هذه الدراسة مساهمة من المهدي المنجرة، عالم المستقبليات، في تقرير عالمي سيصدر عن اليونسكو حول التعددية الثقافية عبر العالم.. ننشر دراسة الدكتور المنجرة مترجمة على حلقات نظرا لأهميتها العلمية والعملية... تحسين التواصل الثقافي مع انفتاح كبير على قيم الغير سبيل لا غنى عنه للتعددية، والتسامح المتبادل لا يمكن أن يأتي بعفوية، بل يستلزم بيداغوجيا جديدة لمعرفة الآخر واحترام قيمه، وهو ما نحن بعيدون عن إدراكه. غير أن ترسيخ وإنعاش مفهوم التعددية الثقافية غير مُتاح في النظام الدولي الحالي الذي أصبحت فيه الأممالمتحدة أداة بين أيدي بعض أعضاء مجلس الأمن، رغم أنها في الأصل آلية للعدل والإنصاف، وهذه الوضعية هي إحدى نتائج ما أسميه الميغاإمبريالية. وقد كتبت خلال المائدة المستديرة الأولى شمال-جنوب التي نظمها المجتمع الدولي من أجل التنمية في العاصمة الإيطالية روما سنة 1978: «بذل الشمال، إلى اليوم، مجهودا قليلا لفهم لغة الجنوب وأقل من ذلك للتحدث بها. يجب أن تعطى الأولوية لأنساق المعرفة حتى يصير بالإمكان استيعاب كون الأزمة الحالية بين الشمال والجنوب أزمة الأنساق بأسرها». التعددية الثقافية قبل انهيار جدار برلين بكثير ونهاية الحرب الباردة وكذلك تعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، كنت دائما أولي، من جانبي، أهمية قصوى للدور الأساسي الذي تضطلع به القيم السوسيوثقافية في بناء السلام. قبل جرد مختلف المسارات الممكنة لمستقبل التحركات الهادفة إلى نشر وترسيخ التعددية الثقافية، يجب أن نشير إلى أن مسلسل تصفية الاستعمار لم ينته بعد لأن تصفية الاستعمار الثقافي لم تكتمل بعد في الغالبية العظمى من الدول النامية. وهذا الهدف شرط أساسي من أجل فعالية ونشر تعددية ثقافية حقيقية مكوننة. الفقر يساهم في التواصل الثقافي السيئ بين الشمال والجنوب، وليس فقط مع الدول الإسلامية. ولن يقضى على الفقر طالما يتمادى الشمال في الدفاع عن نمط عيشه وقيم الاستهلاك والتبذير المرافقة له، مما يشكل عائقا أمام التعددية الثقافية لأسباب أخلاقية. كل القوى عاجزة عن فرض هيمنتها، خاصة في الجانب الثقافي، لأن الله، بالنسبة إلى المؤمنين، هو الذي خلق التعددية، ويقول في القرآن الكريم: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم. إن في ذلك لآيات لقوم يعلمون». مسلسل تصفية الاستعمار أكثر تعقيدا من مجرد تحرير سياسي أو حتى اقتصادي وهي هدف لا يتأتى إلا على المديين المتوسط والبعيد، فتصفية الاستعمار على الصعيد الجيوسياسي لم تضع حدا للمؤثرات السلبية في الروابط الثقافية بين المعمرين والمستعمرين. هواجس الغرب أكدت حلقة من برنامج يبث على القناة الفرنسية الأولى («القرن المقبل» ملفات الشاشة)، خصصت للاستشراف، أن الغرب، من وجهة نظري، يعاني من ثلاثة هواجس: الديمغرافيا، الإسلام واليابان. واليوم، انضافت الصين إلى اليابان كمصدر للخوف. بينما اتخذ الخوف من الإسلام شكل الإسلاموفوبيا وأصبح الدين الإسلامي يقرن بالإرهاب، في حين تركت الديمغرافيا مكانها للبيئة. ننسى أن كلمة السلام تتكرر في العالم الإسلامي مرات عديدة في اليوم خلال صلوات 00 1.6 مليون مسلم وفي تحياتهم أيضا. إن الجهل هو السبب الرئيسي الثاوي وراء هذه المشاكل التي تكشف عن الدور الحيوي للتربية والتواصل الثقافي في محاربة الحصرية وتشجيع الاحترام المتبادل بين مختلف أنساق القيم. كيف يمكن أن نتحدث عن المستقبل والثقافة والتعددية، حينما نعلم بأن قرابة 00 1.5 مليون شخص يعيشون في مستوى غير مقبول من الفقر، وبأن نسبة 20 في المائة من إجمالي سكان العالم وحدها يزيد دخلها بأكثر 150 مرة عن 20 في المائة الأكثر فقرا؟ وحوالي00 1.1 مليون شخص لا يتجاوز دخلهم اليومي دولارا واحدا. كما أن 20 في المائة الأكثر غنى تستحوذ على 80 في المائة من الدخل العالمي، وأن نسبة 5 في المائة فقط من الأمريكيين تحكم في ثلث الدخل العالمي. التعددية الثقافية أداة للاستمرارية بالمعنى السوسيو اقتصادي والثقافي. إنها كذلك مفتاح التواصل الثقافي الذي يعتبر، من وجهة نظري، المشكل الأعوص في عالمنا. وقد تعبت شعوب الجنوب من جراء المجهودات الكبيرة التي بذلتها من أجل التعلم والتأقلم حتى تكون في مستوى مناقشة الشمال بلغته الخاصة، مغفلة أخذ قيمها الذاتية بعين الاعتبار.