من داخل المركب السجني بسلا أصدر الأستاذ المصطفى المعتصم – أمين عام حزب البديل الحضاري – وثيقة موجهة الى كافة الفاعلين السياسيين والحقوقيين وكل هيئات المجتمع المدني والباحثين والمختصين وعموم المجتمع المغربي تحت عنوان "" "من أجل حركة لكل الفقراء والمستضعفين". والوثيقة جديرة بفتح نقاش حقيقي حول قضايا الفقر والهشاشة في المجتمع المغربي وتشكيل جبهة تتجاوز الحدود الاديولوجية من أجل مناهضة الفقر وتكثيف المجهود الفكري والتضامني والبحث عن سبل حقيقية لمناهضة الفقر. والرجل رغم محنة الاعتقال لازال يسكنه هم وطنه وفقرائه ويتعالى على محنته مشاركا بطرح افكار جديرة بنقاش مجتمعي... والموقع يطرح الوثيقة للنقاش على أن ينشر ما يردها من ردود واستجابات لهذا النقاش فيالأيام القادمة. من داخل المركب السجني بسلا أصدر الأستاذ المصطفى المعتصم – أمين عام حزب البديل الحضاري – وثيقة موجهة الى كافة الفاعلين السياسيين والحقوقيين وكل هيئات المجتمع المدني والباحثين والمختصين وعموم المجتمع المغربي تحت عنوان "" "من أجل حركة لكل الفقراء والمستضعفين". والوثيقة جديرة بفتح نقاش حقيقي حول قضايا الفقر والهشاشة في المجتمع المغربي وتشكيل جبهة تتجاوز الحدود الاديولوجية من أجل مناهضة الفقر وتكثيف المجهود الفكري والتضامني والبحث عن سبل حقيقية لمناهضة الفقر. والرجل رغم محنة الاعتقال لازال يسكنه هم وطنه وفقرائه ويتعالى على محنته مشاركا بطرح افكار جديرة بنقاش مجتمعي... والموقع يطرح الوثيقة للنقاش على أن ينشر ما يردها من ردود واستجابات لهذا النقاش فيالأيام القادمة. "من أجل حركة لكل الفقراء والمستضعفين". تقديم الدكتور مصطفى المسعودي تمرّ بلادنا بمرحلة دقيقة من تاريخها السياسي المعاصر ،مرحلة تتداخل فيها التحديات الداخلية الجبارة بإكراهات خارجية خطيرة، بل لا نغالي إذا قلنا إن المرحلة حاسمة في تحديد مصير المغرب خلال الزمن المنظور على كل الجبهات الحضارية والثقافية والسياسية .. إن مغربنا الثريّ بامتداده التاريخي الهائل وإمكاناته الرمزية والبشرية والطبيعية الغزيرة يقف اليوم وجها لوجه أمام سؤال التاريخ والمستقبل ، بل هوفي موعد حاسم مع سؤال المصير ؛ فإما نهوض شامخ وإما نكوص مدمّر -لاقدر الله- . لقد راكم شعبنا الأبي منذ جلاء الاستعمار العسكري البغيض رصيدا كبيرا في سجل الكفاح الوطني من أجل النهوض الشامل، كفاح سطرته أجيال من الشرفاء والمناضلين قدموا على دربه تضحيات جسيمة وضرائب ثمينة،كان المنتظر أن يُترجم إلى عنوان عريض هو بناء الدولة المغربية الديمقراطية العادلة والضامنة لأبنائها الانتماء بعزة وشرف إلى الزمن المعاصر. ولقد تأرجحت حركة المغاربة في اتجاه هذا الهدف السامي مابين قليل من الأمل والانفراج وكثير من الانحسار والتعثر ، وكان التعثر –مع الأسف-سيد المشهد طيلة عهد الراحل الحسن الثاني –رحمه الله-،ومع مجئ الملك محمد السادس إلى عرش المملكة امتد هامش الأمل بشكل واعد إلا أنه سرعان ما تراجع فجأة بشكل رهيب بعد فسحة من الزمن فانقلب المشهد رأسا على عقب منذرا بنكوص خطير وإجهاض كامل لكل المكتسبات الديمقراطية التي صاغتها المعارضة السياسية المغربية بدمائها ودموعها ، وبدا كما لو أن حلم المغاربة في الديمقراطية دونه سنوات ضوئية . واليوم يطرح السؤال نفسه باستفزاز وإلحاح :ترى هل من إرهاصات لانبعاث المعارضة السياسية المغربية الشريفة من رمادها في صياغة جديدة ونفَس قوي وجديد من أجل استئناف أدوارها التاريخية الكبرى والتي في مقدمتها راهنا التصدي المدني لمسلسل تغوّل الدولة على حساب المجتمع والحيلولة دون استفراد جيش الفساد والمفسدين بالساحة في حركة سوريالية تعود بعقارب الزمن السياسي المغربي إلى أغوار سنوات الدم والرصاص ؟ ذلك هو السؤال الجوهري الذي تثيره وثيقة الأستاذ المناضل مصطفى المعتصم مُثقلا بعذاب السجن الظالم وحرقة التحسر على وطن يُدفع في الاتجاه غير الصحيح سؤال يخاطب ضمير الشرفاء في هذا الوطن وذكاءهم وشجاعتهم من أجل الانتصار لقيم التوحد عوض التشظي و الإقدام عوض الانكماش والاعتدال عوض التطرف..وبكلمة هو سؤال يؤسس( من أجل حركة لكل الفقراء والمستضعفين في المغرب) .حركة تتآلف فيها الانتماءات السياسية والإيديولوجية وتتكامل من أجل هدف واحد هو بناء مغرب ديمقراطي حديث يسَع كل أبنائه . من أجل (حركة لكل الفقراء والمستضعفين) (ما من نعمة موفورة....إلا وبجانبها حق مضيع) الإمام علي كرم الله وجهه في ذلك الزمن الطفولي البعيد كنت يوما منهمكا في قراءة كتاب حينما سألني أبي رحمه الله عن عنوانه،أجبته:كتاب "البؤساء" لفيكتور هيكو .ابتسم أبي وعلق بسخرية:هذه القصة أقرؤها يوميا عندما أكون عائدا إلى بيتي،فأنا اجتاز منطقة الفيلات المتواجدة قرب القصر الملكي بالدار البيضاء وأقطع شارع فيكتور هيكو لأدخل إلى أحياء " البؤساء"،...درب ليهودي ،درب البلدية فدرب "سبانيول"فساحة السراغنة، درب "الشرفاء"،فدرب القريعة.خلال هذا المسار أكون قد قرأت القصة كاملة؛قصة"البؤساء"في نسختها المغربية. كان هذا في بداية السبعينيات،ثلاثة عقود ونيف بعد ذلك عدت لأترشح في دائرة الفداء درب السلطان (عن برلمان 2007)عدت إلى حيث كان مسقط رأسي وطفولتي وشبابي لأكتشف واقعا فظيعا مرعبا لا أظن أن أبي رحمه الله قد تخيل يوما أن المغاربة يمكنهم الوصول إليه. التقيت جيراننا القدامى ،لكن في المنزل الذي كانت تعيش فيه أسرة واحدة قد أصبح متعدد الأسر تتعايش فيه ثلاثة أجيال:آباء وأبناء وحفدة. فتذكرت قوله سبحانه تعالى :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" سور ة الروم. وتساءلت ،كيف يمكن أن يحصل السكن وتكون المودة والرحمة في عائلة كبيرة متعددة الأسر تعيش في خمسين أو ستين مترا؟ كيف يمكن أن يحصل الاستقرار النفسي والاطمئنان في جو موسوم بصراعات الأجيال وصراعات الإخوة وصراعات نسائهن؟ وكيف في مثل هذه الأجواء حيث الصراع على المطبخ والمرحاض ومكان للجلوس أو النوم يمكن أن تربي الأطفال تربية صالحة؟والأدهى كيف يمكن في بيئة كهذه توفير لحظات حميمية؟ في ساحة السراغنة هناك مقاه لا تقفل أبوابها ليلا يرتادها زبناء من نوع خاص لقضاء ليلهم بين لعب الورق والتفرج على التلفزيون حتى الصباح للذهاب إلى النوم في الأماكن التي تركها إخوانهم وأخواتهم شاغرة عند خروجهم للعمل.أي أن أفرشة النوم مشغولة 24 ساعة على 24 لها رواد في الليل وآخرون في النهار. أما على الأرصفة فبمجردأن تبدأ المحلات التجارية في الإغلاق حتى تندلع حرب المواقع بين المشردين والمشردات «les sans abrit»عدد لا يستهان به منهم قاصرون وقاصرات،لاحتلال الأماكن التي بها شرفة أو قوس يحمي نوعا ما من المطر. اكتشفت أن اصطبلات كانت مأوى للحمير والبغال والجياد قد أصبحت مساكن لمخلوقات تصنف ضمن الآدميين.. هذا غيض من فيض يفوق الوصف في فظاعته وبشاعته يمكن تعميمه على كل مدن المملكة. في فبراير 2008 زُج ّبي في السجن المحلي بسلا بفعل مؤامرة خسيسة وتهمة كاذبة أنا برئ منها براءة الذئب من دم يوسف. وفي السجن اكتملت لدي الصورة عن واقع البؤس والشقاء والحرمان والقتامة الذي يعيشه السواد الأعظم من المغاربة. الحديث عن واقع السجون حديث طويل ومعقد يجب تناوله معزولا ومفصلا.لكن يمكن أن أقول بعجالة أنه واقع لا يليق بالإنسان الذي كرمه الله وجعله خليفة..وأؤكد أن المؤسسات السجنية ليست اليوم مؤسسات للتربية وإعادة التاهيل والإدماج في المجتمع.التأهيل الأبرز هو في التكوين المستمر واستكمال التكوين في الإجرام.فنزيل يدخل السجن لتنفيذ عقوبة حبسية بسبب شجار وضرب وجرح،يخرج من السجن عالي التكوين متعدد التخصصات في كل مجالات الجريمة. ولكن قمة المأساة أن تجد شبابا في مقتبل العمر لا يتحمس للخروج من السجن بعد انقضاء مدة عقوبته.تجد لسان حاله يردد "رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ".أي أحب إليه من الحرية لأن السجن أرحم به من الواقع،فعلى الأقل يوفر له مأوى وفراشا للنوم وكسرة خبز ويعيش على تضامن بعض السجناء معه. وضع اقل ما يقال عنه أنه مأساوي وعلى حافة إفلاس شامل.أنها النتيجة الحتمية لاختلال التوازن الاجتماعي بين فئات وطبقات المجتمع.إنها الأزمة في أبشع تجلياتها..أزمة مشروع مجتمعي ومشروع تنموي هذا إذا كان لنا أصلا مشروع مجتمعي تنموي حقيقي. المغرب اليوم مغربان! مغرب الأوليغارشيا أي اللوبيات والأسر الأرستقراطية وكبار الأمنيين،هؤلاء يولدون وفي افواههم ملعقة ذهبية،ومستقبلهم ذهبي وطريقهم سالكة مفروشة بالإمكانيات والحلول.أبناء هذا المغرب يملكون كل شئ..لهم كامل المواطنة...انه مغرب النعم الموفورة.. ثم هناك مغرب الأوباش أو الرعاع أو "البخوش"..تعددت ألقابهم والمعنى واحد،يولدون وفي فمهم جمرة ..يعيشون قابضين على الجمر وطريقهم وعر مملوء بالشوك والجمر.مستقبلهم حالك وأفقهم مظلم،العيش الكريم وحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا والحداثة والديمقراطية و..و...كلمات لا معنى لها بالنسبة لهؤلاء.حقوقهم مضيعة منهوبة،نهبها الفاسدون. وبين هذين المغربين اللذين لا يفصلهما عادة سوى شارع أو سور التمييز الطبقي أو سكة قطار،هناك بون شاسع ومسافة كونية وسنوات ضوئية من الفوارق الطبقية والتباين في كل شئ:في اللغة والثقافة والعادات وفي الأحلام والهموم والآلام.باختصار هما مغربان أحدهما للأسياد والآخر للعبيد،مغرب المصابين بالتخمة ومغرب الجائعين ،مغرب كاليفورنيا وعين الذئاب ومغرب كاريان سانطرال وكاريان طوما،مغرب سوق البقروجبل "لكبير"ومغرب حومة الشوك،مغرب حي كيليز ومغرب حي سيدي يوسف بن علي،مغرب طريق ايموزار ومغرب زواغة بنسودة ،مغرب حي السويسي ومغرب دوار الحاجة ،مغرب لكل المحظوظين ومغرب لكل "البؤساء"..وبين هذين المغربين برزخ لا يبغيان!!! . في مغرب البؤساء يعيش الفقراء الفقر والهشاشة والمرض والأمية متروكين لقدرهم ومصيرهم يموج بعضهم في بعض. من يعيش وسط هذا الواقع يكتشف سر العنف الأسري والعنف ضد الأصول والعنف ضد الفروع والعنف بين الجيران ويفهم لماذا هناك قابلية لكل شئ عندكثيرمن المغاربة من بيع الأعراض إلى تغيير الدين والمذهب مرورا بالاتجار في المخدرات والممنوعات إلى زنى المحارم إلى المغامرة في ركوب أهوال البحرطمعا في عيش أفضل على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط،إلى قيام بعضهم بتفجير أنفسهم طمعا في جنات النعيميكتشف سر انتشار التطرف والعنف في مساجدنا ومدارسنا وكلياتنا وشوارعنا وملاعبنا ،يكتشف حجم الانهيار الأخلاقي والقيمي ويكتشف سر ضعف الحس الوطني ويكتشف لماذا هجر المغاربة السياسة والسياسيين،لأن آلامهم غير الآلام والأحلام غير الأحلام والآمال غير الآمال..يكتشف لماذا "كاد الفقر أن يكون كفرا "كما قال عمر بن الخطاب –رضي الله عنه -... هذه هي حصيلة خمسين سنة من التمييز الايجابي لصالح الأغنياء الذين حظوا ولا زالوا يحظون بالامتيازات واحتكار الثروة في مختلف أشكاله.فالمال جعلوه دولة بينهم والله سبحانه وتعالى ينهى عن هذا "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم"سورة الحشر،أما الثروات المعدنية فقد تم احتكارجل مناجمها لفائدة خواص في وقت يعتبر فقهاء المالكية أن "الركاز"لا يجوز تملكه ملكية خاصة.جاء في كتاب" أحكام المعاملات" للأستاذ علي الحفيف:"ويرى المالكية في أشهر أقوالهم أن ليس شئ من الأنواع الثلاثة:المعادنوالفلزات والسوائل في محالها(مناجمه)من الأموال المباحة حتى يمتلكها من وجدها واستولى عليها...وإنما هي ملك للمسلمين.."تضاف إلى هذه الموارد الطبيعية شيوع ملكية الماء والكلأ والنار.واحتكار هذه الموارد يؤدي حتما إلى اختلال في التوازن الاجتماعي باعتبارها أهم جزء من الثروة العامة. هذه حصيلة خمسين سنة من بخس حقوق الناس وعرقهم وكدهم.فإذا كان المجتمع مطالب بالضمانات المعيشية لأفراده وعلى رأسها توفير الشغل فان الإسلام يفرض أن يناسب الأجر الجهد وحاجيات العامل،بل ذهب بعض فقهاء المذهب المالكي إلى أن أجر العامل هو نصف ربح العمل. إنها حصيلة خمسين سنة من المضاربات والاحتكار..وقد يصاب الإنسان بدهشة وهو يسمع حكومة الأوليغارشيا تؤوّل وتفسر موجات الغلاء التي ضربت القدرات الشرائية للمغاربة في الصميم سنة 2009 بالمضاربات،فهل نحن في دولة الحق والقانون ؟ثم من هم هؤلاء المضاربون الكبار؟ولماذا لا يتم كشفهم ومتابعتهم قانونيا؟ إنها حصيلة سنوات من التبذير والإسراف مقابل تجويع السواد الأعظم من الشعب ،والإسلام نهى عن التبذير وذم أهله:"إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين "سورة الإسراء "كلوا واشربوا ولا تسرفوا "سورة الأعراف.ولقد توعد الله سبحانه وتعالى المجتمعات التي يتآمر عليها المترفون المبذرون بالوبال والدمار:"إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا".إن التبذير يكون مقابل شظف العيش عند الفقراء.ولهذا أمر الله أن لا يبقى المال بيد السفهاء:"ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما". إنها حصيلة خمسين سنة من السيبة في تدبيرالمال العام والنهب وتكديس الثروات بشكل غير شرعي من طرف الفاسدين الذين استفادوا من استغلال النفوذ وعدم المساءلة والمتابعة والإفلات من العقاب وعدم تفعيل مبدأ إسلامي اصيل:"من أين لك هذا؟". إنها حصيلة خمسين سنة من السياسات الحكومية الفاشلة خصوصا منذ عقد الثمانينيات من القرن الماضي عندما قبل المغرب التحول إلى تلميذ نجيب مطيع للتعليمات المسمومة التي نفثتها المؤسسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وهي التعليمات التي وضعت قيودا ومعيقات في طريق التنمية البشرية التي تعتمد بالأساس الاستثمار في الرأسمال البشري.تعليمات أدت إلى تراجع الدولة عن أدوارها الاجتماعية:تعليم،صحة،سكن،شغل،تضامن اجتماعي...الخ.ولكن اكبر ضرر لحق الفئات الفقيرة كان ضرب المدرسة العمومية التي ظلت إلى حدود الثمانينيات أهم وسيلة لتحقيق بعض المساواة وتمكين أبناء الأسر الفقيرة من الانتقال إلى مستوى معيشي لائق..كما أن المحسوبية لصالح أبناء الفئات المتنفذة قد سدت الطريق على من يستطيع من أبناء الفقراء الحاملين للشواهد العليا الحصول على منصب شغل أو عمل مناسب. إن تدهور مستوى الخدمات الاجتماعية للدولة كانت بحق كارثة حقيقية على جودة الحياة عند الطبقة الدنيا.إنها حصيلة التماهي مع الخيارات الليبرالية الفوضوية التي حرضت الأغنياء المحليين والدوليين على الجشع والاستحواذ والسيطرة على خيرات ومقدرات البلاد والتهام الفقراء ،مما أدى إلى تحلل البنيات الاجتماعية بل الأخطر من هذا أدى إلى إفقار الدولة بتجريدها من عدد من القطاعات المنتجة وتحويلها لمجرد آلة أمنية تحمي مصالح الأوليغارشيا. الأصل في الإسلام هو"إنما المومنون إخوة"و"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"رواه الشيخان،و"لايومن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"متفق عليه. إن مجتمع المسلمين مفروض فيه أن يكون مجتمع حب ورحمة ولين وتضامن.فالإسلام يقرن بين الكفر وعدم دعم الفقراء :"أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين"سورة الماعون.جاء في حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"ليس مؤمنا من بات شبعان وجاره جائع"،فالمجتمع المسلم مكلف بحماية الفقراء والمستضعفين والدفاع عن حقوقهم سواء كانوا مسلمين أو غير ذلك.فأمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-فرض ليهودي فقير أجرة من بيت مال المسلمين ليدبر أحواله ويمتنع عن التسول في المدينة. إن الإسلام فرض مساعدة الإنسان الذي لا يجد عملا أو تعذر عليه العمل لأسباب صحية مثلا.فالمفروض أن تتكفل الدولة بالضمان الاجتماعي لهؤلاء المواطنين.ويرى ابن حزم أن البلاد التي يموت فيه الفرد من الجوع تؤخذ ديته من الدولة لأن الجماعة ملزمة بتوفير الكفاية المعيشية لأفرادها –إلزاما لا إحسانا – ولتأخذ ما تشاء من ضرائب ومن أموال الأغنياء إن اقتضى الأمر ذلك.في بلادنا يجري العكس فيُعمد إلى إفقار الفقير واغناء الغني خصوصا في زمن الأزمات الناتجة عن خيارات الأوليغارشيا الحاكمة بالأساس. وهنا يجب التنويه إلى أن الأساس في النظام الاجتماعي الاقتصادي في الإسلام يقوم على الملكية الفردية ويحميها ويرفض المساس بها إلا عندما يتعلق الأمر بسد الحاجيات الضرورية لأفراد من المجتمع.هذه القاعدة الذهبية تقوم على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم:"إذا بات مؤمن جائعا فلا مال لأحد" ،وزكاها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بعد ما لاحظ وجود طبقية واختلالات في المجتمع المسلم فقال:"لو استدركت من أمري ما استدبرت لأخذت من فضول الأغنياء ولرددتها على الفقراء"،أي تلك الأموال التي تودع وتجمد في البنوك المحلية والدولية والشعب يعيش الضنك والحرمان،تلك الأموال التي توظف في المضاربات والمغامرات المالية من دون الاستثمار في ما يفيد الناس ويكون قيمة مضافة في الإنتاج وسوق العملة تلك الأموال التي تبذر بشكل سفيه. أشار الأستاذ محمد أبو زهرة في كتاب"مالك" فصل "المصالح المرسلة"،أن إمامنا مالك-رضي الله عنه- يرى أن تأخذ الدولة من أصول أموال الأغنياء (لا من الربح ولا في صورة ضريبة) ما تقتضيه حاجة الخزانة العامة للإنفاق على مصالح المسلمين وما تتطلبه وقاية المجتمع ووقاية دار الإسلام من نفقات تعجز عنها الموارد العادية للدولة،ثم لا ترد ما أخذته من رؤوس الأموال.لكن اليوم يحصل العكس فهم من يأخذ من خزينة الدولة في زمن الاختلال الكبير الذي يهدد المجتمع بالانفجار،وكان من المفروض على الدولة أن تتدخل لإنقاذ الفقراء المظلومين مما هم فيه. سيقول قائل أن ثمة مجهودات تبذل في المغرب منذ ما يقرب من خمس سنوات بفضل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي رصدت لها أموال طائلة.نحن لا نبخس الناس أشياءهم لكن هناك اليوم تعثرواضح على مستوى التطبيق وتنفيذ برامج هذه المبادرة على ارض الواقع.فالمواطن العادي الذي يعاني من آثار الفقر والهشاشة لا يحس بكثير الأثر لهذه المبادرة على حياته اليومية.والأدهى والأمر أن الفئات الأكثر فقرا والأكثر هشاشة تزداد فقرا وهشاشة يوما بعد يوم مما يستلزم فتح نقاش واسع ليس في ضرورة المبادرة بل في برامجها وأولوياتها وطرق تفعيلها. إن عبث بعض الجهات المالية من مؤسسات مانحة للقروض والأبناك تساهم بجشعها في استفحال المشاكل الاجتماعية أمام استمرار الدولة في لعب دور المتفرج ومن دون أن تتدخل لتنظيم منح القروض الصغيرة للفئات ذات الدخل المحدود.فليس معقولا استنزاف مداخيل الأسر الفقيرة بالقروض لينتهي بها الأمرالى الإفلاس التام. وانه من غرائب مجتمعنا المسلم أن لا تكون فيه مؤسسة مستقلة تعنى بجمع أموال الزكاة.فالزكاة ركن من أركان الإسلام ،من كفر به كفر بالدين.ولقد قاتل الخليفة أبو بكر الصديق-رضي الله عنه – من رفض إعطاء الزكاة وقال:"والله لو منعوني عقال بعير كانوا يعطونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"..أي أن الزكاة حق للفقراء والمساكين وابن السبيل...الخ في أموال الأغنياء المسلمين لا يجوز الامتناع عن الوفاء بها.وهي ليست الضريبة التي يؤديها المواطنون مقابل الخدمات التي تقدمها الدولة،بل هي حق الله في أموال الناس يجب الوفاء به.ويمكن أن تؤسس مؤسسة موازية كمؤسسة الوقف ترعى جمع الزكوات وإنفاقها أو استثمارها لصالح الفئات المستحقة للزكاة:"إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل اله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم"سورة التوبة. إننا أمام حصيلة ثقيلة بمشاكلها معقدة في حلولها،يختلط فيها الاقتصادي بالاجتماعي بالسياسي بالقيمي الأخلاقي و بالديني...حصيلة باتت تهدد اليوم المغرب بانفجار كبير عندما يدفع، اليأس والحرمان والغلاء والانغلاق السياسي وغياب المبادرات الحقيقية للنهوض الاجتماعي وتحقيق عدالة اجتماعية،الحفاة العراة الجوعى للنزول إلى الشوارع لانتزاع حقوقهم المسلوبة.بمعنى أن سفينة مجتمعنا قد أصبحت مهددة بالغرق ،لا قدر الله ،من جراء استمرار البعض في تجاهل الحاجيات والمطالب العادلة للطبقات الفقيرة.