سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
إدريس الفينا: هوامش الربح التي تعلنها الشركات العقارية تبقى جد مرتفعة الخبير المغربي قال للمساء إن المطلوب هو إدخال المساكن غير المأهولة إلى الدورة الاقتصادية لحل مشكل السكن
مازالت حالة من الانتظار تستبد بالراغبين في شراء السكن في المغرب، رغم أن المهنيين في قطاع العقار يراهنون على عودة الروح إلى نشاطهم في السنة الجارية. فماهي أسباب هذا الانتظار؟ وما هي العوامل الكفيلة بعودة الطلب على السكن؟ وما المأمول من مخططات الادخار في السكن؟ وما شروط مساهمة المساكن غير المأهولة في حل مشكل السكن؟ وكيف يمكن الانخراط في تدبير عقلاني للعقار بالمغرب؟... تلك أسئلة نقلناها إلى الخبير المغربي، إدريس الفينا، فكان الحوار التالي: - هل تتوقع أن يتخلص الراغبون في الشراء من حالة الانتظار التي ميزت سلوكهم في السنوات الأخيرة؟ حالة الانتظار التي تتحدثون عنها تعزى إلى غياب المنتوج السكني الملائم للطاقة الاقتراضية للأسر. وأتصور أن تراجع الأسعار بفضل العرض بالنسبة إلى السكن الاجتماعي المفتوح على كل الشرائح الاجتماعية سيساهم بالتأكيد في حل جزء من هذه الانتظارية، إلا أن الحل الحقيقي في رأيي يبقى مرتبطا بعوامل أخرى من شأن تفعيلها أن يخفف بشكل مستديم أسعار العقار على المديين المتوسط والبعيد. - وما هي هذه العوامل التي يمكن أن تعيد فورة الاهتمام بشراء السكن من قبل المستهلكين؟ أتصور أن أهم العناصر التي من شأنها أن تخلق دينامية جديدة على مستوى الطلب تتمثل في تخفيض أسعار الفائدة المطبقة على اقتناء السكن، علما أن هذا التوجه يتطلب تعميقا أكبر للمسألة ومراجعة النظام الضريبي المطبق على العقار بشكل يساهم في تخفيض الثقل الضريبي على باقي أصناف السكن، وخصوصا السكن الذي تتراوح قيمته بين 300 ألف و500 ألف درهم، أي سكن الفئات الوسطى الذي ينعدم في مدن كالبيضاء والرباط. كما أن المنعشين مطالبون بمزيد من التخفيض في الأسعار لتحريك الطلب، فهوامش الربح التي تعلنها الشركات العقارية المدرجة في البورصة تبقى في رأيي جد مرتفعة. - كيف تنظر إلى الإعلان عن مخططات الادخار من أجل اقتناء السكن التي تضمنها قانون مالية السنة الجارية؟ أتصور أن ذلك المخطط جاء متأخرا في المغرب، على اعتبار أنه كان يفترض أن تتبلور تلك السياسة قبل سنوات من أجل التطورات التي عرفتها سياسة السكن في المغرب. ويمكن القول إن هذا المنتوج الادخاري جيد، إلا أن مفعوله لن يظهر إلى بعد أربع أو خمس سنوات. وما تم تقديمه في هذا الإطار يبقى هزيلا مقارنة بما هو معمول به في دول أخرى. وعموما، يبقى أن أغلب البلدان، التي اختارت صيغة مخططات الادخار، ارتأت اعتماد بعض التحفيزات بالنسبة لذوي القدرة الشرائية الضعيفة، حيث يتم في أغلب الأحيان اعتماد أدنى معدل لفائدة تلك الفئات. - هل يمكن للمساكن غير المأهولة أن تحل العجز في الإنتاج الذي يعرفه المغرب، علما أن أحد الفرق البرلمانية كان قد عبّر قبل أكثر من سنتين عن استعداده تقديم مقترح قانون حول فرض ضريبة على الشقق الفارغة في المغرب؟ أولا، المغرب لا يشكل استثناء في هذا المجال، فالعديد من الدول المتقدمة تعرف هذه الظاهرة، لأن السكن تحول للأسف إلى منتوج للمضاربة وللتوظيف كباقي الأصول التوظيفية، وهي عملية وراءها أفراد بشكل عام، وليس شركات خاصة للتوظيف. المساكن غير المأهولة في المغرب، التي يشتريها أصحابها ويتركونها مغلقة، تمثل نسبة 20 بالمائة، أي ما يناهز مليون وحدة، حسب آخر التحيينات التي تمت مؤخرا. ماهو مطلوب اليوم هو إدخال هذه الأصول العقارية إلى الدورة الاقتصادية للمساهمة في حل مشكل السكن في المغرب، عن طريق إجراءات جبائية تحفيزية من جهة، وعقابية من جهة أخرى. تحفيزية لفائدة من يرغب في اكتراء هذه المساكن أو بيعها، وعقابية لكل من يرغب في الاستمرار في إغلاقها. هذا النوع من الضرائب معمول به في فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية. ويمكن لتضريب المساكن غير المأهولة أن يدر على خزينة الدولة عائدات مهمة، حيث يمكن تقديرها بثلاثة مليارات درهم، إذا تراوحت الضرائب بين خمسة آلاف وعشرة آلاف درهم، حسب صنف السكن والموقع الذي يوجد فيه. - تم الحديث مؤخرا عن تنظيمات التوظيف الجماعي في القيم العقارية. ماذا يعني ذلك؟ بالفعل، تم الإعلان عن الشروع في دراسة عدد من الآليات الجديدة، التي من شأنها تطوير الادخار في المغرب، ومن بينها تنظيمات التوظيف الجماعي في العقار OPCI. هذه خطوة هامة في اعتقادي، وإن جاءت متأخرة، لكنها ستساهم ولا شك في الرفع من درجة نضج قطاع العقار المغربي من خلال منحه تمويلات مالية إضافية، بتوجيه الادخار الفردي والمؤسساتي نحو قطاع العقار الذي تبقى مردوديته الأكثر ارتفاعا. - ما هي التداعيات المتوقعة لمثل هذا التوجه؟ هذه الآلية ستساهم في خلق ديناميات جديدة داخل القطاع، منها تخفيض هوامش الربح، التي يحققها المنعشون العقاريون، وهو التخفيض الذي سيأتي كنتيجة مباشرة لانخفاض حجم المخاطرة، الذي كان يتحمله المنعشون لوحدهم، وهي المخاطرة المرتبطة بالسوق من جهة، والتمويل من جهة أخرى. كما أن من شأن أدوات الادخار الجديدة هذه أن تفتح آفاق جديدة للتمويل منخفض الكلفة، كما ستساهم في تطوير قطاع الكراء. ومن شأن هذه الأدوات كذلك أن تلعب دورا هاما في تأطير المضاربة وفي جلب استثمارات خارجية هامة لقطاع العقار.
- ماهي المحاذير التي يجب تفاديها عند الانخراط في هذا التوجه؟ إن إدخال هذه الأدوات يتطلب مزيدا من تأهيل قطاع العقار المغربي، وخصوصا على مستوى المنافسة وكشف المعلومات المالية. فعدد الشركات العقارية المدرجة اليوم في البورصة يبقى ضعيفا، مما يطرح أكثر من تساؤل حول هذا الوضع. فهل مرده إلى البورصة نفسها ومستوى نضجها، أم يعود إلى الشركات العقارية التي لا ترغب في أن تستفيد من الادخار العمومي وما يصاحبه من كشف للمعطيات المالية؟. - يتم الحديث كثيرا عن الرصيد العقاري، الذي يقول الكثيرون إنه مرتفع، مما ينعكس على الأسعار المعتمدة في السوق المغربية، التي تعتبر مرتفعة. ما هو ثقل كلفة العقار في إنتاج السكن في المغرب؟ يمكن أن أحيل على هذا المستوى إلى تقرير للبنك الدولي أشار إلى أن كلفة العقار داخل الكلفة الإجمالية لإنتاج السكن تبقى جد مرتفعة مقارنة بالعديد من الدول من نفس مستوى النمو الاقتصادي. فالتقرير أشار إلى أن العقار أصبح يشكل ما بين 30 بالمائة و50 بالمائة من كلفة إنتاج السكن في مدن كالبيضاء والرباط، فيما لا يجب أن يتعدى نسبة 10 في المائة إلى 20 في المائة، حسب المعايير الدولية، أي أن العقار ساهم ويساهم بشكل كبير في الرفع من كلفة إنتاج السكن، وهي الكلفة التي تساهم بدورها وبشكل كبير في إضعاف الطلب وفي المساهمة في خلق الركود الشامل الذي يعرفه قطاع السكن ومنه المساهمة في إضعاف القدرة الشرائية بالنسبة إلى الأسر الجديدة. - يبدو أن المشكل يرتبط بطريقة تدبير العقار في المغرب. كيف ترصد اختلالات هذا التدبير؟ هناك العديد من أوجه الاختلال في مجال تدبير العقار، تبرز أساسا في غياب أدوات فعالة لضبط السوق العقارية لتحقيق أهداف استراتيجية، منها بالأساس الرفع من تنافسية الاقتصاد وخلق شروط مستديمة للنمو. فأدوات التخطيط المجالي تغيب عنها الفعالية، والسياسة الضريبية تساهم في رفع الأثمنة وتوسيع دائرة التهرب الضريبي، أما الأثمنة الحالية فلا تعكس في شيء الندرة الاقتصادية لمادة «العقار» بقدر ما تعكس مستوى احتكارها والريع الذي تساهم في تحقيقه من جهة أخرى. لقد سبق لأحد الاقتصاديين البارزين أن أشار إلى أن الاستثمار في العقار بالمغرب أصبح أفضل من الاستثمار في أي مجال آخر باعتبار الغياب التام لجانب المخاطرة وارتفاع المردودية، وخلص إلى أن هذا الأمر لا يساهم في بناء اقتصاد حديث، فأثمنة العقار اليوم وإشكالية الولوج إليه أصبحتا تشكلان ليس فقط عائقا حقيقيا أمام الاستثمار، بل عنصرا لإضعاف تنافسية الاقتصاد ونموه وعاملا من شأنه أن يساهم على المديين المتوسط والبعيد في إضعاف المجهودات الرامية إلى الرفع من تنافسية الاقتصاد على المستوى الدولي. - كيف يتم ضبط تدبير الرصيد العقاري في المغرب بالنظر إلى ما يلاحظ من تعدد المتدخلين؟ عملية تدبير الرصيد العقاري تبقى اليوم محدودة الفعالية، فمن جهة هناك تعدد المتدخلين بأدوات متقادمة، ومن جهة أخرى تبقى الأهداف غير واضحة ولا تتماشى والتطورات المتسارعة التي يعرفها الاقتصاد الوطني. فعلى مستوى الرصيد العقاري العمومي، يظل تدبيره موزعا بين أطراف متعددة، فوزارة الاقتصاد والمالية لا تزال تشرف على جانب من هذا الرصيد في إطار نموذج عمر أكثر من خمسين سنة، وهو النموذج الذي أصبح اليوم فريدا من نوعه مقارنة بما هو معمول به دوليا، ولا يساير روح النموذج الاقتصادي الحديث الذي يطمح إليه المغرب، فتدبير الرصيد العقاري داخل وزارة الاقتصاد والمالية لم يعد له اليوم أي مبرر. الجزء الآخر من هذا الرصيد العمومي تدبره وزارة الداخلية، وهو رصيد يتوزع بين أراضي الجموع وأراض جماعية. وزارة الأوقاف هي الأخرى تدبر رصيدا عقاريا ذا أهمية اقتصادية بالغة. كما تشرف المندوبية السامية للمياه والغابات على رصيد عقاري جد هام. هناك أكثر من سؤال يطرحه تدبير الرصيد العقاري العمومي من جانب أحقية الولوج وفقا للأولويات الاقتصادية، ومن جانب تجديد هذا الرصيد المستنزف بشكل دائم. بالنسبة إلى الرصيد العقاري الخاص، لا توجد جهة معينة تتابع تدبيره وترصد جوانب الاختلال به، فالوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية يتركز دورها بالأساس على حماية الملكية العقارية ولا ترصد كل المعطيات التي تهم هذا القطاع. وبخصوص أدوات الضبط والتخطيط، نجد مختلف وثائق التخطيط الترابي، وعلى رأسها مخططات التهيئة، التي تقوم بتحديد الاستعمالات الخاصة بالعقارات الموجودة على مستوى المدارات الحضرية، وهي المخططات التي أبانت عن محدوديتها في ضبط السوق العقارية. إذ أن نسبة تنفيذها تبقى ضعيفة من جهة، كما أن الاستثناءات في مجال الترخيص استنزفت في العمق الأهداف الاستراتيجية لمختلف هذه المخططات من جهة أخرى، والدولة لم تواكب هذه المخططات من جانب الاقتناءات العقارية الضرورية لتنفيذ مختلف برامجها. وعلى المستوى الضريبي، لا توجد سياسة واضحة المعالم تستهدف هذا المجال، فعدا بعض الضرائب التي تسعى إلى الحد من الاحتكار العقاري وإعادة توزيع المداخيل من خلال اقتسام الأرباح، تبقى السياسة الضريبية في هذا المجال فارغة من كل عمق استراتيجي، ولا تساهم في ضبط حقيقي لهذا القطاع، بل ساهمت إلى حدود اليوم في ارتفاع كلفة هذه المادة من خلال مختلف الرسوم والضرائب المطبقة على العقار.