ما فتئت أسعار العقار ترتفع، خاصة في المدن الكبرى، حيث تتراوح الزيادة حسب بعض التقديرات ما بين 10 و25 في المائة، لكن الباحث في مجال العقار إدريس الفينة، يعتبرأن ثمة أسواقا عقارية، وليس سوقا عقارية واحدة ومتجانسة، الزيادات تبدو أقوى في مدن الدارالبيضاء والرباط ومراكش وأكادير وطنجة. وتوحي مراقبة توترات الأسعار، في بعض الأحيان بوجود زيادات لا يبررها العرض والطلب، فقد عرف هذا القطاع تحولات عميقة، من تجلياتها احتلاله مواقع متقدمة على مستوى الاستثمارات بعد الاتصالات والصناعة، ولجوء العديد من المستثمرين إلى العمل في العقار، بحيث حولوه إلى نشاطهم الأساسي، وظهور فاعلين جدد يضعون مدخراتهم في العقار، وبحث المستثمرين الأجانب، أفرادا ومقاولات وصناديق استثمار، عن فرص للاستثمار في المغرب.. ناهيك عن المضاربين الذين يتدخلون بقوة في القطاع، مادام ثلث المغاربة يشترون سكناهم عبر وسيط. انتعاش الطلب يأتي الخلل بين العرض والطلب في مقدمة الأسباب التي تفضي إلى ارتفاع أسعار العقار في المغرب في الخمس سنوات الأخيرة، فالإنتاج السنوي لا يتعدى 110 آلاف وحدة سكنية، بينما يصل الطلب إلى 120 ألف وحدة.. بحيث ينضاف هذا العجز الذي تراكم في السنوات الأخيرة، والذي يصل إلى مليون وحدة سكنية. ويتعزز الطلب أكثر بوجود الأسر التي ترغب في الانتقال من وضعية كراء إلى وضعية شراء ومن ملكية صغيرة إلى ملكية كبيرة أو سكن ثانوي. القروض العقارية غير أن المراقبين يشيرون إلى عامل آخر كان له دور مساعد في ارتفاع أسعار العقار في المغرب، وهو المتمثل في ارتفاع الطلب على القروض العقارية التي وصلت في سنة 2006 إلى أكثر من 73 مليار درهم،حسب إحصائيات بنك المغرب، بل إن هذه القروض ارتفعت في الفترة الممتدة من يوليوز 2006 إلى يوليوز 2007 ب34 في المائة، مقابل 20 في المائة في السنوات الأخيرة.. وقد وصل ارتفاع القروض العقارية إلى درجة حذت بالبنك المركزي إلى دعوة البنوك إلى التعاطي بنوع من الحذر مع القروض العقارية، حيث عبر في تقريره حول مراقبة أداء مؤسسات الائتمان عن قلقه إزاء ارتفاع أسعار العقار من جهة، وتوجه البنوك لمنح قروض بأسعار فائدة متغيرة من جهة ثانية. وعبر بنك المغرب عن تخوفه من مخاطر انقلاب الظرفية على سلامة النظام المصرفي، خاصة ارتفاع أسعار الفائدة الذي قد يجعل كلفة القروض تتجاوز طاقة الأسر المغربية، أو مخاطر انهيار السوق العقارية، بعد الطفرة الكبيرة التي تعرفها، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من انخفاض في قيمة الرهون التي تغطي مخاطر القروض. مضاربة ويذهب المراقبون إلى أن السوق يجري تنشيطه في جزء كبير منه عن طريق المضاربة، لا توجد أرقام تشير إلى وزن المضاربة، غير أن الثابت هو أن ثلث الأسر المغربية يشترون سكناهم عبر وسطاء.. وأصبحت المضاربة تتخذ أشكالا مختلفة، بحيث أصبحت تشكل مرتعا للعديد من المتدخلين الذين لا علاقة لهم بالإنعاش العقاري و الذين اكتشفوا أن الاستثمار في العقار يوفر هامش ربح أوسع من القطاعات الأخرى، ألم تتوصل دراسة مؤخرا إلى أن هناك 600 ألف شقة مقفلة بالمغرب، تصل قيمتها العقارية إلى 300 مليار درهم، أي ما يمثل 60 في المائة الناتج الداخلي الخام؟ إذا كانت هذه الشقق غير المأهولة تعود في جزء منها للمغاربة المقيمين بالخارج، فإن حصة معتبرة منها، حسب ما توصلت إليه دراسة أنجزتها مؤسسة العمران العقارية، تعود لأشخاص اشتروا العشرات من الشقق في إطار السكن الاقتصادي، ويتركونها مقفلة، منتظرين التهاب الأسعار. لكن ماذا عن المضاربين الآخرين؟ الأصابع تشير إلى أولئك الذين يشترون أراضي فلاحية، خارج المدار الحضري، التابع للمدن الكبرى، وينتظرون أن تضمها قوانين التهيئة، حتى يبيعونها بأسعار مرتفعة. وهؤلاء يستفيدون من المعلومات التي تسرب إليهم من اللجان التي تسهر على التعمير في المدن لكن ثمة منعشين عقاريين يعتبرون أن الدولة لا تضطلع بالمهمة المنوطة بها، والتي يفترض أن تتدخل من أجل تقنين القطاع و الحد من الارتفاع المهول للأسعار، عبر تجهيز أراض وضمها للتعمير بالمدن الكبرى. الأرض والإسمنت والرمل وقد تدخلت بشكل كبير عوامل الإنتاج في ارتفاع أسعار العقار بالمغرب في السنوات الأخيرة، فالأرض تساهم في بعض الأحيان بحوالي 50 في المائة في تحديد قيمة السكن، لكن يبدو أن تعدد أوراش بناء التجزئات والمشاريع السكنية ومشاريع البنيات التحتية، وعدم مواكبة مواد البناء عززت اشتغال الأسعار، إذ مر سعر المتر المكعب من الرمل في جهة الدار البيضاء من ما بين 120و150 درهما إلى ما بين 240 و280 درهما للمتر المكعب. وأفضت المضاربة ومحدودية القدرة الإنتاجية المحلية إلى التخوف من حدوث عجز في إنتاج الإسمنت، والمنعشون يستحضرون انتقال سعر كيس الإسمنت من فئة 50 كلغ في منتصف السنة الفارطة من 45 درهما إلى 60 درهما خلال أيام قليلة، مما دفعهم إلى مطالبة السلطات العمومية بالسماح باستيراد الإسمنت، لكن دون جدوى. المستثمرون الأجانب وثمة فاعلون أجانب استهواهم الاستثمار في العقار في المغرب، بحيث إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة عرفت نموا مطردا في السنوات الأخيرة في مجال إنتاج العقار، فقد قفزت من 1.8 مليار دهم في 2002 إلى 7 ملايير درهم في السنة الفارطة، ورغم ضعف هذه الاستثمارات مقارنة بما يشهده العالم، فإن التوقعات تشير إلى إمكانية مضاعفة الاستثمارات الأجنبية بثلاث مرات في السنوات القادمة. ويتجلى أن إقبال الأجانب ساهم في ارتفاع الأسعار في المغرب، من الغلاء الذي أصاب العقار في مدينة مراكش، التي توجد بها 250 وكالة عقارية، غير المثير هو اهتمام 2.2 مليون موقع إلكتروني بالعقار في هاته المدينة، ولم يعد اهتمام الأجانب بالاستثمار في العقار في المغرب يقتصر على الأفراد الذين يفضلون اقتناء شقق أو فيلات أو دور قديمة، فقد بدأت شركات أوربية ترى في المغرب متنفسا لنشاطها بعد الإشباع الذي حصل في سوق العقار في أوربا وعبرت شركات خليجية عن نوايا بمليارات الدولارات تجاه العقار في المغرب، مما يساهم في ارتفاع الأسعار في المناطق التي تختارها لاستثماراتها. الأموال القذرة تذهب بعض التقديرات إلى أن تجارة المخدرات تدر على أصحابها في المغرب حوالي 30 مليار درهم، ويعتبر العقار أحد أوجه صرف هذه الأموال، فالملاحظون أشاروا إلى أن العقار يأتي على رأس اهتمامات المتدخلين في تجارة المخدرات، ويحيلون على فورة العقار التي شهدتها في السنوات الأخيرة الناظور وطنجة وتطوان.. فمن أجل تبييض المال القذر يصرف تجار المخدرات، الداخلون لكازينو العقار بالمغرب، من أجله بدون حساب ويلهبون الأسعار.