هوامش أرباح تتجاوز مائة في المائة في سوق العقار السكني بالمغرب أعادت إلى الأذهان صورة المنعش العقاري "مول الشكارة"، الباحث عن الاغتناء السريع، بعد تسريب معطيات أولية لدراسة حول معدلات الأرباح المرتفعة للمنعشين العقاريين في مختلف أصناف السكن. المعطيات التي خلصت إليها دراسة مكتب الخبرة "ماكينزي"، والتي أنجزت بطلب من وزارة الاقتصاد والمالية، أحرجت المنعشين العقاريين وضاعفت من قلقهم في مرحلة دقيقة من التفاوض مع الحكومة بشأن مقترحات يحاول لوبي العقار الدفع بها داخل مجلس المستشارين، على بعد حوالي أسبوع من موعد التصويت على ميزانية 2010. استغلال فاحش هامش الأرباح يصل إلى معدلاته القصوى في السكن الفاخر (أزيد من 100 في المائة) ويصل إلى حدود 50 في المائة في السكن المتوسط والاقتصادي، وفق ما تسرب من معطيات الدراسة المذكورة، وهو يتراوح بين 15 إلى 20 في المائة في السكن الاجتماعي، رغم ما يستفيده المنعشون العقاريون في هذا الصنف الأخير من إعفاءات ضريبية ومن أراض عمومية بأسعار تفضيلية، إضافة إلى ضمان الدولة للقروض البنكية سعيا منها إلى تشجيع إقبال شرائح واسعة من ذوي الدخل المحدود على اقتناء السكن. في مقابل ذلك، ارتفعت أسعار البيع بصورة متسارعة بفعل المضاربة وتفشي ظاهرة "النوار"، تؤازرها برامج ضخمة واتفاقيات بالجملة توقعها الدولة مع كبار المنعشين العقاريين لاستثمار الطلب المرتفع على اقتناء السكن. حمى امتلاك السكن التي استبدت بمختلف الشرائح وفئات الأسر المغربية قادت إلى ارتفاع ملموس في مديونية الأسر وزادت قبل سنة تقريبا من معدل عسر الأداء، مما أقلق السلطات المالية والبنكية، ودفع والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، إلى المطالبة بتشديد إجراءات منح القروض في نهاية العام الماضي، تفاديا لحدوث أزمة عقارية شبيهة بتلك التي زلزلت أركان أقوى اقتصاد في العالم (الولاياتالمتحدةالأمريكية) بسبب المديونية المفرطة للفقراء. السكن الاجتماعي شهد خلال العام الماضي إنجاز 128 ألف وحدة، أكسبت المنعشين العقاريين، استنادا إلى دراسة "ماكينزي"، (هامش ربح 20 في المائة) أزيد من 5 مليار درهم، دون احتساب حصة "النوار" في مقابل شقق سكنية يفني مقتنوها أعمارهم في سبيل تسديد أقساطها الشهرية. نوايا سيئة غير أن يوسف بنمنصور، رئيس الفدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين، أبدى استغرابه بشأن النتائج التي توصلت إليها دراسة مكتب الخبرة "ماكينزي" والمعطيات التي استندت إليها في تحديد هوامش أرباح المنعشين العقاريين، دون إنجاز أي بحث ميداني، على حد قوله، أو أدنى اتصال بالفاعلين في القطاع من منعشين عقاريين ورجال الأعمال في مختلف فروع القطاع. بمنصور أكد، في اتصال ل"أخبار اليوم"، بالقول: "لا ندري لماذا هذه الدراسة ولا من الجهة المسؤولة عن تسريب معطيات مازالت تفاصيلها قيد الكتمان لدى وزارة الاقتصاد والمالية. ما فاجأنا، يضيف رئيس الفدرالية، هو التوقيت الزمني لنشرها، وتجاهل إكراهات الظرفية"، قبل أن يعيد طرح السؤال ذاته: "من سمح بخروج معطيات الدراسة، لابد وأن يوضح لنا على ماذا استندت في تحديد ثمن التكلفة". الفدرالية استنكرت في بيان لها، عممت نشره مؤخرا، قرع الطبول بصورة مكثفة في وسائل الإعلام حول هوامش الأرباح في قطاع العقار، وذهبت إلى حد القول بوجود نيات سيئة تسعى إلى النيل من المكانة التي يحظى بها العقار كقاطرة للتنمية ومحرك رئيسي للاستثمار في المغرب، يمثل حصة 13 في المائة من الناتج الداخلي الخام ويساهم في توفير 900 ألف منصب شغل. لا مجال لجني مكاسب في السكن الاجتماعي في الظروف الحالية لسوق العقار، حسب بيان الفدرالية، في حين بلغت أسعار العقار مستويات عالية في الحواضر الكبرى، يصعب معها بناء سكن بمواصفات الجودة المطلوبة وبمردود يضمن استمرارية المقاولة العقارية. أسعار العقارات ارتفعت في المغرب بوتيرة متسارعة على مدى 5 سنوات الأخيرة، جعلت أثمنة الشقق السكنية تتضاعف بالمدن والحواضر الكبرى، بفعل تفشي المضاربة في أثمنة الأراضي المخصصة لبناء السكن واستنفاد العقارات داخل المدار الحضري، قبل أن يطال جشع المضاربين أراض فلاحية خارج المدار وحتى بالمدن الصغرى والقرى المعزولة. الدولة غائبة يعتبر جمال بنونة، الخبير في مجال العقار، أن اقتناء الأراضي يشكل مجالا خصبا لتبييض الأموال في المغرب في غياب مراقبة الدولة، وهو يستدل على ذلك بالمستويات العالية وغير المبررة التي بلغتها أسعار العقارات في مناطق يكاد ينعدم فيها أي نشاط اقتصادي، خاصة تلك الجهات التي تشتهر في شمال المغرب بتهريب السلع وتجارة المخدرات. ويكاد بنونة يجزم، في اتصال ل"أخبار اليوم" به، أنه لا توجد مراقبة لنشاط تبيض الأموال، وأنه على الرغم من تنبيه "بنك المغرب" فإن البنوك لا تقوم في تقديره بمساءلة زبنائها. وليس من الصعب، على حد قوله، معرفة جزء من كلفة السكن يتعلق بمواد البناء واليد العاملة، لكنه يستحيل في المقابل تحديد سعر الأرض التي تشكل في الغالب القسط الأوفر من كلفة السكن. الدولة في تقديره هي الغائب الأكبر في سوق العقار وبالتالي في تقنين أسعار السكن. أدرع الدولة التي تشتغل في تجهيز وبناء السكن، كمجموعة "العمران" و"الشركة العامة العقارية"، لا تقوم بدورها في الحد من غلاء العقارات، حسب تأكيد بنونة، بل تنافس المنعشين الخواص وتسوق منتوجها السكني بنفس مستويات الأسعار المرتفعة. تقاعس الدولة عن أداء دورها في تقنين سوق العقار أدى إلى تجاوزات في هوامش الربح وأيضا في مواصفات البناء وجودة المنتوج السكني. عيوب متعددة في البناء لا يسلم منها، حسب تأكيد الخبير، حتى السكن الراقي، في غياب مواصفات مدققة.