كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. تعد فرانسيس كليفلاند زوجة غروفر كليفلاند، الرئيس الثاني والعشرين في تاريخ أمريكا، أصغر سيدة تدخل البيت الأبيض. كان زواجها بالرئيس الذي يكبرها ب27 سنة حديث الناس، وتابعوا أدق تفاصيله، إذ شغلت العروس الصغيرة نساء أمريكا وقلدنها في كل شيء. المليونيرة الصغيرة عام 1864 أبصرت فرانسيس النور في بيفالو بنيويورك، وعمت الفرحة قلب والدها أوسكار فولسوم، المحامي الثري، ووالدتها إيما. وبعد سبع سنوات رزق الزوجان بطفلة أخرى أطلقا عليها اسم نيللي أوغيستا، لكنها توفيت قبل أن تكمل عامها الأول. وقد تعذر عليهما إنجاب أطفال لتصبح فرانسيس وحيدتهما المدللة، فاهتما بتعليمها وأدخلاها المدرسة الابتدائية الفرنسية للسيدة «بريكر»، التي ظلت بها بين عامي 1870 و1872، ثم انتقلت إلى مدرسة «ميس بيسال» للفتيات عام 1872. وفي سن التاسعة ستفقد فرانسيس والدها في حادثة سير. ولأنه لم يترك وصية تم التكهن بأن صديقه المقرب غروفر كليفلاند سيتم تعيينه وصيا على الصغيرة، التي ورثت ربع مليون دولار، مما مكنه من أن يصبح أكثر قربا منها. وتابعت الصغيرة دراستها بكل من «ميدينا أكاديمي» المختلطة و«سنترال كوليج»، ثم التحقت ب«ويلز كوليج» حيث اجتازت بنجاح امتحان اللاتينية واللغة الألمانية، وطورت مهاراتها في التصوير، وأخذت دروسا في العلوم السياسية والفلك، وانضمت إلى جمعية «فيونكس» للمناظرات. السيدة غارفيلد في تلك الفترة أيضا كان غروفر يتسلق سلم المجد السياسي، حيث شغل في البداية منصب عمدة بوفالو عام 1883، ثم صار حاكما على ولاية نيويورك ما بين عامي 1883 و1885، وفي نفس السنة انتخب غروفر الرئيس الثاني والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية ودخل البيت الأبيض أعزب، فأوكلت مهمة السيدة الأولى إلى شقيقته الصغرى روز إليزابيث، التي كانت المضيفة الرئيسية للبيت الأبيض. لم تحضر فرانسيس الحملة الانتخابية وحفل التنصيب لعدم حصولها على موافقة من المعهد حيث تدرس. وقبل أشهر من حصولها على شهادتها من «ويلز كوليج» تقدم الرئيس غروفر كليفلاند ذو التاسعة والأربعين في ربيع 1886 بطلب الزواج رسميا من فرانسيس، التي أكملت سنها الواحدة والعشرين، وهو ما أصاب والدتها إيما بالصدمة لاعتقادها بأن غروفر سيطلب يدها لا يد ابنتها، فاعترضت على الزواج لكن الابنة وافقت فرضخت الأم وتم الزفاف في الثاني من يونيو عام 1886 في الصالون الأزرق للبيت الأبيض. استقطب حفل الزفاف التاريخي اهتماما خاصا، وكان حديث الناس والصحف، التي تابعت أدق تفاصيل صنع فستان الزفاف والحلوى والورود. وتجمهر العديدون حول البيت الأبيض لرؤية العروس، التي ستصبح السيدة الأولى، بل أصغر سيدة أولى تدخل البيت الأبيض. وعند انتهاء الحفل تم قرع الأجراس في مختلف أنحاء واشنطن من طرف الكنائس وعامة الناس. رافقت السيدة الأولى زوجها في جولة حيث حظيت باستقبال حافل وقلدت النساء تسريحة شعرها وملابسها وطلتها. لكن بالمقابل شن عليها اتحاد النساء المسيحيات وصحيفة «واشنطن» هجوما بسبب ملابسها التي رأت أنها تفتقر إلى الحشمة، وأنها تشكل خطرا على الفتيات الأمريكيات، لكن السيدة الأولى لم تعرهم أهمية وواصلت ارتداء ملابسها عارية الكتفين. وقد ألهمت السيدة الأولى الشابة رجال الأعمال، الذين أنتجوا عطورا وكريمات وحلويات وملابس داخلية، كما تصدرت صورتها عام 1887 المجلة الأسبوعية «هاربر». ساعدت السيدة «كليفلاند « النساء الأمريكيات من أصول أفريقية، وساهمت في جمع تبرعات لشراء مأوى لليتامى وقدمت تبرعات على شكل ملابس وأغذية. كما فتحت أبوابها لجميع طبقات الشعب الأمريكي. وقد دفعتها المراسلات العديدة التي كانت تصلها إلى الاستعانة بصديق لها في الجامعة للعمل سكرتيرا خاصا. وخلال وجودها بالبيت الأبيض التقت السيدة الأولى بالعديد من السيدات الأوليات السابقات مثل سارة بولك، زوجة الرئيس بولك، والسيدة هارييت لين جونسون، ابنة شقيقة الرئيس جيمس بيوكانان، التي لعبت دور المضيفة الرئيسية خلال ولايته لأنه كان أعزب. في السنة الأخيرة انتشرت شائعة عن وجود علاقة غرامية بين الرئيس والصحافي هنري أتيرسون، ثم انتشرت اتهامات عن ضربه زوجته وأمها، فاضطر الرئيس في موقف فريد إلى إصدار بيان رسمي ينكر فيه الإشاعات التي أطلقها أعداؤه. كما وصفت والدة زوجته التهمة ب«الخرقاء». وعند انتهاء ولايته غادر السيد والسيدة «كليفلاند» البيت الأبيض عام 1889 وانتخب بنجامين هاريسون رئيسا. وفي العام 1891 رزق آل كيلفلاند بطفلة أطلقا عليها اسم روث، وكانت فرحتهم بها كبيرة جدا. سيدة أولى للمرة الثانية تقدم غروفر كليفلاند إلى الانتخابات وفاز بولاية جديدة عام 1893، فعادت فرانسيس إلى البيت الأبيض مرة أخرى، لكن هذه المرة أكثر نضجا. وفي البيت الأبيض وضعت طفلتها الثانية آستر في نفس عام تتويج زوجها، وبعد سنتين وضعت طفلتها الثالثة ماريون ثم ريتشارد عام 1897. وكانت ولاية غروفر الثانية صعبة حيث ارتفعت حدة البطالة وكانت أزمة اقتصادية خانقة تضرب البلاد، فتلقى الرئيس تهديدات بالاغتيال دفعته إلى الاستعانة بحرس خاص لحماية البيت الأبيض وخاصة أسرته الصغيرة. ومع هذه الأزمات تعرض الرئيس لوعكة صحية وتم تشخيص مرضه بسرطان الفك وتطلب الأمر القيام بعملية جراحية عاجلة وسرية لم يكشف عنها رغبة من الرئيس الذي رأى في إشاعة مرضه إشاعة الشعور بعدم الاستقرار الوطني، ولعبت فرانسيس دورا مهما في خداع الصحافة والشعب طيلة فترة علاج الرئيس ونقاهته، لاسيما أولئك الذين كانوا يتساءلون عن مصير الرئيس وسبب غيابه الطويل. ومضت على نفس المنوال، حيث ظلت أبواب البيت الأبيض مفتوحة في وجه جميع المواطنين من جميع الطبقات والأعراق. وبعد انتهاء ولاية زوجها غادرت فرانسيس نهائيا البيت الأبيض نحو نيوجيرسي، وفي عام 1903 رزقت بطفلها فرانسيس، لكنها ستفجع في العام الموالي بوفاة ابنتها الكبرى روث جراء إصابتها بداء الدفتيريا، وكان حزن الرئيس السابق على ابنته كبيرا حتى إنه عانى من نوبات اكتئاب. في عام 1908 أصحبت فرانسيس أرملة بوفاة غروفر كليفلاند، وحملت أطفالها وقصدت أوربا في رحلة استمرت أكثر من سنتين، ثم عادت إلى أمريكا وعملت بمجلس أمناء كلية «ويلس»، وهناك التقت البروفيسور توماس بريستون وتزوجا عام 1913 واحتفت بهما السيدة الاولى نيللي تافت، زوجة الرئيس ويليام هوارد تافت، ثم انتقلا إلى لندن ليعودا بعد اندلاع الحرب العالمية الأولى في العام الموالي. ظلت السيدة الأولى السابقة شعلة متقدة في الحياة الجامعية وحلت ضيفة على رؤساء أمريكا مثل وودور ويلسون وتريمان ودوايت إزنهاور. وفي العام 1947 توفيت فرانسيس كليفلاند بريستون ودفنت إلى جانب زوجها الرئيس غروفر كليفلاند.