بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    خلوة مجلس حقوق الإنسان بالرباط، اجتماع للتفكير وتبادل الآراء بشأن وضعية المجلس ومستقبله    المحكمة الجنائية الدولية تصدر مذكرات اعتقال بحق رئيس حكومة إسرائيل ووزير دفاعه السابق    البطولة الوطنية الاحترافية لأندية القسم الأول لكرة القدم (الدورة 11): "ديربي صامت" بدون حضور الجماهير بين الرجاء والوداد!    الحزب الحاكم في البرازيل يعلن دعم المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة    تنسيقية الصحافة الرياضية تدين التجاوزات وتلوّح بالتصعيد    الجديدة: توقيف 18 مرشحا للهجرة السرية        "ديربي الشمال"... مباراة المتناقضات بين طنجة الباحث عن مواصلة النتائج الإيجابية وتطوان الطامح لاستعادة التوازن    دراسة: تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة    مشاريع كبرى بالأقاليم الجنوبية لتأمين مياه الشرب والسقي    جمعويون يصدرون تقريرا بأرقام ومعطيات مقلقة عن سوق الأدوية    اسبانيا تسعى للتنازل عن المجال الجوي في الصحراء لصالح المغرب    سعر البيتكوين يتخطى عتبة ال 95 ألف دولار للمرة الأولى        أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    "لابيجي" تحقق مع موظفي شرطة بابن جرير يشتبه تورطهما في قضية ارتشاء    نقابة تندد بتدهور الوضع الصحي بجهة الشرق    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    الحكومة الأمريكية تشتكي ممارسات شركة "غوغل" إلى القضاء    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    حادثة مأساوية تكشف أزمة النقل العمومي بإقليم العرائش    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    المركز السينمائي المغربي يدعم إنشاء القاعات السينمائية ب12 مليون درهم    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    البابا فرنسيس يتخلى عن عُرف استمر لقرون يخص جنازته ومكان دفنه    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    اليسار الأميركي يفشل في تعطيل صفقة بيع أسلحة لإسرائيل بقيمة 20 مليار دولار    الأساتذة الباحثون بجامعة ابن زهر يحتجّون على مذكّرة وزارية تهدّد مُكتسباتهم المهنية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل        جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    بلاغ قوي للتنسيقية الوطنية لجمعيات الصحافة الرياضية بالمغرب    منح 12 مليون درهم لدعم إنشاء ثلاث قاعات سينمائية        تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    من الحمى إلى الالتهابات .. أعراض الحصبة عند الأطفال    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    "من المسافة صفر".. 22 قصّة تخاطب العالم عن صمود المخيمات في غزة    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هل أصبحت الدبلوماسية الحزبية تمثل ضرورة استراتيجية للدولة؟
نشر في هسبريس يوم 01 - 04 - 2010

يعتبر الباحث الدكتور عبد النبي بورزيكي من بين الجيل الجديد للباحثين المغاربة الشباب في ميدان علم السياسة والعلاقات الدولية، والحياة السياسية للمغرب المعاصر.
ولعل ما يمنح هذه الاستضافة قيمة إضافية كون الباحث قد ناقش مؤخرا أطروحة لنيل الدكتوراة في القانون العام بكلية الحقوق بفاس، في موضوع يتعلق برصد ومقاربة دور الفاعل الحزبي في السياسة الخارجية المغربية، كما تدارس من خلاله الإمكانيات المتوفرة لدى الأحزاب للقيام بدبلوماسية موازية فاعلة، والحدود الواردة على ذلك.
فهل سوف تستطيع الأحزاب القيام بالأدوار المنوطة بها في مجال السياسة الخارجية، خاصة تلك المرتبطة بالدبلوماسية الموازية في الدفاع عن ملف الوحدة الترابية، حتى تكون في مستوى انتظارت الشعب المغربي والمؤسسة الملكية التي دعت في الخطاب الأخير لذكرى المسيرة الخضراء ( 6 نونبر 2009 ) إلى ضرورة نهوض الأحزاب بفعالية لصد الهجومات المتتالية لخصوم المغرب على صحرائه؟. وما هي الإجراءات القانونية والواقعية الكفيلة بتفعيل الدبلوماسية الموازية في شقها الحزبي والمدني؟. كل هذه الأسئلة وأخرى سيحاول الباحث الإجابة عليها باستفاضة.
ونشير إلى أن الدكتور عبد النبي بورزيكي ينتقل في كرسي متحرك، إذ يعد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وله مجموعة من من الإسهامات البحثية في العديد من الجرائد والمجلات الوطنية والعربية ومراكز الأبحاث.
بداية نود أن نتساءل وإياكم، مادمنا سنحاول الاشتغال في هذا الحوار عن الراهنية الإستراتيجية لوظيفة الدبلوماسية الموازية بالنسبة للمغرب، لاسيما في شقها الحزبي، عن حقيقة المقولة القائلة بضعف الأحزاب في مجال السياسة الخارجية. هل هذا يعني أنه لم يكن لها دور يذكر في بلورة السياسة الخارجية للبلاد مند الإستقلال، أم أن دورها كان محدودا ولم يرق إلى المستوى المطلوب؟.
إن دور الأحزاب ( وهو دور شكلي في غالب الأحيان ) في مسلسل صناعة القرار الخارجي للمغرب منذ توقيع ميثاق 14 مارس 1956 إلى حدود اللحظة الراهنة، عرف مدّا وجزرا كما اختلف باختلاف الأحزاب نفسها والمرجعيات والإديولوجيات التي تعتمدها وكذا المواقع التي كانت تحوزها داخل اللعبة السياسية ( يسار ويمين، أحزاب الكتلة، أحزاب الوفاق...). وهكذا فبخصوص أشكال مشاركة الأحزاب في السياسة الخارجية، تذكر المصادر أن الفترة اللاحقة للاستقلال وبالضبط من 1956 إلى 1958، كانت بمثابة العصر الذهبي لمشاركة الأحزاب في صناعة القرار الخارجي للبلاد، ولاسيما إثر التقارب الكبير الذي عرفته توجهات المغفورله الملك محمد الخامس مع تصورات حزب الاستقلال في شخص كل من أحمد بلافريج الذي تولى منصب وزير الخارجية والسيد عبد الله ابراهيم الذي شغل منصب رئيس الحكومة ووزير الخارجية في الوقت نفسه.
بيد أنه مع دخول المغرب ما سمي بحالة الاستثناء في سنة 1965 خبا الدور الدبلوماسي للأحزاب في المجال الخارجي بشكل كبير، إذ احتكر الملك الراحل الحسن الثاني مجال السياسة الخارجية، وأصبحت وزارة الخارجية وزارة سيادة، تقع داخل دائرة المجال المحفوظ، يتولى تسييرها في غالب الأحيان «تيكنوقراط» من خارج الأحزاب إذا استثنينا تجربة امحمد بوستة على رأس الوزارة من 1977 إلى 1983 وتجربة عبد الواحد الراضي على رأس الاتحاد العربي الإفريقي سنة 1984...، وبعد حصول الإجماع الوطني حول قضية الصحراء في سنة 1975 ودخول المغرب ما عرف بالمسلسل الديمقراطي، اتجهت المؤسسة الملكية نحو إعادة الاعتبار الشكلي لدور الأحزاب في مجال السياسة الخارجية على الأقل في المجال التنفيذي، إذ تمّ إشراك أحزاب الكتلة المعارضة، ممثلة آنذاك بحزب الاستقلال، الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حزب التقدم والاشتراكية وأحزاب الوفاق ممثلة بحزب التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية... وذلك عبر تكليف العديد من قادتها بشرح السلوك الدبلوماسي للمغرب خارجيا، فيما يتعلق بملف استكمال الوحدة الترابية.
ومع مجيء حكومة التناوب التوافقي الأولى دخل المغرب منعطفا تاريخيا كبيرا، إذ تمّ من خلالها إشراك أقطاب المعارضة اليسارية التاريخية في الحكم، عبر إسناد منصب قيادة الحكومة للسيد عبد الرحمان اليوسفي. وبذلك تكرّست السياسة التصالحية للنظام مع أحزاب الحركة الوطنية، والتي تبيّنت ملامحها جليا من خلال مساندتها المطلقة لمبادرة الحكم الذاتي الذي جاء به الملك محمد السادس، بغض النظر عن بعض الانتقادات التي استمرت تبديها صحافتها بخصوص تدبير قطاع الدبلوماسية الرسمية للملف.
ولاشك أن دخول الفاعل الإسلامي مضمار العملية السياسية الشرعية، ممثلا بحزب العدالة والتنمية، سوف يعيد صياغة دور الأحزاب داخل اللعبة السياسية، سواء على المستويين الداخلي أو الخارجي، إذ سوف يتولى هذا الحزب انتقاد السلوك الخارجي للحكومة، والضغط عليها من أجل تكريس أكبر لسياسة التضامن مع العالمين العربي والإسلامي، واتخاذ قرارات ومواقف جريئة من التدخلات الأمريكية المتتالية في المنطقتين العربية والإسلامية ( غزو أفغانستان 2001 واحتلال العراق في 2003 .. ). وكذا إزاء العديد من القرارات الدولية التي تخص القضية الفلسطينية واللبنانية مثل انتفاضة الأقصى الثانية في 2002، حرب لبنان في صيف 2006 والعدوان الإسرائيلي على غزة في 2009، وذلك على شاكلة ما كانت تقوم به أحزاب الحركة الوطنية على الأقل منذ نهاية الستينات، أي منذ نكسة 1967 إلى حدود دخولها حكومة التناوب التوافقي الأولى كما سلف في مارس 1998.
بقي أن نشير في الأخير إلى أن المواقف الخارجية للوافد الجديد: حزب الأصالة والمعاصرة الذي أثار ضجة على سطح الحياة السياسية المغربية بعد حصوله على المرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية الأخيرة ل 12 يونيو 2009. تعد مواقف إلحاقية للدبلوماسية الرسمية للدولة بشكل كامل؛ وهي صيغة تكاد تشمل تدخلات جل الأحزاب في مجال السياسة الخارجية مع استثناءات قليلة ( رفض الإتحاد الاشتراكي قبول الملك الراحل الحسن الثاني إجراء الاستفتاء في الصحراء خلال 1981 بنيروبي، رفض الراحل علال الفاسي إستقلال موريتانيا... مناصرة حزب النهج الديمقراطي عن اليسار الجديد لحق تقرير المصير في الصحراء ضدا على مبادرة الحكم الذاتي... ). ولعلّ إعلان حزب الأصالة والمعاصرة في إحدى بياناته عن مناصرته للوحدة الترابية لليمن وعن شجبه لقصف الحوثيين للأراضي السعودية مباشرة عقب إعلان الدولة عن تضامنها مع البلدين المذكورين، يكشف ذلك بشكل واضح. وبذلك يمكن القول بأنّ تصرفه في مجال السياسة الخارجية يعدّ نسخة طبق الأصل لتصرف حزب التجمع الوطني للأحرار الذي أعلن منذ نشأته عقب انتخابات 1977 أن تصوراته في مجال السياسة الخارجية كان يستقيها من فلسفة المؤسسة الملكية وتصوراتها الحكيمة للواقع الإقليمي والدولي كما نجد ذلك في مجموع وثائقه المذهبية والسياسية.
وهل عرف ذلك الدور تراجعا أو تطورا منذ ذلك الحين إلى اليوم؟. إذا أخدنا طريقة تعاملها مع القضية التي شغلت مؤخرا الإعلام المغربي،ألا وهي قضية الانفصالية أمنتو حيدر. والتي عرفت أخيرا طريقها إلى الحل من خلال قبول المغرب بعودة هذه الأخيرة إلى أرض الوطن ( العيون ) لبواعث إنسانية، استجابة لطلبات بعض الدول الصديقة للمغرب حسب ما جاء في بيان وزارة الداخلية؟.
كما أسلفت عرف دور الأحزاب لحظات مد وجزر بخصوص طريقة تعاطيها مع قضايا السياسة الخارجية الرسمية منذ حصول المغرب على الاستقلال إلى اليوم. ولاشك أن بروز قضية الصحراء كان بمثابة الحدث الذي عزز دور الدبلوماسية الموازية الحزبية في تعزيز تحركات الدبلوماسية الرسمية والقيام بدورها في مجال الدفاع عن الوحدة الترابية.
وفيما يخص قضية أمنتو حيدر، لابد من الإشارة إلى أنّ هذه القضية قد تم تضخيمها إعلاميا بشكل منقطع النظير وبما لم تكن تستحقه من اهتمام، لأن القانون واضح في هذا المضمار ليس في المغرب فقط بل في جل الدول المعاصرة، فمن ينزع عنه جنسية بلده بمحض إرادته، يكون متخليا «أوتوماتيكيا» وبشكل آلي عن كل الحقوق والواجبات المفروضة عليه بموجب تلك الجنسية، وليس من حقه أن يطالب بشيء منها تحت أي مبرر كان، بغض النظر عن الطرف الخارجي أو الداخلي الداعم له.
بيد أن المشكل الخطير في القضية، هو التعامل لانتقائي للقوى الكبرى المؤثرة في ملف الصحراء معها؛ فحينما يتعلق الأمر بانفصاليي الباسك أو الكورس يطبق القانون الوطني بحزم دون حاجة إلى التدرع بأية أسباب. أما حينما يتعلق الأمر بدولة عربية أو إسلامية تكون مؤامرة الاستمرار في إشعال المشاكل داخلها وتمزيق كيانها والتآمر على وحدتها الوطنية بمسوغات سياسية وإنسانية وحقوقية حاضرة بقوة، إن لم تكن بمسوغ التدخل المباشر في الشؤون الداخلية والإجهاز على سيادة الدول.
وبغض النظر عن الضغوطات الأمريكية والإسبانية والغربية، فإن قبول المغرب بعودة الانفصالية أمينتو حيدر ينبغي قراءته من منظور إنساني أكثر من غيره من المنظورات الأخرى، على اعتبار أن المعنية بالأمر كانت سائرة نحو انتحار إرادي لولا قبول السلطات المغربية بعودتها أخيرا.
أما فيما يخص الدور الذي تولته الأحزاب السياسية الوطنية في هذه القضية، فيبدو أنها تململت بقوة بعد السكون الطويل الذي عرفته، و إن كان ذلك قد تم تحت الطلب؛ فبعد مطالبة العاهل المغربي الأحزاب بضرورة الاضطلاع بالأدوار المنوطة بها في الدفاع عن الوحدة الترابية للبلاد، ولاسيما بعد الاجتماع الذي أجرته وزارة الخارجية مع الأحزاب لتوضح الخطوات اللازم اتباعها من لدن الفاعل الحزبي، لأجل تجنيد دبلوماسيتة الموازية من أجل التحرك في القضية. إذ عمد حزب الأصالة والمعاصرة في شخص أمينه العام الشيخ بيد الله إلى زيارة مدريد، لتوضيح موقف صحروايي الداخل الداعم لمبادرة الحكم الذاتي والتأكيد لإسبانيا المعني التقليدي بقضية الصحراء أن انفصاليي الداخل لا يمثلون إلا قلة قليلة مدعومة من طرف أطراف خارجية، وعلى رأسها الجزائر.
ويظهر أنّه مقابل دبلوماسية الخارج، تجنّد حزب التجمع الوطني للأحرار للقيام بدبلوماسية الداخل من خلال الزيارة التي قام بها إلى مدينة العيون حيث التقى مجموعة من أعيان القبائل الصحراوية وأجرى تجمعات خطابية داخل المناطق الصحراوية. كما نادى بتطبيق الجهوية الموسعة لتنزيل المبادرة المغربية على أرض الواقع.
وينبغي الإشارة بصدق وواقعية إلى أن الدبلوماسية الرسمية عرفت تعثرا كبيرا في تدبير الملف، إذ لم تستغل بعد كل الإمكانيات الموجودة لتأهيل نفسها عبر إشراك الفعاليات المدنية والشعبية، واللجوء إلى تفعيل الآلية الديمقراطية التشاركية في ذلك، واستغلال الآلية الإعلامية للقيام بدبلوماسية هجومية بدل الاقتصار على الدبلوماسية الدفاعية التي تكتفي برد الفعل بدل إنتاجه.
يردد الكثير من الباحثين أن القصور الذي تشهده الأحزاب في السياسات العمومية الداخلية، ينعكس سلبا عليها ويجعلها ضعيفة في التعاطي مع قضايا السياسة الخارجية، إلى أي حدّ يعتبر ذلك صحيحا في نظركم؟.
لعل ما يلاحظ عموما بخصوص موقع ومكانة الأحزاب في النظام السياسي المغربي، هو وضعية الضعف والقصور الذي تعانيه في صياغة الاستراتجيات التنموية الكفيلة بالنهوض بالواقع الاجتماعي المغربي، إذ إنه خارج التصورات الملكية ( برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ... ) تغيب البرامج السياسية الحقيقية القابلة للأجرأة والتطبيق لدى معظم الأحزاب السياسية مع وجود استثناءات قليلة. وبذلك يبقى دور الفاعل الحزبي الوطني سواء كان في الحكومة، أو خارجها مقصورا على تنفيذ التصورات الملكية في الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
وبغض النظر عن الحملات الجارية لتبخيس مبادرات الأحزاب السياسية الوطنية ومشاريعها الإصلاحية، يبدو أن ضعف الأحزاب يظهر واضحا للعيان، إذ يضل الواقع السياسي شاهدا على ذلك نتيجة الاختلالات الكبيرة والمستمرة التي تستمر الأحزاب في المعاناة منها على المستوى الداخلي ( الانشقاقات، صعوبة تدبير الاختلافات الداخلية، عدم قبول معظمها بوجود تيارات داخلها، ضعف الديمقراطية الداخلية، فشل التكثلات...). وكذا نتيجة لافتقادها السلطة السياسية الكفيلة بأجرأة تصوراتها من جهة، وغياب الرغبة والإرادة لتفعيل ذلك من جهة أخرى.
ولاشك أن كل هذا يؤثر سلبا على وظيفتها ودورها فيما يتعلق بتنفيذ السياسة الخارجية التي تعد مجالا خاصا لرئاسة الدولة، وهي خاصية تبقى حاضرة لدى جل الأنظمة السياسية المعاصرة، (طبعا مع إختلاف في مستوى ذلك الضعف)، إذ ينكشف واضحا، كما أسلفنا، أن التحركات الدبلوماسية للأحزاب في إطار الدبلوماسية الموازية غالبا ما تبقى مرتبطة بطلبات الدولة وموسمية، أي تبقى دبلوماسية تحت الطلب وتغيب لديها روح المبادرة والابتكار لخلق أشكال دبلوماسية نضالية فاعلة وقادرة على تجسيد مفهوم حقيقي ومتطور لمفهوم السياسة الخارجية الحزبية ولمفهوم الدبلوماسية الموازية في صيغتها الحزبية.
بيد أنه رغم ذلك، ينبغي الإشارة إلى مجموعة من المبادرات الدبلوماسية الهادفة على قلتها، سواء من خلال الدبلوماسية الجماعية، أو تلك التي يتولاها الفاعل الحزبي الجماعي لاسيما لدى وجودها على رأس المجالس الجماعية للمدن الكبرى، فاس والرباط والدار البيضاء، أو عبر مشاركتها في المؤتمرات الحزبية العالمية ( مشاركة حزب الاستقلال في أممية أحزاب الوسط، مشاركة الاتحاد الاشتراكي في الأممية الاشتراكية، مشاركة حزب التجمع الوطني للأحرار في منظمة الأحزاب الليبرالية، مشاركة حزب العدالة والتنمية في مؤتمرات الأحزاب العربية والإسلامية... )، دون أن ننسى آلية الدبلوماسية الشبابية التي تتولاها الشبيبة الاستقلالية أو الشبيبة الاتحادية وشبيبة حزب العدالة والتنمية و باقى الأحزاب، إذ تقوم من خلال تلك المؤتمرات بالدفاع عن القضية الوطنية في مواجهة الخصوم. ويمكن أن نذكر في هذا الصدد المجهودات التي بدلتها الشبيبات الحزبية المغربية المشاركة في المؤتمر السابع عشر للفيدرالية العالمية للشباب الديمقراطي المنعقد فيما بين 9 و 14 مارس 2007 بالعاصمة الفيتنامية هانوي، إذ منعت تضمين البيان الختامي للمؤتمر صيغة «المغرب بلد محتل» التي تقدمت بها جبهة البولساريو مدعومة من طرف الجزائر، بل عمدت إلى توقيف أشغال المؤتمر للحظات عديدة.
وأي دور تولته، في رأيكم، الأحزاب في قضية الصحراء عامة وفي الترويج لمبادرة الحكم الذاتي خاصة، في ظل التأكيد الأممي بكون المبادرة تمثل حلا سياسيا معقولا لنزاع الصحراء الذي عمّر طويلا؟
إن بقاء الموقف الحزبي في قضية الصحراء مجرد موقف إلحاقي بتعبير الأستاذ عبد الإله بلقزيز لا يمنع من رصد التباينات التي عرفتها الأحزاب في تفاعلها مع ملف الصحراء منذ بروزه على أجندة السياسة الخارجية المغربية إلى اليوم؛ فرغم حالة الإجماع السياسي التي سادت بين أحزاب الكتلة ( حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، حزب التقدم والاشتراكية ... ) والنظام السياسي حول الملف منذ سنة 1975، عرفت هذه القضية بعض التقاطعات من قبيل: معارضة عبد الرحيم بوعبيد للاستفتاء في مؤتمر نيروبي الثاني واستمرار بعض المكونات اليسارية الجديدة في مساندة حق تقرير المصير مثل حزب النهج الديمقراطي كما سلف.
وفيما يخص الإستراتيجية التي اعتمدتها الأحزاب في الدفاع عن مقترح الحكم الذاتي و الترويج له، لاسيما فيما يخص حالة حزب الاستقلال، الاتحاد الاشتراكي، حزب التقدم والاشتراكية وحزب العدالة والتنمية، فقد توزعت على شقين؛ الشق الأول، تعلق برصد خروقات الخصوم و تتولى الأحزاب ذلك عن طريق أجهزتها الإعلامية من صحف ودوريات ومنشورات تابعة لها. وكذا من خلال مؤتمراتها وعلاقاتها الخارجية بباقي الأحزاب الأجنبية كما أسلفنا. وتنصب مجمل الخروقات التي ترصدها الأحزاب عادة على تدخل الجزائر السافر في القضية الوطنية كطرف أصلي بالرغم من الإعلانات المتتالية لمسؤوليها بحيادهم وغياب كل مصلحة لهم في النزاع، وكذا على الخروقات التي ترتكبها جبهة البوليساريو في حق المغاربة المحتجزين في تندوف.
بينما ينصب الشق الثاني على دعم مبادرة الحكم الذاتي إعلاميا ودبلوماسيا، بيد أن ما لوحظ في هذا السياق، هو أنّ عهد الملك محمد السادس على خلاف فترة حكم والده الراحل الملك الحسن الثاني، على الأقل فيما مضى من حكمه، لم يشهد تفعيلا كافيا لدور الأحزاب في مجال الدفاع عن قضية الصحراء؛ فاستشارة الأحزاب وبعض الفعاليات المدنية حول المبادرة لم تبرح دائرة الاستشارة غير الملزمة، قبل أن تلجأ الدولة مؤخرا مع تعثر المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو إلى إشراك انتقائي لبعض الأحزاب، لاسيما الأحزاب المشاركة في الحكومة في الترويج للمقترح دوليا، أو لتسوية بعض الخلافات الناشئة حلو ملف الصحراء كما حصل مع ليبيا مؤخرا لدى إشراكها جبهة البوليساريو في احتفالات الفاتح لسنة 2009، إذ تم إرسال كل من السيد مصطفى المنصوري عن حزب التجمع الوطني للأحرار والسيد بيد الله عن حزب الأصالة والمعاصرة، فضلا عن وزير الدولة بدون حقيبة السيد محمد اليازغي إلى طرابلس لرأب الصدع. ونفس الأمر لوحظ فيما يخص إشراك أحزاب الأغلبية والمعارضة في تدبير تداعيات ملف أمنتو حيدركما سلف.
يبدو أنّ المغرب يعاني من معضلتين كبيرتين على مستوى ملفات السياسة الخارجية المغربية المعاصرة، هما المعضلة الترابية والمعضلة الاقتصادية، أي تلك المرتبطة بتحقيق التنمية الاقتصادية الوطنية، جلب الاستثمارات، خفض المديونية، وتصحيح علاقات المغرب مع شركائه في الخارج وتنويعها، بدل الاقتصار على الواجهتين الأوربية والأمريكية. في رأيكم هل يمكن الحديث عن دور اقتصادي للفاعل الحزبي في المجال الدبلوماسي الموازي على شاكلة ما يمكن أن تقوم به عدة تكتلات إقتصادية مثل الاتحاد العام لمقاولات المغرب؟.
إن الحديث عن دور مفترض أو حقيقي للفاعل الحزبي الوطني في المجال الاقتصادي الخارجي، يبقى من الصعوبة بمكان، إذ إن رصد ودراسة مفهوم الدبلوماسية الاقتصادية الحزبية في الدراسات المهتمة بالأحزاب أو الفاعلين في الدبلوماسية الموازية المعاصرة على حد سواء لا تكاد تجد له اهتماما بيّنا بين الباحثين والمختصين. وبذلك يبقى الكلام عن مفهوم مخصوص للدبلوماسية الاقتصادية الحزبية بالمعنى الأكاديمي والعلمي المتعارف عليه بين الدارسين متعذرا، تبعا لحدود ذاتية مرتبطة بنشاط الفاعل الحزبي في حد ذاته في مجال السياسة الخارجية. وكذا بحدود موضوعية يطرحها جوهر السياسة الخارجية في حد ذاتها التي تبقى كما أسلفت مقصورة على رئاسة الدولة، مجسّدة في المؤسسة الملكية التي تستند إلى معطيات دستورية وقانونية وأخرى واقعية وسياسية، بغض النظر عن بعض الحدود والاستثناءات التي ترد على ذلك.
بيد أنه رغم ذلك، فضرورة تولي الأحزاب للدبلوماسية الحزبية الاقتصادية، يفرض نفسه بالنظر للعديد من البواعت والمبررات يمكن جمعها فيما يلي:
1.التداخل الضروري والحتمي بين السلوك الخارجي وتفاعلات المحيط الداخلي، إذ إن كل اختيار خارجي للدولة يؤثر لا محالة على المجال الاقتصادي الوطني المراقب من طرف القوى السياسية؛
2.توظيف الأحزاب لآلية المراقبة الاقتصادية والاجتماعية إلى جانب المراقبة السياسية كأداة للرفع من مصادر مشروعيتها داخل المجتمع؛
3. طغيان الجانب الاقتصادي والاجتماعي في برامج الأحزاب؛
4.الاهتمام المتزايد للأحزاب باستهداف النخب الاقتصادية، ورجال الأعمال وتأسيس منتديات موازية لها طابع اقتصادي مثل رابطة الاقتصاديين الاستقلاليين.
و يمكن الإشارة إلى بعض القنوات التي يمكن أن تتولى من خلالها الأحزاب دبلوماسية اقتصادية حزبية موازية مساندة وداعمة للدولة، بغية الإسهام في تحقيق التنمية الاقتصادية الوطنية التي تعد معضلة حقيقية للمغرب ولمجمل الدول السائرة في طريق النمو وتصحيح العلاقات الاقتصادية المختلّة وغير المتكافئة للمغرب مع المحيط الاقتصادي الأوروبي... هذه القنوات تتمثل في القناة البرلمانية من خلال الاهتمام الذي تبديه الفرق النيابية بالدبلوماسية الاقتصادية. ثم قناة العلاقات الخارجية، إذ إنّ مشاركة الأحزاب في الملتقيات والمؤتمرات الحزبية العالمية التي يتضمن جدول أعمالها قضايا تهم التنمية الاقتصادية والاجتماعية، تمثل تعبيرا أكيدا عن الدبلوماسية الاقتصادية الحزبية، لكونها قد تفيد في تعريف الهيئات الحزبية الأجنبية الحاضرة بالمناخ الاقتصادي للمغرب وبالإمكانيات الفلاحية والبحرية والتجارية التي يتوفر عليها وبمشاكله الاقتصادية، وهو ما يمثل، في حدّ ذاته، دعاية اقتصادية لجلب الاستثمارات والتكنولوجيا والبحث عن أسواق جديدة لتصريف المنتوجات والسلع المغربية لاسيما لدى وجود تلك الأحزاب الأجنبية المستهدفة في مراكز القرار داخل بلدانها. كما أن قناة الدبلوماسية الجماعية هي فرصة حقيقية للأحزاب للتعاطي مع الدبلوماسية الاقتصادية التي أصبحت حاضرة في لقاءات الممثلين الجماعيين المغاربة مع نظرائهم في بلدان العالم، وهي تأخذ شكل التوأمة والشراكة الاقتصادية وتبادل المعارف والخبرات في المؤتمرات الجماعية العالمية (مؤتمر مراكش الأخير حول الدبلوماسية الجماعية دجنبر2009..).
إذا كان هذا هو ما يميز سلوكات الأحزاب على مستوى البيئة السياسية الداخلية للنظام السياسي المغربي، فما مدى حضور الهموم القومية والقضايا العربية والإسلامية في الخطاب الخارجي لأحزاب الكتلة؟ وماذا عن سلوك التيارات الإسلامية المعتدلة؟.
بداية ينبغي التأكيد على أن استعراض أشكال تفاعل الأحزاب الوطنية مع السياقات الجيوسياسية الإقليمية والدولية، يكشف قدرة الأحزاب على استثمار وتوظيف البيئة الدولية كأداة للضغط في المنافسة السياسية الداخلية، سواء في مواجهة النظام السياسي كما كان يحصل في فترة السبعينات من القرن الماضي، أو في مواجهة بعضها البعض. ولتأكيد ذلك نشير إلى تداعيات الصراع الإديولوجي الذي ساد بين الشرق والغرب إبان فترة الحرب الباردة على الحياة السياسية والحزبية المغربية، ونهاية الخمسينات من القرن الماضي، وبالضبط في سنة 1959، لاسيما فيما يرتبط بالخلاف الذي درا بين المحافظين والتقدميين، او ما سمي آنذاك بالجناح اليساري داخل حزب الاستقلال، إذ اتهم الراحل علال الفاسي أصحاب «الطرح الانفصالي»، حسبه، ب: «التهافت على الدعاية لمختلف النظريات الأجنبية المتناقضة من يمين إلى يسار، ومن شيوعية إلى رأسمالية ...» وهو ما يحيل على حجم التأثير المباشر للصراع القطبي على التحالفات الحزبية. كما يوضح طبيعة المخرجات الانشقاقية والانقسامية التي أنتجها المشهد الحزبي كنتيجة سلبية لتأثير مدخلات نظام يالطا على النظام السياسي الوطني، حسب المفاهيم الإجرائية للنظرية النسقية.
ومن هذا المنطلق فقد ظلت الهموم القومية حاضرة في الخطاب السياسي للأحزاب إزاء المجالات العربية والإسلامية وقضاياها الملحة، إذ سجل التضامن المبكر للحركة الوطنية المغربية مع قضايا التحرر العربي والإسلامي، وعلى رأسها القضية الفلسطينية منذ «ثورة البراق» لسنة 1927؛ فعلى خلاف الدبلوماسية الرسمية التي انخرطت بشكل متأخر في صراع الشرق الأوسط، سجلت القوى السياسية المغربية حضورها الوازن منذ انطلاق الشرارة الأولى للنزاع العربي-الإسرائيلي في فلسطين على عهد الانتداب البريطاني وبالضبط إثر «ثورة البراق» المذكورة، إذ تذكر المصادر أن رواد الحركة الوطنية كانوا قد ندّدوا في عرائض ورسائل إلى السلطات الاستعمارية البريطانية والفرنسية بما يحدث في أرض المقدس، فضلا عن التضامن المادي مع الضحايا.
وبالفعل فقد اختلفت الأحزاب في درجات تعاطيها وتضامنها مع الهموم القومية، تبعا لاختلاف أولويات برامجها واختلاف مرجعياتها الإيديولوجية. و إن ظلت القضية الفلسطينية تعتبر كقضية وطنية في مجمل برامجها السياسية وتقاريرها المذهبية.
ولعل التغير البارز الذي يمكن ملامسته إثر دخول المكون الإسلامي المغربي المعتدل مضمار اللعبة السياسية، هو التشبّث الذي ما فتئ يبديه حزب العدالة والتنمية بالنهج التحرري الجهادي لتحرير فلسطين والمسجد الأقصى ومناصرته للحركات الجهادية الفلسطينية واللبنانية، متجسّدة تباعا في حركة المقاومة الإسلامية حماس وحزب الله باعتبارهما حركتين سياسيتين وجهاديتين استطاعتا الصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي، والانتصار عليه بالإرادة الإيمانية الحقة في ظل تواضع الإمكانيات الحربية. كل ذلك في مقابل السياسة التضامنية المحافظة للدبلوماسية الرسمية التي تستمر في نهج سياسة ومنظق «المسافات الإحتياطية» في التعاطي مع بؤر النزاع في الشرق الأوسط، وتكتفي بإرسال المساعدات الإنسانية والشجب والإدانة، شأنها في ذلك شأن باقي الدبلوماسيات العربية الأخرى. ولا تكاد تخرج تحركات أحزاب الكتلة راهنا عن منظق الشجب والإدانة الذي شرعت في تبنيه منذ توقيع منظمة التحرير الفلسطينية لاتفاقيات مدريد وأوسلو التي لعب فيها المغرب دورا كبيرا، فضلا عن ظهور بعض التحركات المدنية الاحتجاجية في هذا المضمار مثل تحركات اللجنة الوطنية لمساندة كفاح الشعبين الفلسطيني والعراقي برئاسة السيد خالد السفياني، الأمين العام للمؤتمر القومي العربي، وإن كانت تلك الأحزاب لا تزال تستمر بالمشاركة في المظاهرات المليونية بالرباط التي تنظم ضد الغزو الأمريكي والصهيوني لبلاد المسلمين ( حرب غزة 2009 نموذجا).
رغم سيادة مفهوم الإجماع في السياسات الخارجية المعاصرة، المعتبر بمثابة خاصية مميزة للسياسة الخارجية على خلاف السياسات العمومية الداخلية، غالبا ما تتوفر الأحزاب في الدول الديمقراطية الأروبية على نوع من الاستقلالية في صياغة قرارها الخارجي إزاء العديد من قضايا السلم والتنمية في العالم، بما لا يتوافق أحيانا مع قرارات حكوماتها مثل حالة الأحزاب في إيطاليا وإسبانيا وغيرها من الدول التي ناهضت أحزابها ومنظماتها المدنية الحرب على العراق. فهل تتوفر الأحزاب المغربية على السلطة الكافية في صياغة قراراتها الخارجية؟.
يصعب الكلام في الحالة المغربية عن وجود سياسة خارجية مستقلة للأحزاب المغربية بمعناها المادي والفعلي لتعذر ذلك، وإن كان يجوز الحديث عن بعض المواقف الحزبية المعارضة لتوجهات الدبلوماسية الرسمية، سواء فيما يخص القضايا المرتبطة باستكمال الوحدة الترابية، أو فيما يتعلق بالقضايا الاقتصادية والتجارية والتنموية، والتي قد تعبر عن حدّ أدنى من درجة الاستقلالية التي يتمتع بها الفاعل الحزبي في صياغة خطاباته السياسية الذاتية حول قضايا السياسة الخارجية من جهة، وبسط منظوره الخارجي، في ارتباط بتقييمه لخطوات السياسة الخارجية الرسمية من جهة أخرى.
ولعل من أبرز المواقف الحزبية المتبدية في هذا السياق، تلك المرتبطة بتوجهات حزب الاستقلال وزعيمه الراحل علال الفاسي فيما يتصل بالمسألة الموريتانية، إذ ظل الحزب يعارض استقلال موريتانيا وانفصالها عن الوطن الأم: المغرب إلى حدود وفاة زعيمه المفاجئ في سنة 1974.
كما أن موقف الاتحاد الاشتراكي القاضي بمعارضة الاستفتاء في الصحراء كما أسلفنا يعبر كيفما كان الحال عن حد أدنى في تملك الأحزاب لسلطة قرارها الخارجي، وذلك بغض النظر عن التبعات التي جرّها هذا القرار على الحزب وقيادييه.
وبغية التوضيح أكثر يمكن أن نورد مواقف حزب التقدم والاشتراكية من توجهات السياسة الخارجية الرسمية إبان الحرب الباردة إزاء كثير من المسائل، علما أن الحزب كان قد تعرض في أكثر من مرة للمنع، بمبرّر تعارض توجهه الإيديولوجي والفكري مع أسس الدولة والمجتمع الإسلامي، إذ إن مجمل مواقفه من قضايا السياسة الدولية كانت تتهيكل على ضوء ارتباطاته في إطار الحركة الشيوعية العمالية العالمية، المناصرة للطروحات السوفياتية في العلاقات الدولية، ولو تعلق الأمر بتصورات قد تؤثر على المصالح الوطنية للبلاد من قبيل تبريره للتدخلات السوفياتية في أفغانستان في سنة 1979 خلافا لتوجهات الدولة، وباقي الأحزاب التي شجبت ذلك التدخل وأدانته لتنافيه مع مبادئ الشرعية الدولية.
وفي نفس السياق، يمكن استحضار مواقف الحزب الرافضة للتعاون المغربي الأمريكي في إطار «اللجنة العسكرية المشتركة المغربية الأمريكية». وكذا مواجهته لقرار الحكومة القاضي بإرسال الجنود المغاربة إلى الكونغو الديمقراطية (الزايير سابقا)، ودعوته إياها إلى ضرورةاحترامها لالتزامات المغرب في إطار حركة عدم الانحياز.
كما أن مواقفه من الخلاف الترابي بين الصومال وإثيوبيا حول منطقة «لوكادن»(Logaden) أبرزت مدى ارتباط الحزب بالإديولوجية السوفياتية، واستقلاله عن توجهات السياسة الخارجية الرسمية، ففي الوقت الذي ناصرت فيه الدبلوماسية الرسمية الحكومة الصومالية، واعتبرتها صاحبة حق مشروع في استرجاع أراضيها المغتصبة من قبل إثيوبيا، عمل قادة الحزب على مناصرة الحكومة الإثيوبية استجابة للطرح السوفياتي المساند لها، رغم معارضة تلك الحكومة للمغرب في مطالبه المشروعة حول الصحراء.
بقي أن نشير إلى موقف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ولاسيما موقف أحد زعمائه التاريخيين البارزين، وهو الراحل المهدي بن بركة، الذي كان قد ساند الأطروحة الجزائرية قي حرب الرمال لسنة 1963، ضدا على توجهات المغرب، والتي اتهم على إثرها بالخيانة العظمى وحكم عليه بالإعدام.
ولعل من بين المواقف الحزبية الراهنة المتبدية في هذا السياق، يمكن أن نشير إلى مواقف تجمع اليسار الديمقراطي من إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين في يوم عيد الأضحى من سنة 2007، وموقف حزب النهج الديمقراطي حول تقرير المصير في الصحراء الذي أشرنا إليه أكثر من مرة، فضلا عن بعض مواقف حزب العدالة والتنمية الإسلامي من الصراع العربي-الإسرائيلي الذي أصبح صراعا فلسطينيا إسرائيليا قبل أن يراد له أن يصير صراعا فلسطينيا-فلسطينيا كما هو معاش راهنا.
من خلال العودة إلى التقارير السياسية والمذهبية للأحزاب المغربية، باختلاف توجهاتها، نجدها تطرح مجموعة من التصورات والرؤى حول ما ينبغي أن تكون عليه السياسة الخارجية الرسمية، أي حول المهام التي ينبغي لها الاطلاع بها في عالم متغير لحفظ مصالح المغرب إقليميا ودوليا من جهة، وكذا حول المناطق الجيوستراتيجية التي ينبغي أن تحضى بالرعاية على غيرها في برامج الدبلوماسية الرسمية. فما هي نوعية تلك التصورات، وما هو الثابث والمتغير فيها على مرّ الحياة الدبلوماسية المغربية منذ الاستقلال إلى الآن؟.
اختلف منظور الأحزاب حول السياسة الخارجية عبر الفترات التاريخية التي عرفها المغرب المعاصر إلى اليوم؛ ففي المرحلة اللاحقة للحصول على الاستقلال جعلت الأحزاب الناشئة عن الحركة الوطنية من مطلب تصفية التركية الاستعمارية الفرنسية والإسبانية مطلبا ملحا وجوهر ضمن مطالبها السياسية، وعنصرا مستمر الحضور في اجتماعاتها ووثائقها المذهبية، وأيضا في مخاطبتها للنظام السياسي، إذ ظلّت تُلح على ضرورة التسريع باستكمال وحدة التراب الوطني. وفي هذا الإطار كان حزب الاستقلال قد طالب في مارس 1963 بجلاء القوات الأمريكية وإزالة القواعد التابعة لها على التراب المغربي، لاسيما بالقنيطرة وسيدي سليمان وبن جرير والنواصر... وذلك على ضوء الاتفاقيات التي كان قد أبرمها المغفور له الملك محمد الخامس مع الرئيس الأمريكي «إيزنهاور» في دجنبر 1959، والتي نصت على ضرورة خروج القواعد الجوية من المغرب قبل سنة 1963.
وفي ظل اشتداد حمأة الصراع بين الشرق والغرب، انتقد كل من حزب الاستقلال وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التوجه الليبرالي الرأسمالي للنظام، وطالبا بتصحيح السياسة الخارجية المغربية الداعمة للغرب الرأسمالي. كما دعت أحزاب اليسار في السياق نفسه، إلى توجيه السياسة الخارجية الرسمية نحومساندة المعسكر الاشتراكي. وقد كان ذلك انسجاما مع الإيديولوجية الاشتراكية التي اتخذتها أحزاب اليسار الإصلاحي كمذهب ومرجعية لها كما سلف.
ومع بروز قضية الصحراء على أجندة السياسة الخارجية الرسمية، وانطلاق مسلسل دمقرطة الحياة السياسية، دخلت الأحزاب الوطنية المعارضة في تصالح مع النظام السياسي كما أسلفنا، إذ ساندت مطلب استرجاع الصحراء، وجندت دبلوماسيتها الموازية لذلك، رغم استمرارها في انتقاد طريقة تدبير النظام للقضية الوطنية. وقد حضرت المطالبة باسترجاع الصحراء في تداخل مستمر مع قضية الحدود المغربية الجزائرية وسبتة ومليلية وباقي الجزر.
ومع دخول المغرب تجربة «التناوب التوافقي» كما أسلفت تكرّس الإجماع بين الأحزاب المعارضة والنظام السياسي حول المسائل الداخلية والخارجية على حد سواء، وذلك قبل أن يدخل حزب العدالة والتنمية الإسلامي على الخط، موازاة مع تنصيب حكومة التناوب، لينتقد تصوراتها الخارجية ويدعو، في ظلّ الفتور النسبي الذي عرفته الدبلوماسية الرسمية إزاء المجالين العربي والإسلامي، إلى ضرورة تعزيز وتكريس سياسة التضامن العربي والإسلامي للمغرب، بدل الاقتصار على تطوير التحالفات المصلحية مع أمريكا والغرب فقط.
لاشك أن الدبلوماسية الرسمية اليوم في أمسّ الحاجة لمساندة ودعم الدبلوماسية الموازية في شقها الحزبي والمدني، لصدّ خصوم الوحدة الترابية وإفشال مخططاتهم، أية مقترحات وبدائل تطرحها لنهوض الأحزاب بدورها في هذا المجال؟.
إن اضطلاع الأحزاب السياسية بدورها كاملا في إنعاش الدبلوماسية الموازية لا يمكن أن يتم إلا من خلال إعمال آليتين سياسيتين ضروريتين هما:
-آلية تنشيط العمل السياسي والدبلوماسي داخل الأحزاب عبر تفعيل لجانها الخارجية ومأسستها بشكل صحيح واستقطاب أطر من داخل التكثلات الاقتصادية الكبرى، ومن أوساط المثقفين والجامعيين والرموز والشخصيات الوطنية المعروفة، المؤهلة والقادرة على ممارسة العمل الدبلوماسي الموازي بنجاح واقتدار. وأيضا استهداف الأندية الثقافية المغربية، سواء بالداخل أو الخارج، التي بإمكان أعضائها الانخراط في صلب الأحزاب لتولي مهمة الدبلوماسية الموازية الحزبية، لاسيما حالة تواجدها خارج أرض الوطن.
-آلية توسيع دائرة صناعة القرار الخارجي الرسمي لاسيما في حالة اقتناع الدولة بأهمية دعم الفاعل الحزبي والمدني في تولي دور الدبلوماسية الموازية، وتمكينه من الوسائل الكفيلة للقيام بذلك، عبر إقرار نوع من الديمقراطية التشاركية المرنة التي بإمكانها تمكين جل الفاعلين السياسيين، باختلاف مواقعهم داخل اللعبة السياسية من الإدلاء بأرائهم وطرح مقترحاتهم لتطوير آليات صناعة القرار في السياسة الخارجية الرسمية. ومن ثمّ إبتكار أشكال متقدمة في التعاطي مع الأزمات الدبلوماسية للبلاد...
أضحى المجتمع المدني العبر وطني والفاعلون غير الرسميون في مجال العلاقات الدولية المعاصرة، يتولون أدوارا طلائعية في الدعوة إلى تعزيز السلم العالمي والحفاظ عليه، بل إنهم في بعض المناطق صاروا يمثلون شركاء حقيقيين للأمم المتحدة والدول الفقيرة في تحقيق التنمية ومحاربة الفقر والعزلة والهشاشة، كما هو الحال في دول افريقيا جنوب الصحراء. في نظركم، هل تتوفر الأحزاب السياسية المغربية على سياسة تضامنية وسلمية على المستوى العالمي؟. وما هي أبرز تحركاتها في هذا المضمار؟.
أضحى مفهوم السلام العالمي المفقود أكثر إلحاحا في غياب ثقافة السلام وسيادة ثقافة العنف بين مكونات النظام الدولي المعاصر؛ ففي ظل تشبّت الوحدات الدولية بالتقسيم التقليدي للسياسة الدولية إلى سياسة عليا تشمل قضايا الأمن العسكري والحرب والسلاح وميزان القوى، وسياسة دنيا تتعلق بالتنمية ومحاربة الفقر والقضايا الاجتماعية وتغليبها للأولى على الثانية، برزت القوى السياسية العبر وطنية مثل المنظمات المدنية والنقابات العمالية والمؤتمرات الحزبية العالمية... كفاعل جديد أصبح يطالب الدول بتغيير نظرتها إلى العلاقات الدولية، بل ظهر كشريك متميز للأمم المتحدة والدول الفقيرة من أجل السلام وتحقيق التنمية كما أسلفت.
ولاشك أن التوجه السلمي، التضامني والتعاوني المؤثّث لخطاب الأحزاب المغربية ينبع من إيمان المغاربة عبر التاريخ، دولة وشعبا بقيم التسامح والتعاون وكذا من طبيعة الموقع الجيوسياسي للمغرب الذي يجعل منه ملتقى للحضارات، وصلة وصل بين العالم الأوروبي من جهة والعالمين العربي والإسلامي والمجال الإفريقي من جهة أخرى، وأيضا من المبادئ السلمية العامة الموجهة للسياسة الخارجية المغربية، والمتمثلة في الدعوة إلى نبذ العنف والقوة في حل الخلافات الدولية، والجنوح إلى الاعتدال في إدارة الأزمات الدولية.
ولا تخرج وسائل مشاركة الأحزاب في ذلك عن القنوات المشار إليها سلفا، أي قناة الدبلوماسية البرلمانية من خلال الزيارات المتبادلة ومجموعات الصداقة البرلمانية بين المغرب وبرلمانات باقي العالم، وكذا من خلال المشاركات الدولية المتتالية للبرلمان المغربي في اتحاد البرلمانات الإقليمية والدولية مثل الجمعية الأورومتوسطية، ثم قناة المؤتمرات الحزبية العالمية عن طريق لقاء الوفود الحزبية العالمية عبرالقارات الخمس، وأيضا قناة الدبلوماسية الشبابية والجماعية. وفي هذا السياق نشير إلى أن من بين أهداف الشبيبة الاتحادية، حسب ما هو موجود في وثائقها، تحقيق التضامن العالمي، والنضال من أجل السلام العالمي وكونية القيم الإنسانية النبيلة، وكذا النضال ضد كل أشكال العنصرية والتطرف والاستعمار والديكتاتورية.
بيد أن هذا التواصل لا يرقى في غالب الأحيان، وكما هو مشاهد في الواقع، إلى مستوى الأهداف المرجوة في مجال تعزيز السلم والتضامن الدولي، ودفع الدول نحو التفعيل الحقيقي والعملي لأسباب نشر التعاون والحوار والتفاهم فيما بين الشعوب والثقافات المختلفة ويرجع ذلك إلى عدة عوامل نذكر منها:
- سمة الضعف التي تسم الأحزاب السياسية في مواجهة سلطة الدولة، لاسيما حالة تواجدها خارج دائرة صناعة القرار السياسي؛
- فقدان التوصيات التي تطرحها تلك المؤتمرات للقوة والإلزام القانوني الذي يحتم تطبيقها وأجرأتها على أرض الواقع؛
-غياب الاستقلالية التامة لهذه المؤتمرات عن الدوافع والإستراتيجيات السياسية والاقتصادية التي توجّه سياسة الدول، مع حضور الإكراهات الجيوسياسية ومتطلبات الظرفية الدولية، وتأثيرها على أشغال المؤتمر، وكذا على أهمية التوصيات التي قد يخرج بها..؛
-افتقاد الأحزاب الوطنية إلى برامج للعمل الدبلوماسي، وغياب تصور واضح لديها لمفهوم العمل الدبلوماسي الموازي ... وذلك سواء فيما يخص تكثيف التواصل مع الأحزاب والمنظمات الأجنبية الحكومية وغير الحكومية، أو فيما يرتبط بحضور المنتديات الدولية وتطوير اللجان الخارجية للأحزاب في التواصل مع الخارج.
-غياب التنسيق بين الأحزاب الوطنية في المجال الدبلوماسي؛ فرغم وجود الكتلة الديمقراطية كإطار لتنسيق المواقف أحيانا بين الأحزاب المشاركة فيها على المستوى الداخلي، بقى دورها في توحيد مواقف الأحزاب على المستوى الدبلوماسي دون المستوى المطلوب، باستثناء الموقف من بعض القضايا وعلى رأسها قضية الصحراء والجزر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.