بعض الشركات الأجنبية إلى مجالات اقتصادية أخرى بعد فترة الانكماش المحدودة التي عرفها القطاع خلال السنتين الأخيرتين. هذا النوع من التحول كانت وراءه خصوصا الصناديق الاستثمارية غير المتخصصة. - كيف يقارب المستثمر الأجنبي السوق المغربي؟ اعتمدت الشركات الأجنبية عددا من الاستراتيجيات في مقاربتها لقطاع العقار المغربي، فعلى مستوى التنظيم نجد أن بنيتها حديثة وجد صغيرة ومتحكم فيها، سواء على مستوى حجم رؤوس الأموال أو العنصر البشري، وهي تعتمد على المناولة بشكل كبير مع فاعلين محليين بدرجة أولى. أما على مستوى الأصناف العقارية فهذه الشركات تشتغل على كل الأصناف بما فيها السكن الاجتماعي، إلا أنها تركز بالأساس أنشطتها على الأصناف السكنية ذات القيمة المضافة العالية، وخصوصا منها الأصناف العليا التي تستهدف زبناء دوليين. أما على مستوى المناطق فتشتغل بالأساس في المدن التي تتوفر على أسواق عقارية صاعدة والمدن السياحية المنفتحة على العالم. كما اعتمدت على تحالفات استراتيجية مع شركات محلية الهدف منها التعرف على السوق المحلي والتحكم في مناخ الاستثمار وولوج مختلف الامتيازات الممنوحة في هذا الإطار(تم إحصاء 14 تحالفا استراتيجيا بين شركات أجنبية وشركات عقارية محلية).
- كيف تأثرت تلك الاستثمارات في المغرب بالأزمة المالية والاقتصادية ؟ كانت سنة 2009 بداية الظهور الفعلي للركود بالنسبة إلى قطاع العقار المغربي. وهو الركود الذي شمل كذلك الاقتناءات الأجنبية من العقار المغربي، كما تراجع خلق الشركات الأجنبية. إذ خلال هذه السنة لاحظنا تراجعا هاما في الاستثمارات الخارجية العقارية ناهزت 43 في المائة ، إلا أن سنة 2010 عرفت ارتفاعا ناهز 33 بالمائة، إلا أنه رغم هذه الزيادة الهامة لم تصل هذه الاستثمارات إلى المستوى القياسي الذي بلغته سنة 2008 حيث ناهزت مليار دولار أمريكي.
- هل يمنح المغرب رؤية واضحة للاستثمارات الأجنبية في العقار؟ الإطار العام للاستثمارات الخارجية في المغرب هو نفسه في قطاع العقار عدا بعض الاستثناءات، التي تهم اقتناء العقارات من قبل الأجانب، حيث هناك بعض القيود التي تهم التمويل. كما أن هناك قيودا بخصوص اقتناء الأراضي الموجودة خارج المدارات الحضرية. إن حجم و أهمية الاستثمارات الخارجية في قطاع العقار أصبح يتطلب وباستعجال وضع إطار جديد للاستثمارات الأجنبية، سواء منها المرتبطة بالاقتناءات أو بخلق شركات.
- وماهي العراقيل التي يشكو منها المستثمرون الأجانب في العقار في المغرب؟ هناك نوعان من العراقيل: النوع الأول يهم القطاع ويشمل كلا من حجم السوق، ضعف القوة الشرائية، ومشكل الولوج إلى العقار (الأرض). والنوع الثاني عام مرتبط خصوصا بالثقل الضريبي وحجم القطاع غير المهيكل ومساطر الاستثمار التي تبقى طويلة ومعقدة وغير شفافة. كما أن القطاع نفسه يعرف مشاكل أخرى مرتبطة بمستوى النضج والهيكلة.
- هل تشكل الشركات الأجنبية منافسة حقيقية بالنسبة إلى المستثمرين المحليين؟ لازال حجم الشركات الأجنبية بقطاع العقار ونسبة إنتاجها لم يصلا بعد إلى المستوى الذي يمكنها من منافسة الشركات المحلية، فلائحة الثلاثين منعشا عقاريا كبيرا في المغرب لا تضم بعد أي شركة أجنبية، في حين نجد في فرنسا مثلا أنه يوجد في هذه اللائحة 35 بالمائة من رؤوس الأموال الأجنبية، وفي إسبانيا توجد 55 بالمائة من رؤوس الأموال الأجنبية. أما بالنسبة إلى الإنتاج السكني فلم تتعد ما طرحته الشركات الأجنبية 5 بالمائة مقابل 35 بالمائة في فرنسا و41 بالمائة في إسبانيا. هذا يظهر أن القطاع غير منفتح على رؤوس الأموال الخارجية بالشكل المطلوب. - لماذا لا يستثمر الأجانب في السكن الاجتماعي، خاصة في ظل العجز الذي يعاني منه المغرب على مستوى هذا العقار؟ شكل الاستثمار في مجال السكن الاجتماعي أحد الأهداف الإستراتيجية لانفتاح المغرب على رؤوس الأموال الخارجية، حيث تم استقطاب رؤوس أموال هامة في هذا المجال، استفادت من التحفيزات الضريبية الممنوحة للمستثمرين في السكن الاجتماعي ومن ولوج العقار العمومي ومن سوق كبيرة مدعومة بطلب كبير على السكن الاجتماعي وعجز سكني متراكم هام، إلا أن العديد من الشركات الأجنبية التي استقرت بالمغرب لتبدأ نشاطها في مجال السكن الاجتماعي حولت أنشطتها إلى أصناف أخرى حيث الربحية مرتفعة. كما أن المشاكل المرتبطة بمساطر الاستثمار والولوج إلى العقار حالا دون استقطاب المزيد من رؤوس الأموال الخارجية في هذا المجال.
- وما هو مستقبل تلك الاستثمارات في المغرب؟ يمكن للمغرب أن يستفيد أكثر من الاستثمارات الخارجية في مجال العقار، فإمكانيات التوسع لازالت كبيرة مقارنة بقطاعات أخرى وبما تحققه دول مماثلة في هذا المجال. كما أن ما يروج من رؤوس أموال على المستوى الدولي في هذا المجال يناهز 300 مليار دولار سنويا، ولا يستقطب منها المغرب إلا نسبة لا تتعدى 1 بالمائة. فتبعا للتوقعات التي تم إجراؤها في هذا المجال من المنتظر أن تصل الاستثمارات المباشرة في قطاع العقار المغربي إلى ملياري دولار أمريكي في أفق 2015 وإلى ثلاثة مليارات دولار أمريكي في أفق 2020، أي أن هذا القطاع سيصبح الرافد الإستراتيجي للاستثمارات الخارجية المباشرة في المغرب، إلا أن تحقيق هذه التوقعات مرتبط بإدخال جيل جديد من الإصلاحات في قطاع العقار، سواء على مستوى مساطر الاقتناءات الخارجية للمنتوجات العقارية أو على مستوى الاستثمار الخارجي في الشركات. على المستوى الأول ومن أجل تحسين تنافسية المغرب في هذا المجال، يجب مراجعة كلفة نقل الملكية، التي تبقى مرتفعة مقارنة بدول أخرى (مصر، تركيا وتونس) وتخفيض الضريبة على الدخل بالنسبة إلى المستثمرين الأجانب في مجال العقار. أما بالنسبة إلى رؤوس الأموال الخارجية المستثمرة في الشركات، فالأمر يتطلب مجهودات، سواء من جانب القطاع الخاص أو الدولة، فبالنسبة إلى القطاع الخاص يجب تطوير شراكات استراتيجية مع شركات عقارية كبرى تتوفر على خبرات أكيدة في مجال الإنعاش العقاري، خصوصا الفرنسية والإسبانية. أما بالنسبة إلى الدولة، فالمطلوب إعطاء نفس جديد للشراكة بين القطاع العام والخاص من أجل ولوج العقار العمومي وإجراء إصلاحات، سواء في مجال مساطر الاستثمار (الترخيص) أو في المجال العقاري (الأرض)، فإشكالية الولوج إلى الأرض في المغرب لا زالت تشكل عائقا كبيرا أمام مختلف أنواع الاستثمارات، بما فيها العقارية.