من خلال قراءة هذه الأطروحة، تبين سبب رفض صاحبها تسليمها إلى الكلية، إنها عبارة عن مئات الصفحات المستنسخة حرفيا من مطبوعات ومقالات وكتب الغير، وأبحاث أنجزها باحثون آخرون أغلبيتهم فرنسيون، لكن دون ذكرهم ولا الإشارة إليهم، وصار يغالي في الإشارة إلى مصادرها حللها هؤلاء الباحثون.. ومنها كثير من المصادر الإنجليزية، وفي بعض الأحيان مؤلفات باللغة الألمانية التي لا يتقن قراءتها، وهو ما أوقع صاحب الأطروحة في فخ الفضيحة والسرقة العلمية. وهي الطريقة نفسها التي أصبح جل الطلبة في الكلية يستعملونها، حيث يستنسخون البحوث والتحاليل التي يقوم بها الباحثون الفرنسيون الذين يتقنون اللغة الإنجليزية، ثم ينسبون إليهم ما كتبه هؤلاء الفرنسيون. لكن الباحث المتمرن والذي يقرأ البحوث يستطيع الكشف عن هذا النوع من الغش بكل سهولة. بغض النظر عن غياب أي قيمة مضافة لهذه الأطروحة، فإن صاحب الأطروحة لم يحترم أدنى الشروط العلمية التي تسمح لصاحبها بالتسجيل في سلك الدكتوراه، لقد ذكر حوالي 1103 مؤلفا على صفحات الأطروحة، لكن دون تحديد دقيق لمصادرهم: كعنوان المقال أو الكتاب، رقم الصفحة المستغلة، سنة ومكان الطبع.. إلخ، كما أشار إلى إحصائيات وجداول لم يحدد مصادرها، بالإضافة إلى استنساخ صفحات وفصول كاملة من بحوث الغير دون الإشارة إلى المصادر بدقة كما يتطلب ذلك البحث العلمي، وأخيرا لجأ إلى ملء صفحات البيبليوغرافيا بعدد من المراجع (139 مرجعا) لم تستغل في الأطروحة، وهو ما لا يفعله حتى طالب في السنة الأولى بالجامعات الأوربية. وليست هذه الأطروحة الوحيدة التي يجب رفضها ونزع شهادة الدكتوراه من صاحبها كما يقع بالدول المتقدمة، فجل الأطروحات التي قدمت في إطار علوم التسيير في كلية الحقوق بمراكش لا تستوفي أدنى الشروط العلمية لكي يتم قبولها، ومن بينها أطروحات حصلت على جوائز التفوق من طرف الجامعة التي أصبحت تقوم بتبذير المال العام في تشجيع الرداءة في البحث العلمي، ونفس الشيء يحدث مع جوائز التفوق لطلبة الماستر التي تخصص لها عشرات الملايين من السنتيمات رغم أن أعمال هذه البحوث عبارة عن مستنسخات لمطبوعات الغير ولا ترقى حتى إلى بحوث الإجازة في جامعات الدول المتقدمة. إن الذين يتحملون المسؤولية الأولى عن هذه الفضائح هم المؤطرون وأعضاء لجن المناقشة الذين يتواطؤون معهم ولا يقومون بواجبهم المهني. وفي بعض الكليات، نلاحظ احتكار لجن المناقشة من طرف نفس الأشخاص طوال عقود، حتى ولو لم يتوفروا على الاختصاص الضروري لموضوع الدكتوراه، فإن هؤلاء يستعملون هذه الاستراتيجية الغريبة والبدائية خوفا من أن يختلط بهم أحد من ذوي الضمائر المهنية ويفضح أمرهم. والغريب في الأمر أنه لا الأساتذة ولا مسؤولو الجامعة يقبلون نقد الأطروحات، كما هو الشأن في أوربا، إنهم يعتبرونه قذفا وسبا في حق المعني بالأمر، ولا يترددون في توقيع العرائض وكتابة الشكايات في حق من ينتقد رسالة ما ويطالبون رئاسة الجامعة بتوبيخه وتقديمه إلى المجلس التأديبي. وهي حالة تكررت مرارا في كلية الحقوق بمراكش، وقد سبق لرئيس الجامعة «محمد القنيدري» أن صرح لجريد «ليكونومسيت» في 12 أكتوبر 2000 بأنه لا يقبل نقد الأطروحات التي تمت مناقشتها وتجب معاقبة كل من يقوم بذلك.. يا له من نموذج لمسؤول يقمع حرية التعبير؟ ماذا يقول هذا المسؤول الجامعي في حالة الأستاذ الذي كشف عن غش وتضليل قام به وزير الدفاع الألماني في رسالته للدكتوراه؟ حيث كشف الأستاذ عن استنساخ هذا الوزير لبعض الفقرات من مؤلفات مختلفة دون ذكر مصادرها. وبناء على هذا، أجبر الوزير على الاستقالة ونزعت منه الكلية المعنية بالأمر شهادة الدكتوراه، كما تقدمت بشكاية ضده لدى المحكمة بسبب السرقة العلمية. أما في ما يتعلق بالأطروحات المقدمة في الجامعة المغربية، فنلاحظ أن أصحابها يستنسخون حرفيا مئات الصفحات وليس فقط بعض الفقرات من الأعمال العلمية من كتب ومقالات الغير دون احترام حقوق المؤلف، دون استيفاء أدنى الشروط العلمية: ذكر اسم المؤلف، رقم الصفحة، مكان وسنة المطبوعة. ونشير هنا إلى فضيحة أخرى وهي أن بعض الأطروحات التي لا تستوفي حتى أدنى الشروط العلمية تم تتويجها بجائزة تفوق من طرف جريدة يومية تصدر باللغة الفرنسية تريد تشجيع البحث العلمي. يجب على أعضاء اللجنة الذين نصبوا أنفسهم كعلماء للاقتصاد وعلوم التسيير وتكلفوا بانتقاء المتفوقين الوهميين، أن يخصصوا شيئا من الوقت لقراءة الأعمال العلمية التي يريدون تتويجها، ونطلب منهم أن يشرحوا لنا هذه الحقيقة المرة. بغض النظر عن ضعف قيمتها العلمية المضافة، وغياب أدنى الشروط الضرورية لإنجاز بحث علمي حقيقي، فالأطروحة الحاصلة على الجائزة الأولى استنسخت مئات الصفحات من مؤلفات مختلفة دون ذكر المصادر بدقة، أشارت إلى 494 مؤلفا دون تحديد دقيق لمصادرها، بالإضافة إلى ذكر 110 مصادر في صفحات المراجع والتي لا أثر لاستغلالها على صفحات البحث، وهو الخطأ الذي لا يرتكبه حتى طالب السنة الأولى في الجامعات الأوربية. انتهى/ محمد كركاب - أستاذ في كلية الحقوق بمراكش