الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وتمثل التأكيد الرئيسي لقيمة التعامل المالي في حياة المسلم، وفي سلوكه ومعاملاته، فهي حق المال الذي يمتلكه الإنسان، أي تكليفا يتعلق بالمال بقطع النظر عن طبيعة صاحبه، فهي ضريبة على الأموال وليست على الأشخاص بدليل وجوبها على كل الفئات العمرية، بمن فيهم القاصر والمحجور عليه والسفيه والأحمق، حيث تبقى مسؤولية إخراجها على ولي أمرهم، وتؤخذ حسب مصادرها من رؤوس الأموال أو من غلاتها بنسب محدودة. ويؤكد الباحث عبد الكريم بناني، خريج دار الحديث الحسنية، أن هذا الارتباط الذي يمثله هذا الركن بما هو في ملك الإنسان جعل من الزكاة ركنا مغيبا في حياة المسلم بصفة عامة. ويقول المفكر المصري فهمي هويدي: «لسنا نعرف ركنا من أركان الدين لحقه التجاهل والغبن ولاحقته الإساءة مثل فريضة الزكاة»، مضيفا أنها «فريضة غائبة في الوعي العام حاضرة في الوعي الخاص، هي غائبة في الوعي العام من حيث إنها مستبعدة من الحلول المطروحة، سواء لمواجهة الأزمة الراهنة أو لضبط موازين العدل الاجتماعي التي اختلت بشدة، وهي حاضرة في الوعي الخاص من حيث إن قطاعات عريضة من المتدينين شديدة الحرص على أدائها في مواعيدها المقررة كل سنة قبل عيد الفطر، ولكنه أداء مبعثر وغير منظم من ناحية، ثم إنه يتجه عادة إلى الإحسان والصدقات. وبين الغيبة في الوعي العام والقصور الذي ينتاب الفريضة في الوعي الخاص فإن الزكاة تظل معطلة الوظيفة مهدورة القيمة محسوبة من الرصيد الضائع». وعليه يمكن أن نطلق وصفا على فريضة الزكاة بأنها الفريضة المظلومة، وهذا الظلم اللاحق بها يتسبب فيه سوء الوعي بمفاهيمها وبدورها لدى المسلمين وغيرهم. ويؤكد بناني في أحد أبحاثه أن التحليل المالي الاقتصادي يوضح أن الزكاة تفرض على الدخل أو الثروة، ذلك أن النظم الضريبية لم تفرض الضريبة على الدخل أو الثروة إلا حديثا، أي بعد مجيء الإسلام بقرون كثيرة، فالزكاة لا تفرض على الشخص وإنما تفرض على دخله الربحي أو ثروته، مما يجعل الالتزام المالي ليس واقعا على الشخص بدليل أنها لم تفرض إلا على الأغنياء لقوله تعالى: «كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم«. كما اعتبر بناني عدم تحديد مداخيل الزكاة حكمة بالغة في تشريع هذه الفريضة، فالنص القرآني واضح وجلي في تحديد الأصناف التي تجب لهم الزكاة لقوله تعالى: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم». ويتفق الفقهاء على أن الأموال التي تجب فيها الزكاة تتحدد بقاعدة النماء، إضافة إلى مرور الحول وكمال النصاب. وبهذا يستوعب وعاء الزكاة كل أنواع الأموال في المجتمع، التي تتوفر فيها خاصية النماء، وهذا نوع من الشمول يبين العدل الاجتماعي الذي تحققه هذه الفريضة.