يتألف كتاب الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي «البنوك الإسلامية، التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق» الذي صدر عام 2000 عن المركز الثقافي العربي في الدارالبيضاء، من قسمين ومقدمة وخاتمة، بالإضافة إلى مراجع البحث، والذي هو، في الأصل، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في الحقوق. ونقدم في ما يلي محتويات طبعته الأولى بعد إجراء صاحبته بعض التعديلات على الأطروحة. فقد تناولت المؤلفة في القسم الأول «الوضعية القانونية لتأسيس وإدارة البنوك الإسلامية»، واشتمل هذا القسم على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأول حول «الوضعية القانونية لتأسيس البنوك الإسلامية» من حيث الإطار القانوني العام للتأسيس وواقعه؛ وتمحور الباب الثاني حول «إدارة البنوك الإسلامية والرقابة عليها»، بينما تمحور الباب الثالث حول «موارد البنوك الإسلامية» من حيث بيان الموارد العائدة للمساهمين، والموارد المتلقاة من الجمهور. أما القسم الثاني من هذا الكتاب فقد تناولت فيه المؤلفة «أدوات توظيف الأموال في البنوك الإسلامية»، واشتمل هذا القسم أيضا على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأول منها حول «التوظيف بناء على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة» وانتظم القول في هذا المحور من حيث التوظيف بالمضاربة أو تمويل العمل، والتوظيف بالمشاركة أو تمويل المساهمة؛ وتمحور الباب الثاني حول التوظيف بناء على مبدأ الهامش الربحي، وانتظم القول فيه من خلال بيان التوظيف بالبيوع، والتوظيف بالإجارة في البنوك الإسلامية؛ وأما الباب الثالث فتمحور حول «التوظيف بدون هامش ربحي»، وانتظم القول فيه من حيث بيان التوظيف بالقروض عموما، والتوظيف بالقروض في البنوك الإسلامية. تثير المؤلفة في مقدمة هذا الكتاب قضية تحرير الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية في البلاد الإسلامية من تقليد الغرب واتباع سياسته المالية، فبعد أن سيطر الاستعمار سياسيا واقتصاديا وفكريا على هذه البلدان «أصبحت القاعدة هي تقليد كل ما هو غربي باعتباره السبيل الوحيد للتقدم والازدهار بدءا بمجال المال والأعمال ومؤسساته، حيث بث الاستعمار بل فرض مبدأ التعامل بالفوائد بشكل رسمي، لأن الزيادة على أصول القروض كانت موجودة في المجتمعات الإسلامية بأشكال مختلفة (وتتمثل في الحيل المتعددة لتجاوز تحريم الربا). ومع مرور الوقت، ترسخ في الأذهان أنه لامجال للتعامل المالي، دون فوائد ودون بنوك تتعامل بها، وبذلك تحقق هدف من أهداف الاستعمار الأولى وهو التقليص من تطبيق الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، بدعوى أنها غير ملائمة لمستجدات العصر. وتزامنت سياسة الاستعمار المالية القائمة على نظام الفوائد، مع دخول الصناعة والتقنية الحديثة للدول النامية، ومنها الإسلامية بطبيعة الحال، ولم تخل هذه الوضعية من إحداث تنازع إيديولوجي، أدى إلى إعادة النظر في القيم الدينية والحضارية. ذلك أن منظري التنمية الاقتصادية والاجتماعية الغربيين رأوا ومازالوا يرون، أن الوفاء للمعتقدات والممارسات الدينية أمر لايتوافق والتقدم الاقتصادي والاجتماعي (...) ولكن إذا كانت الدول الإسلامية، قد خضعت مع الاستعمار لهذه الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية دون أن تكون حرة في الاختيار، فقد كان من المفروض بعد الاستقلال، أن يطرح المسؤولون والمفكرون فيها، تساؤلات حول هذه الأنظمة، هل هي مناسبة لمجتمعاتهم أم لا؟ لاسيما وأن صورة الأنظمة الاقتصادية الغربية ومؤسساتها، اهتزت وأصبحت سيئة لدى الرأي العام الغربي نفسه، الذي وجه لها انتقادات حادة ومتتالية، واتهم البنوك بصفة خاصة بأنها انتهازية وانتفاعية، فهي إن لم تستطع تعبئة الادخار فلكونها غير كفأة، وعندما ترفض منح القروض وغيرها من التمويلات فهي تخاطر بزبنائها (...)» وترى الباحثة أن الدافع الرئيسي للبحث حول موقف الإسلام الاقتصادي والمالي، هو أن الباحثين والمفكرين المسلمين المهتمين وقفت في وجوههم كل الآفات الاقتصادية التي يعرفها العالم الإسلامي، من بطالة وتضخم وعجز في موازين المدفوعات ومديونية الحكومات، ورأوا أن ذلك راجع بنسبة مهمة إلى انعدام النظام النقدي والبنكي المناسب، باعتباره دعامة كل اقتصاد يهدف الى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتساءلوا والباحثة معهم عن النظام الذي يمكن أن يحقق هذه العدالة، وهل يمكن إقامته وفق ماجاءت به الشريعة الإسلامية؟ بمعنى أن نلغي التعامل بالفائدة أولا وقبل كل شيء لانها نقطة الخلاف الأساسية، وهل إذا جردنا النمط الوضعي من الفائدة، سيصبح بذلك إسلاميا؟ أم هل لابد من إعادة تشكيل كل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية بما يلائم روح وقواعد الشريعة الإسلامية؟ وإذا كان الرد على التساؤل الأخير بالإيجاب، فهل استطاعت البنوك الموجودة التي تقول إنها إسلامية إحداث هذه التغييرات، وبالتالي إيجاد النظام الملائم للشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية أم لا؟. *********** قواعد النظام الاقتصادي الإسلامي بينت المؤلفة، في البداية، القواعد التي يقوم عليها النظام الاقتصادي الإسلامي في تصوره للمال ولحق الملكية وهي: أن الله تعالى مالك كل شيء والإنسان مستخلف في هذه الملكية، وأنّ المال ليس سلعة وإنما وسيلة للوصول إلى غايات معينة، وملكيته ماهي إلا أداة للوصول إلى هذه الغايات، ولذلك لا يمكن أن تنتج عنه أي مردودية، إلا إذا تحمل مخاطر الربح والخسارة، أي إلا إذا اقترن بالعمل الذي يحتل مكانة هامة ورئيسية في الدورة الاقتصادية في هذا النظام، وأنّ المال يجب أن يكتسب من الحلال وأن يستخدم في الحلال والإنسان هو الرّقيب الأول عليه، والالتزام باقتسام الثروة عن طريق الزكاة والإرث وغيرهما، لأنّ الغرض من الادخار هو توظيفه فيما يزيد من الإنتاج الموجود، أو يخلق إنتاجا جديدا بغية تغطية متطلبات الحياة في المجتمع، وحق الدولة في التدخل في الكسب والاستثمار بما ترى فيه الصالح العام، وأنّ مفهوم الملكية في الإسلام لا يتميّز بالفردية كما هو الحال في التصوّر الرأسمالي، بل يدور حول فكرة الجماعة، ولكن ليس بتصوّر النظام الاشتراكي، فالإسلام يهدف إلى حماية الفرد داخل الجماعة ويرفض التفرقة ويحضّ على التعاون؛ وتقييد طرق الكسب والاستخدام، بتحريم التعامل بالربا والاكتناز والإسراف، والغش والاحتكار، وكل تصرّف ينطوي على الغرر والاستغلال والجهالة المفضية للنزاع. تقول المؤلفة: «وتبيّن لنا هذه القواعد، من جهة، أن الاقتصاد الإسلامي عوّضَ الربا بالربح الناتج عن المشاركة، وبذلك فإن مكافأة رأس المال فيه، لا تتحدد بقوّة المستفيد على ردّ رأس المال وفوائده، وإنما بقوّة المردودية المنتظرة من المشروع المموّل وكفاءة صاحبه الذي يعد شريكا فيه. ومن جهة أخرى، مميّزات هذا الاقتصاد وأهدافه التي لا يمكن معها وصفه بأنه اقتصاد رأسمالي، نظرا للقيود التي تؤطر استخدام المال وملكيته فيه، ولا بأنه اشتراكي نظرا للقيود التي تحدّ من حرية الجماعة فيه، وبذلك يعطينا نموذجاً جديداً للتنمية، قائمة على علاقات متميزة بين رأس المال والعمل تتمثل في المشاركة وتوزيع المخاطر. ويرى أحد الباحثين أن الدول الإسلامية إذا تبنّت هذا النظام الاقتصادي، فإنها ستعطي لنفسها نمطا خاصا يفترض تحقيق عدة أنشطة اقتصادية تقليدية وحديثة، كما سيخرج المسلمين من قوقعتهم، لتقديم مدخراتهم لنظام متناسب مع أفكارهم ومعتقداتهم، ويلتقي الأستاذ علال الفاسي في هذه النقطة مع هذا الباحث ويرى أنه رغم انتشار البنوك والمؤسسات المالية التقليدي في الدول الإسلامية وتعامل الناس معها، فإن هؤلاء المتعاملين نسبتهم قليلة إذا قورنت بنسبة غير المتعاملين ونعتقد أن هذه الوضعية راجعة للحيرة التي عاشها الناس ومازالوا، في مواجهة قضية الفوائد البنكية التي كرسها اختيار الدول الإسلامية للنموذج الغربي للبنوك والمؤسسات المالية، وهو اختيار لم يستطع القضاء على اقتناع أغلبية الناس، بأن الإسلام يحرّم الزيادة على القرض ويعتبرها ربا» (ص 16) البنوك الإسلامية: الأهداف والخصائص وتمهيدا لما سيأتي في صلب البحث، تحدّثت المؤلفة عن تطوّر العمل البنكي التقليدي وخصائصه ووظائفه، ثم عن تطور العمل البنكي في الدول الإسلامية بصفة عامة، وبعد ذلك عن ظهور «البنوك الإسلامية» تاريخيا وختمت بالتعريف ب «البنك الإسلامي» من حيث أهدافه وخصائصه ووظائفه وأنواعه. تقول، مثلا، عن خصائص البنوك الإسلامية إنها تتفرع «عن قاعدة أساسية، هي الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وهذا يعني أنّ خاصيتها الأولى هي عدم استخدام الفائدة في كل أعمالها، والثانية أنه لايكفيها إلغاء الفائدة وإنما الالتزام بقاعدة الحلال والحرام، أي عليها ألا تستثمر أموالها ولاتشارك إلا في التوظيفات التي يحلها الإسلام والثالثة أن تعطي كل جهدها للمشروعات النافعة، محاولة منها في تنمية التجارة والصناعة والزراعة بشكل تنتفع به هي والمتعاملون معها، سواء كانوا أصحاب ودائع أو مستثمرين، بحثا منها عن تحقيق الصالح العام. والرابعة، أن تعمل على تعبئة الادخار المجمد في العالم الإسلامي، لاسيما الصغير منه، والذي كان مبعدا عن التعامل مع البنوك التقليدية، لأسباب مختلفة، إما لأن هذه الأخيرة ترفضه لقلة أهميته أو لتخوّف أصحابه من ارتكاب ذنب التعامل بالفوائد» (ص 27). وأما أهداف هذه البنوك فتبدأ «بالتصور العام لهذه الأهداف، وهو الالتزام بمقاصد الشريعة واستخدام وسائل في العمل تتلاءم معها، بهدف تحقيق «نقلة حضارية اقتصادية ومالية واجتماعية وسلوكية من منظور إسلامي مما يحقق التنمية وفق المقاصد والمعايير الشرعية»، حسب ما ورد في توصيات المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية(...) وذلك لأن أساس عمليات الاستثمار في المفهوم الاقتصادي الإسلامي هو الرفع من المستوى المعيشي للأفراد داخل المجتمع، والوصول إلى التنمية المتكاملة، وما البنك الإسلامي إلا وسيلة للوصول إلى هذا الهدف في الواقع، أو على الأقل للمساعدة على تطبيقه. وفي ظل هذا التصور العام تنتظم أهداف «البنك الإسلامي» في محورين أساسيين، المحور الأول يضم الأهداف المشتركة، وهي: جمع الادخار وإحلال الطرق الإسلامية محل نظام الفوائد سواء في العمليات أو الخدمات، وتحقيق الربح من وراء ذلك كله. والثاني يضم الأهداف الخاصة بكل بنك، والمنبثقة عن طبيعته أو غرضه، كأن تكون طبيعة البنك تنموية أو تعاونية أو كان غرضه تشجيع نوعية معينة من الاستثمارات أو أي غرض أو أغراض خاصة أخرى»(ص 29). حاولت الباحثة، في معالجتها لمختلف هذه النقط، تقصّي حقيقة هذه البنوك نظريا وعمليا، وهي تعتقد أن ذلك لن يتوضح بما فيه الكفاية دون مقارنتها بالبنوك التقليدية كلما لزم الأمر، وبناء عليه فقد نظرت إليها نظرة شكلية وأخرى موضوعية، تهتم الأولى بتأسيسها وهياكلها ومواردها والثانية بأدواتها ونتائج ومشاكل كل أداة منها، محاولة الوقوف على حقيقتها باعتبارها مؤسسات شغلت فكر المهتمين بمختلف اتجاهاتهم وتخصصاتهم. وتقول عن العيّنة التي اختارت التعرّض إليها في هذا البحث «ونرى أنه لابد من الإشارة إلى أنه بالنظر إلى الأعداد المتزايدة من البنوك، فإن هذه الأطروحة تنطلق من دراسة عيّنة مختارة منها وهي: بنك فيصل الإسلامي المصري، وبنك فيصل الإسلامي السوداني، ومصرف فيصل الإسلامي البحرين، وبنك البحرين الإسلامي، وبنك دبي الإسلامي، وبنك التنمية التعاوني الإسلامي السوداني، وبنك التضامن الإسلامي السوداني، والبنك الإسلامي الأردني للتمويل والاستثمار، وبيت التمويل الكويتي، وبيت التمويل السعودي التونسي، وبنك البركة الموريتاني، ودار المال الإسلامي. بالإضافة إلى البنك الإسلامي للتنمية، الذي يعتبر بنكا إسلامياً نموذجيا، وبنك ناصر الاجتماعي باعتباره بنكا إسلامياً عاما، وبنوك الادخار المحلية المصرية، التي تعد اللبنة الأساسية «للعمل المصرفي الإسلامي» الحديث. وأخيراً البنوك في الدول الإسلامية، التي حاولت «أسلمة» أنظمتها المالية والبنكية، علما بأننا إذا تعرّضنا «لبنوك إسلامية» أخرى خارج هذه العينة، فسيكون ذلك على سبيل المقارنة ليس غير. ولقد راعينا في اختيار هذه العيّنة من «البنوك الإسلامية» عدّة اعتبارات، أهمها: أنها هي الرّائدة في الدول التي توجد بها تاريخياً، وتمثل مختلف الدول الإسلامية التي تعرف هذه التجربة جغرافياً، وتعبر عن مختلف أنواع هذه البنوك من حيث طبيعتها القانونية»(ص37). القانون المنظم للبنوك في المغرب وتذكر المؤلفة العناصر التي تكوّن تصوّر الفقه الإسلامي للشركات، وتقول إنّ هذه العناصر هي التي «بنى عليها المتحفظون موقفهم، من اتخاذ «البنوك الإسلامية» لشكل شركة المساهمة، وطالبوها بعدم التقيّد به، لأنه ليس من مصلحتها. وأنه لابد من إمدادها بإطار مرن(...) ونعتقد أن هذا الرأي الأخير غير مقنع، لأنّ شكل شركة المساهمة لا يمنع من أن يكون البنك مملوكا للدولة بصفته بنكا، كما لايمكن للبنك، أن يأخذ شكل الجمعيات، التي تتميز بقواعدها القانونية وتنظيماتها الخاصة، سواء من حيث التعريف، أو الشروط الشكلية، والجوهرية أيضا، خاصة ما يتعلق بتلقي الأموال من الجمهور. أما المطالبة بتأسيس «بنوك إسلامية» تعاونية فالمسألة تتعلق هنا بالغرض من البنك وليس بشكله القانوني. ومع ذلك، فإن مردّ هذه المطالبة، هو مشكلة تعارض مصالح المساهمين، وأصحاب الودائع، والمتعاملين، في ظل شركة المساهمة، حيث تختص الفئة الأولى باتخاذ القرار، بينما في الشركات التعاونية، يكون لكل مساهم صوت واحد ومهما بلغ عدد أسهمه، وهذه الخاصية أقرب إلى تصور الشركة في الفقه الإسلامي، لأنها تحول دون تمكين طبقة معينة من كبار المساهمين من التدخل في تسيير الشركة والسيطرة عليها. ولكن مهما كان هذا السبب معقولاً، فقانونيا لابد من الامتثال لمايطلبه القانون كشكل لإنشاء البنوك، ولكن لابأس من أن يكون البنك المؤسس كشركة مساهمة، تعاونياً بالنظر إلى غرضه، كما هو الحال بالنسبة لبنك التنمية التعاوني الإسلامي السوداني الذي أنشئ سنة 1983 بقانون صدر سنة 1982 أكد على طبيعته التعاونية. أما بالنسبة للمغرب، مثلا، فإذا كان أمر إنشاء بنك من هذا النوع فيه، متوقفا فقط على قضية الشكل القانوني، فإننا لانرى أيّ تعارض بين شكل «البنوك الإسلامية»، والشكل الذي يتطلبه القانون المغربي في البنوك، فقد احتفظ قانون 1993 المنظم لمؤسسات الإئتمان التي تضم البنوك وشركات التّمويل، بشكل شركة المساهمة ذات رأس المال الثابت، في فصله 29، الذي يقابل الفصل 9 من قانون 1967 المنظم للمهنة البنكية، مع استثنائه للهيآت التي يمنحها القانون تنظيما خاصا. والملاحظ أن تمسك القانون المغربي، بشكل شركة المساهمة بالنسبة للبنوك، كان من الأسباب التي بني عليها رفض السلطات المغربية المختصّة، للطلب الذي سبق وتقدّمت به دار المال الإسلامي، لإنشاء بنك إسلامي بالمغرب. حيث أرادت له أن يتخذ شكل الشركة ذات المسؤولية المحدودة، وهو ما يخالف من جهة القانون المنظم للبنوك في المغرب، ومن جهة أخرى، يتعارض مع قانون المغربة لسنة 1973 الذي نصّ على أنّ المساهمين في هذه الشركة يجب أن يكونوا أشخاصا طبيعيين مغاربة». (ص 55-54). المعاملة التفضيلية الممنوحة للبنوك الإسلامية وتتحدث المؤلفة عن المعاملة التفضيلية الممنوحة للبنوك الإسلامية والتي ذهبت في ثلاثة مسالك، يضم الأوّل، الإعفاءات الضريبية، والثاني الاستثناءات من سريان بعض القوانين عليها، والثالث الامتيازات بالنسبة لبعض التصرفات المعينة. ونتج عن ذلك إقبال الجمهور عليها، سواء بالمساهمة في رؤوس أموالها أو التعامل معها، الشيء الذي أثار البنوك الأخرى فقامت تطالب بحق التمتع بنفس المعاملة أو حرمان «البنوك الإسلامية» منها، المعاملة مما خلق مشاكل داخل الدول التي تعمل فيها المجموعتان. وفعلا تخوفت السلطات المغربية، عندما طرح عليها أمر إنشاء «بنك إسلامي» في المغرب في السبعينيات، من مسألة المعاملة التفضيلية هذه، وما قد ينتج عنها من صعوبات، واعتمدت عليها كأحد الأسباب القانونية، التي تحول دون إقامة مثل هذا البنك في المغرب، على أساس أنّ دار المال الإسلامي طالبت في اقتراحها بإعفاءات ضريبية كاملة، وهي مسألة تتنافى أصلا وبصرف النظر عن مشاكلها، مع القوانين الضريبية المغربية التي تسري في حق البنوك» (ص56). إدارة البنوك الإسلامية وعند حديث الباحثة عن إدارة البنوك الإسلامية، تعرّضت لمختلف المصالح الإدارية وكيفية عملها وتنظيمها في «البنوك الإسلامية» مقارنة بالبنوك التقليدية، ومن هذه المصالح مصلحة الاستثمارات، والمصلحة القانونية، والمصلحة المالية، ومصلحة الزكاة.. كما تعرّضت لمشاكل الإدارة في البنوك الإسلامية. وحددت، بعد ذلك، مفهوم رقابة البنك المركزي، وأدواته وإمكانية تمديدها للبنوك الإسلامية، وواقع تدخل البنوك المركزية في البنوك الإسلامية، ومفهوم الرقابة الشرعية وهي «من الأمور الجديدة، التي أتت بها «البنوك الإسلامية»، وهي تمارس من قبل هيأة تعد من جهة، جزءا من مكونات هياكل التسيير والعمل، ومن جهة أخرى، سلطة مكلفة بالرقابة، وهي رقابة خاصة بهذه البنوك، ويمكن اعتبارها استئنافية، إذا قورنت بأنواع الرقابة العادية، التي تخضع لها البنوك التقليدية، وإضافية بالنسبة «للبنوك الإسلامية»، باعتبارها تخضع لرقابة البنك المركزي، ومدققي الحسابات» (ص 154). ويفرض الحديث عن إدارة «البنوك الاسلامية» وقواعد تسييرها، البحث في نقطة أساسية، بدونها لاتقوم للبنك قائمة، وهي الجانب المالي، ولذلك تساءلت الباحثة عن ماهية موارد هذه البنوك، ومن أين تأتي، وهل يتدخل القانون في تنظيمها، وهل لهذا التدخل إن وجد، صورة خاصة، أن هو مجرد تمديد لما يجري العمل به في البنوك التقليدية. وعموما تتكون موارد البنوك كما تقول المؤلفة من رأس المال، والاحتياطيات، والودائع، وغيرها، من العمولات والأجور والرسوم، والمبالغ المقترضة، والشيكات، والحوالات المستحقة الدفع، ومخصصات أخرى. وتعد هذه الموارد مجتمعة، القاعدة التي يقوم عليها المركز المالي للبنك، والذي يعمل جاهدا على دعمها وباستمرار. موارد البنوك الإسلامية وإذا كانت موارد البنوك التقليدية، تعود في أكبر جزء منها للودائع بكل أنواعها، والتي يعتبر أصحابها دائنين لها بها، فإن أصحاب الودائع لدى «البنوك الإسلامية» يعدون شركاء وليسوا دائنين، ولذلك فعند تحديد موارد «البنك الاسلامي»، لابد من أخد الودائع أيضا بعين الاعتبار. وتقول مثلا عن تطور حجم الودائع في البنوك الاسلامية: «تهدف البنوك الاسلامية» كالتقليدية الى الوصول للادخار الوطني وجمعه، لأنه الممول الأول لكل عملياتها مهما كان مجالها، وبه تنجز توظيفاتها، عن طريق توجيهه نحو المسالك الاستثمارية. ومن أجل ذلك حاولت هذه البنوك ومنذ البداية، تطوير وسائلها في العمل، بالشكل الذي يجتذب أكبر عدد من المدخرين والمتعاملين، علما بأن عرض الإدخار والطلب عليه، مرتبط في النمط التقليدي بأسعار الفوائد الحقيقية. وأدت محاولات «البنوك الإسلامية» في اجتذاب الإدخار، الى تطور حجم مختلف أنواع الودائع لديها، وتتبعت الباحثة هذا التطور منذ بداية التجربة في أوائل الستينيات الى أوائل التسعينيات، لتوضيح النتائج التي حققتها هذه البنوك في تعبئة الادخار وجمعه. تقول الباحثة: «وتطرح بالنسبة «للبنوك الاسلامية، في هذه النقطة، مشكلة ذات شقين؛ الأول: هو استثمار الودائع تحت الطلب بشكل مربح. والثاني: هو التوفر في نفس الوقت، على السيولة اللازمة لمواجهة سحب هذه الودائع. ولكن الملاحظ، هو أنها عرفت إقبالا كبيرا من الجمهور، وانهالت عليها الودائع، حتى اضطرت بعضها الى رفض تلقيها، نظرا للقدر الهائل من السيولة التي كانت تتوفر عليها، والتي كانت وسائلها وأسواقها المحلية أضيق من أن تمتصها بالكامل، فهي أصلا تتوفر على فائض في السيولة، إن لم يستخدم، فإنه يبقى مجمدا وبالتالي غير منتج، مما يلحق ضرراً بها وبالمودعين. وهو شكل لا تعرفه البنوك التقليدية، لأنها تستطيع إيداع فائض السيولة لديها، لدى بعضها ولو ليوم واحد، وتحصل على نتاج الإيداع في صورة فائدة، وهو ما لا يمكن «للبنوك الإسلامية» القيام به، إلا إذا كانت ستودع هذا الفائض لدى بعضها دون فائدة، والتي يحل محلها العائد الموزع على المودعين، كما في حالة الودائع الاستثمارية. ولكن هذا الحل يتطلب فترات طويلة، لإنجاز العمليات وتصفية الحسابات، للوصول إلى هذا العائد، مما يفرض إيجاد أدوات تتمكن «البنوك الإسلامية» بواسطتها من تحويل الودائع تحت الطلب إلى استثمارات على المدى الطويل، مع احتفاظها بمعدلات سيولة عادية. أما مشكلة الودائع الاستثمارية، فترجع لطبيعة استخدامها من طرف «البنوك الإسلامية»، التي تستثمر ولا تقرض، وبالتالي فمردوديتها مرتبطة بإنتاجية المشروعات التي تموّلها، مما يجعل قضية الأجل فيها وحساب الناتج عليها قضية غير مضبوطة، رغم الحرص على دراسة جدوى المشروعات من قبل المختصّين، ومتابعة التنفيذ من البعد، لأنها قد لاتجد استثمارات قادرة على استيعابها، سواء من حيث القيمة أو تطابق الآجال، مما يؤدّي إلى تجميد هذه السيولة، وهي وضعية غير موجودة في البنوك التقليدية، لأن الودائع لأجل لديها، لا علاقة لها بأي مشروع معيّن، ولا يتوقف إرجاعها على مردوديته، فهي تقرضها فقط، ولذلك فهي تعمد إلى التوفيق بين الأجل المحدد للودائع، والأجل الممنوح للقروض. ومع ذلك قد تصادف صعوبات فيما يخص السيولة، عندما توظف الودائع لأجل قصير في قروض على المدى الطويل. والملاحظ أخيرا، هو أن مشكلة مواجهة طلبات السحب اليومية، ليست حادة في «البنوك الإسلامية»، نظرا لتوفرها على سيولة كافية لتغطية هذه الطلبات، ناتجة عن الودائع المتزايدة التي تتلقاها، والتي تفوق بكثير فرص الاستثمار، سواء في الدول المصدرة لرؤوس الأموال أو المستوردة لها. ومع ذلك من الضروري وضع معايير لطرق التوظيف التي تعمل بها هذه البنوك، تؤدّي إلى تطابق آجال الودائع مع آجال التوظيفات، وتمكن البنوك من تحويل بعض أصولها إلى سيولة، إذا لم يحصل هذا التطابق. ويتطلب وضع المعايير، التركيز على مبدأ التطابق هذا، وإعطاءه الوسائل الكفيلة لتنفيذه، والعمل على تطوير الوسائل الموجودة، بالشكل الذي يمكن «البنوك الإسلامية» من إنهاء الاستثمارات قبل حلول أجل الودائع، حتى تتوفر على السيولة اللازمة لردّها. وأخيرا العمل على تطوير أدوات وأجهزة السوق الثانوي، وهي التعبير الطبيعي عن الخروج من الاستثمار قبل مدته بحلول مستثمر آخر محلّ المستثمر الرّاغب في الخروج، وهي نفس الفكرة التي تقوم عليها شركات الاستثمار ذات رأس المال القابل للتغيير. فضلا عن ضرورة وجود مشروعات مدروسة ومهيأة، تستخدم فيها «البنوك الإسلامية» الأموال اللازمة بمجرد توفرّها عليها، لأنّ ذلك أفضل من أن تجعل الأموال تنتظر المشروعات. 1/2 يتبع