كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. لم تكن أبيجيل أدامز، ثاني سيدة تدخل البيت الأبيض، كسابقتها مارتا واشنطن، بل مختلفة تماما. كانت ذكية، حاضرة البديهة، سليطة اللسان، وكان كل شيء يحدث لها تكتبه في مذكراتها. وقد وصفتها إحدى مؤرخات البيت الأبيض قائلة: «كان لابد أن أذهب وأتحدث إلى جلالتها بعد أن أرتدي بذلة من حديد، خوفا من لسانها السام». ولا يذكر اسم أبيجيل أدامز دون ذكر رسائلها ذات القيمة العظيمة والمكتوبة بأسلوب إنجليزي ممتاز. وما ميزها أيضا ليس فقط كونها زوجة جون أدامز، ثاني رؤساء الولاياتالمتحدةالأمريكية، بل والدة جون كويسي أدامز، سادس رئيس أمريكي يحكم أمريكا، وكذا أفكارها اللبيرالية الداعية إلى تعزيز حقوق المرأة ونبذ العبودية. ولادة في الكنيسة ولدت أبيجيل سميث في العام 1744 في الكنيسة ب«ويموت» بمقاطعة ماساتشوستس من وليام سميث وإليزابيث كوينسي سميث. كان والدها تجمعيا ليبراليا، وكان أسلافه من وزراء ومسيري الالكنيسة التجمعيين الذين حظوا بمرتبة عالية في المجتمع. سهرت الأم إليزابيث على تلقين أبيجيل، إلى جانب شقيقاتها ميري وإليزابيث، القراءة والكتابة والحساب بفضل مكتبة أسلافهن، الذين درسوا الأدب الإنجليزي والفرنسي. وقد تلقت أبيجيل تعليما متفتحا مقارنة بتلك الفترة حول حقوق المرأة ودورها الكبير في السياسة الأمريكية. التقت الآنسة أبيجيل سميث بالمحامي الشاب جون أدامز، خريج جامعة هارفرد، سنة 1759 ووقعا سريعا في الحب، وكانت الرسائل المتبادلة بين الاثنين تؤجج عواطفهما. تطورت العلاقة بينهما إلى خطبة سنة 1762 وعرفت الرسائل المتبادلة بينهما منحى آخر، إذ أصبح جون أدامز يخاطب خطيبته الآنسة سميث في رسائلهما المتبادلة ب«آنستي المحبوبة» أو «عزيزتي وصديقتي»، وفي الخامس والعشرين من أكتوبر من العام 1764 زفت أبيجيل إلى جون قبل أسابيع من عيد ميلادها العشرين لتحمل بذلك لقب السيدة أدامز. وقد استقرت بمزرعة ب«برينتري» (سيتغير اسمها إلى كوينسي) بماساتشوستس، ثم إلى بوسطن حتى أكمل تعليمه العالي. السفر إلى أوربا خلال عشر سنوات أصبحت أبيجيل أما لستة أطفال: أبيجل، جون كوينسي أدامز، سوزانا، شارل وتوماس، في حين ولدت إليزابيث ميتة. تولت السيدة أدامز لوحدها تربية الأبناء ورعاية شؤونهم، في حين كان جون يمارس مهامه كقاض متجول. وفي عام 1778 رافقت زوجها إلى فرنسا ليحل محل سيلاس دين في اللجنة الأمريكية. وفي عام في 1785 عين جون أدامز سفيرا للولايات المتحدة في بريطانيا فرافقته السيدة أدامز إلى لندن. وبعد أن تقلد جون أدامز منصب نائب الرئيس في الولاياتالمتحدة ما بين 1789 و1797 حملت أبيجيل لقب زوجة نائب الرئيس وأصبحت صديقة لزوجة الرئيس مارتا واشنطن، وساعدتها في إقامة حفلات الاستقبال بحكم تجربتها في هذا المجال، وخصوصا خلال إقامتها بأوربا وتعرفها عن قرب على حفلات المجتمع الأرستقراطي الأوربي. سيدة البيت الأبيض وعندما انتخب جون أدامز رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية خلفا لجورج واشنطن حملت أبيجيل لقب «الليدي أدامز»، وهي في سن الثانية والخمسين، واستمرت في تنظيم حفلات الاستقبال والعشاء بالبيت الأبيض، الذي انتهت أشغال بنائه، لتكون أول زوجة رئيس أمريكي تقيم فيه. وصفت أبيجيل العاصمة الأمريكية (نيويورك آنذاك) في إحدى رسائلها بأنها عبارة عن ورش كبير. أما البيت الأبيض، الذي كان لا يزال في طور وضع اللمسات الأخيرة عليه، فقالت عنه إنها كانت تشعل الأنوار من أجل بعث الدفء في رحابه الباردة، وكانت تنشر الغسيل في إحدى الغرف الفسيحة حتى تجف. وخلافا لمارتا واشنطن، أقحمت أبيجيل نفسها في السياسة، وكانت مطلعة على أشياء كثيرة في الدولة، لكون زوجها كان يستشيرها في كل شيء، ويطلب مساعدتها في كتابة خطبه، وقد كان يعاملها على أنها وزيرة الدولة، حتى أن معارضي زوجها كان يطلقون عليها تهكما «السيدة الرئيس». وكان من عادة أبيجيل أن تنتقل بين الناس وبين البيوت وفي حفلات الاستقبال، التي كانت تقيمها أو تحضرها، وكانت تجمع لزوجها أخبار العاصمة وما يقال عنها وعنه. أما متعتها الحقيقية فهي كتابة الخطابات والرد عليها، إذ بعثت بعشرات الألوف من الخطابات في كل شيء ولكل واحد. ومن أشهر أقوالها: أتمنى دورة مياه خاصة بي وحدي أدخلها وأخرج منها في أي وقت أشاء. لا تهمني غرفة النوم في الدرجة الأولى، ولكن يهمني جدا أن أكون وحدي وعلى راحتي في دورة المياه..! كشفت خطابات أبيجيل عن أفكارها، سواء الداعية إلى تعزيز حقوق المرأة أو نبذ العبودية، التي كانت تراها تهديدا للتجربة الديمقراطية الأمريكية. وفي أشهر خطاب لها مؤرخ في مارس 1776، وكان موجها إلى زوجها بمناسبة المؤتمر القاري، كتبت أبيجيل: «فكر في المرأة وكن كريما معها بخلاف أسلافك. لا تُمركز جميع السلط في يد الزوج. تذكر أن الرجال مستبدون.. إذ لم يتم إيلاء أي اهتمام بالمرأة فنحن على أتم استعداد للتمرد في ظل عدم وجود أي قانون لا يضمن لنا أي صوت أو تمثيل». سنة 1791 قصد باب السيدة أدامز رجل أسود حر يطلب تعلم الكتابة، فسجلت الولد في صف تعليم مسائي ضدا على مظاهرة الجيران، الذين كان جوابها في وجهوهم قاسيا، إذ قالت: «إنه رجل حر وليس لأنه رجل أسود يحرم من التعليم. كيف يكسب حياته إذن؟ ليس لدي أي عار للترحيب به في غرفة المعيشة لأعلمه القراءة والكتابة». وقد تميزت سنوات زوجها الأربع، التي قضاها رئيسا للولايات المتحدةالأمريكية، بتعاقب الدسائس التي نغصت حياتهما معا. وبعد أن فشل الزوج في الظفر بسنوات أربع ثانية رئيسا لأمريكا عادت معه إلى كوينسي سنة 1801، وقد ركزت أبيجيل اهتمامها على مساندة ابنها جون كوينسي في مساره السياسي، كما جاء في رسائلها التي كانت تبعث بها إلى المقربين. توفيت أبيجيل بحمى التيفوئيد في أكتوبر من عام 1818 قبل سنوات قليلة من انتخاب ابنها رئيسا سادسا للولايات المتحدةالأمريكية ودفنت بمقبرة الرؤساء. وكانت كلماتها الأخيرة لزوجها الذي توفي بعدها بثمان سنوات ودفن بجانبها: «لا تحزن يا صديقي.. صديقي الغالي أنا مستعدة للذهاب.. لن يدوم الأمر طويلا يا جون».