منذ الإعلان عنها من طرف وزير الداخلية نفسه، خلال ندوة صحافية في 20 فبراير الماضي بالرباط، ملأت قضية الشبكة الإسلامية ذات التوجهات الإرهابية صفحات الجرائد. بطبيعة الحال، وجد بحوزتها ما يحجز عادة عند الشبكات الجهادية السرية من سلاح، وأوراق مزورة، ومهاجرين متطرفين، ولصوص صغار مستقطبين، وما يشكل الجديد أيضا، وجود زعماء سياسيين محترمين (بفتح الراء) ومحترمين (بكسر الراء) للمؤسسات، متورطين سرا في مخطط لزعزعة استقرار المملكة على المدى البعيد. مخطط عرف بدايته في 1990 وهدفه ما زال مجهولا (إنشاء جمهورية إسلامية؟ خلافة؟). على الأقل هذا ما تعلن عنه مصالح الأمن بالمغرب من أجل تفسير وتبرير إلقاء القبض يومي 18 و19 فبراير الماضي على 35 شخصا بين الدارالبيضاء والرباط والناظور، حيث تم العثور على كمية كبيرة من السلاح، وحل جمعية وحزب سياسي. مع شكيب بنموسى وزير الداخلية منذ سنتين المكلف المباشر بهذا الملف، تحاول مجلة "جون أفريك" الذهاب بعيدا في البحث في ملف معقد أدهش المغاربة وكان الإفصاح عنه مثار تعليقات وتشكيك. (هذا الحوار أجري في مقر وزارة الداخلية بالرباط في 25 فبراير الماضي( جون أفريك: أين يتجلى اختلاف الشبكة الإرهابية الأخيرة التي تم اعتقالها بالمغرب وأسفرت عن اعتقال 35 شخصا، واكتشاف العديد من مخابئ السلاح ومنع حزب سياسي إسلاموي، عن باقي الشبكات الأخرى التي تم تفكيكها في وقت سابق؟ شكيب بنموسى: التقاطع بين شبكة إرهابية وحزب سياسي قانوني أمر جديد. إضافة إلى طبيعة مخططها الهدام. فنحن هنا أمام مخطط على المدى البعيد مرفق بقاعدة أيديولوجية محددة. أمر آخر مختلف، مرتبط بكون الأشخاص المتورطين ليسوا مهمشين، ولكنهم ينتمون إلى الطبقة المتوسطة. وأخيرا قيمة الأموال المبيضة التي تم التصرف فيها داخل الشبكة تبقى بلا مثيل، إذ بلغت 30 مليون درهم تقريبا. كل هذه أمور غير مسبوقة. جون أفريك: حزب البديل الحضاري الذي تم منعه وسجن كاتبه العام المصطفى المعتصم قلتم إنه الواجهة القانونية للشبكة الإرهابية لعبد القادر بلعيرج منذ أكثر من عشر سنوات. لكن هذا الحزب لم يعترف به رسميا إلا سنة 2005. لماذا لم تفطن مصالحكم إلى ذلك؟ "" شكيب بنموسى: لقد سعى البديل الحضاري إلى الاعتراف الرسمي على مدى سنوات، وكانت مصالح الأمن تعتبرها جمعية مشبوهة لكن دون الحصول على أدلة معقولة للاعتراض. في الحقيقة إن البديل الحضاري كان يلعب على نقطتين من أجل انتزاع الاعتراف: أولا النقاش الدائر حول مشروع قانون متحرر حول الأحزاب، ومساندة جزء كبير من الطبقة السياسية المغربية آنذاك، التي كانت ترى في المعتصم ممثلا للإسلام اليساري غير العنيف، والبرنامج المعتمد من طرف البديل الحضاري كان يراعي جيدا البقاء داخل الإطار القانوني. جون أفريك: تتجلى الجدة (بكسر الجيم) أيضا في تواصل أعضاء الشبكة مع حزب الله اللبناني وربما إيران. شكيب بنموسى: يجب أن نكون حذرين في هذه النقطة. الإستراتيجية طويلة الأمد المتبعة من طرف البديل تدعو إلى التفكير في "التقية"، أي الكتمان والتستر المتبع من طرف الشيعة، وهي خطوة تبناها البديل بشكل ضمني منذ 1992 بواسطة زعماء ومؤسسي الحزب مستقبلا، وأختها جمعية "الحركة من أجل الأمة" التي لم يعترف بها قط كحزب. أما الحديث عن تورط جهات من الخارج فلحدود الآن ليس هناك في ملفات القضية ما يدعم هذه الفرضية. والأمر نفسه يقال عن حزب الله، وكون أعضاء من الشبكة كانت لهم النية في إجراء تدريبات بمعسكرات الجناح العسكري للحزب في لبنان حيث كانت لهم علاقات واتصالات، فهذا لا يعني أن الحزب كان متورطا. جون أفريك: رغم ذلك يوجد بين المعتقلين مراسل قناة المنار التابعة لحزب الله.. شكيب بنموسى: لم يعتقل بصفته صحافيا ولا علاقة للقناة التي يشتغل معها بذلك، لكن الأمر يتعلق بتورطه في مجموعة من المخططات الإجرامية. جون أفريك: كان اعتقال البلجيكي المغربي عبد القادر بلعيرج قبل أسابيع سببا في سقوط الشبكة. لماذا ألقي القبض عليه في هذا الوقت بالضبط، مع أنكم راقبتموه على مدى شهور؟ شكيب بنموسى: لنكن واضحين، التوقيت في الإفصاح عن هذا الملف لا علاقة له بالسياسة. كنا ننتظر تجميع المعطيات، واكتمال الصورة لنمر إلى مرحلة الفعل، كما أن الشبكة لم يكن لها تاريخ محدد قريب للقيام بأعمال. جون أفريك: من هي الشخصيات المستهدفة من الشبكة؟ شكيب بنموسى: يتعلق الأمر بشخصيات سياسية، ويهود مغاربة، ومسؤولين كبار في الأمن، وكلهم كانوا هدفا لمراقبة ومتابعة دقيقتين. جون أفريك: هل سبق للشبكة أن قامت بأعمال في المغرب؟ شكيب بنموسى: نعرف اليوم أن أحد أعضائها كان مسؤولا عن إطلاق النار على مغربي يهودي بالدارالبيضاء في يونيو 1996 يدعى "بابي أزينكو" الذي أصيب إصابة خطيرة. وتم العثور على سلاح الجريمة خلال حملة التفتيش التي قام بها رجال الأمن. كما قامت الشبكة بالعديد من أعمال السطو على الوكالات البنكية ومهاجمة سيارات نقل الأموال. جون أفريك: ما هي العلاقات الدقيقة التي كانت تجمع بين زعيم الشبكة بلعيرج والسياسي المصطفى المعتصم؟ شكيب بنموسى: تعارفا منذ سنة 1992 عندما تأسست الشبكة وحددت قواعدها وإستراتيجيتها، وبعد ذلك بقي الاتصال بشكل دوري لكن متواصل. جون أفريك: إضافة إلى المعتصم كان هناك محمد الأمين الركالة الناطق باسم البديل ومحمد مرواني رئيس "الأمة" أعتقلوا جميعا. هل كان لهم علم بمخططات الشبكة وأهدافها؟ شكيب بنموسى: دون أن يكونوا فاعلين مباشرين أو آمرين، فقد كانوا على علم بكل شيء. كما كانوا على علم بالأسلحة التي هربت إلى المغرب والهدف منها. الكمية هي الأهم التي حجزنا منذ 15 سنة أدخلت على ثلاث مراحل: سنة 1993 و1994 و2000. مصدرها بلجيكا، واستقدمت بواسطة مغاربيين مقيمين هناك. ودخلت عبر سبتة ومليلية مخبأة في سيارات، ووزعت بعد ذلك على مخابئ في الناظوروالدارالبيضاء، وكلها معلومات كانت مشتركة بين الأعضاء المنفذين للعمليات والسياسيين داخل الشبكة. جون أفريك: مع ذلك تبقى السرعة التي حل بها البديل مفاجئة. إنها أول مرة في المغرب منذ 30 سنة ! شكيب بنموسى: كان لابد من إعطاء إشارة واضحة إلى الأحزاب السياسية، تتجلى في عدم الانخراط في لعبة مزدوجة أو صيرورة مفسدة. فالديمقراطية تستدعي الشفافية، وقواعد لعبة مفروض احترامها من طرف الجميع. جون أفريك: هل هذا خطاب موجه إلى حزب العدالة والتنمية الذي اعتقل أحد أعضائه الذي يعمل صيدلانيا بالرباط في إطار التحقيقات؟ شكيب بنموسى: إنه عضو سابق في "الأمة"، وهو معطى حرص حزب العدالة والتنمية على توضيحه. وتبعا لذلك فإن هذا الحزب غير مستهدف. أما بخصوص "البديل" فإن أعضاءه غير المعنيين بالقضية من حقهم اللجوء إلى العدالة لإسقاط قرار الحكومة. جون أفريك: هل خططت الشبكة لعمليات انتحارية؟ شكيب بنموسى: لا حسب علمي، رغم الاتصالات التي كانت مع زعماء السلفية الجهادية وسفر بلعيرج إلى أفغانستان في 2001 وزيارته لمعسكرات الجماعة الإسلامية للدعوة والقتال في الجزائر سنة 2005، فإن العمليات اقتصرت على التخطيط لقتل شخصيات محددة، على الأقل في مرحلة أولى. جون أفريك: حسب تصريحاتكم فإن بلعيرج متورط في ست جرائم قتل في بلجيكا ولكسمبورغ بين 1989 و2000. لماذا يبدو أن الشرطة البلجيكية لم تكتشف هذه الجرائم إلا بعد إعلانكم عنها؟ شكيب بنموسى: لقد بعثنا معلومات إلى الشرطة البلجيكية التي أكدت لنا جرائم القتل التي لم يقبض على منفذيها. وتعاوننا مع بروكسيل يسير بشكل طبيعي في الحقل القضائي. من المؤكد أن مصالح الأمن البلجيكية تعرف بلعيرج، لكن على ما يبدو فإنه كان محترفا في التخفي. جون أفريك: كلما اكتشفت شبكة إرهابية تنظمون ندوة صحافية . هل تبحثون على وقع الإعلان؟ شكيب بنموسى: نبحث عن التواصل مع الرأي العام من أجل نسج علاقة ثقة، جديرة بالتصديق وقائمة على الوقائع. لسنا سذجا، فكل إعلان عن تفكيك شبكة إرهابية يحاط بهالة من التشكيك. وكل مرة يتحدث المعلقون عن فبركة والتلاعب السياسي من طرف الدولة والتمويه، لست أدري. ليس هناك رد أحسن على هذا التشكيك، عن حسن أو سوء نية، سوى التواصل. صحيح أن الأمر حساس ما دام التحقيق مستمرا لكنه أمر ضروري إذا أردنا تجنيب المغاربة الوقوع في الأوهام الخادعة. إن التهديد الإرهابي ظاهرة طويلة الأمد يجب تعلم التعايش معها ومحاربتها. جون أفريك: أظن أن هناك قضايا من هذا النوع لا تتواصلون حولها.. شكيب بنموسى: كل شيء لا بد أن يسقط في يوم أو آخر في المجال العام لسبب بسيط، هو أن كل الملفات تأخذ طريقها نحو القضاء. صحيح أننا لا ننظم ندوة صحافية كلما فككنا شبكة لمجاهدين افتراضيين موجهين إلى العراق أو بلدان الساحل مثلا، لأن الرهان ليس نفسه عندما نفكك شبكة كانت تنوي القيام بعمليات إرهابية في المغرب. جون أفريك: هل هناك تزايد في الخطر الإرهابي في المغرب؟ شكيب بنموسى: القضية الأخيرة تدعونا إلى أن نكون منتبهين أكثر وحذرين أكثر. واختراق عناصر مخربة وهدامة للجمعيات والمجتمع المدني والأحزاب السياسية ومؤسسات الدولة يفرض حذرا خاصا. جون أفريك: كيف التوفيق بين هذه الإجراءات وحماية الحريات؟ شكيب بنموسى: الخيار الديمقراطي للمغرب لا رجعة فيه. مع أنه من الضروري ملاءمة آلياتنا ونماذجنا وشبكات تقييمنا للتهديدات الجديدة مع الحفاظ على البقاء في النطاق الصالح. إن المغرب بلد منفتح عرف كيف يتلاءم مع الحداثة، ولا يمكن أن تفكر مصالحه الأمنية بواسطة عقليات تنتمي إلى 1970 و 1980. يجب أن تتطور، ومن هنا ينبع المخطط الخماسي لتأهيل المصالح الأمنية، وأيضا تقوية شبكة المراقبة عبر الكاميرات في المدن الكبرى. جون أفريك: كيف يعامل المعتقلون الإسلاميون؟ العديد من المنظمات غير الحكومية المدافعة عن حقوق الإنسان ترى أن حقوقها غير محترمة ويساء معاملتهم خلال الاستنطاق. شكيب بنموسى: كل القوانين المعمول بها محترمة، وكل الفاعلين يمكنهم مطالبة العدالة التأكد مما ينسب إليهم. في ما يتعلق بهذه النقطة يتم التركيز أساسا على المقاربة والمسطرة على حساب عمق القضية المهم جدا. صحيح يجب أن ننتبه إلى إلى الشكل والضمانات التي من حق كل مواطن. لكن عندما يكون استقرار البلاد هو المستهدف فإن ترتيب الأوليات يبدو لي واضحا. جون أفريك: هل أنتم وزير داخلية قلق؟ شكيب بنموسى: أنا وزير داخلية هادئ وحذر جون أفريك: ماذا يدفع عاطل من سيدي مومن، وأستاذ، وزوجة ربان بالخطوط الملكية المغربية، وزعيم حزب سياسي، وصيدلاني، إلى تبني إسلام راديكالي؟ شكيب بنموسى: ماذا يمثل هؤلاء الذين ذكرتهم والذين اختاروا التطرف؟ صراحة نحن أمام الهامش. صحيح أنه هامش واضح لأننا اخترنا الشفافية مع المغاربة عوض التكتم على المعطيات. جون أفريك: ما هي انعكاسات هذه القضايا على الرواج السياحي بالمغرب؟ شكيب بنموسى: لا شيء، إذا أخذنا الأرقام المتوفرة: ارتفاع بنسبة 13 في المائة في عدد السياح سنة 2007 مقارنة مع 2006. مع أن سنة 2007 عرفت قضية مقهى الانترنيت بالدارالبيضاء، والمحاولة الانتحارية في مكناس، ورفع درجة التأهب. هنا أيضا تلعب الشفافية دورا إيجابيا، فوكالات الأسفار تفضل أن تعرف ما يواجهها معرفة دقيقة، على الخطابات المطمئنة وغير المستندة على وقائع حقيقية. جون أفريك: بعد حل حزب البديل هنا هناك أحزاب إسلامية أخرى مهددة؟ شكيب بنموسى: سيكون إفسادا للمجهود الرائع الذي تقوم به مصالح الأمن، لو وجهت بشكل مقصود إلى حزب العدالة والتنمية أو أي فريق إسلامي معترف به. وهو ما لا يمنع مصالحنا كي تكون حذرة ومتيقظة لميكانيزمات الاختراق. إذا ما تمكنت شبكات إرهابية من اختراق أجهزة الدولة كما شهدنا ذلك سنة 2006 مع خلية أنصار المهدي التي جندت بعض العسكر، فالأحزاب التي لا تتوفر على الدفاع الذاتي نفسه الذي تمتلكه الدولة هي أكثر عرضة. بعض وسائل الإعلام أرادت أن تخلط الأوراق، وأعطت لخطوتنا معنى يقود إلى منع كل الأحزاب ذات المرجعية الدينية، إنهم مخطؤون لأننا لم نصل إلى هذا الحد.