تعتزم وزارة التجارة الخارجية إجراء دراسة تحاول من خلالها التعرف على بنية واردات المغرب والوقوف على محدداتها وتأثيرها على الميزان التجاري، وهو ما سيتيح وضع مخطط عمل للحد من النمو القوي الذي ميز أداء مشتريات المغرب من الخارج، خاصة في ظل الصعوبات التي تواجهها الصادرات المغربية في الخارج. وتشكل وضعية الميزان التجاري النقطة السوداء الأبرز في التوازنات المالية التي حققها المغرب، فقد اختل توازنه إلى درجة أصبحت تنذر، في حال عدم اتخاذ تدابير حاسمة، بعودة شبح المقدمات التي أفضت إلى دخول المغرب في دوامة المديونية، والتي زجت به في حمية مالية قاسية، من خلال برنامج التقويم الهيكلي، الذي كانت له آثار اجتماعية لم يتعاف منها المغرب بعد. وساهم تراجع أسعار المواد الأولية في السنة الجارية، وخاصة البترول والمنتوجات الغذائية في السوق الدولية، في انخفاض قيمة واردات المغرب من الخارج، غير أن هذا التطور الإيجابي لم يساعد على الحد من تفاقم عجز الميزان التجاري الذي تراكم على مدى سنوات، خاصة وأن تتبع أداء الصادرات المغربية، يبرز أنها تعاني من ضعف بنيوي، والذي يكرسه تباطؤ الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب، خاصة من الشركاء الرئيسيين. ويرتقب أن تساهم هذه الدراسة، التي أطلقت بشأنها وزارة التجارة الخارجية طلب عروض مؤخرا، في تحليل أدوات ضبط الواردات وتحديد الاتجاهات البنيوية والظرفية للمشتريات ومحاولة استشراف تأثير ذلك على التوازنات الاقتصادية، خاصة الميزان التجاري وميزان الأداءات والعمل على بلورة مخطط عمل على المدى المتوسط، يفضي إلى عقلنة مشتريات المغرب ولا يغفل التزامات المغرب الدولية. وتأتي الدراسة التي تنوي وزارة التجارة الخارجية إنجازها بعد الارتفاع القوي الذي ميز أداء مشتريات المغرب من الخارج، فقد وصل متوسط نمو الواردات خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى 21 في المائة، مقابل 14 في المائة بالنسبة للصادرات، حيث تمكن المغرب من الوفاء بكل مشتريات السلع والخدمات عبر عائدات السياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة. وفي ظل الانفتاح الذي انخرط فيه المغرب في السنوات الأخيرة، مر معدل الواردات قياسا بالناتج الداخلي الخام من 32 في المائة في 2003 إلى حوالي 51 في المائة حاليا. وقد أفضى ضعف تنافسية المنتوج المحلي و ضغط الطلب الداخلي إلى ارتفاع حصة تغطية الواردات في الاستهلاك النهائي الوطني، حيث مرت من 40 في المائة في 2003 إلى 66 في المائة في متم السنة الماضية، غير أنه خارج واردات مواد التجهيز التي ترد إلى المجهود الاستثماري العمومي والخاص، فإن الواردات الأخرى لا تعزى فقط إلى الفاتورة الطاقية، بل إلى الدينامية التي يعرفها القطاع الصناعي و قطاع البناء و الأشغال العمومية. وتكلف مشتريات المدخلات كثيرا، خاصة الحديد والصلب والمنتوجات الكيماوية والمواد البلاستيكية،ناهيك عن مشتريات المنتوجات الغذائية التي تتكون أساسا من القمح الشعير والذرة. غير أنه إذا كانت هاته المشتريات لا مفر منها، فإن المغرب يستورد كذلك منتوجات منتهية الصنع والتي تعرف نموا مطردا، حيث تمثل 17 في المائة من مجمل الواردات.