وضعية الميزان التجاري تشكل النقطة السوداء الأبرز في التوازنات المالية التي حققها المغرب، فقد اختل توازنه إلى درجة أصبحت تنذر، في حال عدم اتخاذ تدابير حاسمة، بعودة شبح المقدمات التي أفضت إلى دخول المغرب في دوامة المديونية، والتي زجت به في حمية مالية قاسية، من خلال برنامج التقويم الهيكلي، الذي كانت له آثار اجتماعية لم يتعاف منها المغرب بعد. عجز الميزان التجاري، الذي تفاقم في السنوات الأخيرة، والذي اتسع في السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية، استدعى عقد اجتماع وزاري، أمس الأربعاء، شاركت فيه الوزارات المعنية مباشرة بالموضوع، حيث يفترض أن يتداول وزراء التجارة الخارجية، والاقتصاد والمالية، والصناعة والتجارة الداخلية، والشؤون الاقتصادية والعامة، والطاقة، والسياحة، و الهجرة..، «الوضعية الحالية ومستقبل الميزان التجاري والتدابير التي يمكن اتخاذها لتخفيف عجزه» حسب ما أوضحته وزارة التجارة والصناعة. هذا الفريق الوزاري الذي يجتمع في ما يشبه خلية أزمة يفترض فيه أن يتخلص من التردد الذي ميز تعاطي السلطات العمومية مع الحالة التي بلغها الميزان التجاري، وهو ما تؤشر عليه الإحصاءات التي نشرها مكتب الصرف مؤخرا، حيث تجلى أن الصادرات في السبعة أشهر الأولي من السنة الجارية تمكن بالكاد من تغطية 50.8 في المائة من الواردات، بعدما قفزت المشتريات من الخارج إلى 184.6 مليار درهم، هذا في الوقت الذي لم تصل قيمة السلع التي صدرها المغرب 93.7 مليار درهم. هذا الخلل الذي يميز الميزان التجاري ناجم في رأي الاقتصادي المغربي، محمد بوستى، عن زيادة الواردات بوتيرة مرتفعة، في الوقت الذي لم تنم الصادرات بطريقة تساعد على محاصرة العجز الذي ما فتئ يتفاقم، فقد زاد ثقل الطاقة على الميزان التجاري الذي مال أكثر كذلك بفعل مشتريات المنتوجات الغذائية التي ارتفعت نتيجة الإمعان في استيراد الحبوب التي بلغت أسعارها في السوق الدولية مستويات غير مسبوقة، ناهيك عن زيادة مشتريات أدوات التجهيز ومواد الاستهلاك نصف المصنعة، هذا في الوقت الذي لم تجد الصادرات المغربية، خارج الفوسفاط ومشتقاته، منافذ واسعة لها إلى السوق الدولية. ويبدو أن الظرفية الدولية الجيدة، أفضت إلى ارتفاع أسعار الفوسفاط ومشتقاته، مما ساهم في التخفيف من تدهور عجز الميزان التجاري على اعتبار أن عائداتها ما فتئت ترتفع، إذ انتقلت في السبعة أشهر الأولى من السنة الجارية إلى 31 مليار درهم، مقابل 12 مليار درهم في الفترة ذاتها من السنة الجارية، أي بزيادة وصلت إلى حوالي 19 مليار درهم. و إذا كان ارتفاع الواردات يرد إلى جموح حجم المحروقات والمنتوجات الغذائية بفعل تزايد واردات الحبوب، فإن الصعوبات التي تصادفها الصادرات المغربية في ولوج الأسواق الدولية، يرد بالأساس، في تصور بوستى، إلى ضعف تنافسية المنتوجات المغربية، وهو ما يفسره محلل مالي بالدارالبيضاء، بصغر حجم الوحدات الإنتاجية المغربية التي لا توفر إنتاجا يسمح لها بتوسيع هامش تنافسيتها، ناهيك عن بروز فاعلين جدد ينافسون المغرب في الأسواق التقليدية، وهذا ما يتجلى بوضوح على مستوى صادرات قطاع النسيج الذي أعلن عن دخوله في أزمة توقع أن تستمر إلى غاية نهاية سنة2009. ويتخوف بوستى من أن تؤدي الوضعية الحالية إلى تآكل احتياطي العملة الصعبة الذي يتوفر لدى بنك المغرب، والذي تؤمنه بالأساس مساهمات عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، وهو ما قد يفضي إلى عجز في ميزان الأداءات، مما قد سيزج لا محالة بالمغرب في دوامة المديونية.. تلك فرضية يمكن تفاديها في نظره، إذا اتخذ المغرب إجراءات تروم تنويع صادراته و الرفع من مقومات جودتها وتنسيق سياسات جميع المكاتب والمؤسسات المتدخلة في مجال إنعاش الصادرات في الأسواق الخارجية، وهو الرأي الذي يشاطره المحلل المالي، الذي يعتقد أن تجاوز وضعية الميزان التجاري الحالية، يمر عبر إجراءات تحفيزية تتخذها الدولة لفائدة القطاعات الإنتاجية المصدرة إسوة بما تقوم به تركيا، لكن ألا يمكن حفز التصدير عبر تخفيض قيمة الدرهم، كما تلمح إلى ذلك بعض القطاعات المصدرة؟ إجراء لا طائلة منه في رأي المحلل المالي والاقتصادي، على اعتبار أن فوائده قصيرة المدى ، وهو سيرفع من تكاليف الواردات ويزيد في قيمة الدين الخارجي المسعر بالدولار، ويخفص من عائدات الفوسفاط المسعر بالدولار.