في 18 فبراير الماضي، مرت سنة على اعتقال الرجال الستة: (الأساتذة محمد المرواني، أمين عام حزب الأمة المغربي، مصطفى المعتصم، رئيس حزب البديل الحضاري، محمد الأمين الركالة.الناطق الرسمي لذات الحزب، عبد الحفيظ السريتي مراسل قناة المنار بالمغرب، العبادلة ماء العينين، عضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، وحميد نجيبي، عضو اللجنة المركزية للشبيبة الديمقراطية التقدمية التابعة للحزب الاشتراكي الموحد) ضمن ما بات يعرف "بخلية بليرج"، ولا يبدو على الأقل في الوقت الراهن حلاّ لهذا الملف الشائك. فالسلطات المغربية اليوم هي في حيرة من أمرها، لا هي استطاعت أن تُثبت علاقة الشيخ محمد المرواني ومن معه بهذا الملف الغامض، ولا هي قادرة على إنهاء فصول هذه القضية التي يبدو أنها لا زالت طويلة بسبب ما أبانت عنه هيئة الدفاع من قدرة كبيرة على إحراج هيئة المحكمة التي وجدت نفسها بين سندان التعليمات ومطرقة الإحراج من جهة، واتساع دائرة المشككين إن لم أقل المكذّبين "للرواية المخزنية" من جهة أخرى. وما كان لهذا الملف أن يحظى بهذه المواكبة الإعلامية الفريدة لو لم يكن ضمن الموقوفين قيادات إسلامية بارزة تنتمي لجمعيات وأحزاب معتدلة، معروفة بمواقفها الوَسطية البعيدة كلّ البعد عن خطاب التطرف والعنف، والمتّسمة بالرزانة والرصانة، مما جعل الرأي العام، من هيئات سياسية وحقوقية ونقابية وفعاليات مدنية وشخصيات وطنية ... تقف مشدوهة أمام المعطيات التي كشف عنها وزير الداخلية المغربي خلال ندوة صحفية عُقدت لهذا الغرض يوم 20 فبراير 2008، والتي عجلّها بن موسى، بعدما لاحظت وزارته تزايد الشكوك حول ما أذاعته وكالة المغرب العربي للأنباء، حيث اتّهم في هذه الندوة الرجال الستة بتُهم ثقيلة وغريبة، من قبيل "المس بسلامة أمن الدولة الداخلي، وتكوين عصابة إجرامية للإعداد وارتكاب أعمال إرهابية في إطار مشروع جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف والترهيب والعنف والقتل العمد، ومحاولة القتل بواسطة أسلحة نارية مع سبق الإصرار والترصد". فما رأي مبدعينا وسينمائيينا، ألا تصلح هذه الرواية لتكون مادة خامة ودسمة لعمل فني ضخم؟ أعدكم من الآن أن يتجاوز هذا العمل المحلية نحو العالمية، وقد يحصد جوائز "كان" و"الأوسكار". فقط عليكم أن تراجعوا سيناريو الإخراج الذي كان رديئا في صيغته الأولى، لكثرة فصوله و تعدّد مشاهده، وما اعتراه من ثغرات وتناقضات، يمكن لأي متتبع ومن دون أدنى عناء أن يسجل ما يلي: في المقام الأول، تحدّثت "الرواية الرسمية" عن علاقة الخليّة بتنظيمات، موضوعيا لا يمكن البتة جمعها في سلة واحدة، فكيف لنا أن نجمع بين الشيء ونقيضه؟ بين حزب الله الشيعي وتنظيم القاعدة السُني، ولا داعي لكي نُذّكر بالموقف الثابت لكل منهما من الآخر. في المقام الثاني جمعت وزارة الداخلية بين "خلية بليرج" وقيادات سياسية تنتمي لأحزاب وهيئات لطالما ندّدت بالعنف وبالإرهاب، لذلك كانت هيئة دفاع المعتقلين السياسيين الستة ذكية حينما طالبت المحكمة بضرورة استدعاء مجموعة من الباحثين والمهتمين، لكي يشرحوا لهيئة المحكمة المُوَقرة التي يبدو أنّ لها قصورا في فهم واستيعاب فكر ومواقف الرجال الستة التي عبروا عنها من خلال مقالات وأبحاث و حوارات نُشرت بصحف ومجلات مغربية وعربية، شهد لها الجميع بالتميز والاتزان، ويكفي أن نُذكّر أن اللجنة الوطنية للتضامن تضُم في صفوفها جميع مكونات المجتمع المغربي من أحزاب يسارية وتنظيمات إسلامية، و جمعيات حقوقية ومنظمات نقابية ومهنية، وشخصيات وطنية وفكرية... ويُعدّ هذا الحضور النوعي بمثابة شهادة على نزاهة هؤلاء الإخوة وبراءتهم مما نسب إليهم. هذا الملف لم تعتريه فقط هذه التناقضات، بل شابته أيضا جملة من الخروقات، جعلت السلطات المغربية في فوهة التقارير النارية للجمعيات الحقوقية الوطنية و العربية والدولية. وأولى هذه الخروقات تتمثل في اعتقال الستة في حد ذاته على اعتبار أن القيادات المعروفة تتوفر على ما يكفي من الضمانات لمتابعتها هذا إذا سلّمنا بالمتابعة في حالة سراح، لكن وللأسف يواجَه هذا الطلب وفي كل مرة بالرفض المطلق. ثاني الخروقات، تتجلى في استعمال وسائل الإعلام الرسمية وشبه العمومية لدعم "الرواية المعلومة"، مُعتمدة في ذلك على التشهير والإدانة، ومحاولة إثبات التهم بشتى الوسائل، بل وصلت جرأة وزير الداخلية أن هدد كل من يُشكّك في المعطيات التي قدمتها وزارته، وكأنها وحي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وكان على الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري المعروفة اختصارا "بالهاكا" أن تُرجع الأمور إلى نصابها، وتُعطي على الأقل فرصة لدفاع الستة، كما هو معروف و معلوم به لدى المؤسسات المشابهة التي تحترم نفسها، لكن يبدو أن "الهاكا" بدورها مغلوب على أمرها. ثالث الخروقات، وهو الأفدح، ما أدلى به كل من بن موسى والناصري لوسائل الإعلام وتحدثوا فيها عن وقائع وأحداث وأشخاص، وأصدروا "أحكامهم" التي لا تقبل "النقض" على "المتهمين"، وهو ما يفيد إطلاعهم على الملف قبل إحالته على قاضي التحقيق، وهي جرائم كبرى توجب الإدانة و العقاب، لأنها مسّت مبدأي: سرية التحقيق وخرق قرينة البراءة. أما الخرق الرابع، فيتعلق بحرمان الدفاع من الحصول على نسخ من محتويات محاضر الضابطة القضائية ومحاضر التحقيق، وهو أمر لم يحدث حتى في الفترات الحالكة من تاريخ المغرب، مما يطرح معه أكثر من علامة استفهام حول مضامين هذه المحاضر. ولم تتوقف التجاوزات القانونية عند هذا الحد، بل استمرت وتضاعفت أثناء المحاكمة التي انطلقت يوم الجمعة 16 أكتوبر 2008، وما رافقها من وقفات واحتجاجات للجنة الوطنية للتضامن مع المعتقلين السياسيين الستة، فباستثناء استجابتها لطلب وحيد يتعلق بإحضار السلاح إلى المحكمة، فقد رفضت هذه الأخيرة كل الملتمسات والطلبات التي تقدم بها الدفاع، كإزالة الحاجز الزجاجي وإحضار الشهود وخصوصا وزير الداخلية و وزير الاتصال و رئيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، هذا فضلا عن حرمان المتهمين بلقاء محاميهم قبل و بعد نهاية كل جلسة، وغيرها من الخروقات التي يبدو أن مسلسلها لن يتوقف. إن إصرار الجهات الرسمية المغربية على الاستمرار في اعتقال الرجال الستة، وبهذه الطريقة التي تذّكرنا بفترات اعتقدنا أنها قد طُويت، و التعامل السلبي مع هيئاتهم السياسية، وخصوصا حزب الأمة والبديل الحضاري، لهو دليل منها على المضي قُدما حتى نهاية هذا الملف الذي حُددت معالمه داخل أروقة وزارة الداخلية، رغم الأصوات المُنادية بإعمال العقل والبصيرة، وهو إصرار منها أيضا بالعودة بهذا البلد الذي نحبه حتى النخاع عقودا إلى الوراء .