فاجأ قرار حل حزب البديل الحضاري مختلف الأوساط السياسية والنقابية والحقوقية وأهل الفكر والثقافة، باعتباره حزبا أعلن دائما رفضه للعنف وإيمانه بحسم الخلاف عبر الآليات الديمقراطية والتنافس حول البرامج والرؤى والاستراتيجيات، لذلك كاد أن يحدث إجماع على اعتبار قرار حله بمرسوم الوزير الأول – القائد لحزب سياسي عريق – قرارا متسرعا يدعو إلى العديد من التساؤلات، بل والشكوك أحيانا، كما أثار هذا الحل المفاجئ جدلا قانونيا وسياسيا واسعا في أوساط النخب السياسية. "" ومن التساؤلات المثارة بحدة، التساؤل عن كونه نابعا انطلاقا من كتابات مصطفى المعتصم الأخيرة التي كانت "قاسية" أكثر من السابق، وذلك لأنها عرت على جملة من الجوانب للبرهنة على ضرورة وإلزامية القيام بتغييرات جوهرية قبل فوات الأوان. كما أن جهات معينة اعتبرت أن هذا الحل فرضه انخراط المغرب، اللامشروط، في محاربة الإرهاب وفق ما خططت له ورسمته واشنطن، في حين تساءل البعض على اعتبار أن هذا الحل من العلامات الأولى لولوج المغرب مرحلة جديدة لتضييق الخناق على الحريات العامة التي عرفت انفراجا منذ سنوات. عموما اعتبر الكثيرون أن حل حزب البديل الحضاري، بالطريقة التي تم بها، من طرف السلطة التنفيذية من شأنه أن يدخل البلاد في مسار محفوف بالمخاطر، إذ، يقول أصحاب هذا الرأي، وهم كثر، إذا كانت فعلا النية هي الحرص على الإقرار بدولة الحق والقانون ودولة المؤسسات، كان من الأولى اللجوء إلى القضاء لتجنيب كل التأويلات، ما دامت السلطات الأمنية قد تمكنت من مراقبة أعضاء الشبكة المكتشفة منذ مدة إلى أن جمعت مختلف الخيوط للإيقاع بها، وباعتبار أنها ظلت تتحكم في الأمور ولم تفلت من يدها. فحسب البلاغ الرسمي وتصريحات وزير الداخلية والناطق الرسمي باسم الحكومة، عندما ثبتت العلاقة، في عيون القائمين على الأمور، بين الشبكة الموصوفة ب "الإرهابية الخطيرة" وتأسيس حزب البديل الحضاري، وبعدما توفرت لديهم قرائن تفيد تورط بعض قاداته، اضطر الوزير الأول، حسب ما يخوله له قانون الأحزاب، إلى إصدار مرسوم يقضي بحل الحزب المذكور طبقا لمقتضيات الفصل 57 من قانون الأحزاب. ومن المفارقات التي طبعت تاريخ المغرب الحديث منذ حصول البلاد على الاستقلال أن أغلب القرارات، الأكثر رفضا من طرف الشعب، جاءت على يد حكومات ترأسها قادة أحزاب وطنية خبرت مقاومة الاستعمار ومعارضة النظام، وكذلك كان الأمر بالنسبة لحكومة عبد الله إبراهيم وحكومة عبد الرحمان اليوسفي والآن حكومة عباس الفاسي. لكن، إذا كان الهدف الأساسي من تشكيل الأحزاب السياسية، هو السعي إلى الاستيلاء على السلطة أو على الأقل المشاركة في ممارستها، فإن الواقع السياسي المغربي حدد وظيفة الأحزاب المغربية وأفرادها في نطاق لا يرقى إلى ما هو منوط بمثيلاتها في مختلف الأنظمة الديمقراطية، حيث إن أقصى ما يمكن أن تبلغه أحزابنا السياسية هو الاستيلاء على الوظائف التي يسمح لها بولوجها، وذلك لأن الدستور قرر تأكيد سمو المؤسسة الملكية وهيمنتها على رسم السياسة العامة، ومنحها التمثيلية السامية للأمة مباشرة وبدون وساطة. سياق وقرائن ودوافع حل حزب البديل الحضاري فضلت حكومة عباس الفاسي عدم استعمال الفصل 50 من قانون الأحزاب السياسية ولجأت إلى تفعيل مقتضيات الفصل 57 منه. إن الفصل 50 يتضمن إجراءات تشرك القضاء في القرار، حيث ينص على: "إذا كانت أنشطة حزب سياسي تخل بالنظام العام، فإن وزير الداخلية يطلب من رئيس المحكمة الإدارية بالرباط، بصفته قاضيا للمستعجلات أن يأمر بتوقيف الحزب وإغلاق مقره مؤقتا، على أن تبت المحكمة الإدارية بالرباط في الطلب الذي تقدم به وزير الداخلية خلال أجل أقصاه سبعة أيام يبتدئ من تاريخ رفع الطلب إليها". أما الفصل 57 من قانون الأحزاب السياسية فينص على ما يلي: "يحل بموجب مرسوم معلل كل حزب سياسي يحرص على قيام مظاهرات مسلحة في الشارع، أو يكتسي من حيث الشكل والنظام العسكري أو الشبيه به، صبغة مجموعات قتال أو فرق مسلحة خصوصية، أو يهدف إلى الاستيلاء على مقاليد الحكم بالقوة، أو يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بالنظام الملكي أو بوحدة التراب الوطني للمملكة". من خلال الرواية الرسمية يتبين أن سبب قدوم الحكومة على حل حزب البديل الحضاري، يكمن بالأساس في كون عنصرين بارزين من قاداته تورطا في تأسيس خلية "إرهابية" كانت تستهدف وزراء وشخصيات وازنة وضباط ويهود مغاربة، وذلك بعد أن توفرت قرائن تفيد بخطورة تورطهما، وعبرهما تورط الحزب، وبذلك يكون هذا الحزب قد سقط تحت طائلة مقتضيات الفصل 57 من قانون الأحزاب. هذا بالرغم من أن هيكلة الحزب المعني وتنظيماته ظلت معروفة لدى الجميع وأنه شارك في الانتخابات التشريعية في لوائح فاقت ثلث المقاعد المتبارى عليها، كما كان من السباقين إلى الدعوة لتأسيس القطب الديمقراطي. علما أن حزب البديل الحضاري، عبر أمينه العام المعتقل، عبّر عن استعداده للانخراط في حوار مع قادة التيارات المتطرفة المتواجدة حاليا في السجون من أجل فتح حوار معها لثنيها عن تصحيح رؤاها وتصوراتها بأفق إدماجها في المشهد السياسي. ويمكن إجمال أهم القرائن التي اعتمد عليها الوزير الأول لإصدار مرسوم حل حزب البديل الحضاري فيما يلي: ويرى الكثيرون أن العلاقة بين السلطة والتنظيمات ذات المرجعية الإسلامية، والتي كانت تقليديا مطبوعة بالأريحية ردحا من الزمن، ستتغير، وقرار حل حزب البديل الحضاري، تشكل في نظر هؤلاء، خطوة استباقية على درب إجهاض أية علاقة بين حركة إسلامية في المغرب وحركات مماثلة في الخارج، سيما في المشرق. في هذا السياق، وحسب أصحاب هذا الرأي، يجب حل حزب البديل الحضاري في الظرف الحالي. وبالتالي من الآن فصاعدا سيكون من الصعب جدا أن تمنح الدولة ترخيصا لحزب سياسي ذي مرجعية إسلامية باعتبار أن التحفظات ستتقاطر من أكثر من جهة على دوائر صناعة القرار. أما بخصوص الدوافع، كثيرون هم الذين يعتبرون أن قرار حل حزب البديل الحضاري، وبالطريقة التي تم بها، أملته حسابات سياسية، رغم أن خالد الناصري، الناطق الرسمي باسم الحكومة، أكد في أكثر من تصريح، أن الحكومة تعاملت بحسن نية ووفرت للحزب المنحل كل الصلاحيات ليمارس عمله، تكريسا للتعددية الحزبية وللديمقراطية، لكن تم اكتشاف أنه شكل مجرد غطاء للتخطيط لأفعال خطيرة وخطيرة جدا. ويعتبر آخرون أن هذا الحل هو عبارة عن إشارة قوية إلى عمق أزمة ثقة بين السلطة والحركة الإسلامية الموصومة بالمعتدلة، والتي ستجد نفسها مرة أخرى في مواجهة اتهامات منافسيها، علما أنها مجرد أزمة ثقة، لكنها قد تكون أقوى درجة من تلك التي حدثت بعد تفجيرات الدارالبيضاء سنة 2003، وبالتالي ستعود الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية إلى دائرة الشك، بعد أن نسف الخيط الرفيع الذي ربط بينها وبين النظام. موانع تأسيس الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية يرى عباس بوغالم، الباحث في العلوم السياسية، أن تأسيس الأحزاب السياسية المغربية ظل خاضعا للقانون المنظم للجمعيات الصادر سنة 1958 (ظهير الحريات العامة المشهور)، وهذا إلى غاية سنة 2006، تاريخ صدور قانون الأحزاب. ففي ظل قانون 1958، كانت الأسباب المستند إليها من قبل السلطات لمنع الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية تتمثل في كون القانون الجاري به العمل آنذاك، كان قد حدد لنشاطها على مستوى الجوهر شروطا، وتأسيسا عليها بررت السلطات عدم السماح للجمعيات الإسلامية بخلق أحزاب انطلاقا من ثلاث مقتضيات، أولا وجوب أن يكون المؤسسون مغاربة دون تمييز بين العنصر أو الدين أو الإقليم، وثانيا أن تكون الأموال وطنية الأصل دون سواها، ذلك أن السلطات ما فتئت تمنع مساعدات مالية قادمة من جهات إسلامية بالخارج. أما المقتضى الثالث، يعود إلى كون هذه الجماعات الإسلامية، وإن سمحت لأشخاص بالانتماء إليها دون ميز، فهل ستسمح لهم بالمشاركة في إدارة الحزب ذو المرجعية الإسلامية دون أن يكونوا مسلمين. انطلاقا من هذه المقتضيات الثلاثة كانت السلطات تبرر سلوكها اتجاه الجماعات الإسلامية، سيما بخصوص عدم تمتيعها بالشرعية القانونية قصد إقصائها من الحقل السياسي ومن المشاركة السياسية. ونفس هذه المقتضيات أقر بها قانون الأحزاب. علما أنه إذا كان الأصل في تأسيس الأحزاب وتسييرها هو مبدأ الحرية التي لا يحدها إلا الدستور والقانون دون سواهما، فإن قانون الأحزاب لسنة 2006 أقر بمجموعة من الشروط والضوابط التي تشكل قيدا لحرية تأسيس الأحزاب السياسية بالمغرب. ومن القضايا التي أثارت الجدل، في نظر عباس بوغالم، القول، من جهة، على الحزب أن لا يمس الدين الإسلامي، ومن جهة أخرى عليه أن لا يستلهم الإسلام في مبادئه وأسسه، ومن هنا استنتج أن هذا التعارض أو الغموض/ الإلتباس لم يكن بفعل السهو، وإنما كان مقصودا لتوسيع هامش تصرف الحكومة في تعاطيها مع الأحزاب. وعموما إن تعاطي السلطات مع التنظيمات السياسية يتم على قدر كبير من الحيطة والحذر، وتتساوى في ذلك التنظيمات المشاركة في الحقل السياسي أو تلك التي ترى أن شروط المشاركة في العملية السياسية لم تتحقق بالشكل الكافي، وبالتالي يبقى الاختلاف في التعاطي على مستوى درجة الحدة لا على مستوى جوهر سلوك التعاطي مع تلك التنظيمات. لذلك غالبا ما تقابل رغبة التنظيمات ذات المرجعية الإسلامية، سيما منها تلك التي تتأسس على مشروع يطرح الإسلام في شموليته (دينا ودنيا)، في تشكيل الأحزاب، بالرفض والممانعة، وينظر إليها بمثابة تاكتيك يروم تهديد الاستراتيجية العامة للسلطة السياسية القائمة بالبلاد ووسيلة تسعى إلى إحلال أحكام الشرع محل قانون الدولة. ولعل هذا ما يفسر استمرار حرج الدولة من وجود تنظيمات ذات مرجعية إسلامية، ولو كان معترفا بشرعيتها، لأنها تنازعها في الشرعية الدينية، وهذا ما ظل يفسر سلوك السلطة اتجاه مبادرة حزب الأمة من أجل الحصول على الاعتراف القانوني كتعبير عن حقه في التنظيم والتأطير، قبل اعتقال أمينه العام مؤخرا. قانون الأحزاب والخلفية التاريخية لا يمكن نكران أن قانون الأحزاب يعتبر الأول من نوعه في الترسانة القانونية المغربية بعد أن عوض ظهير 1958 المنظم للحريات العامة وتأسيس الجمعيات. علما أن أول دستور بالمغرب سنة 1962 نص على ضمان حرية العمل السياسي، بما في ذلك حرية تأسيس الأحزاب السياسية. آنذاك كاد المغرب أن يكون الدولة العربية الوحيدة التي لم تعمل بمبدأ الحزب الوحيد، وذلك اعتبارا للظرفية التي عاشها بين الإعلان عن الاستقلال سنة 1956 ووضع أول قانون لتأطير الحريات العامة سنة 1958 والإقرار بأول دستور، مرورا بالاحتقان السياسي الكبير بسبب نية ورغبة حزب الاستقلال آنذاك في الهيمنة على السلطة وسعي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، المنشق عنه سنة 1959، إلى لعب نفس الدور، مما أدى إلى بروز أحزاب أخرى سواء تلك التي لعبت أدوارا في عهد الاستعمار أو تلك التي فبركها القصر بسرعة، هكذا جاء انطلاق التعددية الحزبية. كما أنه طيلة الستينات والسبعينات، خضعت الأحزاب السياسية بالمغرب للملاحقات الأمنية بسبب مواقفها المناوئة والمناهضة للنظام الملكي، سيما التنظيمات السرية ("إلى الأمام"، "23 مارس"، "لنخدم الشعب"، "الاختيار الثوري"، "التنظيم"..) أو بعض التنظيمات العلنية التي كانت تحظى بالشرعية كحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والحزب الشيوعي (حزب التحرر والاشتراكية ثم التقدم والاشتراكية حاليا) وغيرهما، وأدى مناضلوها ضريبة غالية (الاغتيالات، سجن، منفى..) عندما كانت لغة العنف هي السائدة والمعارضة للنظام الملكي، هي المهيمنة. وموازاة مع القمع الشرس المسلط على القوى السياسية الحية الحاملة لطموحات التغيير الجذري، لجأ القائمون على الأمور منذ نهاية الستينات إلى فبركة أحزاب سياسية، وعين على رأسها شخصيات قريبة من دائرة الملك إما عبر علاقات الدم أو المصاهرة أو معروفة بولائها للقصر الملكي، الشيء الذي ساهم في إجهاض آليات النمو الطبيعي للحقل السياسي، وكانت النتيجة كما يعرفها الجميع، الاستناد، على امتداد عقود، إلى تزوير الانتخابات وتشويه اختيارات الشعب المغربي وبروز حكومات تفتقر للسند الشعبي وهي تمارس في ظل حق سياسي مشوه. في السبعينات، وبفعل الأزمة العميقة التي كانت تعيشها البلاد اضطر الملك الحسن الثاني إلى منح دستور جديد سنة 1972، ثم اللجوء إلى انتخابات 1973 بعد الخروج من حالة الاستثناء وولوج مرحلة تطبيع العلاقات بين القصر والأحزاب، والتي وصفها البعض بمرحلة "المسلسل الديمقراطي" بعد قبول المعارضة المشاركة في اللعبة السياسية، وبعد ذلك أضحت قوة الحزب تحسب بمدى قربه من الحكم، خلافا لما كان في الماضي، فتناسلت الأحزاب حتى فاقت الثلاثين حزبا في منتصف التسعينات وصولا إلى 2002، وجاء أغلبها جراء انقسامات وانشقاقات داخل الأحزاب القديمة. بعد ذلك حلت مرحلة اقتراب النظام من "الأحزاب الديمقراطية" للتصدي للحركة الإسلامية، إلا أن مفهوم الزعيم ظل مهيمنا بين صفوفها رغم إدعائها أنها ديمقراطية وتسعى للتغيير. آنذاك كان الملك الحسن الثاني قد طالب بتشكيل كتلتين حزبيتين كبيرتين على غرار النمط البريطاني (الكتلة الديمقراطية/ الوفاق الوطني)، إلا أن اللعبة لم يكتب لها النجاح وتم تفتيتها قبل الولادة. بدأ الملك محمد السادس عهده بتوجيه نقد لاذع للأحزاب السياسية، واستمر في انتقادها، إذ اتهمها بكونها هيئات "لا هم لها إلا الأغراض الانتخابوية بدل التنافس على البرامج الملموسة وتكوين النخب الواعية المسؤولة" (خطاب العرش – 2006)، وبذلك دعا الملك إلى الإسراع بإعداد قانون الأحزاب بعد مطالبة الأحزاب بتشكيل قوة اقتراحية. لكن قانون الأحزاب ظل مسكونا بالهاجس الأمني، وكان الهدف الأساسي، غير المعلن، هو منع الإسلاميين وأصحاب التيار الأمازيغي من تشكيل أحزاب، وإغلاق الأبواب في وجههم، ولم يبق أمامهم إلا مسارا واحدا لا ثاني له سوى الالتحاق بحزب قائم، وهذا ما فعلته حركة التوحيد والإصلاح بعد أن رفضت وزارة الداخلية الترخيص لها بإنشاء حزب "التجديد الوطني" سنة 1992، إلا أن جملة من التنظيمات رفضت السير على هذا الدرب ولم تقبل الذوبان في أحزاب قائمة لا تقاسمها نفس التوجهات، وهذا ما قامت به حركة البديل الحضاري، التي كاتبت الملك بعد رفض الترخيص لها في البداية، وأضحت أغلب التنظيمات ذات المرجعية الإسلامية تؤسس محاججتها القانونية، لمواجهة عدم الترخيص لها، على الدستور الذي يقر بأن الإسلام هو دين الدولة، بالتالي يشكل أساسا مشروعا لخلق أحزاب إسلامية، ما دامت الدولة سمحت بوجود أحزاب شيوعية واشتراكية. في إشكالية المرجعية الدينية إذا كان نص ظهير 15 نونبر 1958 (المعروف بظهير الحريات العامة) يؤكد أن كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الأخلاق الحسنة قد تسعى إلى المس بوحدة التراب الوطني أو بنظام الدولة الملكي، تكون باطلة وعديمة المفعول، فإن تعديل 23 يوليوز 2002، جاء بتغييرات بهذا الخصوص، إذ أقر بأن كل جمعية تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين والآداب العامة أو قد يهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعو، إلى كافة أشكال التمييز تكون باطلة، وهذا ما احتفظ به قانون الأحزاب سنة 2006. إن نازلة حل حزب البديل الحضاري اعتبارا لقرينة ارتباطه ب "الإرهاب" حسب الرواية الرسمية، في نظر الكثير من المحللين السياسيين، المغاربة منهم والأجانب، وجب وضعها، من الآن فصاعدا، في خانة اختيار ستعتمده الحكومة الحالية ومن ستتبعها، ومفاد هذا الاختيار هو المزيد من التشدد من طرف السلطة فيما يتعلق بحرية التعبير السياسي من خلال إنشاء تنظيمات سياسية، سيما الأحزاب. وهذا التشدد المرتقب لا محالة، يهدف بالأساس إلى نوع من أنواع الحماية تتجاوز مقتضيات التصدي للإرهاب المعتادة إلى حد الآن، والذي لا يختلف بخصوصه أحد في مغرب اليوم، أي أنه يهدف إلى حماية السلطة السياسية القائمة من ظهور منافسين محتملين لها، سيما ذوي المرجعية الإسلامية، وذلك لكي لا تصبح لهم شرعية جماهيرية وشعبية، قد تشكل تهديدا لشرعية السلطة القائمة، ومن هنا يكون القائمون على الأمور قد استغلوا فرصة الكشف عما وصفوه بشبكة "إرهابية خطيرة" لتكريس "عرف جديد"، سيحد، بشكل واضح، من حرية تأسيس الأحزاب السياسية. فالأكيد أنه بعد الآن، وهذا ما اتضح بجلاء من خلال كل التصريحات الأخيرة التي أدلى بها خالد الناصري، وزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، ستعتمد السلطات المزيد من تشديد الحراسة قصد التحصن من جملة من الأحزاب السياسية والاحتراز من العمل السياسي الحزبي. ومهما يكن من أمر، فسواء اعتمدت السلطات مزيدا من التشدد في تعاملها مع الأحزاب (أو بعضها) أم لم تعتمده، فلن يتغير شيء من حقيقة وواقع نفور المجتمع المغربي من كل ما له علاقة بالأحزاب السياسية، ما دام أن الثقافة السائدة لدى الغالبية لا تؤمن بأن الخيار الديمقراطي رهين بوجود أحزاب سياسية قوية تضمن عملية تنظيم المواطنين وتمثيلهم، وتعمل على تأطيرهم وتنشئتهم على الفعل الديمقراطي في كافة مناحي الحياة. وكما قال الدكتور الصديق نخلي، "المجتمع المغربي يحمل تصورا خاصا عن الأحزاب السياسية، ينحصر في اعتبارها بذلة يرتديها المرء أو يخلعها حسب الظروف والمناسبات، وبالتالي فهي لا تشكل بالنسبة لمنخرطيها سوى تجمعات مصلحية لا ترتبط بأي التزام لبرنامج سياسي معين أو هدف مشترك، بل لا ينتظر منها سوى أن تكون وسيلة لخدمة مصالحه وتعزيز نفوذه وتقريبه من فوائد السلطة، وإذا عجزت عن تحقيق ذلك فإنه يبتعد عنها....". قراءات في منع حزب المعتصم والركالة شككت مختلف الأوساط السياسية والحقوقية في سدادة قرار حل حزب البديل الحضاري، لكن ليس بخصوص سلامة الإجراءات والمرتكزات القانونية، وإنما بخصوص الاعتبارات السياسية وتداعيات هذا الحل المفاجئ على المشهد العام. فهذه هي المرة الأولى، منذ أحداث الدارالبيضاء الدامية في 16 مايو 2003، التي يتم فيها توقيف مسؤولين حزبيين أو تنظيم إسلامي بتهمة صلة مفترضة بتنظيمات راديكالية متطرفة تعتمد العنف. لقد دافعت الحكومة عن سداد رأيها بخصوص اتخاذ قرار الحل بدعوى القرائن المذكورة سابقا، والتي دفعتها إلى اختيار تفعيل مقتضيات الفصل 57 السالف الذكر دون تردد عوض اعتماد المسطرة الاعتيادية ثم اتخاذ القرار النهائي على ضوء فحوى ما ستقضي به العدالة. اعتمدت الحكومة هذا الخيار لأنها اعتبرت أن جوهر الموضوع يفوق بكثير مجرد حل حزب سياسي، ما دامت النازلة متصلة ب "شبكة إرهابية" مسلحة تمتلك خطة واستراتيجية للنيل من استقرار البلاد، وبالتالي حزب البديل الحضاري الذي تم حله ما هو إلا جزء من استراتيجيتها "الإرهابية" في منظور الحكومة. وإذا كان الحقوقيون لا يعترضون على التصدي للأفعال "الإرهابية" بما تتطلبه من حزم، فإنهم يصرون على مواجهتها من خلال احترام القانون والحرص على حقوق الإنسان، إذ لا يمكن، في نظرهم، للدولة أن تواجه إرهابا بإرهاب مماثل، لأن ذلك يؤجج العنف ويساهم في المزيد من كَبْحِ الحريات وأوضاع حقوق الإنسان. فدائما حينما تنتهك هذه الحقوق، باسم الأمن أو تحت ستار مكافحة الإرهاب، يمكن حصول عواقب سلبية في مكونات المجتمعات، ويظل التمسك بكونية حقوق الإنسان واحترامها، في نظر المدافعين عنها، المنفذ الأمين لضمان الاستقرار والأمن الفعليين. وترى سميرة كيناني، نائبة رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، أن القدوم على حل حزب البديل الحضاري، من طرف السلطة التنفيذية يدل على تراجع في مجال الحريات، وأن إلصاق تهم الإرهاب بالمواطنين، قد تزرع جوا من الرعب والخوف للقضاء على هامش من حرية التعبير. في حين يرى خالد السفياني أن مرسوم الوزير الأول القاضي بحل حزب البديل الحضاري هو قرار خاطئ على المستوى الحقوقي. كما يرى فيه مساسا باستقلال القضاء وإدانة مسبقة لأشخاص حتى قبل متابعتهم من طرف النيابة الجهة الوحيدة ذات الاختصاص في هذا المجال، علما أنه حتى ولو توبعوا ستظل البراءة هي الأفضل إلى حين أن تقول العدالة كلمتها، هذا علما أن البحث التمهيدي لدى مصالح الشرطة المختصة من المفروض أن يكتسي صبغة سرية. ويذهب خالد السفياني أبعد من هذا، ويرى أنه حتى لو تم إدانة قادة من الحزب بصفتهم الشخصية فلا يحق للوزير الأول أن يحل الحزب ارتكازا على هذا الاعتبار. ويسير محمد ضريف في نفس الاتجاه، إذ اعتبر أن قرار حل الحزب يعني تثبيتا لتهم لا يمكن إثباتها بأي وجه من الوجوه حاليا. فالواضح في نظره إلى حد الآن، هو أن القادة المعتقلين كانت لهم علاقة بتنظيم راديكالي ذي مرجعية إسلامية وذلك قبل الثمانينات، علما أن الكثير من القوى السياسية آنذاك كانت تتبنى خيارا متشددا وكانت تسعى إلى تغيير الوضع باعتماد العنف، لكنها تراجعت عن أرائها، ومنهم يساريون غيروا قناعتهم الآن ويشكلون جزءا من حكومة عباس الفاسي. ونفس الأمر حاصل بالنسبة للإسلاميين، فمنهم من سبق أن تبنى خيارات متطرفة، ومن هؤلاء بعض أعضاء حزب العدالة والتنمية، لكنهم غيروا قناعاتهم بعد انسحابهم من تنظيم الشبيبة الإسلامية، ولا يمكن محاسبة هؤلاء على ماضيهم، وهذا ينطبق كذلك على الكثير من أعضاء حزب البديل الحضاري وحزب الأمة. ويعتبر عبد الرحمان بنعمرو قرار حل حزب البديل الحضاري قرارا مجانبا للصواب باعتبار أن مقتضيات الفصل 57 الذي اعتمد عليه الوزير الأول لإصدار مرسومه لا تنطبق على حالة الحزب المنحل، وبالتالي كان ينبغي أن يخضع قرار الوزير الأول لمراقبة السلطة القضائية، ما دام حزب البديل الحضاري لم يدع إلى مظاهرات مسلحة ولا يتوفر على مجموعات مسلحة، وذهب عبد الرحمان بنعمرو إلى القول إن خضوع المغرب للانخراط في محاربة الإرهاب وفق المنظور الأمريكي هو الكامن وراء السرعة في اتخاذ قرار الحل الخاطئ في نظره.