عرف تنظيم «الاختيار الإسلامي», الذي اشتغل لسنوات في السرية قبل أن يؤسس أصحابه جمعيات قانونية في أواسط ونهاية التسعينات, عدة محطات كان أبرزها قرار تأسيس حزب سياسي. لكن في الوقت الذي رفضت فيه السلطات الترخيص لحزب «الوحدة والتنمية» الذي كان سيشارك فيه أعضاء التنظيم, ليباشروا عملا سياسيا قانونيا دخل عبد القادر بليرج بماضيه الحركي كعضو بحركة الثورة الإسلامية المغربية و منظمة المجاهدين بالمغرب ومنفذ لعمليات قتل لفائدة تنظيم أبو نضال الفلسطيني على الخط حيث أصبحت قيادة التنظيم متهمة بخلاف ما ورد في وثائقها التي اعتمدت في تلك الفترة. يعتبر مؤسسو تنظيم «جند الإسلام» أو «الاختيار الإسلامي» كما سمي فيما بعد أن تجربتهم التنظيمية جاءت مغايرة لمسار «الشبيبة الإسلامية» ومنتقدة لسلوك قيادتها السياسي الذي اعتبروا أنه قد أضر كثيرا بالعلاقة مع الجماهير، لأنها جعلت من العنف أحد الأساليب المعتمدة في عملها. وكان عبد الكريم مطيع – زعيم الشبيبة الإسلامية – قد دعا بصراحة إلى العمل المسلح في مطلع الثمانينات، وشرع في إصدار مجلات تروج لمواقفه الجديدة. فكان على هؤلاء المؤسسين (المرواني، المعتصم، الركالة..) أن يضعوا محددات واضحة لمشروعهم الجديد حتى لا يقع في نفس أخطاء تنظيم مطيع. فتم اعتماد مفهوم «العمل الجماهيري من خلال بناء تنظيم رسالي طليعي راشد ومن خلال اختيارات استراتيجية وتكتيكية واضحة»، لكن محطة 1984 التي عرفت اعتقالات واسعة في صفوف الإسلاميين والقمع الذي رافق هذه المرحلة (انتفاضة 1984) ألقت بظلالها بقوة على التنظيم الجديد الذي تعمقت لديه القناعة بعدم التخلي عن سرية التنظيم أمام المستجدات التي عرفتها الساحة. وإن كان اعتماد السرية لم يقترن بالضرورة بالعمل المسلح، حيث خلت جميع وثائق التنظيم من أية إشارة إلى العمل المسلح، سواء بالتصريح أو التمليح. وكانت أول وثيقة تنظيمية «الأرضية التوجيهية» يعتمدها التنظيم هي التي صدرت سنة 1985 ووزعت فيما بعد على باحثين ومفكرين تحدثت عن 12 مفهوما مرجعيا لدى الحركة: 1 – منهجية التحليل والتفكير 2 – مفهوم الحركة الإسلامية 3 – مفهوم القيادة والطليعة 4 – الأهداف والوسائل 5 – في مسألة التناقض والموقف من القوى 6 – في التحالف والوحدة 7 – حول نظرية الممارسة 8 – في التوعية الجماهيرية 9 – بين السرية والعلنية 10 – مفهوم العمل السياسي والعمل النقابي 11 – العالمية والإقليمية في التصور الإسلامي 12 – في التواصي بالحق (النقد والنقد الذاتي) كما توضح وثائق التنظيم أن العمل الإسلامي الثوري هو العمل الذي يسهم في خلق وعي لدى الجماهير، وإنضاج شروط التغيير من خلال توفير بديل حضاري لإقناع الجماهير. وقد كانت تجربة التنظيم منفتحة على خليط من الأفكار والمرجعيات, لوحظ وجوده من خلال امتدادات التنظيم في الساحة الطلابية، حيث كان الانفتاح على الفكر الإخواني بما في ذلك كتابات سيد قطب ويمتد ليشمل كتابات عبد الله النفيسي وحسن الترابي وراشد الغنوشي وحسين فضل الله ومنير شفيق وفتحي يكن.. ورمضان البوطي ومحمد عمارة وفهمي هويدي وعلي شريعتي.. وابتداء من سنة 1988 بدأ «جند الإسلام» يعرف مخاضات جديدة، حيث رفع التنظيم آنذاك شعار «الأولوية للثقافي والتحضير للسياسي»، ففي أفق المؤتمر الأول (الذي عقد سنة 1990) صدرت قبل ذلك وثيقة معنونة ب«نحو وعي مرحلي واستراتيجي» (فبراير) 1988. وقد أعادت الوثيقة التأكيد على أهمية المفاهيم النظرية التي وردت في وثيقة الاستراتيجية والتكتيك، وأهمية النظرية في التغيير، كما اهتمت بإشكالية البناء الذاتي، واعتبرت في نقدها الذاتي للتجربة أن مرحلة التأسيس (29 أكتوبر 1981 إلى 29 نونبر) 1984 – 1988 مرحلة المراجعات والتأسيس للمرجعية. وحددت 3 مهام مستقبلية أساسية ينبغي للتنطيم التركيز عليها: البناء التنظيمي، الجبهة، العمل الجماهيري، كما أن الوثيقة حددت بعض محاور المؤتمر المقبل: «تحديد البرنامج السياسي وشعاراته، إحداث ثورة دستورية نوعية، بداية الحديث عن طبيعة الحزب وهويته (هل هو حزب سياسي أم إسلامي». وهو ما جعل سنة 1988 محطة نوعية في التحول الفكري والسياسي للتنظيم وخطوة باتجاه الظهور في الساحة السياسية ومقدمة للقطع مع مرحلة السرية. أما من الناحية الرمزية فيمكن اعتبار تغيير الاسم من حركة «جند الإسلام» إلى حركة الاختيار الإسلامي مظهرا من مظاهر التحول، «فجند الإسلام كتسمية تحيل على مرحلة كان التنظيم فيها يتبنى مقولات راديكالية تعميمية تجاه الدولة والمجتمع، أي مرحلة الانشداد إلى رواسب تجربة الشبيبة الإسلامية، ثم جاءت مرحلة الاختيار الإسلامي لتعلن عن فهم جديد للتغيير في المغرب، فالاختيار مفهوم يحيل على الإيمان بالتعددية (اختيار ضمن اختيارات أخرى). وهذا الانتقال يؤرخ لتحول فكري وسياسي مهد الطريق في ما بعد لمقولات أقل ثورية وأكثر انفتاحا على الدولة والقوى السياسية والمجتمع» يقول الباحث السوسيولوجي محمد الغيلاني. وقد أصدر المؤتمر الأول المنعقد سنة 1990 وثيقة تحت عنوان «عناصر في مشروعنا السياسي الراهن: دولة حقوق الإنسان طريقنا نحو دولة الإسلام». ويعكس هذا الشعار الرغبة في القطع مع ماضي السرية والتطلع إلى عمل سياسي يناضل من أجل دولة عادلة، كما اعتبرت الوثيقة أن النضال من أجل حقوق الإنسان ليس نضالا تكتيكيا بل هو قناعة تنبذ مجتمع الإكراه، وتدعو إلى مجتمع الحوار، وأعادت الوثيقة الاعتبار لأهمية حقوق الإنسان من خلال ربط هذا المفهوم ب«الهوية» الحضارية للأمة، كما حسمت الوثيقة في هوية الحزب، حيث نادت بتأسيس حزب سياسي وليس دينيا، أي أنه حزب منفتح على الجميع. وتأكد نفس المسار في محطة المؤتمر الثاني، الذي عقد في شهر أكتوبر 1992 بفاس حيث تم التأكيد على أن المدخل الصحيح لأي إقلاع ديمقراطي حقيقي يقتضي توفير ضماناته الأساسية. وتتعدد بحسب وثائق المؤتمر فيما يلي: أولا، إصلاح سياسي ديمقراطي عربونه إطلاق فوري ولا مشروط لكافة معتقلي الرأي والسماح بعودة المنفيين والمغتربين، وضمان كافة حقوقهم المدنية والسياسية. ثانيا، إصلاح دستوري حقيقي، وتوفير شروط ذلك بدءا من بلورته إلى المصادقة عليه. ما يؤكد أن التحولات الفكرية باتجاه خطاب سياسي حقوقي دستوري تبلورت لدى الحركة بطريقة سلسلة وبالمعطيات الكرونولوجية لم تتطلب أكثر من أربع سنوات.. وقبل خروج البديل الحضاري من حركة الاختيار الإسلامي كانت هذه الأخيرة قد شهدت انسحابات فردية وجماعية كان أهمها مجموعة من الأعضاء الذين تقدموا بوثيقة نقدية لاختيارات الحركة، وهي المجموعة التي عرفت بالمبادرة الوطنية للتصحيح، قادتها مجموعة من الشباب الذين كانت لهم مواقف نقدية في المسألة التنظيمية والسياسة والإيديولوجية. وقد عرفت هذه المبادرة بداياتها الأولى منذ 1990 لكنها لم تتبلور إلا في بداية 1993 وقد كانت سياقات انعقاد المؤتمر الثاني ونتائجه القطرة التي أفاضت الكأس، إذ لم تعترف هذه المبادرة بنتائج المؤتمر ومقرراته، وأعلنت عدم التزامها بما صدر عنه. وقبل أن تجمد هذه العناصر عضويتها تقدمت بورقة نقدية تشرح فيها الأسباب التي دفعتها إلى هذا القرار، فبعد أن توسعت دائرة النقد الداخلي لتشمل المواقع التنظيمية على المستوى الوطني جاءت الورقة النقدية عبارة عن مساءلة للتجربة برمتها، وعلى جميع المستويات، غير أن اللقاء الذي عقد بين هذه المجموعة والمجلس الوطني للحركة انتهى إلى الفشل. وكانت أهم القضايا التي شكلت هدفا نقديا لهذه المجموعة يمكن تلخيصها أولا في المسألة التنظيمية.. والوحدة مع الأطراف الإسلامية والهوية الإيديولوجية للحركة. ويمكن القول إن سنة 1994 كانت هي النهاية العملية لحركة الاختيار الإسلامي. لتتأسس بعد ذلك حركة البديل الحضاري سنة 1995 التي تحولت فيما بعد إلى حزب البديل الحضاري، من طرف المعتصم والركالة، فيما أسس المرواني ومن معه الحركة من أجل الأمة سنة 1998 قبل أن يؤسس حزب الأمة.