بحلول 18 فبراير 2009 ، تكون سنة قد مرت على الإعلان الرسمي عن تفكيك خلية ما يسمى بـبليرج، التي يتابع فيها 53 متهما، مدة لم تكن كافية ليقول القضاء كلمته في ملف وصفه البعض بـالشائك والغامض، بسبب وجود ستة معتقلين سياسيين، منهم رموز سياسية لطالما نددت بالعنف وبالإرهاب في تصريحاتها وحواراتها الإعلامية، وفي بيانات هيئاتها ومقالاتها الصحفية، كما عرفت هذه الرموز داخل الأوساط السياسية بمواقفها المعتدلة وباحترامها للعمل وفق القانون عبر مؤسسات الدولة... جلسات متتالية عقدتها المحكمة المختصة في قضايا الإرهاب بملحقة سلا، في القضية منذ 61 أكتوبر الماضي، رافقتها وقفات احتجاجية للجنة التضامن مع المعتقلين السياسيين الستة، غير أن الملف لم تتضح معالمه بعد، خاصة أن المعتقلين لم يحن وقت استجوابهم من قبل هيئة المحكمة، إضافة إلى أن الطلبات الأولية التي تقدم بها الدفاع تم رفضها؛ باستثناء طلب إحضار الأسلحة الذي استجابت له المحكمة. وفي انتظار ما ستسفر عنه الجلسات المقبلة من نتائج، لا بد من معرفة تقييم هيئة دفاع المتهمين لمسار الملف منذ الإعلان عنه، ورأيهم في التعاطي الإعلامي مع هذه القضية. خروقات وتجاوزات ما فتئ دفاع المتهمين، خاصة المعتقلين السياسيين الستة، يندد بحرمانه من حقوقه التي يكفلها له القانون، ومنها الحصول على نسخ من محاضر الضابطة القضائية، هذا المنع دفع المعتقلين السياسيين الستة إلى التضامن مع دفاعهم عبر الامتناع عن الكلام أثناء التحقيق التفصيلي. فأصدرت خلالها هيئات الدفاع بينات في الموضوع، الشي نفسه بالنسبة للمعتقلين السياسيين الستة، فنظمت ندوات صحفية، من بينها ندوة وجه من خلالها الاتهام إلى كل من وزير الداخلية شكيب بنموسى، ووزير الاتصال خالد الناصري، وقرار الوزير الأول عباس الفاسي والضابطة القضائية، بإفشاء أسرار البحث التمهيدي ، بعد أن أدلى كل من بنموسى والناصري بتفاصيل الملف في تصريحات إعلامية، وتبرير الفاسي مرسومه لحل حزب البديل الحضاري بثبوت العلاقة بين هذه الشبكة وتأسيس حزب البديل الحضاري، وتوفر قرائن تفيد بتورط قادة الحزب الرئيسيين في الشبكة، وهو ما يفيد اطلاعه على الملف قبل إحالته على النيابة العامة. إفشاء سرية التحقيق كان أيضا موضوع بلاغات أصدرتها جمعيات حقوقية، كما تطرقت إلى العديد من التجاوزات وأهمها خرق قرينة البراءة. وبخصوص ما عرفه الملف من تجاوزات منذ بدايته، يقول النقيب عبد الرحمان بنعمرو، عضو هيئة دفاع المعتقلين السياسيين الستة تتجلى أهم الخروقات في حرماننا كدفاع من الحصول على محتويات محاضر الضابطة القضائية ومحاضر التحقيق، وحرمان المتهمين من حق التحقيق التفصيلي، ورفض إدارة السجن لقاء الدفاع المعتقلين السياسيين الستة بشكل جماعي. وأشار بنعمرو، في تصريح لـالتجديد إلى أن هذه الخروقات سبقتها تجاوزات أخرى تتعلق بالمس بسرية التحقيق قبل أن يحال الملف حتى على قاضي التحقيق، وصرح مسؤولون بعدة تصريحات تدين المعتقلين، وهذا كله كان خارج إطار القانون. لم تتوقف التجاوزات القانونية عند هذا الحد، بل استمرت أثناء المحاكمة، إذ رفضت المحكمة كل الطلبات الأولية التي تتعلق بعدم قانونية الحاجز الزجاجي داخل القاعة، وبضرورة جلوس المتهمين بجانب الدفاع أثناء المرافعة، إضافة إلى حرماننا من اللقاء بالمتهمين بمقتضى قرار قضائي عارض، قبل وبعد نهاية كل جلسة يقول بنعمرو، غير أن المحكمة استجابت لطلب وحيد يتعلق بإحضار السلاح إلى المحكمة، ولم تبت بعد في طلب إحضار الشهود، ومن بينهم وزير الداخلية ووزير الاتصال، وسيكون هذا الطلب محط نقاش خلال الجلسة المقبلة يوم غد بين هيئة الدفاع والنيابة العامة. اختطاف وتعذيب ليس محامو المعتقلين السياسيين الستة وحدهم الذين تحدثوا عن خروقات طالت الملف، بل دفاع جل المتهمين، إن لم نقل كلهم، خاصة الفئة التي تم اختطافها قبل الإعلان عن تفكيك الشبكة، إذ سبق الإعلان الرسمي عن شبكة بليرج حملة اختطافات ابتداء من 13 يناير، طالت العديد من الأسر من مدينة القنيطرةوالدارالبيضاء والناظور وغيرها من المدن، وبعد البحث في كل الأماكن؛ من مستشفيات ومراكز الشرطة، أنهي الموضوع بتسجيل شكاية موضوعها البحث لفائدة العائلة، لتنفذ وقفة احتجاجية احتجاجية يوم 14 من شهر فبراير أمام البرلمان؛ كانت من تأطير منتدى الكرامة لحقوق الإنسان. ولم تعرف الأسر مصير ذويها إلا بعد الإعلان يوم 18 فبراير عن تفكيك شبكة بلعيرج من قبل وزارة الداخلية، والإعلان عن أسماء المعتقلين. وفي هذا الصدد يقول توفيق الإدريسي، دفاع بليرج طعنا بداية في الطلبات العارضة المتعلقة باختطاف موكلي من قبل عناصر مجهولة الهوية، ولا علاقة لها بالشرطة القضائية، إذ تم احتجازه لما يقارب الشهرين، وتعرض إلى كل أصناف التعذيب؛ بلغ على إثرها حد الغيبوبة، ونزعت منه اعترافات مزورة أمضى عليها وهو معصوب العينين حسب ما أكده. وقال المحامي، عضو هيئة الدارالبيضاء، جيء بموكلي كبطل أمضى على أوراق ومحاضر ربما كانت معدة بأسمائها وتهمها، وهذا يخالف القانون لكونه لم يكن في مكان رسمي للاعتقال. التناول الإعلامي حظي ملف خلية بليرج منذ بدايته بمواكبة إعلامية كبيرة؛ سواء من قبل وسائل الإعلام الوطنية التي تصدرت صفحاتها الأولى أخبار هذه الخلية وصور متهميها، خاصة المتهم الرئيسي في الملف عبد القادر بليرج، وصور المعتقلين السياسيين الستة، كما تابعت منابر الإعلام الدولية هذا الحدث في مختلف مراحله؛ سواء خلال فترة الاعتقال أو التحقيق أو أثناء انطلاق المحاكمة في 61 أكتوبر الماضي، خاصة الصحف البلجيكية التي حضر بعض ممثليها بعض جلسات المحاكمة، بسبب أن المتهم الرئيسي في الملف يقيم في دولة بلجيكا ويحمل جنسيتها، الطريقة التي تعاملت بها بعض وسائل الإعلام مع هذا الملف خلفت استياء في صفوف أسر المتهمين، خاصة السياسيين الستة، فاعتبروا، في تصريحات صحفية، أن بعض وسائل الإعلام تحيزت للرواية الرسمية للدولة في الموضوع، ولم تحترم قرينة البراءة. كما استنكرت جمعيات حقوقية سلوك وسائل الإعلام الرسمية، فأشارت إلى أنها لم تحترم الأخلاقيات المهنية للصحافة، وأصدرت حكما باعتبار هؤلاء شبكة إرهابيين، قبل أن يعرض هؤلاء على القضاء، وقبل أن يقول كلمته في الموضوع. التعاطي الإعلامي أثار أيضا حفيظة هيئة الدفاع فقاموا بمراسلة بعض وسائل الإعلام، كما هو الشأن بالنسبة لدفاع المتهم الرئيسي في الملف عبد القادر بليرج، الذي وجه رسائل إلى العديد من المنابر الإعلامية يطالبهم بنقل الخبر الصحيح، ويدعوهم إلى التقيد بالقانون، حسب ما أكد لـالتجديد. فتلقى توفيق الإدريسي ردا من بعض المنابر عبر الهاتف مفاده أنها تنقل فقط عن جرائد أخرى، هذا الجواب لم يكن مقنعا لمحامي بليرج الذي قال: لقد سعت بعض المنابر إلى نشر أخبار هدفها تسميم وتشويه الملف، دون احترام قاعدة التثبت من الخبر كما يقول تعالى إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا. إخراج رديء كان مسار المتهم الرئيسي وما تضمنته المحاضر من تصريحات خاصة به، وتصريحات المعتقلين السياسين الستة لدى الشرطة القضائية مادة دسمة لمختلف الصحف الوطنية، غير أن دفاع المتهم يرى أن كل خبر ينشر إلا وله تأثير على المتهم وسمعة عائلته، والواقع أن كل الأخبار منقولة عن محاضر الشرطة، وتلك المحاضر مطعون فيها بالزور بصفة رسمية وعلنية حسب قول الإدريسي. وقال المتحدث نفسه لو أن الصحافة أخذت نوعا من التحفظ، واستعملت تعابير من قبيل قيل إنه ، يدعي، أو يقال لكان أفضل، ولكن أن تنقل ذلك بصيغة قطعية فسيكون دورها هو تهيئ الرأي العام والتأثير على القضاء في حالة ما إذا صدر حكم قاسي. وتساءل الإدريسي بالقول: كيف يعقل أن تنسب لموكلي جريمة قتل لشخص منذ 20 سنة ولم يستطع القضاء البلجيكي أو المخابرات البلجيكية أن تشير إليه بأصابع الاتهام، في وقت نجد أنه بعد قدومه إلى المغرب يتعرض للاختطاف. وفي مدة وجيزة يعترف بأنه ارتكب جريمة قتل وقام برمي المسدس في دورة المياه. إن مثل هذه الأشياء تشبه منتوجا سينمائيا ولكن مع الأسف بإخراج رديء تماما، مضيفا أن هذا النوع من هذه الجرائم يتم الاستناد فيه إلى الأشياء الملموسة فقط، وأن المتهم عندما يكون أمام محكمة جنائية، و مهدد بأقسى العقوبة التي يقررها القانون فإنه لا يبحث عن النوايا بل على الوقائع. مسار غير طبيعي يعتبر العديد من المتتبعين أنه يصعب الحديث عن أي أفق إيجابي في الموضوع مادامت هيئة المحكمة رفضت كل طلبات الدفاع واستجابت لطلب وحيد فقط، ولم تمتع المتهمين الذين يتوفرون على ضمانات قانونية للمثول أمام المحكمة من السراح المؤقت، كما لم تسفر كل جهود لجنة التضامن مع كل من المصطفى المعتصم، الأمين العام لحزب البديل الحضاري والناطق الرسمي للحزب محمد الأمين الركالة، ومحمد الراوني، رئيس حزب الأمة، وعبد الحفيظ السريتي، مراسل فضائية المنار اللبنانية التابعة لحزب الله، والعبادلة ماء العينين، المكلف بملف الصحراء بحزب العدالة والتنمية، وحميد نجيبي عضو الحزب الاشتراكي الموحد، عن أي نتيجة تذكر، بالرغم من أنها تضم فعاليات سياسية ومدنية وحقوقية متنوعة المشارب والانتماءات. وحول ما حققته هذه اللجنة يقول منسقها خالد السفياني لـالتجديد: نحن لدينا مطلبين لم يتحققا بعد هو الحرية للمعتقلين السياسيين الستة والمحاكمة العادلة، ولكن هناك مسار غير طبيعي لهذا الملف في محاكمة غير طبيعية وبدوره يرى النقيب بنعمرو أن كل المؤشرات لا تبشر بخير، موضحا أن كل المراحل لم تسير وفق القانون، كما لم يتم احترام القانون لا من قبل قاضي التحقيق، ولا من لدن المحكمة، حيث لم تستجب لطلب الطعن بالزور في محاضر الضابطة القضائية لكون الموكلين صرحوا بأن المحاضر المنسوبة إليهم مزورة، وأنهم تعرضوا لضغوط قصد التوقيع عليها. إن كان المعتقلين السياسيين الستة ينتظرون حلا سياسيا للملف، فإن باقي المتهمين ليس لديهم أمل في ذلك، حسب بعض المتتبعين، ومن بين هؤلاء المتهم الرئيسي عبد القادر بليرج الذي قال دفاعه إن السياسيين لديهم محامون يناقشون الملف في إطار حله سياسيا، أما موكلي فليس له أي علاقة بأي تنظيم، عكس المتهمين السياسيين الذين تم حل تنظيمهم واعتقلوا ووجهت إليهم تهم ما أنزل الله بها من سلطان. ويبقى الملف مفتوحا على كل الاحتمالات والتوقعات، وإن كان دفاع المتهم الرئيسي يرى أن هناك تضخيم لدور بليرج في هذه القضية، فهو يعتبر أن لا علاقة لموكله بالمعتقلين ضمن مجموعته أو بأشخاص اعتقلوا في بلجيكا، ويقدم دليلا على ذلك بالقول: منذ مدة تم اعتقال حوالي 14 شخصا ببلجيكا قيل إنه بناء على اعترافات بليرج، وقدموا إلى المحاكمة وبرأت ساحتهم جميعا. هذه هي دولة القانون والديمقراطية، لكن من المؤسف أن هناك مغالاة في الملف، وكلما تم اعتقال شخص إلا ونسب لخلايا بليرج، فإن محاضر الشرطة تقول عكس هذا الرأي، وتقدم بليرج كشخص له ارتباطات بتنظيمات إرهابية خارجية، وكان يخطط رفقة مجموعته لاغتيال مسؤولين بالمغرب، بعد أن قام بجرائم قتل ببلجيكا، حسب الرواية الرسمية.