تواجه التجارة الخارجية بالمغرب عدة تحديات داخلية وخارجية على مستويات مختلفة، فمنها المرتبطة بالإصلاح المؤسساتي، وعلى رأسه تفعيل الأدوار الاقتصادية للبعثات الدبلوماسية للمغرب في الخارج أو ما يسمى الدبلوماسية الاقتصادية، ومنها المرتبطة بتبسيط المساطر وتيسيير إجراءات خروج الصادرات ودخول الواردات إلى الموانىء البحرية والجوية. كما أن موضوع مراقبة شروط الصحة والجودة يكتسي أهمية كبيرة لكسب رهان التنافسية والنفوذ إلى الأسواق الجديدة والاحتفاظ بالقديم منها. وفي ما يلي، تقدم التجديد مقالا يتطرق إلى بعض القضايا الكبرى التي تعتمل في منظومة التجارة الخارجية بالمغرب بعد بسط واقع مبادلاته مع الخارج. واقع التجارة الخارجية: عجز في الميزان وخسارة سنوية يعرف الميزان التجاري للمغرب، والذي يعتبر محرارا لوضعية تجارته الخارجية، عجزا منذ سنوات خلت، ترتفع حدته وتنخفض بتقلبات الأوضاع الاقتصادية داخل المغرب وخارجه، وفي السنة الماضية 2003 سجل الميزان عجزا بقيمة 52 مليار درهم، مقابل 44 مليار درهم سنة 2002 ، أي بزيادة بلغت 8 مليارات من الدراهم. ويعزى ذلك، حسب وزارة التجارة الخارجية، إلى انخفاض قيمة الصادرات في سنة 2003 بنسبة 6,3 % مقارنة بسنة ,2002 والناتج بدرجة أولى عن تراجع قيمة وحجم مبيعات القشريات والرخويات والصدفيات على التوالي بنسبة 31 % و37 %، والتي ساهمت بنسبة 60 % من هذا التراجع، ويقابل هذا الانخفاض ارتفاع في قيمة الواردات بنسبة 4 % مقارنة بسنة ,2002 وتأتي على رأسها التجهيزات الصناعية (زائد 23 %)، والصلب (زائد 27 %)، والمواد البلاستيكية (زائد 8 %). وهو ما أفرز نسبة تغطية الصادرات للواردات قدرت ب61 %. وإذا كانت وزارة التجارة الخارجية تصف هذا العجز التجاري ب >الإيجابي لأنه يساهم في تأهيل المقاولات، ويساعد على الزيادة في الإنتاج الوطني<، على اعتبار أنه يأتي نتيجة شراء التجهيزات الصناعية التي تشكل جزءا مهما من الواردات، فإن بعض المتخصصين الاقتصاديين يخالفونها الرأي، متسائلين كيف يمكن أن يكون هذا العجز في مصلحة المقاولات المغربية، في الوقت الذي يشهد فيه معدل تغطية الصادرات للواردات انخفاضا مستمرا خلال السنوات الأخيرة. وفي المقابل تفسر وضعية الميزان التجاري بأن المغاربة يستهلكون أكثر مما ينتجون، وبأن المقاولات المغربية لا تغطي حاجيات السوق الداخلي الاستهلاكية والإنتاجية. جانب آخر لا يمكن إغفاله وساهم مباشرة في تزايد عجز الميزان التجاري، ألا وهو أثر خفض الضرائب الجمركية على الواردات بمقتضى اتفاقيات تحرير التبادل التجاري التي وقعها المغرب في السنوات الأخيرة، سيما في السنة الأخيرة 2003 وبداية السنة الجارية. المنظومة القانونية كان المجلس الوطني للتجارة الخارجية قد قام بدراسات في السابق عن مكونات المنظومة القانونية التي تتحكم في تصدير المنتوجات المغربية للنظر في ما إذا كانت عاملا يرفع من وتيرتها أو العكس، وخلص المجلس إلى نتيجة مفادها أن هناك تعددا للمتدخلين وغياب تنسيق بينهم، وضعفا في الموارد البشرية والمالية المعهود إليها إنعاش الصادرات. وأفادت خلاصات التحليل، الذي قام به المجلس أن الدول الناجحة في مجال ترويج منتجاتها في الخارج هي التي تتوفر على مؤسسة أو مؤسستين على الأكثر تكلف بهذه المهمة. وهو ما جعل المجلس يوصي بإحداث مؤسسة واحدة تستجيب بفعالية للحاجة إلى استراتيجية متناسقة لإنعاش صادرات المغرب وللتنسيق، وذلك مع الإبقاء على التخصصات القطاعية للأطراف المعنية. ويوضح تقرير للمجلس المذكور أن الحكومة تساند طرحه هذا، وأنها ستقترح مشروع قانون يقضي بإحداث الوكالة المغربية للإنعاش في الخارج، بيد أن هذا المشروع لم ير النور بعد، مما يؤجل إلى موعد غير مسمى سد الخصاص الحاصل في الجانب المؤسساتي لإنعاش صادرات المغرب إلى الخارج. رهان إنعاش الصادرات إن الحديث عن التصدير يطرح التساؤل حول تمويله ومدى توفر المصدرين المغاربة على القدرات المالية لتطوير صادراتهم، وجعلها ذات تنافسية عالية في الخارج، وكانت الجمعية المغربية للمصدرين قد قدمت يوم الأربعاء الماضي استراتيجيتها لإنعاش الصادرات المغربية نحو الدول الموقعة على اتفاقيات التبادل الحر مع المغرب، وأوضح رئيس الجمعية، عبد اللطيف بن المدني، في ندوة صحفية نظمت لهذا الغرض، أن هيأته أعدت استراتيجية شاملة خصصت لمواكبة المقاولات المصدرة في ظرف تميزه اتفاقيات التبادل الحر الموقعة بين المغرب ودول أجنبية. وكانت تلك الندوة مناسبة للجمعية التي تمثل مهنيي قطاع الصادرات لاستعراض جملة من المصاعب يعاني منها قطاع الصادرات المغربية أمام ما وصف بالانسياب القوي والخانق للواردات داخل سوق وطني اعتبره هشا، وفي هذا الصدد دعت الجمعية المذكورة إدارة الجمارك لاعتماد ميكانزمات لمحاربة الواردات الكثيفة القادمة على الخصوص من الصين، بشكل يضمن للمقاولات المغربية الدخول في منافسة مشروعة. وأشار بن المدني إلى أن الاستراتيجية الجديدة للجمعية سبقها خلق لجنة خاصة أسندت إليها مجموعة من الأهداف، منها على الخصوص إعداد إطار قانوني يتماشى والوضع الاقتصادي الجديد الذي يتميز بدخول اتفاقيات التبادل الحر، والمناطق الحرة حيز التنفيذ. وستتكلف هذه اللجنة بإحداث مكتب بالخارج، وتوفير صندوق لتمويل عمليات إنعاش التجارة على المستوى الدولي، إلى جانب اهتمامها بقضية تسعيرة الشحن وإعادة تهيئة الموانئ. وكما ستُعد اللجنة نفسها برنامجا سنويا لأعمال إنعاش موحدة بين المركز المغربي لإنعاش الصادرات، والمكتب الوطني للسياحة، ودار الصانع، وإدارة الاستثمارات الخارجية بتعاون مع جمعيات مهنية. الدبلوماسية الاقتصادية: تحول في المفهوم التقليدي للدبلوماسية في أواخر شهر أبريل الماضي شدد وزير الشؤون الخارجية والتعاون محمد بنعيسى في لقاء نظمه النادي الدبلوماسي بالمغرب على أن الدبلوماسية المغربية مدعوة لتقوية بعدها الاقتصادي، وإبداع نماذج جديدة قادرة على الانخراط باستمرار في التحولات المتلاحقة والتفاعل الإيجابي معها. واعتبر أن الدبلوماسية الاقتصادية تواجه تحديات كبرى تستدعي تأهيل الاقتصاد، واتخاذ كافة الإجراءات الضرورية للحفاظ على المصالح والأسواق التقليدية، وفتح أسواق جديدة، واستقطاب المستثمرين والسياح. وقال إن الدبلوماسية الاقتصادية أصبحت اليوم جزءا مكملا للدبلوماسية السياسية >بحيث استطاعت أن تستقطب أكثر المراكز أهمية على المستوى العالمي، كما صارت غالبية الدول تجند لها قسطا وافرا من إمكاناتها وجهودها<. واستدل على أهمية الدبلوماسية الاقتصادية بأن ثلاثة أرباع النشاط الدبلوماسي موجهة للعمل الاقتصادي، وسجل أن جل الاتفاقيات المبرمة بين المغرب والبلدان الأجنبية لها طابع اقتصادي وتجاري ومالي وتقني. في الشهور الأخيرة، غدا هذا الموضوع الذي يجمع بين عالم الدبلوماسية والاقتصاد مثار نقاش وتداول بين الفاعلين في التجارة الخارجية، سواء داخل الدولة أو القطاع الخاص أو الفاعلين الاقتصاديين، ألا وهو الدبلوماسية الاقتصادية، وتتمثل في مباشرة تدابير وإجراءات تمكن من إعطاء أهمية وعناية كبيرة للمهام الاقتصادية للممثلين الدبلوماسيين، والبحث عن السبل والوسائل التي يستطيع من خلالها هؤلاء الممثلون مساعدة الفاعلين الخواص في سبر وفتح أسواق دولية جديدة. ومن الأركان الأساسية التي تعتمد في تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية، إيجاد نظام معلومات وطني يراعي الظروف الدولية، ويقدم للدبلوماسيين المغاربة وللمستثمرين الاقتصاديين في الخارج معطيات دقيقة ومقدمة بكيفية مبسطة ودائمة، وذلك بواسطة بوابة اقتصادية إلكترونية تساعدهم في مهامهم الاقتصادية. توسيع الاتحاد الأوروبي وانعكاسه على المغرب اعتبرت وزارة التجارة الخارجية أن توسيع الاتحاد الأوربي بانضمام عشرة بلدان أخرى من أوربا الشرقية والذي تم في الأيام القليلة الماضية يفرض تحديات على الاقتصاد المغربي، ويوفر فرصا لقدرته التنافسية في الوقت نفسه. ورصدت الوزارة نفسها بعدين اثنين سيتجلى فيهما تأثير هذا التوسيع على الاقتصاد والتجارة الخارجية في المغرب، ويتمثل الأول في التعرفة الجمركية ونظام الحصص، ويهم الثاني القدرة التنافسية إزاء الأعضاء الجدد. ففي ما يخص الحماية الجمركية، فإن توسيع الاتحاد يعني انفتاحا كاملا لأسواق هذه البلدان العشرة في وجه صادرات المغرب الصناعية، كما أن واردات المغرب من هذه البلدان ستندرج في إطار مخطط التفكيك الجمركي الذي بدأ العمل به منذ سنة2000 مع الاتحاد الأوروبي. وأشارت الوزارة إلى أنه بالنسبة إلى لمنتجات الصناعية، فإن المغرب سيربح نقطا ثمينة في ما يخص القدرة التنافسية، لكون التعريفة الجمركية تتراوح بالنسبة إلى الأعضاء العشرة الجدد ما بين 9,9 في المائة وصفر في المائة. وبالمقابل سيستفيد المغرب من الإعفاء الجمركي التام في الأسواق الجديدة على غرار بلدان المنطقة الأورومتوسطية التي تربطها اتفاقيات شراكة ببلدان الاتحاد، وهو مكسب مهم ينبغي الإسراع بالاستفادة منه في أقرب وقت ممكن خلال السنوات القادمة. وفي ما يتعلق بالقطاع الفلاحي، أبرزت الوزارة ذاتها أن المغرب سيتأثر بتبني البلدان العشر للسياسة الفلاحية المشتركة، وأن المغرب سيفقد في بعض الحالات امتيازات كان يستفيد منها بشكل أحادي من بعض البلدان كبولونيا التي كانت تمنح امتيازات جبائية لبعض الصادرات الفلاحية المغربية. ويجري المغرب مفاوضات مع الاتحاد الأوروبي بخصوص التعديلات الممكن إدخالها على اتفاق الشراكة بعد توسيع الاتحاد، وخصوصا بعد التوصل إلى اتفاق يتعلق باعتماد نظام الحصص في المجال الفلاحي. وفي ما يتعلق بقطاع الخدمات، يبدو أن التوسيع سينعش آمال ثلاثة قطاعات مهمة: هي السياحة والنقل والمواصلات. وهكذا ينتظر أن يتضاعف عدد السياح الوافدين من البلدان العشرة إلى المغرب، لمسايرة ارتفاع دخل السكان كنتيجة لاندماج أكبر لهذه البلدان في الاقتصاد الأوروبي. وقد يواجه المغرب من جهة أخرى منتجات أكثر تنافسية بسبب ظهور تخصصات جديدة داخل أسواق البلدان العشرة، خصوصا في مجال الصناعة الإلكترونية، وصناعة السيارات، بالإضافة إلى انتقال الشركات الكبرى للعمل داخل هذه البلدان. وخلصت وزارة التجارة الخارجية إلى أنه يتعين على المغرب، في ظل السياق الجديد الذي خلقه توسيع الاتحاد الأوربي، اتخاذ في أسرع وقت ممكن الإجراءات المتعلقة ب الوضع المتقدم. وكذا بذل مجهودات في مجالات الجودة والمعايير، واستراتيجيات المقاولات والبحث والتجديد، وذلك من أجل تحقيق اندماج اقتصادي أكبر. وتفيد إحصائيات وزارة التجارة الخارجية أن حجم المبادلات بين المغرب والبلدان العشرة التي انضمت إلى الاتحاد الأوربي ناهز مليار و800 ألف درهم سنويا خلال الفترة ما بين 1998 و,2002 وهو ما يمثل نسبة واحد في المائة من حجم المبادلات مع باقي بلدان العالم. أما قيمة واردات المغرب من هذه البلدان فتبلغ مليارا و21 ألف درهم، في حين تبلغ الصادرات 458 مليون درهم. محمد بنكاسم مؤشرات للتجارة الخارجية المغربية الواردات: 1999 (106 مليار درهم)، 2000 (122 مليار درهم)، 2001 (124 مليار درهم)، 2002 (130 مليار درهم)، 2003 (135 مليار درهم) الصادرات: 1999 (74 مليار درهم)، 2000 (79 مليار درهم)، 2001 (80 مليار درهم)، 2002 (86 مليار درهم)، 2003 (83 مليار درهم) العجز: 1999 (32 مليار درهم)، 2000 (44 مليار درهم)، 2001 (44 مليار درهم)، 2002 (44 مليار درهم)، 2003 (52 مليار درهم) تغطية الصادرات للواردات: 1999، (69%) 2000 ، (64 %) 2001 ، (65 %) 2002 ، (66 %) 2003 (61 %). المصدر: وزارة التجارة الخارجية