ينعقد يوم الخميس القادم بالصخيرات الملتقى الثاني للاستثمار الخليجي.. لقاء لن يتحاشى الحديث عن تداعيات الأزمة الاقتصادية و المالية على اقتصاديات دول مجلس التعاون الخليجي و المغرب، لكنه سيكون في نفس الوقت فرصة للبحث عن فرص استثمارية جديدة و محاولة تذليل الصعوبات التي تواجه الاستثمار في المغرب، خاصة إذا حضر المسؤولون المغاربة الذين تألقوا بغيابهم عن الدورة الأولى. أبدى المستثمرون المنحدرون من بلدان الخليج منذ خمس سنوات اهتماما كبيرا بوجهة المغرب. فقد طفا فجأة هذا البلد على سطح اهتمامات المستثمرين الخليجيين المتوفرين على سيولة هائلة غذاها ارتفاع سعر البترول في السوق الدولية، وشرعت شركات ومجموعات من تلك المنطقة في البحث والتنافس من أجل اغتنام أفضل الفرص في المغرب.. حيث حذت الآمال العريضة، التي خلقتها إعلانات النوايا والالتزامات حول هاته الاستثمارات، بالمراقبين إلى توقع إمكانية تجاوزها لتلك التي تنجزها البلدان الأوروبية في المغرب، غير أن الأزمة الأخيرة بدأت تنال من هاتة الثقة، خاصة في ظل تراجع عائدات البترول، التي استندت عليها بلدان الخليج في الحضور القوي الذي لوحظ في السنوات الأخيرة في العديد من البلدان.. فقد أطلقت الظرفية الحالية العنان في المغرب لشكوك حول قدرة العديد من الشركات الخليجية على المضي في إنجاز ما التزمت به من استثمارات، بل إن ثمة من يتحدث عن أن وتيرة إنجاز الاستثمارات التي أعلنت عنها تلك الشركات تميزت بالكثير من التباطؤ حتى قبل الأزمة الحالية. مشاريع وآمال يفترض أن تمتد الاستثمارات الآتية من بلدان الخليج، التي تركز أساسا في السياحة والعقار، على مدى سنوات، تتراوح بين ثلاث وعشر سنوات. وتعتبر الشركات الإماراتية الأكثر انخراطا في المشاريع الكبيرة. فمجموعة « إعمار» تعد من بين المجموعات الأكثر التزاما بإنجاز استثمارات مباشرة في المغرب ، إذ يوجد من بين المشاريع التي تشرف عليها، مشروع إعادة تهيئة شاطىء الرباط. كما تنخرط المجموعة في مشروع «أمواج» من أجل تهيئة أبي رقراق بشراكة مع صندوق الإيداع والتدبير. وأبدى المستثمرون السعوديون والقطريون والبحرينيون اهتماما كبيرا بتقوية حضورهم في المغرب، فقد أطلقت المجموعة القطرية «ديار القطريةّ» مشروع بناء مركب سكني وسياحي كبير بالقرب من طنجة، الذي يفترض الانتهاء منه في2011. وانخرط بيت التمويل البحريني في مشاريع مهمة والتي تضم إنجاز مشروع سياحي بطنجة و مشروع المرابع الملكية بمراكش.. وقد قدر المحللون أن الاستثمارات الخليجية في المغرب تجد تفسيرها في ندرة الأصول الدولية على إثر أحداث الحادي عشر من شتنبر 2001، حيث اضطر المستثمرون في تلك البلدان إلى تنويع عملياتهم خارج الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الأوروبية، هكذا وقع اختيارهم على بلدان مثل المغرب، غير أن هذا العامل لم يكن حاسما في قرار الاستثمار في المغرب، حيث يعتبر محللون أن السياق المغربي المتسم باستقرار الإطار الماكرواقتصادي ومشاريع البنيات التحتية الكبرى والتسهيلات التي وعد بها المستثمرون الخليجيون من مراكز القرار السياسي في المغرب، سهلت عملية اختيارهم الاستثمار في المغرب. أزمة إذا كان العديد من الملاحظين يشيرون إلى أن وتيرة إنجاز الاستثمارات الخليجية تبقى دون ما تم الإعلان عنه في السنوات الأخيرة، فإن الأرقام التي يوفرها مكتب الصرف في المغرب تؤشر على تأثير الأزمة الأخيرة على تلك الاستثمارات في المغرب، حيث انتقلت من 4.44 مليارات درهم في النصف الأول من السنة الجارية إلى 3.33 مليارات درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية، مما يعني أن تلك الاستثمارات تراجعت بحوالي 1.08 مليار درهم . و طال التراجع بشكل ملحوظ استثمارات الإمارات العربية التي هوت إلى 611.1 مليون درهم في الستة أشهر الأولى من السنة الجارية، مقابل 3.6 مليارات درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية، واستثمارات العربية السعودية التي انتقلت من 270.9 مليون درهم إلى 90.6 مليون درهم، بناقص 180 مليون درهم واستثمارات البحرين التي انخفضت ب 426.1 مليون درهم منتقلة من 461.7 مليون درهم إلى 35.6 مليون درهم .. غير أن إحصائيات مكتب الصرف تفيد ارتفاع استثمارات الكويت التي قفزت إلى 2.47 مليار درهم في النصف الأول، من السنة الجارية مقابل87 مليون درهم في الفترة نفسها من السنة الماضية، مسجلة زيادة ب 2.38 مليار درهم، ونمو الاستثمارات القطرية ب 68 مليون درهم، منتقلة من 35.6مليون درهم إلى 94.7 مليون درهم. ويبدو بالنظر إلى المستوى الذي بلغته الاستثمارات الخليجية في النصف الأول من السنة الجارية، أنها ستسجل انخفاضا كبيرا في نهاية العام، مقارنة بالمستوى الذي سجلته في السنة الفارطة، حين وصلت إلى 6.04ملايير درهم. ففي الوقت الذي يعتبر رجل أعمال مغربي أن تراجع الاستثمارات الخليجية في المغرب يعزى إلى الصعوبات التي تجدها أغلب المجموعات الكبرى في الخليج بفعل تداعيات الأزمة، يلاحظ الباحث المغربي في اقتصاد السكن، إدريس الفينا، أن الاستثمارات الخارجية المباشرة يجب أن تكون مستقرة وممتدة في الزمن، وهو يشير إلى أن الاستثمارات الخارجية بدأت توسع من مساحتها في المغرب، لكنها تأتي في المرتبة الثانية بعد الاستثمارات الأوروبية، حيث تمثل حصتها مع الاستثمارات العربية مجتمعة، حسب الأرقام التي توفرها الوكالة الوطنية لتنمية الاستثمارات 24.4 في المائة من مجمل الاستثمارات التي تلقاها المغرب في السنة الفارطة وتنصب في مجال العقار على شراء ممتلكات عقارية و تأخذ مساهمات في صناديق الاستثمار. ويلاحظ الفينا أن تأجيل برامح الاستثمار، لا يهم سوى حالات محدودة مرتبطة بصعوبات على مستوى الشركات الأم أو إثر خسارات سجلت من قبل فروعها في السوق الأمريكية. حذر و تعال لكن بعيدا عن الأزمة وتداعياتها تحدثت الكثير من الأخبار، التي رشحت في السنة الأخيرة ، عن صعوبات تصادف تلك الاستثمارات في المغرب، دون أن تكون موضوع تصريحات رسمية. فالعارفون بالمستثمرين الخليجيين يشيرون إلى أنهم متكتمون، حريصون على معالجة المشاكل التي تصادفهم عبر شبكة العلاقات التي ينسجونها في البلدان التي تستقبل رساميلهم، وعندما يتحدثون يبدون الكثير من التفاؤل، وإذا سئلوا عن العقبات التي تعترضهم، يقرون بأن ثمة القليل منها، لكنهم يصرحون بأنهم سوف يذللونها مع الإخوة. هذا سلوكهم في جميع البلدان التي يستثمرون فيها. وهذا ما يتأكد في المغرب،خاصة في ظل الآمال العريضة التي أطلقها إعلان الشركات الخليجية منذ 2005 عن استثمارات، دفعت العديدين إلى المراهنة على تجاوزها لتلك التي ينجزها الشركاء التقليديون الممثلون أساسا في فرنسا وإسبانيا. يشير أنس الحسناوي، رئيس «إنترناشيونال بيزنس فينانس» إلى أن المستثمرين الخليجيين لا يبدون الكثير من الثقة في مناخ الأعمال في المغرب، وهذا ما دفعهم إلى البحث عن موطىء قدم لهم في المغرب بمباركة من شخصيات محلية نافذة تؤمن لهم الحماية اللازمة والضمانات الواجبة، خاصة أن تلك الاستثمارات تراهن على المدى القصير، وتوجه للعقار والسياحة، أي تلك القطاعات التي توفر هوامش كبيرة. في نفس الوقت يلاحظ الحسناوي، أن الجانب المغربي في تعاطيه مع استثمارات الخليجيين لم يكن من الذكاء والمهنية والحنكة، بما يتيح له الاستفادة من الفوائض التي توفرت لبلدان الخليج في السنوات الأخيرة، ويضرب لذلك مثلا بالطريقة التي تعاطى بها المغرب مع التمويلات البديلة والتي تعرف بالإسلامية، فقد تعاملت معها السلطات المغربية بالكثير من التحفظ، وعندما رخصت لمنتوجات إسلامية أخضعتها لثقل ضريبي يفقدها جاذبيتها، هذا في الوقت الذي تعاملت معها بلدان أخرى بالكثير من البراغماتية، فقدت عمدت فرنسا مثلا إلى وضع ترسانة قانونية وأدخلت تغييرات ضريبية، تخول لها عبر التمويلات الإسلامية جذب 500 مليار دولار من الرساميل الخليجية. فقد غيرت الأزمة الكثير من القناعات، حيث أصبحت أموال الخليجيين مرغوبة، هذا في الوقت الذي يتعامل المسؤولون المغاربة بالكثير من التعالي مع الرساميل الخليجية التي تتجنب التمويلات الكلاسيكية. مخاطر تعتبر الاستثمارات الخليجية مصدرا مهما للنمو والتشغيل في المغرب، غير أن رجل أعمال مغربيا وعضوا بارزا سابقا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بعد أن ينبه إلى أن الاستثمارات الخليجية في المغرب مازالت وتيرتها دون الإعلانات التي أحيطت بالكثير من الاحتفالية، يدعو إلى التمييز فيها بين تلك التي تراهن على المضاربة وتلك التي توجه للاقتصاد الحقيقي الإنتاجي. في ذات الوقت يعتبر البعض أن المنافع التي يمكن أن تجنى من هاته الاستثمارات لا يمكن أن تحجب المخاطر الناجمة عن تلك الإعلانات. إذ مادامت تلك المشاريع تركز في غالب الأحيان على العقار، فقد ساهمت في ارتفاع أسعار العقار في المدن الكبيرة، مما يغذي الاتجاهات المضاربية. في ذات الوقت يرتقب أن يكون تأثير قيمة الاستثمارات المعلن عنها أقل على ميزان الأداءات وموجودات المغرب من العملة الصعبة، على اعتبار أن المجموعات الخليجية تعمد إلى تمويل جزء من استثماراتها عبر السوق المحلي، مما يخفض مساهماتها من العملة الصعبة .. وهذا يبرر الملاحظة التي طرحها أحد الأعضاء البارزين مؤخرا في الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي أشار إلى أنه بمجرد أن تعلن مجموعة أجنبية عن نيتها الاستثمار في المغرب، حتى تفرش لها الزرابي و تهرع إليها الأبناك المغربية مقدمة لها كل التسهيلات التي تبخل بها على مستثمرين محليين. وهذا يتجلى في رأيه بوضوح في قطاع العقار. الأزمة تلقي بظلالها على ملتقى الاستثمار الخليجي ستلقي الأزمة بظلالها على أشغال الدورة الثانية لملتقى الاستثمار الخليجي الذي يشهده المغرب يومي التاسع عشر والعشرين من نونبر الجاري، حيث يفترض أن ينكب المشاركون في اللقاء الذي تحتضنه الصخيرات، على استخلاص دروس المستقبل من الأزمة الاقتصادية والمالية و تداعياتها في مجلس دول التعاون الخليجي والمغرب. وسوف تنكب الدورة التي تعقد تحت شعار «استثمر في المغرب» على مناقشة موضوع الصناعات الغذائية والتكنولوجيات الجديدة وإدارة قطاع النقل والسياحة والخدمات والطاقة والمعادن والعقار والبنوك. وسيتم تقديم المغرب باعتباره وجهة بديلة للاستثمارات الخليجية التي تعاني من صعوبات على المستويين الأوروبي والأمريكي. وعلى هامش الملتقى سوق ينظم معرض لتقديم مشاريع الشركات الخليجية والمغربية من أجل خلق فضاء للتواصل وبحث تنفيذ استثمارات مشتركة بين الجانبين المغربي والخليجي، الشيء الذي يرتقب أن يعزز التعاون الاقتصادي و التجاري بين الطرفين. وتأتي مبادرة تنظيم ملتقى الاستثمار الخليجي بالمغرب بمبادرة من المنظمة العربية للتنمية والصناعة والتعدين ووكالة الخليج العربي للإعلام والاتصال بتعاون مع الوكالة الوطنية لإنعاش الاستثمار والغرفة التجارية الامريكية ومؤسسة أوكسفورد بزنس غروب، وهو ماسيتيح بحث آفاق الاستثمار في المغرب بمشاركة مؤسسات اقتصادية و تجارية واستثمارية. وسيشهد هذا الملتقى مشاركة الأمين العام لمنظمة البلدان العربية المصدرة للبترول، عباس نقي، ورئيس الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي، علي الشرهان، والمدير التنفيذي للاستثمارات المشتركة بمؤسسة قطر القابضة، ذراع الاستثمارات الاستراتيجية و المباشرة لجهاز قطر للاستثمار، خليفة الكواري، والتي يبلغ حجم أصولها 60 مليار دولار ورؤساء الغرف التجارية و الصناعية في دول مجلس التعاون الخليجي ورجال أعمال من المغرب و مجلس التعاون الخليجي.