2. حركة الرأي الإسلامي: أدركت السلطة العلمانية بعد رحيل كمال أتاتورك عام 1937 وتولي خليفته عصمت اينونو أن الاستمرار في معاداة الدين والمشاعر الدينية يتناقض مع المشاعر العامة ولا يزيد إلا في توسيع حركة المطالبة بعودة الدين الى الحياة العامة والخاصة لدى المجتمع التركي . وشعر زعماء الحزب الحاكم ، حزب الشعب الجمهوري أن الاستمرار في هذا العداء والتضييق على أهله يساهم في تراجعهم ، ويعجل برحيلهم عن الحياة السياسية خاصة بعد إقرار نظام التعددية الحزبية عام 1940، حيث ظهرت أحزاب عمدت الى طرح مسألة الدين ضمن برامجها ومشاريعها ، ولم تكن تتوانى في المناداة بإعطائه المكانة اللائقة به داخل الحياة التركية . لقد شكل إقرار نظام التعددية الحزبية والديمقراطية مؤشرا هاما في بدئ مرحلة جديدة من العلاقات بين الدين والدولة في المجتمع التركي في تجاه يمكن أن نقول عنه "اتجاه تصالحي" .فحدث أن فتحت مجموعة من الأحزاب أذرعها لاستقبال أبناء التيار الإسلاميين ، والمفارقة أن الحزب الحاكم n الحزب الجمهوري n الذي كان متزعما للإصلاحات الكمالية- كان هو السباق الى الانفتاح على هذا التيار ، فغير من مفهوم العلمانية التقليدي الذي رفعه منذ عشرين عاما ، وأقر بموجب ذلك عام 1947 إجراءات خاصة ، فاعتبر في إحدى مؤتمراته بأن الدين غذاء روحي للمجتمع ، ومن بين تلك الإجراءات : إقامته دورات لتخريج الأئمة والوعاظ ، فتحه كلية الإلهيات بأنقرة ، إدخاله الدين كمادة اختيارية في صفوف المرحلة الابتدائية ، تسهيله الذهاب الى الحج . في ظل هذه الظروف عملت كثيرمن الطرق الدينية على نقل نشاطاتها الى العلن بعد السرية التي أجبرتها مرحلة الإصلاحات الكمالية. وجاءت انتخابات 1950 لترجح كفة الحزب الذي شكل الدين عنصرا قويا في مشاريعه ومطالبه وإصلاحاته، وقد كان الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس أكثر الأحزاب تمسكا ومطالبة بهذه الإصلاحات ، ومع هذا الحزب ستشهد عودة الإسلام الى الحياة التركية ، وقد ساهم هذا الزعيم حقيقة في الإحياء الإسلامي خلال فترة الخمسينات عبر مجموعة من الإجراءات من مثل سماحه برفع الآذان باللغة العربية ،و إلغاءه الحظر على البرامج الدينية ،وتشريعه دروس الدين في المرحلة المتوسطة ، وبناؤه للمساجد ، ومنحه الصفة القانونية لمعاهد الأئمة والخطباء.. وفي المقابل رفض ظهور أي شكل من أشكال التنظيم الحزبي الإسلامي خوفا أن يسحب منه القطاع الإسلامي الذي يشكل قاعدته الشعبية ، وقد يعزو رفضه لتشكيل أي تنظيم إسلامي حزبي في تلك الآونة حرصه على كسب المعارك الانتخابية، ورغبته في تحقيق توازن بين النزعتين الإسلامية والعلمانية. وفي جانب حمايته للعلمانية قام ببعض الإجراءات لكنها لم تشفع له أمام حماتها الذين لم يطيقوا عودة المظاهر الإسلامية بشكل واضح للحياة التركية ، فكان أول انقلاب عسكري في تاريخ تركيا ماي 1960 م تحت عنوان " حماية العلمانية". وأعدم على إثره عدنان مندريس زعيم الحزب الديمقراطي.وقد قوبل هذا الانقلاب باستياء كبير من طرف الأحزاب السياسية آنذاك. بعد قيام الحركة الانقلابية ، وحدوث حالة من الهدوء السياسي صدرت الإجراءات التشريعية الجديدة التي وفرت حرية أكبر للتنظيم والتفكير. لم يكن للطرق الدينية الصوفية في بدايات ظهورها العلني مفهوم واضح للفكرة الإسلامية في الدولة ، ولذلك لم تكن ترى مانعا من مساندة هذا الحزب أو ذلك الذي يساهم في توسيع نشاطاتها،هذا الأمر لم يكن كذلك عند أفراد من أبناء التيار الإسلامي ممن سمحت ظروفهم بالالتقاء ببعض التنظيمات الإسلامية العالمية ، وعلى رأسها حركة الإخوان المسلمين بمصر . من بين هؤلاء الأفراد الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان ، الذي يمكن اعتباره المهندس الأول لحركة الرأي الإسلامي التي لم تكن حينئذ مشكلة في تنظيم ذا هيكل قائم معترف به من طرف الدولة التركية ، بقدر ما كانت تصورا حمله نجم الدين أربكان الى الساحة التركية ، ليطوره مع بقية إخوانه إلى أن اكتمل في شكل هيكل يشتغل من خلال فضاءات جمعوية سمح بها دستور البلاد. اشتغلت حركة الرأي الإسلامي من خلال واجهات عدة ، شكلت كل واجهة تنظيما قائما بنفسه ، فهناك التنظيم الشبابي والتنظيم النسوي والتنظيم العمالي و التنظيم السياسي... أحرز التنظيم السياسي بأولية خاصة، وهو الى حد ما اعتبر الإطار الذي تبلورت فيه التجربة السياسية لحركة الرأي الإسلامي بأحزابها كلها ، كما نال حصة الأسد في اهتمامات مؤسسي حركة الرأي الإسلامي تنظيرا وممارسة ، انطلاقا من اعتقادهم بأنه مدخل تغييري هام ، تتجاوز أهميته باقي المداخل التغييرية الأخرى . وإذا كانت بعض الحركات الإسلامية في تجارب عديدة في بلدان العالم الإسلامي قد عنت عناية خاصة بالمداخل التغييرية الأخرى كالمدخل التربوي والمدخل الفكري والمدخل الثقافي واعتبرتها اللبنات الأولى التي ا يتأسس عليها المدخل السياسي و المدخل الاجتماعي.. تجربة حركة الرأي الإسلامي التي قادها نجم الدين أربكان ، وانسجاما مع خصوصية البيئة التركية اعتبرت المدخل السياسي بوابة المداخل الأخرى ، وهو أقدر على أن يوفر لهذه المداخل شروط أكبر للفعل والتحرك ، كما يضمن لها أيضا شروط البقاء والاستمراية ، دون أن يعنى ذلك انتفاء الاهتمام بباقي المداخل الأخرى . وتمت شروط مهمة ساهمت في تبلور هذا التصور لدى مؤسسي حركة الرأي الإسلامي ، تكمن بعض هذه الشروط في البيئة التربوية التي توفرت للحركة والتي هيأتها الطرق الدينية الصوفية ، حيث كانت مجالس وحلقات هذه الطرق، والتي كان يحتشد فيها أفراد كثرمن أبناء المجتمع تشكل محاضن إيمانية وتربوية يتأطر فيها المجتمع تربويا ،ومنهم أبناء حركة الرأي الإسلامي . حينما بدأ زعماء حركة يبلورن تصوراتهم حول طرق الاشتغال في المجال التربوي وجدوا أرضية تربوية خصبة هيأتها الطرق الدينية الصوفية التي كانت منتشرة في أكثر من مكان داخل تركيا ، فلم يكن يمنع حركة الرأي الإسلامي من الانطلاق من هذه الأرضية التربوية التي وفرت مخزونا إيمانيا كبيرا ، بل نكاد نقول بأن المنطلق الأول لحركة الرأي الإسلامي كان من محاضن وحلقات هذه الطرق ،وقد أعطى الزعيم نجم الدين أربكان النموذج في هذا السلوك ، فقد كان نقشبنديا ، وهذا التوجه انصرفت عنه بعض تجارب الحركة الإسلامية في أقطار وبلدان أخرى. استفادت حركة الرأي الإسلامي من الأرضية التربوية التي بنتها تجربة الطرق الدينية الصوفية، ووفرت عنها جهد وعناء التخطيط لهذا الجانب ، طبعا لا يعني أن الجانب التربوي غائب تماما من مشاريع وخطط الحركة ، سواء في مرحلة انخراط أعضاء الحركة كأفراد ضمن أحزاب سياسية قائمة أو داخل الأحزاب التي أسستها، لكن ليس بالقدر والحجم الذي كان عليه الجانب السياسي من الاهتمام . و لحد اليوم ما زال يفتخر بعض أعضاء التجربة السياسية الإسلامية بانتمائهم للطرق الصوفية ، واستفادتهم من محاضنها التربوية ، وعلى رأسها الطريقة النقشبندية . إن ما اكتسبته التجربة السياسية الإسلامية من خبرة ومراس ودربة في خبر تدابير الممارسة السياسية لم يكن وليدة فترة زمنية قصيرة بل تجربة ما يقرب من 32 سنة، تقلبت خلالها ما بين ستة أحزاب سياسية ،آخرها تجربة حزب العدالة والتنمية. ما هي إذن هذه الأحزاب السياسية الإسلامية ؟ ثم أخيرا ما هي التحولات التي طرأت على سياساتها ومواقفها وأفكارها؟ هذا ما سنراها في الفصل الموالي من المقالة. 5 حركة الرأي الإسلامي وأحزابها السياسية: انخرط نجم الدين أربكان في إحدى الأحزاب السياسية ، وهو حزب العدالة ، حرصا على أن يجد للفكرة الإسلامية -فيما يتعلق بتدبير شؤون الدولة- موطئ قدم داخل مشاريع هذه الأحزاب . مستغلا الانفراج السياسي الذي أعقب انقلاب 1960 . قدم نجم أربكان ترشيحه باسم حزب العدالة في مسقط رأسه بقونية في انتخابات عام 1969 ، لكنه رفض ، فخاض الانتخابات مستقلا ففاز في محافظة قونية ، وشكل فوزه هذا مدخلا نحو محطة هامة وتاريخية في سياق التجاذب بين العلمانيين والإسلاميين ، تزامن ذلك مع ازدهار الكتابات الداعية لاقامة دولة إسلامية ، في الوقت نفسه ازدادت المشاعر الإسلامية ظهورا على ساحة المجتمع ، توجت بتأسيس الزعيم أربكان لأول حزب إسلامي وهو حزب النظام الوطني.باعتباره الواجهة السياسية لحركة الرأي الإسلامي التي لم تكن بعد قد تشكلت في تنظيم معين مسموح له بالقيام بأنشطته بشكل قانوني، هكذا ستعرف حركة الرأي الإسلامي الانطلاقة الفعلية المباشرة لممارستها السياسية ، وبشكل قانوني مع تأسيس أول حزب يستمد مرجعيته وأطروحته من الإسلام .ويعمل في إطار ما يسمح به دستور الدولة العلماني. هكذا وبعد مرور نصف قرن تقريبا، يمكن القول بأن المظاهروالمشاعر الإسلامية تقلبت بين سياستين قبل أن تعثر على أحزابها : الأولى: سياسة التصفية والإقصاء مع الإصلاحات الكمالية n 1923/1945 ، والثانية سياسة الاحتواء والاستغلال من جانب الأحزاب العلمانية- 1946/1969- لتعثر أخيرا على الأحزاب الحقيقية التي ستحتضنها والتي ستتولى المناداة بحقوقها ، والتعبير عن همومها وقضاياه ، بلغت لحد الساعة ستة أحزاب ، 1.حزب النظام الوطني : تأسس هذا الحزب عام 1970 ، وقد جاء دعم هذا الحزب بصورة رئيسية من التجار والحرفيين والرجال المتدينين في منطقة الأناضول ، توسع الحزب في مدة قصيرة ،وبوجوده ستدخل الساحة السياسية التركية مفاهيم وطروحات جديدة وردت في ثنايا الأحاديث والخطب التي كان يلقيها زعماء الحزب -وعلى رأسهم نجم الدين أربكان- أثناء مجالس الحزب الوطنية من ذلك قوله : *عاش الناس أربعين سنة والقوى الخارجية المؤثرة تحاول إبعادهم عن محورهم الحقيقي الى محور غريب ، فوقع الناس في ضيق وعنت ، ولا بد من إرجاع الناس الى طبيعتهم ومحور هم الأصيل n فطرة الله- حتى يستقيم أمرهم ويتخلصوا من عقدهم. - إن حزب النظام الوطني لا يشبه الأحزاب الأخرى ، فجميع الأحزاب تقوم على أساس التسلط وشهوة الحكم ، ونحن نقوم على أساس جديد وهو ابتغاء مرضاة الله والعمل في سبيل الوطن ... وفي إحدى تجمعات الحزب الوطنية أبرز نجم الدين أربكان أهمية الإصلاحات الدستورية التي تقتضيها المرحلة فذكر أنه " في رأينا أن التوضيح المهم الأكثر ملائمة لجعل الدستور دستورا ديمقراطيا ، لا بد هناك مواد دستورية مناسبة قبل تحديد الحركات وحقوق الفكر والمعتقد ، وهكذا من الممكن إيجاد مناخ للتطبيقات الحالية والتي لا تتعارض من المبادئ الأساسية للدستور ، وفي مثل هذه الحالة على المرء أن يتكلم عن وجود فكر الحرية والمعتقد ، وأن دولتنا وجدت لتسعى وتنمو ، ومن ثم تأخذ مكانتها بين الأقطار الحضارية في العالم " لقد بدأ أربكان بمجرد تأسيسه لحزبه برفع مسالة الإصلاح الدستوري، من خلال دعوته الى ضرورة تفعيل بعض بنود الدستور وفصوله ، وهكذا اعتبر بان النظام الديمقراطي لا يعد ديمقراطيا بدون الحقوق وحرية الفكر والمعتقد ، وكان يقصد من وراء إشاراته هذه إيجاد الحرية التامة لاستخدام الأفكار الإسلامية، أما الدين في نظره " هو معتقد أساسي ونظام فكري للأفراد" وهذا يعني الاعتراف بحق الحرية والوجود والاعتراف بحقوق المعتقد للفرد . إن حرم الشخص من هذه الأسس هو ضد الروح والمبادئ الأساسية وخاصة الفقرة 1 من المادة 19 والمادة 20 من الدستور. لم يدع حزب النظام الوطني الى إحداث تغييرات جذرية في نظام الجمهورية ، ولا دعى الى استبدالها بنظام الدولة الإسلامية ، بقدر ما يمكن اعتبار مطالبه تمثل الشروط الدنيا التي ينبغي توفرها لكي تتحقق الممارسة الديمقراطية الحقيقية . وبالرغم من بساطة هذه المطالب فقد أثارت حفيظة حماة الكمالية العلمانية فكان مصير الحزب هو حله وحضر نشاطاته نهائيا في 21 مارس 1971 بقرار من المحكمة الدستورية ، بدعوى أن نشاطات الحزب لاعلمانية، كما فسرت بعض الصحف الإعلامية وعلى رأسهما جريدتي n جمهوريت و-مليت- أن الأفكار والتصريحات التي كان يرددها أربكان في خطبه تستخدم الدين لأغراض سياسية، وهي نفسها الشائعات التي تروج ضد الأحزاب السياسية الإسلامية في باقي الأقطار الإسلامية الأخرى. 2. حزب السلامة الوطني: بعد هدوء جو العنف والقلق السياسي في السياسة الداخلية التركية من جراء الأحكام العرفية ، قام نجم الدين أربكان بلم شعت حزب النظام الوطني مؤسسا سنة 1972 حزبا سياسيا جديدا أطلق عليه اسم " حزب السلامة الوطني"، فضل أربكان ألا يكون زعيمه، لكن لم يمنعه موقعه الخلفي من أن يكون عقله المدبر. استطاع الحزب في مدة ثمانية أشهر من تأسيسه أن ينظم قواعده ، ساعده في ذلك التعاطف الكبير الذي لقيه من الرأي العام المحلي انطلاقا من كونه الحزب الوحيد الذي كان ينادي بأهمية الأخلاق الدينية والمواقف المعنوية. كما أكد الحزب في فقرات من قانونه الداخلي على مبدأ العلمانية واعتبرها هي ضمان حرية الفكر والضمير ، وهي تقف حاجزا أمام الخصومات والنزعات بين الفرق المختلفة عن طريق مباشر أو غير مباشر . و من جانب آخر أكد الحزب أن العلمانية يجب أن لا تصبح وسيلة لقمع أولئك الأشخاص الذين يفكرون ويؤمنون بمعتقدات مختلفة . ويبقى من أبرز خطوات هذا الحزب تشكيله إلى جانب حزب الشعب الجمهوري حكومة ائتلافية وذلك في سنة 1974، حيث كان نصيب حزب السلامة الوطني ثمانية عشر وزيرا ، وبفضل جهود أربكان عن طريق الحكومة الائتلافية مثل وزير الداخلية - وهو آنذاك من حزب السلامة- تركيا لأول مرة في مؤتمر القمة الإسلامي في سنة 1974.إلا أن هذه الحكومة سرعان ما حلت بسبب الأزمة القبرصية التي كان لحزب أركان ومعه شريكه في الائتلاف رأي خاص يقضي جزء من هذا الرأي بإعلان استقلال الحكومة الاتحادية القائمة في الجزيرة استقلالا تاما، وهو الرأي الذي وجد حينئذ من يعارضه من الأحزاب وعلى رأسها حزب أجاويد. وفي الانتخابات العامة التي أجريت في يونيو 1977 لم يحض الحزب إلا على نسبة 8.56 / من الأصوات فمثل في المجلس الوطني فقط 42 مقعدا ، ويعزى هذا الانخفاظ الى نشوء انشقا قات داخلية في صفوف الحزب ترجع الى المرحلة السياسية التي قامت فيها حكومة ائتلافية بين حزب السلامة الوطني وحزب الشعب الجمهوري ، فقد كان الجناح النورسي داخل الحزب يعارض هذا الائتلاف بينما الجناح النقشبندي والذي كان يرأسه أربكان يؤيد هذا الائتلاف. ازداد نشاط حزب السلامة الوطني وقوي خلال فترة السبعينات ، و رافق ذلك انتشار المظاهر الإسلامية في تركيا من قبيل : توسع المدارس الإسلامية التي أصبحت تعلم حوالي 10 / من الطلاب في المدارس الثانوية بما فيهم العنصر النسوي ، انتشار الصحافة من خلال مجموعة من الجرائد والمجلات ، كما أنه وتحت تأثير حزب السلامة أصدرت رئاسة الشؤون الديانة بيانا أكدت فيه على دعوة المرأة التركية إلى الحجاب. و كانت للحزب مواقف من حجم كبير تخص السياسة الداخلية والأمنية للبلاد ، ومن بينها معارضته الشديدة لاستخدام أمريكا لقواعده المتواجدة في تركيا في حل قضية الرهائن الأمريكيين الذين تم احتجازهم بالسفارة الأمريكية بطهران. كما كان للحزب دور من خلال ائتلافه مع حزب أجاويد في إسقاط وزير خارجية حكومة سليمان دمريل زعيم حزب العدالة آنذاك ، بعد تأكدهم من تورط الوزير السالف الذكر في توثيق علاقات تركيا مع إسرائيل وبالاقتصاديات الغربية . شعرت المؤسسة العسكرية من هذه الخطوات التي قام بها الحزب بتعاظم دوره خصوصا مع الائتلاف الذي أبرمه مع حزب أجاويد ، ومن شأن هذه الخطوات مجتمعة- حسب حماة الكمالية - أن تقوض سياسة الأمن الداخلي للبلاد ونهجها في تأييد الغرب .. يضاف إليها ذلك التجمع الكبير والحاشد الذي نظمه الحزب في مدينة قونيا قبل يوم واحد من طرد وزير الخارجية ، وما رافق هذا الحشد الكبير من شعارات وهتافات دينية ضد اليهود وضد كمال أتاتورك وضد الصهيونية ... كل هذه الحيثيات التي رافقت خطوات الحزب عجلت بالانقلاب العسكري الذي قام به الجيش سنة 1980 ، والذي أعقبه مباشرة قرار بحظر جميع الأحزاب السياسية واعتقال قادتها وزعمائها وتقديمهم للمحاكمة ، وكان من بين الأحزاب حزب السلامة الوطني ، وقد حوكم قادته وعلى رأسهم أربكان بمجموعة من التهم . وبين الادعاء بالتفصيل خطبا ألقاها أربكان وأعضاء آخرون من حزبه - مضبوطة التواريخ والأمكنة- تبطن تهديدا لثوابت الدولة الكمالية ، إضافة الى شعارات استخدمت في اجتماعات الحزب استخدمت لنفس الغرض .. عموما يمكن القول بأن حزب السلامة استطاع أن يدخل بعض التغييرات في السلوك السياسي الداخلي التركي . وهكذا ارتبط اسم الحزب وزعيمه بالحركة الإسلامية في تركيا ، وأصبح الحالة الأكثر شيوعا في إطار الرأي العام التركي خلال تلك الفترة وما بعدها.
3.حزب الرفاه: أسسه المحامي علي توركان في يوليوز 1983 بموجب قانون الأحزاب الجديد الذي أعقب الانقلاب حيث تضمن هذا القانون شروط كثيرة ، لم تكن مانعة من تكوين حزب إسلامي ، وهو حزب الرفاه بتنسيق مع زعامات حزب السلامة المحظور، و بعد رفع الحظر عن نشاط زعماء الأحزاب وعلى رأسهم حزب السلامة ،عاد نجم الدين أربكان إلى زعامة حزب الرفاه في أكتوبر من عام 1986. تزامنت الفترة الأولى من تأسيس هذا الحزب مع عودة النشاط للحياة السياسية بعد الانقلاب العسكري . كانت النشاطات الإسلامية أكبر المستفيدين من عودة الحياة السياسية الى نشاطاتها ، واستعادت عافيتها وبريقها بصفة خاصة بعد أن بدأ حزب الرفاه يقوم بأنشطته في مجموعة من المدن التركية ، و المحافظات الكبرى ، ومعها بدأت بعض الجماعات والطرق الدينية الصوفية وعلى رأسها النقشبندية والقادرية.. في التوسع والانتشار من جديد ، يضاف الى ذلك ازدياد قوة النشاط الإسلامي في صفوف المدارس والمعاهد الدينية مثل مدارس الأئمة والخطباء وفروعها المنتشرة في عدد من المحافظات التركية ، و اتسع عدد المتدينين بشكل واسع في كليات الإلهيات والجامعات التركية عموما. واستمر الوضع حتى فترة استلام أوزال عن حزب الوطن الأم السلطة ، ويعد من شخصيات الحزب الذين كان يحملون تعاطفا كبيرا مع الحركة الإسلامية ، وبوجوده على رأس السلطة ستزداد النشاطات والمظاهر الإسلامية في بروزا وظهورا داخل المجتمع التركي. لا يمكن أن نفصل حزب الرفاه عن مسار تجربة الأحزاب السابقة، فهو بكل بساطة هو امتداد طبيعي لحزب السلامة الذي يعتبر هو نفسه امتدادا لحزب النظام الوطني. لذلك فالحديث عن التجربة السياسية لهذا الحزب n حزب الرفاه- يستوي فيها الحديث عن الممارسة السياسية بدءا من أول حزب أسسه نجم الدين أربكان وهو حزب النظام الوطني. خاض حزب الرفاه الانتخابات البلدية عام 1986 وحاز على ما يناهز 778.622 ألف صوت ، لكن رفع الحظر على الزعماء السياسيين، وعودة أربكان إلى زعامة الحزب جعلته في الانتخابات العامة النيابية لعام 1987 يستعيد قوته بل يتجاوزها بكثير، فحصل على ما يفوق مليون صوت بنسبة 7.16 / بما مجموعه 21 عضو، في انتخابات 20 أكتوبر 1991 النيابية العامة خاض الحزب المعركة بالتحالف مع أحزاب أخرى وحقق الائتلاف نجاحا كبيرا، وقارب عدد نوابه بعد هذه الانتخابات الأربعين نائبا، وفي الانتخابات البلدية العامة لسنة 1994 سيحتل الحزب المركز الثالث بنسبة 19.07/ في حين تراجعت نسبة الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب الأخرى بما فيها التي كانت تشكل معه الائتلاف ، ولأول مرة يفوز الرفاه برئاسة أهم بلديتين في تركيا وهما بلدية استنبول وأنقرة فضلا عن أربع بلديات مدن كبرى و22 بلدية عاصمة محافظة ، و22 مركز قضاء و203 بلدية قرية. استطاع حزب الرفاه أن يحقق أهداف مهمة للتيار الإسلامي على صعيد مجموعة من المستويات : على المستوى الاقتصادي والمستوى الاجتماعي ، لكن يبقى أهم مستوى كانت بصماته فيه واضحة وبارزة هو المستوى السياسي ولعل أبر حدث ارتبط بهذا الحزب هو تشكيله لحكومة ائتلافية مع حزب تانسو تشيلر. فلأول مرة في تاريخ الحركة الإسلامية يكون أحد كوادرها وزعمائها على رأس الحكومة ، كان ذلك سنة 1996 ، وقد جاء هذا التتويج ثمرة لجهود كبيرة قادتها التجربة السياسية الإسلامية التركية بزعامة مهندسها نجم الدين أربكان ، كان هذا الحدث تاريخيا بكل معنى ، تناقلته وسائل الإعلام الداخلية والخارجية ،واعتبرته الحدث المفاجأة أو الحدث الصاعقة ، في حين ابتهجت مجموعة من الجهات الإسلامية، التي اعتبرت هذا الانتصار شيئا مهما ورصيدا نوعيا ينضاف الى التجربة الإسلامية العالمية. استطاعت الحكومة في الفترة التي كان على رأسها الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان أن تحقق للمجتمع التركي مكاسب هامة لم تحققها الحكومات السالفة، وفي فترة قصيرة جدا.و لم تكن هذه المكاسب والامتيازات التي تحققت لترضي التيارات العلمانية و المؤسسة العسكرية التي رأت في مبادرات نجم الدين أربكان تهديدا وتقويضا لثوابت الدولة، فكان منهم التهديد المبطن عبر الرسائل الشفوية أومن داخل الغرف والمؤتمرات المغلقة كي يترك الرفاهيون الحكم وإلا..؟ بعد تزايد التهديدات العسكرية فضل نجم الدين أربكان أن يفوت الفرصة على محاولات توجيه ضربات مؤلمة ومؤثرة لمسيرة التيار السياسي الإسلامي خصوصا ولتجربة الحركة الإسلامية داخل تركيا عموما ، مثلما حدث في فترات سابقة ، فقدم أربكان استقالة حكومته مجبرا في يونيو 1997 بعد عام واحد من الحكم الائتلافي. ولم تكتف المؤسسة العسكرية بانقلابها الأبيض الذي أجهض هذا الائتلاف بل استصدرت قرارا بغلق الحزب سنة1998 بعصا القانون، وحكمت على زعيمه نجم الدين أربكان بعدم مزاولة النشاط السياسي لمدة خمس سنوات. مع هذا الانقلاب الأبيض يمكن القول بأن السياسة التركية اذا كانت في الماضي القريب قد انتهجت أسلوب الانقلابات الدموية وغير الدموية سبيلا لقمع وضرب تقدم واستقرار الحركة الإسلامية السياسية ، فإنها اليوم ومع تغير العالم وتغير تركيا نفسها قد انتهجت وسيلة جديدة للقضاء على الحركة الإسلامية السلمية، والتي تتعامل في إطار قواعد ما يسمى باللعبة السياسية والديمقراطية. وهذه الوسيلة الجديدة تكمن في جهاز "القضاء" الذي الحل السحري البديل لسينوريوهات الانقلابات العسكرية، وقد وظف لضرب أي قوة سياسية إسلامية وغير إسلامية طرحت نفسها كبديل مقبول داخل الساحة السياسية التركية. * تضييقات ومحن أعقبت تجربة حزب الرفاه في الحكومة: شكل وصول أحد كوادر التيار الإسلامي للسلطة حدثا خطيرا ، فبعد سنوات من التضييقات السياسية والعراقيل القانونية استطاع هذا التيار أن يتجاوز ويتخطى كل ذلك فيكون على رأس هرم السلطة داخل الساحة السياسية التركية ، هذا الحدث التاريخي لم يكن ليستساغ من طرف خصوم التيار الإسلامي ، كما لم يكن ليقبل من طرف الجهات الخارجية التي رأت في وصول هذا التيار الى هرم السلطة تهديدا حقيقيا لمصالحها في المنطقة . فأعطيت الإشارة مرة أخرى لشد حبل الخناق عليه ، وهكذا ومنذ الساعات الأولى لصدور قرار بإغلاق حزب الرفاه ، ومصادرة ممتلكاته ، ومنع زعيمه نجم الدين أربكان من مزاولة نشاطاته السياسية لمدة خمس سنوات ، وضع خصوم التيار الإسلامي قائمة التضييقات لتشكل بذلك طورا ثالثا من محنة الإسلاميين في ظل الدولة التركية الحديثة ، ومن هذه التضييقات أذكر: - صدور قرار بمنع الطالبات المحجبات من التعليم ، وقد صادق على هذا القرار ،حكومة أجاويد بإيعاز من المجلس القومي العسكري، بموجب هذا القرار حرمت الفتيات المحجبات من ولوج الجامعة ومؤسسات الأئمة والخطباء ، وقد أعقبته هذا القرار اعتصامات أمام أبواب مجموعة من الكليات احتشدت فيها جموع من الفتيات تطالبن بحق ممارسة معتقداتهن وحريتهم الدينية الذي يضمنه الدستور العلماني ، و قمن بمسيرات احتجاجية في أكبر شوارع استنبول وأنقرة.. ووجهت بعنف من طرف الأمن التركي ، واستمر القانون واستمرت احتجاجات الفتيات ، والى حدود كتابة هذه الأسطر مازال القرار ساريا ، وبسببه لم تتمكن مجموعة من الفتيات من مواصلة مسيرتهن العلمية ، متشبثات بالواجب الديني الذي يفرضه عليهن دينهن ، وجزء من هؤلاء الفتيات قبلن على مضض الخضوع لهذا القرار الجائر ، واضطررن - وبمجرد وصولهن الى عتبة الجامعة n الى نزع حجابهن ، وعندما يخرجن يرتدينه في ظروف نفسية قاسية جدا . بعض الفتيات خاصة ممن تيسرت ظروفهن سافرن لمتابعة الدراسة في الخارج ، سواء في دول العالم الإسلامي أو في الدول الغربية ، تصوروا معي هذا القرار التعسفي الذي يتعارض مع أبسط حق تكفله التشريعات السماوية ، وتنادي به القوانين الدولية الوضعية ، كيف بموجبه تحرم فتيات من حقهن في ممارسة حريتهن الدينية ، إنها حقا معاناة دفعت أحد زعماء الطرق الدينية -من أجل التخفيف من وقعها على فتيات جماعته أن يصدر فتوى بجواز نزع فتيات طريقته وجماعته الحجاب من أجل أن يتسنى لهن متابعة دراستهن الجامعية . وهي الفتوى التي اعتبرت حينها من قبل بعض الإسلاميين تنازلا قامت به جماعة فتح الله غلام وهي من أكبر فرق الطريقة النورجية ، هذا التنازل لم تقبله باقي المكونات الإسلامية خاصة أبناء التجربة السياسية الإسلامية، حيث رأوا في هذا التنازل استسلاما لضغوط التيار العلماني والمؤسسة العسكرية. ولم يتوانوا أن يعلنوا بأنهم سيجعلون هذه القضية على رأس أولياتهم في معاركهم المقبلة ، لأنها في نظرهم قضية تمس حرية الإنسان وكرامته. - صدور قانون التعليم المستمر غير المنقطع لمدة ثماني سنوات في المرحلة التعليمية الأساسية الذي كان غرضه محاصرة مدارس الأئمة والخطباء وتقليل خريجيها والوافدين للتعلم بها ، وحتى من استمر من التلاميذ في متابعة الدراسة بها فانهم مطالبون أن يحصلوا على معدل عال - حتى اذا خفض لهم بموجب قانون صدر لهذا الغرض- لم يؤثر ذلك على معدلهم العام الذي يخول لهم اجتياز امتحانات الالتحاق بالجامعة . وإلا اضطروا لاستبدال المدارس المذكورة بغيرها من المدارس الأجنبية أو المدارس الخاصة . وقد أدى هذا القانون وما ارتبطت به إجراءات الى إفراغ مدارس الأئمة والخطباء من الطلاب ، وهي تعتبر في نظر العلمانيين ومن والاهم المعاقل الكبرى للتيار الإسلامي ، وكان من نتائج القرار بحث مجموعة من الآباء عن بدائل لهذه المدارس سواء داخل تركيا أو خارجها.تفاديا لحرمان أبنائهم من مواصلة مسيرتهم العلمية . -صدور تهديدات لموظفي بعض وزارات الدولة بالطرد إن علم أن لهم ارتباطات بالتيار الإسلامي سواء من قريب أو من بعيد .. ويكفي في هذا الإطار أن يشهد اثنان من مفتشي وزارة الداخلية بأن فلان أو فلانة لها علاقة بالجماعة الفلانية أو أحد أقاربه أو أقاربها ، عضو في الحزب الفلاني يفصل تماما من وظيفته . - وفي المؤسسات العلمية التابعة لوزارة الديانة أقبرت مجموعة من المشاريع العلمية وطرد أصحابها بمجرد علم الجهات الرسمية بكون المشروع الذي تعمل فيه هذه المؤسسة من ورائه أو يسيره أحد أبناء التيار الإسلامي . أو يخدم قضية من قضايا هذا التيار. - في الجانب الاقتصادي تم إغلاق بعض الشركات والمصانع و إيقاف التعامل مع بعضها بمجرد العلم بأنها لأحد أبناء التيار الإسلامي ... خلفت هذه التضييقات أثرا كبيرا لدى فئة عريضة من مكونات التيار الإسلامي ، وأقاربهم والمتعاطفين معهم ، وأعلنت بعضها -خاصة بعض الطرق الدينية- أنها ما تضررت بهذا الحجم الذي تضررت به منذ سنوات خلت - و طبعا يرجعون السبب في اشتدادا وارتفاع حجم التضييقات بمختلف أشكالها بوصول حزب الرفاه للحكومة، وبسبب الخطورات والمبادرات التي أعقبت ترأسه للحكومة ، خاصة على المستوى الخارجي حيث أثارت مبادرات هذه حفيظة الخصوم في الداخل والخارج . لم يفتأ n برغم شدة التضييقات n أن عاد زعماء التجربة السياسية لترتيب أوراقهم ، وأعلنوا بعد مدة عن ميلاد حزب جديد وهو حزب الفضيلة، الذي انتخب في مؤتمره التأسيسي ماي 2000 السيد رجائي قوطان رئيسا له
4. حزب الفضيلة : يعتبر حزب الفضيلة وريث حزب الرفاه المحظور ، وبمجرد ما تم تأسيسه التحق أعضاء في البرلمان التركي في صفوفه ، وكونوا فريقا نيابيا باسم الحزب الجديد ، ليشكلوا من خلاله القوة الحزبية الثالثة داخل تركيا ، والقوة الأولى من حيث التعاطف الشعبي . سار الحزب على نفس خطوات سالفه "حزب الرفاه"، حيث حافظ الحزب على نفس المواقف اتجاه القضايا المطروحة على الساحة التركية ، قضية الحجاب ، قضية التحاق تركيا بالاتحاد الأوروبي ... ارتبطت بالحزب قضية منع نائبته مروة قواقجي من دخول البرلمان ، بسبب تشبتها بارتداء سترتها داخل المجلس ، وهو الأمر الذي أحدث ضجة سياسية وإعلامية داخل تركيا وخارجها ، وعقدت من أجله مدارسات وندورات ، طبعا النائبة المنتخبة ديمقراطيا من طرف الشعب لم تقم بأي خرق للقانون المعمول به ، بقدر ما مارست حقها الطبيعي الذي يكفله لها دستور البلاد العلماني ، ومع الأسف عدت خطوتها سابقة خطيرة تهدد علمانية الدولة ، ولذلك بحث عن مسوغ لطردها ، ووجدوا ضالتهم في حمل النائبة للجنسية الأمريكية التي لم تعلن بها للجهات الرسمية، في الوقت الذي يوجد فيه آلاف الأتراك يحملون جنسيات مختلفة ، ويقيمون بكل حرية داخل تركيا وليس خارجها . وفي تطور خطير أعقب هذا الحدث الذي خلف تحفظات عدد من المنظمات الوطنية والدولية، ولمزيد من شد الخناق على التيار الإسلامي خاصة على فصيله داخل اللعبة السياسية حزب الفضيلة ، أصدرت المحكمة الدستورية قرارا بحل الحزب في يونيو 2001 ، ومصادرة ممتلكاته . وجاء قرار المحكمة أسبوعين فقط لحين صدور تشريع برلماني جديد يصعب مهمة حل الأحزاب السياسية . واللافت للنظر في هذا الحدث أن المحكمة قضت بإسقاط عضوية 7 من أعضاء الحزب البرلمانيين ، وأبقت على بقية الأعضاء الذين كان يصل عددهم حوالي 102 عضو، كأعضاء مستقلين تفاديا لإجراء انتخابات جديدة . وقد وصف القرار حين صدوره بأنه يشكل ضربة قوية للنظام شبه الديمقراطي في تركيا ، وسيثير مشكلات كبرى في التحاق تركيا للاتحاد الأوربي. عللت المحكمة الدستورية أسباب غلقها لحزب الفضيلة ، ليس لكون الحزب وريثا وامتدادا لحزب الرفاه المحظور ، ولكن بسبب أن الحزب أصبح وكرا للأصوليين المعادين للعلمانية. وقد بدى حينها بأن القرار يحمل الصفة السياسية أكثر منه الصفة القانونية ، وهو الأمر الذي أصبح معتادا من القضاء التركي في السنوات الأخيرة . أما السبب الحقيقي في غلق الحزب فيكمن في كون الحزب رفع شعارات تكاد تختلف ولو قليلا عن شعارات الأحزاب السياسية العلمانية ، كما أن الفشل الاقتصادي المتوالي للأحزاب العلمانية أثناء قيادتها للحكم في تركيا دفعها للبحث عن الحلول الاستئصالية للتخلص من أي تيار سياسي قوي ومنافس لها ، ويمثل البديل أمام الرأي العام . ولم تمض إلا أسابيع قليلة حتى شهدت الساحة التركية ميلاد حزبين يحملان نفس التوجهات والمنطلقات أخذ ا بمسار التجربة السياسية الإسلامية وجهة أخرى ، أقل ما يمكن أن نقول عن هذا المسار هو كونه :عنوان تطور جديد في مشروع الحركة الإسلامية عموما ، وفي ساحة التجربة السياسية الإسلامية بتركيا خصوصا . نرى من المناسب قبل الدخول في تفاصيل هذا التحول أو التطور أن نستكمل الحديث في التعرف على الحزبين الجديدين .
5. حزب السعادة: أسس الحزب في غشت 2001 م ليشكل امتداد لحزب الفضيلة ، وقد اتخذ نفس الأسلوب الذي سار عليه سالفه قبل أن يطاله الحظر ، لقد نهج هذا الحزب نهجا تقليديا -حسب المتتبعين- مرتهنا بنفس المواقف القديمة ، في مجال تدبير القضايا المطروحة والأخرى المستجدة على الساحة السياسية ، و لم يعرف برنامج الحزب التغييري جديدا على مستوى المفاهيم والعلاقات والطروحات السياسية . أما أعضاؤه فهم ما يقرب من 48 نائبا من أصل 102 نائبا كانوا يشكلون الفريق النيابي لحزب الفضيلة المحظور أما باقي الأعضاء فقد التحقوا بحزب العدالة والتنمية الذي أسس بعد أسبوع فقط من تأسيس حزب السعادة . قبل الانتخابات الأخيرة أغلب المتتبعين للشأن السياسي التركي أجمعوا على أن هذا الحزب- الذي يمثل في يعتبر وريثا بامتياز لتجربة الأحزاب الإسلامية السابقة التي كان يتزعمها نجم الدين أربكان- سوف لا يتعدى حاجز 10 / النسبة الواجب تجاوزها لدخول مجلس البرلمان التركي ، وقد عللوا أسباب ذلك في احتفاظ الحزب على مواقف سالف حزب الفضيلة ، والتي تِؤطرها رؤية شبه متشددة في معالجة القضايا المطروحة على الساحة السياسية ، وهو إلى حد كبير عد من طرف المراقبين بكونه حزب ينتمي للأحزاب التقليدية داخل تركيا ، والتي لم تستطع الخروج بالبلاد من الأزمة الاقتصادية التي ظل تتخبط فيها ، وان كان لنا تحفظ على هذا الرأي ، ذلك أن التجربة السابقة لحزب الرفاه -الذي يعتبر حزب السعادة امتدادا له- لم تترك له الفرصة كاملة للاستمرار في مشروعه في تدبير دواليب السلطة التي كان على رأسها حتى نستطيع أن نحكم حقا بفشله أو عدم ذلك في إدارة الأزمة التي كانت تعرفها تركيا ، والتي تفاقمت أكثر مع حكومة أجاويد الأخيرة . حيث تركت دمورا ويأسا اكتنف المجتمع التركي عموما ، وقد ذهبت ضحية هذا الدمور واليأس مجموعة من الأحزاب وعلى رأسها "حزب السعادة" الذي لم يتجاوز نسبة 2.10/ في الانتخابات الأخيرة علما بأن الحزب لم يسبق له أن شارك في أي حكومة ، ولا شارك في أي استحقاق انتخابي سابق . هناك أكثر من سبب واحد ساهم في عدم تجاوز "حزب السعادة" لحاجز 10/ في الانتخابات الأخيرة ، ولعل أهمها ظهور حزب منافس له في الساحة السياسية التركية وهو "حزب العدالة والتنمية" الذي استحوذ على مجموعة من الأصوات ، جزء كبير منها كان من المفروض أن تذهب لحزب السعادة . تفاصيل ذلك نتركها في فقرة خاصة ندرجها ضمن الحديث عن التحولات التي عرفتها تجربة الحزب السياسي الإسلامي.
6. حزب العدالة والتنمية : في غشت 2001 م و بعد أسبوع من تأسيس حزب السعادة قدم السيد طيب أرد وخان الرئيس السابق لبلدية استنبول في تركيا طلبا للترخيص لحزبه الذي أطلق عليه اسم "حزب العدالة والتنمية" ، والذي سيكون الحزب رقم 39 ، واعتبر طيب أرد وخان أن حزبه سوف لا يعد وريثا لحزب إسلامي ، بقدر ما سيكون وريث الحزب الليبرالي وهو حزب العدالة الذي كان زعيمه سليمان دمريل رئيس جمهورية تركيا السابق ، فمن طروحات وأفكار هذا الحزب أكد زعماء حزب العدالة والتنمية أنهم سيستقون أفكارهم واستراتيجياتهم الرامية الى تحقيق التنمية الوطنية داخل البلاد . وقد ضمت الهيأة التأسيسية للحزب ما يقرب من 13 امرأة بينهم محجبات ، ومطربة وممثلة وطبيبة ومعلمة ، إضافة إلى العديد من الشخصيات التي كانت تشكل التيار المعتدل داخل تجربة حزب الفضيلة المحظور ، و اعتبر أحد أفراد الهيأة المؤسسة للحزب في مؤتمر صحفي أن حزب العدالة والتنمية قدم ليملأ الفراغ السياسي القائم في الحياة السياسية التركية بعد أن فقد الشعب ثقته بالأحزاب الممثلة في البرلمان ، ولذلك فهو يمثل كافة الاتجاهات الليبرالية ، ويحتضن جميع قطاعات الشعب. وعدد طيب أرد وخان رئيس الحزب الذي انتخب بالإجماع المبادئ التي سيدافع عنها حزب العدالة والتنمية في : مبدأ الجمهورية المركزية الموحدة والمتضامنة المستندة الى المبادئ الديمقراطية العلمانية ودولة الحقوق الاجتماعية، وتحقيق تكافئ الفرص للجميع واقامة علاقات حسنة مع دول العالم كافة ، والقيام بأعمال الخصخصة لصالح البلاد وضمان عدالة الضرائب وتخفيضها وتوزيعها بشكل ينسجم مع البنية الاجتماعية للبلاد ، مع التأكيد على رفض الحزب لجميع أشكال التعذيب والإرهاب والإذلال ،أما العلمانية ففسرها رئيس الحزب بأنها تكمن في حياد الدولة تجاه المعتقدات ، وهي بهذه الصورة ضمان للديمقراطية . * حزب العدالة والتنمية حزب إسلامي بثوب علماني : في أكثر من تصريح ولقاء صحفي أكد زعماء حزب العدالة والتنمية أن حزبهم ليس حزبا إسلاميا بل هو حزب علماني يعمل في إطار ثوابت الدولة ، والتي من أهمها العلمانية ، وقد أثار إعلان رئيس حزب العدالة والتنمية بعلمانية حزبهم غرابة عند سماعه ، خاصة وأنه صدرمن رجل تربى وترعرع بين أحضان التيار الإسلامي ، كان لهذا التيار الفضل بعد الله في إكسابه التجربة السياسية التي خولت له أن يصبح على المكانة التي هو عليها اليوم داخل الساحة السياسية.وقد بدى هذا الإعلان عند بعض أبناء التيار الإسلامي كأنه ارتداد من زعيم حزب العدالة والتنمية وبعض القياديين الآخرين عن المبادئ التي اعتنقوها منذ مدة ، أوكأنهم خلعوا عنهم ربقة اسلاميتهم . من المفهوم والمعلوم لدى العم والخاص أن لكل دولة من دول العالم ثوابتها ، يضع القانون والدستور في غالب الأحيان خطوطها الكبرى ، و جميع الأحزاب والحساسيات التي تقر بالعمل داخل الساحة السياسية وفق دستور البلاد، يكون واجب عليها احترام هذه الثوابت ، مهما ما يكون لها من تحفظات عليها . ولا يخرج حزب العدالة والتنمية بتركيا عن هذه الدائرة، فهو حزب علماني -كما أعلن رئيسه- بقوة القانون الذي يعمل وفقه ، والعلمانية هي من ثوابت الدولة التركية هم كباقي الأحزاب مضطرون للعمل تحتها. ولذلك حين يعلن رئيسه أن حزبه علماني ، فلا شيء يثير الغرابة والتعجب في هذا الاعلان ، فهو منسجم تمام الانسجام مع دستور وقانون البلاد. لكن توجهاته لا يخفيها من خلال مشاريعه وتحركاته.وهو بذلك حزب إسلامي بثوب علماني . اذ كثير من بلداننا بها أحزاب وأنظمة علمانية بثوب إسلامي ، وبها بالمقابل أحزاب إسلامية بثوب علماني كما هو حال حزب العدالة والتنمية بتركيا. و شأن حزب العدالة والتنمية كشأن باقي التجارب السياسية الإسلامية الأخرى ، ابتداء من حزب النظام الوطني. فليس في ديباجة قوانينها الأساسية ما يقربانها أحزاب إسلامية ، وإذا ما حصل ذلك فسوف لن يكون من نصيبها العمل داخل الساحة السياسية التركية.