توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    تفكيك أطروحة انفصال الصحراء.. المفاهيم القانونية والحقائق السياسية    مجموعة بريد المغرب تصدر طابعا بريديا خاصا بفن الملحون    بيدرو سانشيز: إسبانيا تثمن عاليا جهود الملك محمد السادس من أجل الاستقرار الإقليمي    السعودية .. ضبط 20 ألفا و159 مخالفا لأنظمة الإقامة والعمل خلال أسبوع    المجلس الأعلى للدولة في ليبيا ينتقد بيان خارجية حكومة الوحدة ويصفه ب"التدخل غير المبرر"    الأستاذة لطيفة الكندوز الباحثة في علم التاريخ في ذمة الله    الأمن في طنجة يواجه خروقات الدراجات النارية بحملات صارمة    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب"ازدواجية المعايير" على خلفية انتقاده ضرباتها في غزة    المغرب أتلتيك تطوان يتخذ قرارات هامة عقب سلسلة النتائج السلبية    أمسية فنية وتربوية لأبناء الأساتذة تنتصر لجدوى الموسيقى في التعليم    لقاء بوزنيقة الأخير أثبت نجاحه.. الإرادة الليبية أقوى من كل العراقيل    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    التوافق المغربي الموريتاني ضربة مُعلمَين في مسار الشراكة الإقليمية    من الرباط... رئيس الوزراء الإسباني يدعو للاعتراف بفلسطين وإنهاء الاحتلال    مسؤولو الأممية الاشتراكية يدعون إلى التعاون لمكافحة التطرف وانعدام الأمن    المناظرة الوطنية الثانية للجهوية المتقدمة بطنجة تقدم توصياتها    توقع لتساقطات ثلجية على المرتفعات التي تتجاوز 1800 م وهبات رياح قوية    سابينتو يكشف سبب مغادرة الرجاء    الممثل القدير محمد الخلفي في ذمة الله    ال"كاف" تتحدث عن مزايا استضافة المملكة المغربية لنهائيات كأس إفريقيا 2025    ألمانيا تفتح التحقيق مع "مسلم سابق"    الدرك الملكي يضبط كمية من اللحوم الفاسدة الموجهة للاستهلاك بالعرائش    التقلبات الجوية تفرج عن تساقطات مطرية وثلجية في مناطق بالمغرب    مدان ب 15 عاما.. فرنسا تبحث عن سجين هرب خلال موعد مع القنصلية المغربية    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    توقيف شخص بالناظور يشتبه ارتباطه بشبكة إجرامية تنشط في ترويج المخدرات والفرار وتغيير معالم حادثة سير    علوي تقر بعدم انخفاض أثمان المحروقات بالسوق المغربي رغم تراجع سعرها عالميا في 2024    جلسة نقاش: المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة.. الدعوة إلى تعزيز القدرات التمويلية للجهات    نشرة إنذارية: تساقطات ثلجية على المرتفعات وهبات رياح قوية    الحوثيون يفضحون منظومة الدفاع الإسرائيلية ويقصفون تل أبيب    أميركا تلغي مكافأة اعتقال الجولاني    بطولة انجلترا.. الإصابة تبعد البرتغالي دياش عن مانشستر سيتي حوالي 4 أسابيع    "فيفا" يعلن حصول "نتفليكس" على حقوق بث كأس العالم 2027 و2031 للسيدات        مهرجان ابن جرير للسينما يكرم محمد الخياري    دراسة: إدراج الصحة النفسية ضمن السياسات المتعلقة بالتكيف مع تغير المناخ ضرورة ملحة        اصطدامات قوية في ختام شطر ذهاب الدوري..    بريد المغرب يحتفي بفن الملحون    العرض ما قبل الأول للفيلم الطويل "404.01" للمخرج يونس الركاب    الطّريق إلى "تيزي نتاست"…جراح زلزال 8 شتنبر لم تندمل بعد (صور)    جويطي: الرواية تُنقذ الإنسان البسيط من النسيان وتَكشف عن فظاعات الدكتاتوريين    مراكش تحتضن بطولة المغرب وكأس العرش للجمباز الفني    طنجة: انتقادات واسعة بعد قتل الكلاب ورميها في حاويات الأزبال    كودار ينتقد تمركز القرار بيد الوزارات    مؤتمر "الترجمة والذكاء الاصطناعي"    البنك الدولي يدعم المغرب ب250 مليون دولار لمواجهة تغير المناخ    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    المستشفى الجامعي بطنجة يُسجل 5 حالات وفاة ب"بوحمرون"    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البنوك الإسلامية التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق 2/2
نشر في العلم يوم 22 - 05 - 2009

يتألف كتاب الدكتورة عائشة الشرقاوي المالقي «البنوك الإسلامية، التجربة بين الفقه والقانون والتطبيق» الذي صدر عام 2000 عن المركز الثقافي العربي في الدار البيضاء، من قسمين ومقدمة وخاتمة، بالإضافة إلى مراجع البحث، والذي هو في الأصل، أطروحة لنيل شهادة دكتوراه دولة في الحقوق. ونقدم في ما يلي محتويات طبعته الأولى بعد إجراء صاحبته بعض التعديلات على الأطروحة.
فقد تناولت المؤلفة في القسم الأوّل «الوضعية القانونية لتأسيس وإدارة البنوك الإسلامية» واشتمل هذا القسم على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأول حول «الوضعية القانونية لتأسيس البنوك الإسلامية» من حيث الإطار القانوني العام للتأسيس وواقعه؛ وتمحور الباب الثاني حول «إدارة البنوك الإسلامية والرقابة عليها»، بينما تمحور الباب الثالث حول «موارد البنوك الإسلامية» من حيث بيان الموارد العائدة للمساهمين، والموارد المتلقاة من الجمهور.
أما القسم الثاني من هذا الكتاب فقد تناولت فيه المؤلفة «أدوات توظيف الأموال في البنوك الإسلامية» واشتمل هذا القسم أيضا على ثلاثة أبواب. تمحور الباب الأوّل منها حول «التوظيف بناء على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة» وانتظم القول في هذا المحور من حيث التوظيف بالمضاربة أو تمويل العمل، والتوظيف بالمشاركة أو تمويل المساهمة؛ وتمحور الباب الثاني حول التوظيف بناء على مبدأ الهامش الرّبحي، وانتظم القول فيه من خلال بيان التوظيف بالبيوع، والتوظيف بالإجارة في البنوك الإسلامية، وأما الباب الثالث فتمحور حول «التوظيف بدون هامش ربحي» وانتظم القول فيه من حيث بيان التوظيف بالقروض عموما، والتوظيف بالقروض في البنوك الإسلامية.
تثير المؤلفة في مقدمة هذا الكتاب قضية تحرير الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية في البلاد الإسلامية من تقليد الغرب واتباع سياسته المالية، فبعد أن سيطر الاستعمار سياسيا واقتصاديا وفكريا على هذه البلدان «أصبحت القاعدة هي تقليد كل ما هو غربي باعتباره السبيل الوحيد للتقدم والازدهار بدءا بمجال المال والأعمال ومؤسساته، حيث بث الاستعمار بل رفض مبدأ التعامل بالفوائد بشكل رسمي، لأن الزيادة على أصول القروض كانت موجودة في المجتمعات الإسلامية بأشكال مختلفة (وتتمثل في الحيل المتعددة لتجاوز تحريم الربا). ومع مرور الوقت، ترسخ في الأذهان أنه لا مجال للتعامل المالي، دون فوائد ودون بنوك تتعامل بها، وبذلك تحقق هدف من أهداف الاستعمار الأولى وهو التقليص من تطبيق الشريعة الإسلامية في المعاملات المالية، بدعوى أنها غير ملائمة لمستجدات العصر.
وتزامنت سياسة الاستعمار المالية القائمة على نظام الفوائد، مع دخول الصناعة والتقنية الحديثة للدول النامية، ومنها الإسلامية بطبيعة الحال، ولم تخل هذه الوضعية من إحداث تنازع إيديولوجي، أدى إلى إعادة النظر في القيم الدينية والحضارية. ذلك أنّ منظري التنمية الاقتصادية والاجتماعية الغربيين رأوا ومازالوا يرون، أنّ الوفاء للمعتقدات والممارسات الدينية أمر لا يتوافق والتقدم الاقتصادي والاجتماعي (...) ولكن إذا كانت الدول الإسلامية، قد خضعت مع الاستعمار لهذه الأفكار والأنظمة الاقتصادية والمالية دون أن تكون حرّة في الاختيار، فقد كان من المفروض بعد الاستقلال، أن يطرح المسؤولون والمفكرون فيها، تساؤلات حول هذه الأنظمة، هل هي مناسبة لمجتمعاتهم أم لا؟ لا سيما وأن صورة الأنظمة الاقتصادية الغربية ومؤسساتها، اهتزت وأصبحت سيّئة لدى الرأي العام الغربي نفسه، الذي وجه لها انتقادات حادّة ومتتالية، واتهم البنوك بصفة خاصة بأنها انتهازية وانتفاعية، فهي إن لم تستطع تعبئة الادخار فلكونها غير كفأة، وعندما ترفض منح القروض وغيرها من التمويلات فهي تخاطر بزبنائنا (...)»..
وترى الباحثة أن الدافع الرئيسي للبحث حول موقف الإسلام الاقتصادي والمالي، هو أن الباحثين والمفكرين المسلمين المهتمين وقفت في وجوههم كل الآفات الاقتصادية التي يعرفها العالم الإسلامي، من بطالة وتضخم وعجز في موازين المدفوعات ومديونية الحكومات، ورأوا أن ذلك راجع بنسبة مهمة إلى انعدام النظام النقدي والبنكي المناسب، باعتباره دعامة كل اقتصاد يهدف إلى تحقيق العدالة الاقتصادية والاجتماعية، وتساءلوا والباحثة معهم عن النظام الذي يمكن أن يحقق هذه العدالة، وهل يمكن إقامته وفق ما جاءت به الشريعة الإسلامية؟ بمعنى أن نلغي التعامل بالفائدة أولا وقبل كل شيء لأنها نقطة الخلاف الأساسية، وهل إذا جرّدنا النمط الوضعي من الفائدة، سيصبح بذلك إسلاميا؟ أم هل لابد من إعادة تشكيل كل الهياكل الاجتماعية والاقتصادية بما يلائم روح وقواعد الشريعة الإسلامية؟ وإذا كان الردّ على التساؤل الأخير بالإيجاب، فهل استطاعت البنوك الموجودة التي تقول إنها إسلامية إحداث هذه التغييرات، وبالتالي إيجاد النظام الملائم للشريعة وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية أم لا؟
************
أدوات توظيف الأموال في البنوك الإسلامية
تطرقت المؤلفة، في القسم الثاني من هذا الكتاب، لأدوات توظيف الأموال في البنوك الاسلامية، حيث بينت أن هذه الأدوات تخضع مبدئيا لقواعد الشريعة الاسلامية، وما يمكن اسنتباطه منها، بهدف الوصول الى استثمار المال في الميادين المباحة شرعا، وإخضاعه لقاعدة «الغنم بالغرم»، وتنويعه بين ميادين مختلفة، بالشكل الذي يضمن مردودية معقولة، ويقلل من المخاطر أكثر ما يمكن. وبناء عليه تعرضت المؤلفة، في هذا القسم، بالدراسة والتحليل النظري والعملي، ليس لكل أداة على حدة، وإنما على أساس المبادئ التي تؤطرها، أي أنها جمعت الأدوات المشتركة تحت مبدأ معين، في باب خاص. فأتى التقسيم على النحو التالي: الباب الأول خصصته لمبدأ المشاركة في الربح والخسارة، والثاني: لمبدأ التمويل مع الهامش الربحي. والثالث: للتمويل بدون هامش ربحي. علما بأنها لم تتعرض للأدوات الحديثة التي شرعت بعض «البنوك الاسلامية» في استخدامها، وهي ما يطلق عليها «الأدوات المشتقة»، لأن استخدامها مازال في بدايته، ولم ينتشر بما فيه الكفاية التي تمكن من ضبطه وتقديره، كما أنها لم تتطرق للخدمات التي تقدمها هذه البنوك، مثل: الاعتمادات المستندية، وخطابات الضمان،
والتعامل في الأوراق التجارية والمالية، والصرف، وتأجير الخزائن، مكتفية بالإشارة إليها كلما دعت الضرورة لذلك. لأن تصورها للموضوع فرض عليها كما قالت التركيز على النقط التي أثارت الجدل والخلاف والمشاكل نظريا وعمليا.
أوضحت المؤلفة أن رأس المال يستحق عائدا معينا، سواء في الاقتصاد الوضعي أو «الإسلامي»، ويشترط له هذا الأخير، أن يساهم فعلا في الإنتاج، وأن يتمثل في نسبة شائعة من الأرباح المتحققة، أي يجب ألا يأخذ بشكل الفائدة المحددة مسبقا. ويتحدد الربح في التصور الإسلامي، في كونه الزيادة على رأس المال، المتحققة من استخدامه، في عملية أو عمليات مقبولة شرعا. ويختلف مبلغه بحسب حجم رأس المال المستعمل، ومخاطر العملية. ويتم الحصول عليه، بأساليب تتيح نوعا من التكافؤ في تحقيق المكاسب، أهمها: أسلوب المضاربة والمشاركة، القائم على مبدأ المشاركة في الأرباح والخسائر، وهو ما اختارته «البنوك الإسلامية»، كأساس لعملها، عوض التعامل في النقود، والديون، على سبيل الاتجار، كما هو الحال في البنوك التقليدية. وحاولت المؤلفة الوقوف على طبيعة هذه الأدوات وكيفية استخدامها ونتائجها ومشاكلها.
وفي هذا السياق، أكدت أن مكافأة الإنتاج في «الاقتصاد الإسلامي» تتحدد في الربح والأجر، ويجد الأول تنظيماته في عدد من العقود أهمها بالنسبة للباحثة، عقد المضاربة، الذي يعد من الأدوات التمويلية في الإسلام، نظمه الفقهاء وأرسوا قواعده التي تمتاز بالمرونة في التطبيق، فقد برزت المضاربة كأحد البدائل الأساسية للتعامل بالفوائد، التي توصلت إليها «البنوك الإسلامية». وللتعرف على طبيعتها، وكيفية استخدامها، ضبطت المؤلفة مفهومها نظريا وهو ما تعرضت له في فرع أول، لتصل في فرع ثان الى تطبيقها العملي ونتائجه ومشاكله.
كما أكدت أن الشريعة الإسلامية تعتبر رأس المال من عناصر الإنتاج، وتسمح له بجر منفعة معينة لصاحبه، ولكن ليس عن طريق الفائدة المسبقة، وإنما عن طريق الفائدة اللاحقة أي الناتجة عن المشروع، أي الربح الذي يأتي بإحدى الطريقتين: إما أن يكون الشخص متوفرا على رأس المال والخبرة والوقت، من أجل مباشرة العملية الإنتاجية بمفرده والحصول على ربحها، وإما أن يكون متوفرا فقط على أحد هذه العناصر أو بعضها فيضطر إلى الاشتراك مع شخص أو أشخاص آخرين، من أجل الوصول الى هذا الربح، وهذه الحالة الأخيرة، قد تأخذ شكل المضاربة أو المشاركة التي حاولت المؤلفة توضيح مختلف جوانبها، بعد أن اعتمدتها «البنوك الإسلامية» كوسيلة عمل تعوض بها النقص الذي حصل لها في استخدام المضاربة. وذلك عن طريق ضبط مصطلحها وإطارها النظري، ثم بحث تطبيقها العملي من طرف هذه البنوك.
التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر
ومن جهة أخرى، أشارت الباحثة الى أن «البنوك الإسلامية» استخدمت مبدأ التوظيف بالمشاركة في الأرباح والخسائر، كقاعدة أساسية للنمط المصرفي الجديد، الذي دعت إليه، وجاءت لتكرسه في الواقع. ولكنها سرعان ما وجدته غير قادر على تلبية كل متطلبات الحياة الاقتصادية من الأموال، ولايحقق لها المردودية التي كانت تتوقعها، فضلا عن المشاكل التي عاقت استعماله بفعالية. فشرعت تبحث عن مبادئ أخرى، تتجاوز بها كل هذه الثغرات، فلجأت الى مبدأ سهل في التطبيق، ويعطيها فرصا للتوظيف السريع، والربح السريع في نفس الوقت. وهو مبدأ التمويل بالهامش الربحي، وأدواته هي: البيع والإجارة. فاستعملت من أنواع البيع بالأساس بيع المرابحة، وبعده بعض البيوع الآجلة. ومن الإجارة نوعا يطلق عليه حديثا، الإجارة المقرونة بخيار الاقتناء، أو التأخير الإئتماني. بذلك انتقلت من مرحلة التمويل بالنقود الى مرحلة الاتجار في السلع والخدمات.
وبناء عليه، قسمت الباحثة الباب الثاني من هذا القسم الى فصلين تعرضت في الأول للبيوع وكيفية استخدام «البنوك الإسلامية» لها، وفي الثاني للإجارة على نفس النهج. علما بأن الإجارة لاتحتل إلا مرتبة ضعيفة لدى هذه البنوك، مقارنة بالبيوع وخاصة بيع المرابحة.
وقالت بخصوص «التوظيف بدون هامش ربحي»: «يعد الإئتمان، العمل الأساسي للبنوك التقليدية، ومحوره تقديم القروض لمن يطلبها، وتتوفر فيه شروطها، سواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا، مع التزام أي مقترض، بإرجاعها لها، مضافا إليها الفوائد المقررة عليها، عند حلول الآجال المحددة. وتنهج البنوك في تقديمها للقروض، المضاربة على الفرق بين الفوائد التي تأخذها من المقترضين، وتلك التي تقدمها لأصحاب الودائع، علما بأن هذه الأخيرة، تكون دائما أقل من الأولى.
وتكون مردودية هذا العمل، الجزء الأكبر من دخل البنوك. وهو ما يفرض علينا، طرح سؤال، عن وضعية هذه الأداة في «البنوك الإسلامية»، وهل تستعملها أم لا؟ وإذا كانت تستعملها فما هي طريقتها في ذلك؟ والملاحظ، أن الائتمان بصفة عامة، يضم العديد من العمليات والخدمات، ولكننا سنؤكد هنا على أهمها، وهي القروض المصرفية المباشرة، أي إقراض النقود من طرف البنوك، وعليه، سنقسم هذا الباب إلى فصلين، نتحدث في الأول: عن ماهية التوظيف بالقروض عموما، والقروض البنكية خصوصا. وفي الثاني: عن التوظيف بالقروض في «البنوك الإسلامية».
هل توظف البنوك الإسلامية بالقروض؟
«قد يقال، إنه لامجال للحديث عن القروض كأداة عمل لدى «البنوك الإسلامية»، لأنها جاءت أصلا بأدوات بديلة، قائمة على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة، بعيدا عن القروض، لكن الواقع العملي أثبت أنها تتعامل أحيانا بها، ولكي نقف على حقيقة هذا التعامل لابد من المرور بالمراحل التي نهجناها في هذا العمل وهي تحديد إطارها القانوني والتنظيمي ثم واقع التوظيف بها من طرف هذه البنوك».
وأضافت المؤلفة:
«مبدئيا توظف «البنوك الإسلامية» بالقروض دون فوائد، وذلك ضمن القواعد العامة المعروفة في إبرام أي عقد قرض عادي. وللتعرف على الإطار القانوني والتنظيمي، الذي تقدم هذه البنوك القروض من خلاله، نرى التعرض لهذه المسألة في تجربة «البنوك الإسلامية» الأولى في مصر، باعتبارها القاعدة التي أثرت في «البنوك الإسلامية» التي جاءت بعدها. ثم نتحدث عن الوضعية في التجربة الحالية لهذه البنوك».
وأبدت المؤلفة ملاحظات حول موضوع استخدام القروض كأداة عمل لدى «البنوك الإسلامية» لخصتها في مايلي:
الملاحظة الأولى «: إن هذه البنوك تقدم القروض، بضمانات أو بدونها وللاستهلاك والإنتاج، علما بأن القروض الإنتاجية الحسنة أي المجانية، لاتتم إلا في حالات نادرة، وذلك راجع لانعدام المردودية فيها، ماعدا مصاريف العمليات التي تأخذها هذه البنوك.
ولتغطية ضعف «البنوك الإسلامية»، في تمويل القطاعات الإنتاجية بالقروض الحسنة، قدمت عدة اقتراحات، منها؛ أولا: أن يتم تمويلها من «الحساب الاجتماعي»، أي من أموال الزكاة والتبرعات. وثانيا: فتح المجال للقروض الاستهلاكية المجانية لذوي الحاجات الملحة،، على أن ينظر في تمويل القروض الإنتاجية فيما بعد، ومع تطور أعمال هذه البنوك وتعميق البحوث في هذا المجال. وثالثا: أن القرض الحسن لا يتوافق أصلا مع هذا النوع من التمويل، ولامع ظاهرة التضخم التي يعيشها العالم في الوقت الحاضر. وتعتقد المؤلفة أن الحل الذي يوفق بين مختلف الإتجاهات، وبالنظر إلى ظاهرة التضخم التي تقلص من قيمة النقود، والى كون القروض الحسنة لاتدر على المقرضين، أي «البنوك الإسلامية» هنا أي دخل، وإلى الصعوبات التي واجهتها في تطبيق تقنية المضاربة، هو تمويل القروض الإنتاجية بالمشاركة في رؤوس أموال المشروعات، والتمييز في القروض الاستهلاكية، بين التي تلبي حاجات أساسية يومية، كالتطبيب مثلا، وهذه تمول بالقرض الحسن، من أموال الزكاة والتبرعات، وبين التي تلبي حاجات أخرى كشراء السلع المعمرة، كالسيارات مثلا، وهذه يمكن تمويلها بالبيع لأجل، أو بالتأجير
المقترن بخيار الشراء.
أما الملاحظة الثانية: فهي وجود تناقض بين الشعارات التي نادت بها هذه البنوك، وبين التطبيق العملي، فمنذ بداية التجربة، ومؤيّدوها ومنظروها ينادون بأن البديل الإسلامي للقروض بالفوائد، هو المضاربة والمشاركة بالأساس بينما البديل المنطقي، هو القروض بدون فوائد أي القروض الحسنة. وهو مالم تلتزم به هذه البنوك، بدعوى صعوبة تطبيقه، وكونه لايعطيها المردودية الكافية، وهي هيآت مالية تهدف إلى الربح. وبذلك فهي إما تخصص للقروض الحسنة نسبة ضئيلة من أموالها، أولا تقدمها نهائيا لأنها غير مربحة. بل إنها حتى في الحالة التي تقدم فيها قروضا حسنة، فإنها تفرض على المستفيد فتح حساب جار عندها، لا يأخذ عنه أي دخل، وبعد أن تعطيه ما يطلبه من تمويله تحتفظ له في حسابه بمبلغ أدنى معين، ومن مجموع المبالغ العائدة للمقترضين التي تحتفظ بها في حساباتهم هذه، تتكون لديها مبالغ طائلة، تنتفع بها لوحدها، مع أنه شرعاً لاحق لها فيها. وبالنتيجة، وبالنظر أيضا إلى الحجم الضخم للودائع تحت الطلب التي تتوفر عليها، يجب أن تخصص هذه البنوك نسبة معينة منها، للقروض الحسنة، حسب شروط معقولة، يتفق عليها ضمن إطار من القواعد القانونية التي يجب على
المشرعين إلزامها بها. وكل ذلك لا يمنعها من الحصول على ما يغطي أعباء الإدارة والتسيير.
تقدير عام لتجربة البنوك الإسلامية»
انطلقت الباحثة في تقديرها العام لتجربة «البنوك الإسلامية» من تحديد أساسها النظري ومدى احترامها له، محاولة إبراز إيجابياتها وسلبياتها، والمعوقات التي تقف أمامها، متسائلة عن إمكانياتها في المستقبل؛ آخذة بعين الاعتبار أوّلا أنّ هذه البنوك جاءت بأدوات عمل جديدة، ومارست أعمالها في مناخ عام غير مناسب، ومع ذلك حققت نجاحاً هاما، بالنظر إلى المدخرات ورؤوس الأموال التي استقطبتها وإلى انتشارها في مختلف أنحاء العالم. وثانيا أن «الإسلام لا يؤخذ بأخطاء المنتسبين إليه»، وبالتالي، فالتجربة مجرد عمل بشري قابل للخطأ والصواب، للنجاح والفشل. «إن فلسفة العمل البنكي الإسلامي» ، تعتمد على مبادئ عامة، واردة في القرآن والسنة، وتفاصيل كثيرة دعمها بها العمل الفكري الإسلامي عبر العصور. وأصبح الآن يطلق على المبادئ وتفاصيلها، «قواعد الاقتصاد الإسلامي»، التي تنظم هذا الجانب من حياة المجتمع، وأول ما تؤكد عليه، عدم التعامل بالفوائد البنكية لأنها ربا محرم. وهو الضابط الأساسي الذي قامت عليه «البنوك الإسلامية»، ووصفت نفسها بأنّها «إسلامية» لكي تتميز به وتؤكد على هذا التمييز. وعوضته بأدوات عمل جديدة، محاولة تغيير عقليات
تعوّدت على نمط معين من التعامل البنكي، سواء على مستوى السلطات أو الأشخاص، مهنيين ومتعاملين، واختراق جهاز بنكي عريق وقويّ، يعمل أساسا بنظام القروض بالفوائد، وإن كانت أعماله في الواقع لا تقوم كلها على الفوائد، وإنما منها ما يحصل في مقابلها على أجور أو عمولات أو رسوم. مثل عملية الإيجار البسيط، وبيع وشراء الفاتورات الذي يدور حول تحصيل الديون التجارية المستحقة على عملاتها، والائتمان الإيجاري الذي يكون محله سلعاً أو تجهيزات أو معدات وحتى عقارات. وهي في هذا الجانب لا تختلف عن البدائل التي جاءت بها «البنوك الإسلامية» (ص 611 612).
وإذا كانت الضوابط الشرعية التي تؤطّر عمل «البنوك الإسلامية»، تقوم بالأساس على عدم التعامل بالفوائد، فإنّ الباحثة حاولت في البداية حصر مالها وما عليها، للتأكد من التزامها أو عدم التزامها بتلك الضوابط ويتمثل ما يحسب لهذه البنوك من إيجابيات، في أنها استطاعت فرض نفسها على واقع العمل البنكي، واستقطاب اهتمام كل الجهات، حكومات ومؤسسات مالية وبنكية وجمهوراً، بدليل الأموال الضخمة التي تتوفر عليها، والأعداد المتزايدة من المودعين عندها، ووجودها في مختلف أنحاء العالم.
ومن إيجابيات «البنوك الإسلامية» على المستوى النظري، أنها أتاحت الفرصة للمفكرين والباحثين، لخوض تجربة الكتابة والبحث فيما يتعلق بها، من الناحية الفقهية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية. ودفعت إلى عقد المناظرات والندوات والمؤتمرات، من أجل تضافر الجهود لإقامة أرضية نظرية، للعمل «المصرفي الإسلامي»، ولقد شمل هذا الاهتمام الباحثين المسلمين وغير المسلمين، وعلى المستوى العملي، أنها اهتمت بالجانب الاجتماعي، عن طريق تطبيق نظام الزكاة على أموالها، التي تضم رؤوس أموالها والعائد من عملياتها. حيث تقتطع مبالغها وتضعها في صناديق خاصة، ويقوم كل بنك بإدارة صندوقه، الذي يمول أيضا من مبالغ الزكاة المستحقة على المتعاملين، الذين يفضلون قيام البنك بتوزيعها، حسب مايراه مناسبا، ومن التبرعات والهبات التي يقدمها المواطنون. وتخضع عمليات هذه الصناديق لرقابة الهيآت الشرعية ومدققي الحسابات، وتعتبر وسيلة لتحقيق التضامن والتكافل في المجتمع الإسلامي، إذ تحاول هذه البنوك بواسطتها، تغطية الأعمال الاجتماعية المختلفة، كتقديم المنح للطلبة، وإنشاء المعاهد والمدارس، ودعم الأسر الفقيرة، ومساعدة المحتاجين بصفة عامة، وعلى
رأسهم المتعاملين معها، والذين يمرّون بظروف مالية صعبة.
وتدور المعوقات التي تقف أمام «البنوك الإسلامية»، في نظر المؤلفة، حول محورين أساسيين، يتمثل الأول: في المعوقات النظرية. والثاني: في المعوقات الناتجة عن المناخ العام الذي تعمل فيه، والذي لايتوافق في أغلبه مع التصور الإسلامي للعمل المصرفي.
وترى، في الأخير، أنّ مسيرة «البنوك الإسلامية» رهينة ببعض التدابير، تطرحها في شكل اقتراحات تدور حول الجانبين النظري والعملي. يتمثل الأوّل، في خلق إطار نظري متكامل، وموحد، قائم على ا لقواعد والأسس الشرعية. وتعميق وتوسيع الاجتهاد كصورة تمكن من بلورة الصيغ التي تعمل بها، بشكل أفضل مما هي عليه الآن. وتوحيد هذا الاجتهاد، عن طريق التنسيق بين مختلف هيآت الرقابة الشرعية، في مرحلة أولية. والاستغناء عن هذه الهيآت بعد ترسخ هذا الإطار النظري. وتوحيد القوانين والتنظيمات التي تؤطرها على الأقل في الدولة الواحدة.
ويتمثل الجانب الثاني: في الابتعاد عن سياسة الانتقاء التي تعتمدها مع المتعاملين وعن التهرب من أداء الضرائب، سواء عند التأسيس باللجوء الى ما يسمى ب «الجنات الضريبية»، أو عند ممارسة العمل بمطالبة السلطات بإعفائها منها. ومنح حق التصويت أو على الأقل حق التمثيل للمودعين، في أجهزتها الإدارية، لأنهم شركاء لا مجرد مودعين، فيكون لهم حق التدخل في الإدارة والتسيير، واتخاذ قرارات التوظيف حماية لأموالهم، دون أن يمتد دورهم إلى القرارات الخاصة برأس المال بطبيعة الحال. وتلقي الودائع تحت الطلب بناء على مبدأ المشاركة أو المضاربة وليس باعتبارها قروضا حسنة. والرفع من مستوى الخدمات التي تقدمها، بتطوير كل ما يتعلق بالجانب الفني والتقني. وإيجاد حل تعاوني مع البنوك المركزية، ودعم التعاون بينها وبين بعضها، وخلق سوق مالي إسلامي لتداول أسهمها وسنداتها.
وبناء عليه، فالشكل الذي تتوقعه المؤلفة لهذه البنوك، هو أن تكون «بنوك استثمار» تقوم بتلقي الأموال وتقديم التمويلات بناء على مبدأ المشاركة. وذلك لأن الواقع العملي أثبت أن البديل الإسلامي لنظام الفوائد هو مبدأ المشاركة وليس القروض بدون فوائد. وأن اللجوء الى المرابحة لتحقيق أرباح كبيرة وسريعة، مسألة تحسب على هذه البنوك لا لها. فضلا عن أنها غير قادرة على تغطية التمويلات الطويلة المدى بما فيه الكفاية، في الوقت الحالي، وبالتالي فإن المشاركة، تبقى أهم وسيلة لتلافي كل هذه الثغرات، ولمساعدتها على المساهمة في التنمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.