تأثرت الاستثمارات العقارية الخارجية في المغرب بتداعيات الأزمة التي نالت من الاقتناءات والاستثمارات، التي كان يرتقب أن تنجزها الشركات الأجنبية، خاصة الخليجية التي جرى الحديث عن انسحاب بعضها من المغرب، بعدما أعلنت عن نوايا سخية تجاه السوق المغربي قبل ست سنوات. الاستثمارات العقارية الخارجية في المغرب نوعان: منها المرتبط بالاقتناءات العقارية، ومنها ما هو مرتبط بالاستثمار في إطار الإنتاج المباشر أو غير المباشر للسكن. على مستوى الاقتناءات الخارجية هناك تراجع كبير شهدته سنتا 2009 و2010 على التوالي سببه الوضع الاقتصادي العالمي نتيجة لآثار الأزمة المالية العالمية وتراجع سوق العقار الدولية بصفة عامة، والمغرب لم يشكل استثناء في هذا المجال. فالمدن التي كانت تجلب طلبا خارجيا هاما، وعلى رأسها مراكش وأكادير، عرفت تراجعا خلال السنتين الأخيرتين بنسبة ناهزت، حسب بعض التقديرات، 40 %، خصوصا على مستوى صنف السكن الراقي. وعلى مستوى الاستثمارات الأجنبية المرتبطة بإنتاج السكن، ما تم تسجيله يمكن تلخيصه، حسب أحد الخبراء، في استمرار تواجد العديد من الشركات الأجنبية العاملة في القطاع، مع محاولة إعادة التموقع على منتوجات أكثر جاذبية، وهي شركات تهيمن عليها بالأساس رؤوس أموال فرنسية وإسبانية، كما سجلت انسحابات لشركات أخرى، وخصوصا الخليجية التي حلت بالمغرب بحثا عن فرص استثمار استثنائية على مستوى السكن الفاخر. ما يمكن تسجيله في هذا الباب هو الدور الكبير الذي أصبح يلعبه قطاع العقار في المغرب في جلب الاستثمارات الخارجية، حيث يمثل %16 إلى %20 ويحتل الرتبة الأولى، متجاوزا قطاعات اقتصادية هامة كالصناعة والسياحة والفلاحة وقطاع الاتصالات. ويشير أحد المراقبين لسوق العقار إلى أنه من خلال مجموعة من الدراسات، بدأ هذا الدور ينحصر لأسباب عديدة، وهو ما يتطلب باستعجال مراجعة مناخ الاستثمار العقاري في المغرب الذي يعرف مشاكل كبرى ومراجعة النظام الضريبي وتنظيم سوق العقار (الأراضي). هذه الإصلاحات من شأنها أن ترفع حجم الاستثمارات الخارجية الموجهة للمغرب بثلاثة أضعاف ما هو عليه الوضع حاليا. ويبدو أن قطاع العقار في المغرب تأثر من تداعيات تراجع النوايا التي كانت عبرت عنها العديد من الشركات الخليجية تجاه المغرب قبل ست سنوات، فقد طفا المغرب فجأة على سطح اهتمامات المستثمرين الخليجيين المتوفرين على سيولة هائلة غذاها ارتفاع سعر البترول في السوق الدولية، وشرعت شركات ومجموعات من تلك المنطقة في البحث والتنافس من أجل اغتنام أفضل الفرص في المغرب.. مما دفع المراقبين، مستندين على الآمال العريضة التي خلقتها إعلانات النوايا والالتزامات حول هاته الاستثمارات، إلى توقع إمكانية تجاوزها لتلك التي تنجزها البلدان الأوروبية في المغرب. غير أن الأزمة الأخيرة بدأت تنال من هاتة الثقة، خاصة في ظل تراجع عائدات البترول، التي استندت عليها بلدان الخليج في الحضور القوي الذي لوحظ في السنوات الأخيرة في العديد من البلدان.. أذكت الظرفية التي نجمت عن الأزمة المالية الدولية وتداعياتها على بلدان الخليج الشكوك حول قدرة العديد من الشركات الخليجية على المضي في إنجاز ما التزمت به من استثمارات، بل إن ثمة من تحدث عن أن وتيرة إنجاز الاستثمارات التي أعلنت عنها تلك الشركات تميزت بالكثير من التباطؤ حتى قبل الأزمة الحالية. ويعتبر البعض أن السلطات العمومية المغربية لم تكن من الذكاء والمهنية والحنكة، بما يتيح للمغرب الاستفادة من الفوائض التي توفرت لبلدان الخليج في السنوات الأخيرة، ويضرب لذلك مثلا بالطريقة التي تعاطى بها المغرب مع التمويلات البديلة والتي تعرف بالإسلامية، فقد تعاملت معها السلطات المغربية بالكثير من التحفظ، وعندما رخصت لمنتوجات إسلامية أخضعتها لثقل ضريبي يفقدها جاذبيتها، هذا في الوقت الذي تعاملت معها بلدان أخرى بالكثير من البراغماتية، فقد عمدت فرنسا، مثلا، إلى وضع ترسانة قانونية وأدخلت تغييرات ضريبية تخول لها عبر التمويلات الإسلامية جذب 500 مليار دولار من الرساميل الخليجية. فقد غيرت الأزمة الكثير من القناعات، حيث أصبحت أموال الخليجيين مرغوبا فيها، هذا في الوقت الذي يتعامل المسؤولون المغاربة بالكثير من التعالي مع الرساميل الخليجية التي تتجنب التمويلات الكلاسيكية. وبينما يرى البعض في الاستثمارات الخليجية مصدرا مهما للنمو والتشغيل في المغرب، فإن ثمة من ينبه إلى أنها مازالت على وتيرتها دون الإعلانات التي أحيطت بالكثير من الاحتفالية، ويدعو إلى التمييز فيها بين تلك التي تراهن على المضاربة وتلك التي توجه للاقتصاد الحقيقي الإنتاجي. في الوقت ذاته، يعتبر البعض أن المنافع التي يمكن أن تجنى من هاته الاستثمارات لا يمكن أن تحجب المخاطر الناجمة عن تلك الإعلانات، إذ مادامت تلك المشاريع تركز في غالب الأحيان على العقار، فقد ساهمت في ارتفاع أسعار العقار في المدن الكبيرة، مما يغذي الاتجاهات المضاربية. في نفس الوقت يرتقب أن يكون تأثير قيمة الاستثمارات المعلن عنها أقل على ميزان الأداءات وموجودات المغرب من العملة الصعبة، على اعتبار أن المجموعات الخليجية تعمد إلى تمويل جزء من استثماراتها عبر السوق المحلي، مما يخفض مساهماتها من العملة الصعبة.