اللوبيات العقارية ومافياتها تساهم في تعميق أزمة السكن ارتفاع صاروخي للأسعار.. خطابات رنانة بخصوص السكن الاجتماعي وأزمة السكن تستشري.. لوبيات ومافيات عقارية قوية تتحكم في قطاع العقار وشخصيات وازنة تساهم في أكبر المؤسسات التي حققت أرباحا طائلة في الاتجار بالسكن الاجتماعي.. "" هذه بعض معالم القطاع العقاري بالمغرب في وقت تتعمق فيه أزمة السكن وتستأسد فيه مافيات ولوبيات عقارية، وبموازاة مع ذلك تطفو إلى السطح عدد من التشريعات الجديدة تستهدف تحسين الواقع المعيشي لساكنة المغرب. لكن على أرض الواقع وعبر الحياة اليومية لا يعاين المواطن إلا المزيد من تردي الأوضاع، مما دفع الكثيرين إلى فقدان الثقة في كل ما تعلن عنه الحكومة في المجال الاجتماعي. لوبيات ومافيات لازالت مستأسدة ظلت لوبيات معينة تتحكم في القطاع العقاري منذ سنوات عديدة، إذ كان القطاع العقاري في عهد الملك الراحل الحسن الثاني من القطاعات التي ساهمت بشكل كبير في إرساء دعائم اقتصاد الريع عندما كانت الدولة تملك العديد من الأراضي قبل التفريط فيها عبر الهبات والتفويتات المجانية أو بالدرهم الرمزي لتمكين ثلة من المقربين ورجال المخزن من الإثراء السريع. تقوت هذه اللوبيات وتحول بعضها إلى مافيات تمكنت من ضمان تواطؤ السلطة والإدارة، وتدخلت في تحويل ما تمليه تصاميم التهيئة حسب ما تمليه مصالحها ورغباتها بفعل الرشوة والفساد. واستأسدت هذه اللوبيات ومافياتها إلى أن أصبحت إرادتها أقوى من إرادة الدولة في القطاع العقاري. وقد برزت قوتها، مؤخرا، بمناسبة تقديم مشروع لفرض ضريبة على الشقق الفارغة، وتذكرنا هذه الضريبة بتلك التي أعلن عنها الراحل الحسن الثاني بخصوص البقع الأرضية الحضرية العارية وغير المبنية، والتي ظلت في نهاية المطاف حبرا على ورق بفعل قوة اللوبي العقاري آنذاك، ورغم أن مشروع الضريبة على المساكن والشقق الفارغة لازال مجرد فكرة حاليا، بدأت اللوبيات العقارية ومافياتها تتحرك بقوة لإجهاضه في المهد. المضاربات العقارية علامة قوة اللوبيات ومافياتها أجمع كل المحللين أن المضاربات العقارية ظلت تمثل الإشكالية الكبرى إزاء عدم تمكن الأغلبية الساحقة من المواطنين من الاستفادة من سكن لائق. وعزى الكثير من الباحثين الارتفاع الصاروخي في أسعار العقار إلى المضاربات وتبييض الأموال المتحصلة من الاختلاس والرشوة والمخدرات، هذا في وقت ظل المغرب يعرف عجزا هيكليا يفوق مليون وحدة سكنية سائرة نحو الارتفاع كل سنة، وموازاة مع هذا العجز الدائم قدرت قيمة المساكن والشقق الفارغة بأكثر من 300 مليار درهما. لقد عرفت أسعار السوق العقارية تصاعدا مستمرا، إذ تراوح ثمن المتر المربع في جملة من المدن الكبرى ما بين 10000 و20000 درهم، الشيء الذي ساهم في إقصاء العديد من المغاربة من الطبقة الوسطى، من الاستفادة من السكن. فإذا كان الطلب على السكن بالمغرب يفوق العرض، فإن هناك مساكن وشققا فارغة لا يمكن اقتناؤها نظرا لأسعارها الباهظة. فحسب التقديرات المتوفرة، هناك أكثر من 850 ألف مسكن فارغ، لذلك، صرح أحمد توفيق حجيرة وزير الإسكان قائلا، بأن وزارته فكرت في اللعب على مؤشر العرض عبر إنجاز مشاريع سكنية لتقوية العرض بهدف تكسير المضاربات العقارية، ولسان حاله يقول في واقع الأمر "من أجل مواجهة اللوبيات العقارية والتصدي لها وعدم تمكينها من التحكم في خيوط القطاع واحتكار التأثير على مختلف القرارات التي تخصه". كما أن جملة من الجمعيات اقترحت على مؤسسة "العمران" نهجا جديدا لتمكين ذوي الدخل المحدود من الاستفادة من سكن لائق، وذلك عوض بيع الشقق، يمكن وضع الأرض تحت تصرف جمعيات تقوم بالبناء دون اللجوء إلى السوق العقارية، وبهذه الطريقة يمكن المساهمة في الحد من المضاربات. هذا علاوة على أن القطاع العقاري يعتبر حاليا من القطاعات الأكثر انفتاحا لتبييض الأموال و"غسل المتسخ منها"، إنه قطاع أضحى موصوما بالتدخل القوي للأموال المختلسة وأموال الرشوة والمخدرات. وفوق هذا وذاك، أصبح من البديهي حاليا أن المقاولات العقارية الكبرى لا تصرح بالثمن الحقيقي لبيع منتوجاتها (فيلات، عمارات، مساكن اقتصادية...) للتهرب من أداء الضرائب على قلتها، ولم يكن ليتأتى لها ذلك دون تواطؤ عدد من الموثقين والموظفين ومصلحة التسجيل والتنبر وإدارة الضرائب، وأحيانا بعض الأبناك. وظل المغاربة ينتظرون من الحكومة التدخل لإعادة التوازن بين الدخل والأثمنة المطبقة في مجال العقار، إلا أن حكومتنا فشلت بامتياز في هذا المسعى بفعل استمرار جمود الأجور والارتفاع الصاروخي للأسعار العقارية، زيادة على الاحباطات المتراكمة في نطاق التصدي لأزمة السكن على امتداد سنوات عديدة من جهة، ومن جهة أخرى بفعل قوة اللوبيات العقارية ومافياتها المعتمدة على شخصيات وازنة، تضرب، بفعل موقعها الاجتماعي والاعتباري، بكل قواعد اللعبة عرض الحائط، لتمكين المجموعات التي تساهم فيها من تحقيق أرباح بسهولة، موازاة مع استمرار استفحال أزمة السكن بالمغرب، وهذه مفارقة غريبة إن دلت على شيء، فهي تدل على أمرين بارزين للعيان، أولهما الخلل البنيوي في السياسات المعتمدة في القطاع العقاري والتي عمادها إغناء الغني وإفقار الفقير، وثانيهما قوة اللوبيات العقارية ومافياتها. تأثير اللوبيات العقارية على البورصة كادت تأثيرات اللوبيات العقارية والمضاربات التي أحدثها، أن تعصف بسمعة البورصة، وذلك بعد أن تسببت في انزلاقات هددت سلامة المنظومة البنكية المغربية بكاملها. لهذا نادى عبد اللطيف الجوهري، والي بنك المغرب، بضرورة اعتماد ميثاق أخلاقي يروم تنظيم المنافسة الشريفة بين البنوك، سيما في مجال القروض العقارية حتى لا تتحول بورصة الدارالبيضاء إلى "فضاء للقمار" تتحكم فيه مؤسسات محسوبة على قطاع الإنعاش العقاري، تساهم فيها شخصيات وازنة تشارك في شلل قواعد اللعبة بفعل ثقلها وموقعها الاعتباري في المنظومة المجتمعية. وفي هذا الإطار وقف بعض المحللين الماليين على جملة من التجاوزات ذات العلاقة بالقروض الممنوحة، والتي فاقت 450 مليار درهم سنة 2007، كما كشفت بعض الجهات عن قروض تجاوزت أحيانا قيمة العقار المطلوب بأكثر من ضعف سومته الحقيقية، هذا إضافة إلى استمرار ارتفاع معدل القروض التي يصعب استردادها، حيث تجاوز نسبة 5 بالمائة، في حين يفترض أن لا يتجاوز 2.5 بالمائة. ومن عرف المؤسسات المالية عبر العالم أن تنشر البورصات أسماء المتلاعبين كوسيلة لزجرهم، حفاظا على سمعة البورصة، لكن عندنا مازال هذا العرف غائبا لأن الأمر متعلق بمؤسسات عقارية تساهم فيها شخصيات وازنة، والتشهير بالمؤسسة سيكون بمثابة تشهير بأولئك الشخصيات، وهذا أمر لا يمكن تصور حدوثه بالمغرب، على الأقل حاليا. أزمة السكن ومحنة المواطن إن قوة تحكم اللوبيات ومافياتها في العقار فرضت جملة من القواعد، منها أداء جزء مهم من ثمن المسكن على هامش القانون ومن "تحت الطاولة"، إلى أن أضحى ما يدفع بهذه الطريقة يعد بالملايير. واعتبارا لغياب الشفافية وسيادة الرشوة في هذا القطاع أصبح المواطن ملزما رغما عنه بالخضوع لهذه القاعدة وغيرها من القواعد غير القانونية. لقد سمعنا الكثير عن شعار "مدن بدون صفيح" بحلول 2007، لكن يبدو بجلاء أن ذلك أضحى أكذوبة ولم يعد يعره أحد أي اهتمام، باعتباره شعارا شبيها بشعار "المغرب أجمل بلد في العالم" الذي أضحك غالبية المغاربة منذ بروزه. وها هي سنة 2007 قد ولت منذ مدة، وكان الأولى بأصحاب هذا الشعار أن يتساءلوا هل تقلصت مناطق سكن الصفيح أم تكاثرت؟ ما يدل على فشل برنامج محاربة مدن الصفيح، أن الكثيرين اضطروا إلى رفض قبول ما اقترحته الدولة عليهم للاستفادة من مساكن لائقة، إذ لم تقو أغلبية المحتاجين للسكن على أداء ما بين 50 و70 ألف درهم لأنه فوق طاقتهم مما دفع إلى إبقاء الحال على ما هو عليه في العديد من المناطق. هذا علاوة على جملة من المشاكل المتراكمة بفعل أن برنامج مكافحة مدن الصفيح ظل مطبوعا بالارتجالية وعدم الدقة في التعاطي مع المشاكل، مما جعل المستفيدين أنفسهم يعيشون حاليا مشاكل لا حل لها. يرجع أغلب الباحثين أزمة السكن المتنامية في المجتمع، خصوصا، إلى ارتفاع أسعار العقار وغلاء المساكن والشقق وإلى النمو الديمغرافي المتكاثر وتدفق الهجرة القروية إلى الحواضر، هذا علاوة على البطالة المستشرية، سيما في صفوف الشباب، ونذرة فرص العمل المنتج. قروض السكن.. حل أم متاهة؟ بالرجوع إلى الأرقام الرسمية يبدو بوضوح أن حجم القروض الممنوحة ارتفع بشكل صاروخي بالمغرب، لكن من المستفيذ منها ولأية غاية؟ هذا هو السؤال. ببلادنا انتقل جاري القروض البنكية التي استفاد منها القطاع الخاص، من أقل من مليار درهم في نهاية الستينات إلى 44 مليار درهم في نهاية التسعينات وصولا إلى 340 مليار درهم في نهاية 2006. ومن خلال الدعاية والإشهار والإحصائيات الرسمية يتبين أن المواطنين تهافتوا على القروض في العشر سنوات الأخيرة، لكن ليس من أجل اقتناء السكن المناسب من طرف من هم في أمس الحاجة إليه، وإنما لتوظيفها في المضاربة والبذخ والتبذير، وأكبر دليل "اقتصادي" و"مالي" أن المبالغة في الاقتراض لم تكن مفيدة للاقتصاد الوطني – كما هو الحال في جميع دول العالم – هو الضعف الكبير لمتوسط الزيادة التي سجلها الناتج الداخلي الاجمالي. رغم ظهور منعشين عقاريين حكوميين وخواص كبار، ورغم ضمان الدولة لحوالي 30 بالمائة من القروض السكنية سنة 2006 وأكثر منها سنة 2007، لازالت أزمة السكن تسير نحو الاستفحال وليس العكس، وذلك لأن المستفيدين، في نهاية المطاف، هم الذين ليسوا في حاجة ماسة للسكن، اعتبارا لكون الشروط المطبقة لا تمسح لهؤلاء الاستفادة من السكن بالرغم من كل ما يقال في هذا الصدد ورغم الاشهارات بهذا الخصوص، فالواقع المعيش لا علاقة له بما يرد في الخطابات الرنانة للمسؤولين. لقد فاقت قروض السكن ما يناهز 80 مليار سنة 2007 في حين لم تتجاوز 30 مليار سنة 2002، وذلك موازاة مع تخفيض نسبة الفائدة التي وصلت إلى 6 بالمائة أحيانا، علما أنه كان يصل إلى 18 بالمائة حتى حدود التسعينات. 73 بالمائة من هذه القروض خصت مددا تفوق 10 سنوات و56 بالمائة منحت بفوائد ما بين 6 و8 بالمائة و42 بالمائة منها منحت بفوائد متغيرة. إن الخطاب الرسمي يفيد أن المنحى سائر نحو الحد من أزمة السكن، في حين إن الواقع المعيش لا يشير إلى تأكيد هذا المنحى، فهل المسألة مرتبطة بعامل الوقت فقط، أم أن الرؤية المعتمدة يشوبها خلل بنيوي؟ فبالرجوع إلى الخطابات الرسمية وإلى إحصائيات الحكومة، نلاحظ أن الدولة تسعى إلى التصدي لأزمة السكن عبر تمكين المحتاجين من السكن اللائق للاستفادة منه بأيسر الشروط، فحسب علي الشريف الطاهري، مدير التنمية العقارية بوزارة الإسكان والتنمية الحضرية، مكن صندوق التأمين المخصص لذوي الدخل المحدود أو المنقطع (فوكرام) من اقتراض مبالغ بنسب منخفضة لاقتناء مساكن اجتماعية والاستفادة من سكن لائق، وذلك عبر توفير قروض بفائدة تتراوح بين 6.5 و8.5 بالمائة تسدد على مدى 25 سنة. كما أن الإحصائيات الصادرة عن وزارة الإسكان تشير إلى أن المستفيدين الرئيسيين من هذه القروض هم التجار الصغار والبائعون المتجولون بالشوارع وصناع الحرف التقليدية وسائقي سيارات الأجرة والخادمات والمياومون.. إلا أن الواقع المعيش يفيد أن الاستفادة تتطلب أداء على الأقل 1000 درهم شهريا لمدة ربع قرن، فهل بإمكان هؤلاء الوفاء فعلا بأداء هذا المبلغ شهريا، علما أن الحد الأدنى للأجور (غير المطبق أصلا) لا يتجاوز 1900 درهم، أليس هذا المبلغ شرطا تعجيزيا للحصول على سكن من هذا النوع؟ هناك ظاهرة أضحت متفشية في المجتمع المغربي، أغلب الموظفين المستفيدين من قروض السكن أضحوا يعيشون الآن في دوامات سلفات صغرى ومتوسطة إضافية لمواجهة متطلبات الحياة الضرورية، تستنزفهم استنزافا بفعل ثقل قروض السكن، في حين تزداد بطون المضاربين العقاريين انتفاخا، وأرباح الشركات المستغلة لمجال السكن الاجتماعي تزداد تراكما، وبعد أن "عصرت" هذا القطاع ولم يعد يضمن إمكانية تحقيق أرباح كبيرة نفضت يدها عنه بعد أن استفادت من أراضي الدولة بالمجان أو الدرهم الرمزي، وفي أحسن الحالات، بأثمنة زهيدة مكنتها من تحقيق أرباح باهظة. في البداية كانت مشاريع السكن الاجتماعي تضمن على الأقل نسبة 30 بالمائة كربح، إلا أن ارتفاع أسعار العقار قلصت كثيرا نسبة الربحية، ولذلك هجر الكثير من المنعشين العقاريين هذا النوع، حتى مجموعة "الضحى"، التي بدأت متخصصة في السكن الاجتماعي، فضلت الآن تحويل اهتمامها إلى المشاريع الراقية، وقد تأكد هذا المنحى عندما تخلت الدولة على منح الامتيازات الضريبية المرتبطة بالسكن الاجتماعي، وهذا ما أقر به القانون المالي لسنة 2008. برامج الحكومة مغرية... لكن تتبعها مرارة من البرامج المعلن عنها سنة 2008، بناء نحو 130 ألف سكن منخفض الكلفة، إذ تم تحديد ثمن المسكن ب 140 ألف درهم، وقد تمت برمجة 106785 مسكنا في المدن و22353 مسكنا بالبادية، ويأمل المغاربة أن يظل كما هو بدون تغيير، سيما وأن هناك تجارب كثيرة جدا حُدِّد فيها الثمن، لكنه في نهاية المطاف تضاعف أو زيد فيه، وهناك حالات عديدة لازالت عالقة إلى حد الآن لهذا السبب. يستهدف هذا البرنامج قاطني السكن المهدد بالانهيار والأعوان وصغار الموظفين ومستخدمي القطاعات الحرة والصناع التقليديين، إلا أن نجاحه سيظل مرتبطا بالمبلغ الشهري الواجب أداؤه والحرص على أن يكون دخل المستفيد قادرا على تحمله، علما أن القدرة الشرائية انهارت كليا بفعل ارتفاع الأسعار الحالية أو المرتقبة لا محالة، وهذه معادلة صعبة للغاية، علما أن حاجة المغرب إلى هذا النوع من البرامج تفوق بكثير 130 ألف سكن المقررة ولا تمثل إلا نقطة في بحر أزمة السكن. قبل هذا البرنامج كان برنامج "الدار الكبيرة" الذي استهدف بناء 12 ألف مسكن في 34 منطقة في كل أنحاء المغرب، علما أن الهدف الرئيسي منه في واقع الأمر لم يكن حل أزمة السكن بالدرجة الأولى، وإنما هو التصدي للمضاربات العقارية قصد التمكن من إتاحة الأراضي لمن يتطلعون للاستثمار في المجال العقاري، مغاربة أو أجانب، لاسيما وأن لوبيات العقار ومافياتهم تمكنت من السيطرة بقوة على القطاع، وعملت على شراء الأراضي بهدف المضاربة فيها. وعموما ظلت الحكومة تروج لجملة من البرامج لحل أزمة السكن، لكن الأزمة ازدادت استفحالا. السكن الاجتماعي بين هاجس الربح وهاجس حل أزمة السكن إذا كانت أزمة السكن تزداد استفحالا، فإن السكن الاجتماعي والسكن اللائق اللذان أضحيا بمثابة لازمة في سامفونية الخطابات الحكومية والرسمية، لا ينطلقان من هاجس حل أزمة السكن وتمكين المحتاجين فعلا من السكن باقتنائه بأيسر الشروط، وإنما ظل يتحكم فيه هاجس الربح أولا وأخيرا، وهذا ما يفسر حدة استفحال أزمة السكن بدل احتوائها، وذلك رغم كثرة المشاريع في هذا المجال وأهمية القروض الممنوحة لهذا الغرض. إن قطاع السكن الاجتماعي بالمغرب شكل "كعكة" أسالت لعاب المضاربين العقاريين ورؤوس الأموال الراغبة في تحقيق أرباح سهلة وبأقل مجهود. فمنذ نهاية سنة 2005 اهتمت رؤوس أموال خليجية بهذا المجال أكثر من السابق، وقد شجع هذا المنحى تأسيس صندوق خاص للسكن الاجتماعي، قيل إنه أحدث لتمكين المغاربة ذوي الدخل المحدود من اقتناء سكن لائق، في حين أن الأمر، على أرض الواقع المعيش، تعلق بالأساس بضمان شروط تحقيق ربحية أكيدة لأصحاب المشاريع دون تمكين الذين في حاجة ماسة لهذا النوع من السكن من الاستفادة منه. وفي هذا الإطار قامت شركات عقارية خليجية بالاستثمار في هذا القطاع، وقد اختار المستثمر الخليجي توظيف أمواله في هذا المجال نظرا لوجود إطار قانوني يحدد بدقة الحوافز التي توفرها الدولة لتشجيع المستثمرين على تطوير مشاريع السكن الاقتصادي والاجتماعي، مما جعل هذا الأخير منبعا لتحقيق مردودية مالية واقتصادية مؤكدة دون أن يساهم ذلك، فعلا وبالقدر المنتظر، في الحد من أزمة السكن بالمغرب. وفي هذا الصدد سبق لمحمد الطواش، الرئيس التنفيذي لشركة "ريل كابيتا" المستثمر في هذا القطاع، أن صرح بأن عائد الاستثمارات في مشاريع السكن الاقتصادي والاجتماعي بالمغرب يفوق ما نسبته 30 بالمائة، وهو عائد يضاهي العائد الذي تحققه مشاريع الإقامات الراقية والمشاريع السياحية. ومما سهل كذلك ولوج رؤوس الأموال الخليجية لهذا المجال بالمغرب، إمكانيات تحويل الأموال والأرباح إلى الخارج بعد الانتهاء من إنجاز المشاريع. أهمية القطاع والاستثمارات العقارية الأجنبية تعتبر الدولة قطاع العقار حاليا، رافعة للتطور الاقتصادي الوطني، سيما من حيث التشغيل والاستثمار، إذ لازال يوفر أكثر من 30 بالمائة من مناصب الشغل المحدثة بالبلاد. ويساهم بنسبة 7 بالمائة في إجمالي الناتج الوطني، ويلعب دورا حيويا في النمو والتطور الاقتصادي، وتفعيل آليات التنمية الجهوية والوطنية. وقدعرفت الاستثمارات العقارية الأجنبية تطورا ملحوظا، إذ قفزت من 1.8 مليار درهم سنة 2002 إلى 7.3 مليار درهم سنة 2007، أي بتحقيق ارتفاع قاربت نسبته 300 بالمائة، وبذلك مثلت أكثر من 15 بالمائة من مجموع الاستثمارات الأجنبية التي عرفت طريقها إلى المغرب. سجلت سنة 2006 ما يناهز 3.6 مليار درهم كاستثمار أجنبي، آنذاك حقق القطاع العقاري نموا تجاوزت نسبته 50 بالمائة، ولاحظ الجميع أن الملاكين العقاريين لم يقنعوا بعروض المنعشين العقاريين المغاربة إذ بدأوا يفضلون عليهم الخليجيين. السكن والشباب يعتبر السكن من الأولويات الملحة لدى الشباب المغربي المقبل على الزواج، غير أن أزمة السكن المستشرية من جراء غلاء أسعار الشقق وارتفاع سومة الكراء بوتيرة لم يسبق لها مثيل يجعل الكثير منهم يتراجع عنه. وفي هذا الصدد تقول الدكتورة سعاد رحائم، رئيسة مجموعة البحث في المرأة والتنمية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمدينة الجديدة، إن التأثيرات الاجتماعية التي تؤدي إليها أزمة السكن عند الشباب الراغب في الزواج ظاهرة بارزة ولا تحتاج لبرهان، فرغبة الشباب الملحة هي الحصول على عمل أو وظيفة ثم سكن لائق ثم الزواج، وهذا مطلب نفسي واجتماعي، وما دام لم يتم تحقيق هذا المطلب ناهيك عن الحق الاجتماعي لأغلب الشباب بالمغرب، فمن الطبيعي جدا أن تحل بالمجتمع أزمات ونكسات نفسية وأخلاقية، وبالتالي حدوث انعكاسات سلبية على تنمية البلاد وكذلك استقرارها، وذلك بفعل فقدان الثقة بالنفس وبالمجتمع، بحيث لا يبقى أمام الشباب إلا العيش في التيه المنفلت. التفريط في الوعاء العقاري المدرسي دلالة على قوة اللوبيات إن لوبيات العقار بالمغرب ومافياتها اخترقت كل المجالات، ولم يفلت قطاع التعليم من شباكها، حيث تم الإعداد لمخطط شيطاني بالدارالبيضاء من أجل الاستيلاء على عقارات كانت مستعملة كمؤسسات تعليمية عمومية، وتفويتها بشروط متيسرة جدا لمستثمرين أجانب ومغاربة، سواء لغرض إقامة مؤسسات تعليمية حرة مخصصة لأبناء الفئات الميسورة أو لمشاريع تجارية. علما أن هذه الأراضي تابعة للملك الخاص للدولة، الذي تسهر على إدارته مديرية الأملاك المخزنية التي فرطت في رصيد الدولة العقاري دون تعويضه، باعتبار أن أغلب التفويتات أنجزت بالدرهم الرمزي أو أثمنة زهيدة جدا لا تكفي تعويض ولو عشر المساحات المتخلى عنها، حتى يبقى تحت يد الدولة رصيد عقاري تساهم به في تفعيل آليات التنمية، وما يحز في النفس حقا هو أن إدارة الأملاك المخزنية أحدتثها أصلا سلطات الحماية لتدبير الملك الخاص للدولة (رصيدها العقاري)، وفعلا ابتكرت أساليب وآليات لتوفر أراضي للمعمرين وبأثمنة زهيدة وبنت مساكن وظيفية للعاملين بالإدارة، لكنها حافظت على آليات تعويض الأراضي أو المساكن المفوتة بأخرى تقتنيها لضمان نوع من التوازن بين ما تتخلى عنه من أراضي ومساكن وما تقتنيه من جديد لتحافظ على رصيد عقاري يظل رهن الدولة، لكن منذ حصول المغرب على الاستقلال تبدد الرصيد بسرعة ولم تفكر في تعويض ما فرطت به، فكيف لها ذلك وقد كانت خاضعة لأوامر التفويت بالمجان وبالدرهم الرمزي والأثمنة الزهيدة إلى أن تبدد رصيد الدولة من الأملاك العقارية. والأملاك موضوع الحديث، المستهدفة بالمخطط الشيطاني للوبيات العقارية بالدارالبيضاء، تعد ملكا خاصا للدولة وتدخل في رصيدها العقاري، ولولا قوة تلك اللوبيات ونفوذ مافياتها لما قبل القائمون على أمور التعليم بالدارالبيضاء صفقات تفويتها، وهي الصفقات التي تثير حاليا شكوكا كبيرة، سيما وأن سعر العقار بالعاصمة الاقتصادية بلغ حدا أقصى لم يسبق له مثيل نتيجة المضاربات، فمن المستفيد في هذه الصفقات؟ وبأي ثمن؟ سؤال مازال ينتظر الجواب في وقت قامت فيه جماعة من فعاليات المجتمع المدني البيضاوي بالتصدي لهذا المخطط الشيطاني، فهل ستقوى على مواجهة اللوبيات العقارية ومافياتها؟