إنها مجرد حبات رمل على ذروة هضبة ضخمة في صحراء شاسعة، أو بالأحرى بلورات ثلج على قمة جبل الجليد العائم الذي يختفي الجزء الأكبر منه تحت الماء. هذا هو ربما الوصف الأفضل للجزء الأخير من وثائق «ويكيليكس» الخاصة بالجهاز الدبلوماسي الأمريكي والتي تتضمن 250 ألف مراسلة ووثيقة صادرة عن السفارات الأمريكية. مرة أخرى حاولت آلة الإعلام الأمريكية الضخمة وبعد أن فشلت كل محاولاتها التمويهية السابقة حول الوثائق المتسربة، أن تزرع الشكوك حولها بالإيحاء من خلال المخدوعين أو عبر وكلائها، وذلك ليس بالتشكيك في صحة ما نشر وإنما بالقول أن الأمر يتعلق بعملية منسقة تشارك فيها أوساط متنفذة في الولاياتالمتحدة وصولا إلى أهداف وغايات معينة في صالح واشنطن. من أجل الوفاء لمبدأ الحقيقة يجب القول أن ما تم الكشف عنه عبر موقع «ويكيليكس» ليس سوى الطبقة السطحية لما تحتويه مغارة أسرار تتوغل في أعماق الأرض، فالمجموعة الأخيرة من وثائق الخارجية تتعلق في غالبيتها بمراسلات السفارات والقنصليات الأمريكية عبر مختلف دول العالم ما بين سنة 2004 و 2010 حول تقديرها للأوضاع قي مناطق عملها، وما تمخض عنه تحليلها للاتصالات مع مسؤولي الدول التي تعمل بها، أو ما تم الاتفاق عليه بشكل سري معهم. وهذه الوثائق تعطى نموذجا مصغرا لأساليب التعامل التي تمارسها الآلة الدبلوماسية الأمريكية عبر مختلف مناطق المعمور سواء مع من تعتبرهم واشنطن حلفاء أو الذين يصنفون خارج هذا الإطار. غير أن الأمر الذي يجب تسجيله هو أن ما تم الكشف عنه لا يتضمن التقارير بالغة السرية التي تضعها مكاتب أجهزة الاستخبارات الأمريكية الموجودة في السفارات والقنصليات، ولا التقارير التي يضعها الملحقون العسكريون الأمريكيون في السفارات. زيادة على ذلك فإن التقارير المنشورة في جزء منها تتعلق بفحوى محادثات دبلوماسيين أمريكيين مع مسؤولين أجانب، وفي هذا الصدد يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عددا كبيرا من هؤلاء المسؤولين أرادوا بعث انطباعات معينة وأخبار قد تكون كاذبة أو غير دقيقة إلى المحللين في واشنطن لعلهم يبنون عليها تصورا يقود إلى قيام الولاياتالمتحدة بعمل يريدونه. وكشفت الوثائق مدى جهل أو ما قد يسميها البعض سذاجة بعض الدبلوماسيين الأمريكيين الذين كانوا يغذون بما يروق تصوراتهم وتمنياتهم من طرف محدثين أرادوا أما اختبار نوايا البيت الأبيض أو بعث رسائل مغلوطة لإيهام أصحاب القرار في البيت الأبيض أنهم يجهلون توجهاتهم الحقيقية. اللافت للانتباه كذلك أن وثائق الخارجية الأمريكية المتسربة لا تتضمن الحسابات الخاصة بالمصاريف المادية للوزارة والتي تتعلق بالمال أو الهدايا والمنح التي تقدم إلى أشخاص وهيئات ووسائل إعلام من أجل الترويج لخبر أو تحليل ما وغير ذلك من الخدمات، وهي نفقات تضاف إلى تلك التي تقدمها الخارجية الأمريكية عبر قنوات سرية موازية. درجات الوثائق السرية مع بداية الحرب العالمية الثانية في سبتمبر 1939 والتي ظلت الولاياتالمتحدة خارجها رسميا حتى أغسطس 1941 كانت هناك حاجة أكثر إلحاحا من أي وقت مضى لتأريخ دور الولاياتالمتحدة في أحد أكبر الصراعات خلال التاريخ المعاصر. ولكن ضروريات السياسية التي إتبعتها واشنطن ومنها التورط غير العلني إلى جانب بريطانيا في الحرب ضد ألمانيا منذ البداية حتمت صنع أنواع مختلفة من وسائل التأريخ أو التدوين لما يجري. من هنا تجسد كيان الملفات السرية المتعددة المراتب والتي يمكن الكشف عن بعضها بعد سنوات محددة أو تلك التي يجب أن تبقى طي الكتمان لعقود بالنسبة لعموم المواطنين وتلك الأخرى التي لا يجب الكشف عنها إلا بعد قرن أو أكثر. نتيجة لكثافة مطالب الأكاديميين والإعلاميين وغيرهم للوصول إلى الملفات الأمريكية التي غدت أحد المراجع المهمة بحكم دور ووزن الولاياتالمتحدة على الصعيد الدولي، ولتجنب تسرب معلومات في غير وقتها مما قد يضر بأمن ومصالح الولاياتالمتحدة، وضعت قوانين تنظيمية ابتغي لها أن تعكس إرادة في الشفافية ومظهرا من ممارسات الديمقراطية، وفي نفس الوقت تسمح بإخفاء أو صياغة التاريخ بشكل يخدم الأهداف الإستراتيجية النهائية للقوى التي توجه إدارة البيت الأبيض والمركب العسكري الاقتصادي فيها. في سنة 1966 ومع بداية الفصول الأولى من الحرب الأميركية ضد الفيتنام، صدر قانون حرية المعلومات. مع مرور السنين وانفجار العديد من الفضائح حول الحرب في منطقة الهند الصينية والتي أنتهت بهزيمة الولاياتالمتحدة سنة 1975، أدخلت علي القانون تعديلات راعت الدروس التي جمعت من الإخفاقات، وكان آخرها يوم 21 يناير 2009، حين أصدر الرئيس أوباما توجيهاته لوزارة العدل الأمريكية بضرورة تعزيز سبل حصول المواطنين على المعلومات. غير أن القانون إستثنى مجالات أساسية تتضمن: المعلومات السرية الخاصة بالدفاع القومي وموضوعات العلاقات الخارجية، وأسرار التجارة والمشروعات التجارية وبعض المعلومات الشخصية للأفراد. كما لا ينطبق قانون حرية المعلومات على الفرعين الآخرين للحكومة: السلطة القضائية أي المحاكم الفدرالية، والسلطة التشريعية أي الكونغرس بمجلسيه، ولا على الولايات. فكل ولاية من الولايات لها قوانينها الخاصة بحرية المعلومات التي تشمل المعلومات الخاصة بحكومة الولاية. شبكة «سيبديس» منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 في الولاياتالمتحدة وما تلاها من غزو لأفغانستان وإعداد لإحتلال العراق بعد ذلك، وسع البيت الأبيض من نطاق التعامل بين الوزارات والمكاتب الحكومية الرئيسية لديه حتى يخلق حالة تكامل في تبادلها للمعلومات وبالتالي يحسن مردوديتها. الجزء الأكبر من الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس كانت موجودة على شبكة الانترنت الداخلية للحكومة الأمريكية، والمعروفة اختصارا باسم «سيبديس»، كي تكون متاحة للتوزيع على نطاق واسع جدا بين أوساط دبلوماسية وحكومة وعسكرية. وقد تم وضع علامة «سري» عليها ولكن جميع الأسرار نسبية. حيث أن هناك حوالي 3 ملايين أمريكي يسمح لهم بقراءة المواد المدرجة بهذه الدرجة من التصنيف. كما يمكن لأي فرد لديه معلومات تقنية متوسطة أن يستنسخ خلال ثوان على «مفتاح درج معلوماته» مئات آلاف الوثائق حتى دون أن يثير الشكوك. يوم 2 ديسمبر 2010 كتبت صحيفة «إندبندنت» البريطانية في نطاق تعليقها على الصواعق التي يكشف عنها موقع ويكيليكس: إن السؤال الذي يطرح هو: ما هو السر؟ يجدر تذكر كلمات «ماكس فرانكل»، رئيس التحرير السابق لصحيفة «نيويورك تايمز»، الذي كتب إلى محاميي الصحيفة عندما كانوا يدافعون في قضية نشر وثائق لوزارة الدفاع الأميركية في عام 1971، كقضية التسريب التي نحن بصددها حاليا- كتب يقول: «بشكل عملي، فإن كل شيء تقوم به حكومتنا، وتخطط له، تفكر به، وتسمع له وتتأمل فيه على صعيد السياسة الخارجية يتم اعتباره والتعامل معه على أنه سري، ثم بعد ذلك يتم الكشف عنه من قبل الحكومة نفسها، والكونغرس والصحافة في إحدى الجولات المستمرة لجهات اتصال مهنية واجتماعية وعمليات تبادل للمعلومات، حسب جداول تتعلق بأهداف محددة ومرسومة مسبقا». إن المعلومات المرسلة إلى موقع «ويكيليكس» تصنف في فئات مختلفة. فهناك أشياء كانت معروفة على نطاق واسع، ولكنها تكتسب أهمية خاصة بحكم نوعية المصدر أو التحليل. فمن المستحيل أن يكون رئيس إقليمية ما، على سبيل المثال، لا يعرف أنه ليس الشخص المحبوب لدى العديد من مسؤولي دول مجاورة لبلاده. إلا أنه أمر مثير وهام، أن يعرف ما قاله هؤلاء المسؤولون سرا، وأن يستمع إلى الطريقة التي عبروا بها عن وجهات نظرهم، ومقارنة تلك التعبيرات الخاصة بمواقفهم العامة. بصمات وشفرات وراثية هناك أشياء غير معروفة على نطاق واسع خارج دائرة ضيقة، على سبيل المثال الموقف الحقيقي بشأن القضايا المثيرة للجدل للأنظمة القمعية، أو التصريحات بدون تحفظ لقادة الدول الذين يتصورون أنهم في صحبة آمنة، أو الذين يخادعون بكل بساطة محدثيهم. وأخيرا، هناك مسائل لم تكن معروفة لدى العالم الأوسع نطاقا، منها على سبيل المثال أمر باسم وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون للدبلوماسيين بجمع معلومات شخصية، بما في ذلك معلومات بيولوجية وعناوين بريد إلكتروني لمئات آلاف الأشخاص، وحتى حول شخصيات أساسية في الأممالمتحدة. كان هذا واحدا من عدد من «التوجيهات الإستخبارية» التي تم إرسالها من قبل وزارة الخارجية عبر «سيبديس» إلى الدبلوماسيين الأمريكيين على امتداد العالم، تطلب منهم جمع مثل هذه المعلومات حول طائفة واسعة من الناس. يقول محللون ألمان أن مهمات الدبلوماسيين الأمريكيين وغيرهم وسعت منذ بداية القرن الحادي والعشرين وأصبحت تتضمن مهام كانت من إختصاص رجال الاستخبارات فقط. وهكذا أصبح عليهم أخذ البصمات من الكؤوس وغيرها خلال الحفلات وكذلك الشفرة الجينية أو الشفرة الوراثية لعشرات الآلاف من الأفراد وكل ما يعتبر من خصوصياتهم. يتفق جزء كبير من المحللين أن وثائق السفارات الأمريكية تقدم التي تم الكشف عنها صورة عن العالم الذي رسمه سفراء ومبعوثو الإدارات الأمريكية السابقة واللاحقة ويجعل العالم الذي رسمه الرؤساء وقادة الإدارات السابقة كاذبا، فالصورة الوردية التي تظهر على الأقل في المذكرات الأخيرة للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، تناقض الصورة الحقيقية التي تقدمها «وثائق» السفراء. ففي الأخيرة يبدو عالما قائما على نقل ما يجري خلف الستائر السرية وتقييمات تبنى على حوارات تجري بين السفراء ومسؤولي الدول التي يعملون فيها في الحفلات أو اللقاءات العامة، وعادة ما يتم رصد العالم وتقييمه بناء على إخبارية نقلها مصدر عن مصدر، وفي مجالس القيل والقال يتم التهكم ورسم صور ساخرة عن زعماء بلاد أعداء وأصدقاء، وتمثل الوثائق الجديدة والضخمة تاريخا «بديلا» واجتماعيا يهم الباحثين والعلماء الذين يبحثون في الكيفية التي نظرت فيها الإمبراطورية الأمريكية الحالية للعالم. الكثير من الوهم هناك الكثير من الوهم في وثائق الخارجية تفنده حتى تقارير المخابرات الأمريكية وأجهزة دول أخرى. موقع «ويكيليكس» نشر تقارير ورد بعضها من سيول، والبعض الآخر من بكين «تكشف» عن استعداد صيني للتخلي عن حليفتها كوريا الشمالية وكيف أن هذه الأخيرة أصبحت عبئا ثقيلا عليها وكيف أنها مستعدة للتعامل مع كوريا موحدة تحت قيادة سيول بعد انهيار نظام الشطر الشمالي. مصادر رصد وثيقة في اليابان والاتحاد الأوروبي واستراليا وصفت تلك التقارير بالتمنيات، كما أن تحليلات أمريكية وصفت الوثائق بأنها مبنية على الوهم. وحذر خبير صيني، طبقا لما ذكره دبلوماسي أمريكي، من أن واشنطن تخدع نفسها مجددا إذا اعتقدت أن «الأوضاع في كوريا الشمالية ستتفجر بعد وفاة كيم جونغ إيل». والملاحظ أن البرقيات التي تتناول كوريا الشمالية يعتمد الكثير منها على مقابلات مع مسؤولين حكوميين، وأخرى مع علماء ومنشقين وخبراء آخرين وهي تضم الكثير من التكهنات والقليل من الحقائق، مما يوضح السبب وراء تسمية كوريا الشمالية ب «ثقب آسيا الأسود». ولأنها وثائق صادرة عن وزارة الخارجية، وليست تقارير استخبارية، فإنها لا تتضمن أكثر التقديرات الأمريكية سرية، أو الخطط العسكرية الأمريكية للاستجابة في حال انهيار كوريا الشمالية أو شنها هجوما. وتتضمن البرقيات كلاما مرسلا وتكهنات واثقة حول نهاية الأسرة التي تحكم كوريا الشمالية منذ 65 عاما. وانطلقت هذه المناقشات نتيجة سلسلة من الانشقاقات التي تحدث عنها من قبل أفراد في صفوف دبلوماسيين كوريين شماليين رفيعي المستوى، سعوا سرا للحصول على اللجوء في الجنوب وربما صاغوا إفاداتهم بما يرضي مستجوبيهم. مصادر رصد ألمانية أكدت أنه بعد القصف الكوري الشمالي يوم الثلاثاء 23 نوفمبر 2010 لجزيرة يونبيونغ الكورية الجنوبية القريبة من الحدود البحرية المتنازع عليها، تبادلت مصادر إستخبارية مع الحلفاء الأوروبيين تقارير تفيد أن بكين تساند بشكل شبه مطلق حكومة بيونغيانغ، وأن عملية القصف وما سبقها من تحد للإدارة الأمريكية حول البرنامج النووي لكوريا الشمالية هو جزء من عملية اختبار صينية لحجم العزيمة الأمريكية في مواجهة تحديات جديدة ليس في أسيا وحدها بل في مناطق أخرى من العالم تتصادم فيها مصالح واشنطنوبكين. بعد ذلك بأيام تأكد عدم صحة تقارير الخارجية الأمريكية حيث وفرت الصين حماية لبيونغيانغ من توبيخ مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بعد قصفها لجزيرة يونبيونغ، ثم تحريكها لوحدات من أسطولها في المحيط الهادئ إلى غرب البحر الأصفر حيث حشدت واشنطن حاملة الطائرات النووية «اس اس جورج واشنطن» وقطع بحرية أخرى في رد على تحديات كوريا الشمالية. عجز عن الفهم تخبط البيت الأبيض تجاه كوريا الشمالية وسذاجة تقارير الخارجية الأمريكية حول هذه القضية تعكسها عدة معطيات. يؤكد فكتور تشا الذي عمل في البيت الأبيض من 2004 إلى 2007 قبل رئاسة أوباما، أن كل الإدارات الأمريكية واجهت المعضلة نفسها في التعامل وفهم كوريا الشمالية. ودعا إلى استئناف المفاوضات من جديد وفي غياب أي خيار آخر. في صحيفة «وول ستريت جورنال» أكد دبلوماسيان من عهد الرئيس السابق جورج بوش إن العودة إلى المفاوضات ستشكل «خطأ فادحا». وكتب مايكل غرين ووليام توبي في ختام محاضرة طويلة حول «فشل السياسة» الأمريكية في مواجهة بيونغيانغ منذ التسعينات انه «يجب التركيز على الاحتواء والدفاع والضغط». وقال كريستوفر هيل الذي تفاوض مع كوريا الشمالية بإسم الولاياتالمتحدة من 2005 إلى 2009 أن «الخيارات ليست جيدة دائما في هذا الملف». وفي حديث لوكالة «فرانس برس»، عبر السفير السابق عن معارضته لمفاوضات مباشرة بين واشنطن وبيونغيانغ لأنها «ستهمش» الحليف الكوري الجنوبي «وتريح الصينيين» الذين يملكون برأيه مفاتيح الأزمة. وقال هيل إن السبب الرئيسي للحذر الصيني هو خلاف داخلي في بكين بين مؤيدين تاريخيا ومن دون شروط لكوريا الشمالية وآخرين يشعرون بالقلق من تطور هذا النظام. ورأى في هذا الإطار انه «بقدر ما نضغط على الصينيين سيكون ذلك أفضل». في تجاوب مع هذا الرأي الأخير اعلنت وزارة الخارجية الامريكية يوم الاربعاء 1 ديسمبر 2010 عن اجتماع لوزراء خارجية الولاياتالمتحدة واليابان وكوريا الجنوبية يوم الاثنين 6 ديسمبر في واشنطن. واشنطن أقصت من هذه المحادثات بكين وهدف البيت الأبيض أن يقول للصين بوضوح بحسب بوني غليزر الخبيرة في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية الأمريكي انه «إن أرادت العودة إلى طاولة المفاوضات، فعليها أن تمارس ضغوطا على كوريا الشمالية». مصادر رصد أوروبية ذكرت أن رد فعل الصينيين على ما أرادت إدارة اوباما أن يكون عقابا كان ابتسامة سخرية من جانب الصينيين. أكاذيب وجرائم إذا كانت الخارجية الأمريكية قد سقطت في وهم التقارير التي جمعتها عن كوريا الشمالية بناء على أقوال وتكهنات، فإن الأمر أختلف فيما يخص التزاما ماديا تم تنفيذه عمليا من طرف حليف. نشرت صحيفة «الغارديان» البريطانية يوم الخميس 3 ديسمبر 2010 تقريرا أكدت فيه صحة ما ورد في وثائق ويكيليكس. فقد سمحت بريطانيا للولايات المتحدة بتخزين قنابل انشطارية على اراضيها رغم انها وقعت معاهدة حظر تلك الاسلحة. واتفقت لندن وواشنطن التي تعارض منع الاسلحة الانشطارية، على ان يتمكن الجيش الامريكي من الاستفادة من «استثناء موقت» وتخزين اسلحته الانشطارية على الاراضي البريطانية. وجاء في البرقية الدبلوماسية ان «نقل القنابل الانشطارية من البوارج الراسية قبالة دييغو غرسيا الى الطائرات (المتوقفة في الجزيرة)... يتطلب استثناء موقتا». وتأوي جزيرة دييغو غرسيا البريطانية في المحيط الهندي التي تبلغ مساحتها 27 كلم مربع، احدى اكبر القواعد البحرية الامريكية في الخارج وتشكل نقطة ارتكاز للجيش الامريكي في اي تدخل في آسيا الوسطى والخليج العربي. وتحتوي الاسلحة الانشطارية على مئات القنابل الصغيرة التي تنتشر في منطقة ما بعد اطلاقها، لكنها لا تنفجر جميعا وتتحول الى الغام مضادة للاشخاص واسلحة تحظرها معاهدة اوتاوا سنة 1997. واكدت منظمة هانديكاب انترناشيونال ان نحو مئة الف شخص بينهم 98 في المائة من المدنيين قتلوا او بتر احد اعضائهم في انفجار اسلحة انشطارية عبر العالم منذ 1965 وان اكثر من ربع الضحايا من الاطفال الذين تلفت نظرهم اشكال والوان تلك القنابل. تخبط في مجال رسم صورة عن بعض التخبط لدى أجهزة الخارجية الأمريكية ما ورد في موقع ويكيليكس عن أن دبلوماسيين امريكيين أفادوا في برقيات سرية ان التلفزيون الكندي العام «سي بي سي» يبث «صورا نمطية سلبية ومغرضة» حول الأمريكيين. وعبر هؤلاء الدبلوماسيون في مذكرة عن قلقهم من تنامي العداء للأمريكيين في جارتهم الشمالية الذي تعكسه شبكة «سي بي سي» على حد تعبيرهم. وتحمل المذكرة عنوان «صور للحدود الأمريكية الكندية تبث في ساعات الذروة، ترسم صورة قاتمة للولايات المتحدة». وكتب الدبلوماسيون إن برنامجين تحدثا عن عملاء أمريكيين مقيتين ومؤامرة لوكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) لتحويل مياه البحيرات الكندية إلى جنوب غرب الولاياتالمتحدة القاحل او رفض شطب اسم كندي ادرج بالخطأ على لائحة الاشخاص الممنوعين من السفر بالطائرات. وقالوا في يناير 2008 ان الصورة التي يرسمها هذا التلفزيون للامريكيين تعكس «نوع الصور النمطية الشعبية السلبية والمغرضة التي تشهد تزايدا» في كندا. إلا ان مذكرت اخرى وصفت كندا بأنها أفضل حليف للولايات المتحدة. روسيا نشرت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية يوم الخميس 2 ديسمبر 2010 بضعة مقالات بناء على برقيات دبلوماسية امريكية سرية ارسلتها في فبراير 2010 السفارة الامريكية في مدريد وبثها موقع «ويكيليكس» تتعلق باحوال روسيا وما يدور فيها وتقول في خلاصات لتلك البرقيات: «روسيا دولة سرقة، فاسدة تتركز على زعامة فلاديمير بوتين، يلتصق فيها المسؤولون والاثرياء وقادة الجريمة المنظمة بعضهم مع بعض لخلق «دولة مافيا عمليا»، وتقدم البرقيات الدبلوماسية السرية المسربة تقويما امريكيا مدينا لمنافستها القوة العظمى اللدودة. اتجار بالاسلحة، غسل للاموال، اغناء للنفس، حماية لاعضاء العصابات الاشقياء، ابتزاز ورشاوى، حقائب ملابس محشوة بالاموال النقدية وحسابات مصرفية سرية في قبرص: البرقيات ترسم صورة لنظام سياسي يبلغ فيه مجموع الرشاوى وحدها ما يقدر ب300 مليار دولار سنويا، وكثيرا ما يكون من الصعب فيه التمييز بين نشاطات الحكومة والجريمة المنظمة. وفي تحد للمنطق تبني الخارجية الأمريكية تقاريرها عن روسيا من معلومات واردة من مدريد التي تبعد ألاف الكيلومترات عن الكرملين، وتقول بناء على تصريحات مدع عام اسباني هو خوزيه غونزاليس يقول فيها ان ثمة «دولة مافيا عمليا لا يستطيع المرء ان يفرق فيها بين نشاطات الحكومة وجماعات الجريمة المنظمة». ويقول غونزاليس ان لديه ادلة تثبت ان بعض الجهات السياسية الروسية تعمل يدا بيد مع جماعات المافيا. وذكر ان مسؤولي استخبارات اشرفوا على ارسال شحنات بنادق الى جماعات كردية لزعزعة استقرار تركيا وكانت تتحكم في الخيوط المتصلة بسفينة الشحن «آركتيك سي» التي اشتبه بانها كانت تحمل اسلحة موجهة الى ايران. واضاف ان الكرملين يوجد في قمة ما يوصف في روسيا بالقوة «العمودية» وانه مستفيد رئيسي من النظام المترسخ للعمولات والرشوة واموال الحماية والعقود المشبوهة. تشويه منافس في تحليل مفصل ينقل سفير الولاياتالمتحدة في موسكو جون بيرل عن احد المصادر ان «كل شيء يعتمد على الكرملين... (رئيس بلدية موسكو السابق يوري) لوجكوف وكذلك عدد كبير من رؤساء البلديات والمحافظين يدفعون (عمولات) لاناس داخل الكرملين». وقال بيرل ان «العناصر الاجرامية تتمتع بغطاء من الشرطة وجهاز الامن الفيديرالي ووزارة الشؤون الداخلية ومكتب المدعي العام وكذلك الجهاز البيروقراطي لحكومة مدينة موسكو». ويضيف: «لقد ادت صلات حكومة مدينة موسكو المباشرة بالجريمة المنظمة ببعض الناس الى ان يصفوها بانها «معطلة عن العمل» وانها تعمل كجهاز سرقة اكثر من عملها كحكومة». ويضيف غونزاليس ان جهاز الامن الفيديرالي اعتمد طريقتين للتخلص من «قادة الجريمة المنظمة الذين لا يفعلون ما يريدهم جهاز الامن ان يفعلوا». الطريقة الاولى هي قتلهم. والطريقة الثانية وضعهم في السجن «للتخلص منهم كمنافس على النفوذ». ويقول التقرير الأمريكي أن جهاز الامن الفيديرالي الروسي يضع احيانا اسياد الجريمة في السجن لحمايتهم، وقد ينتهي من بينهم من هم اوفر حظا في البرلمان. «وتأخذ الحكومة الروسية العلاقة مع قادة الجريمة المنظمة أبعد من ذلك، فتعطيهم امتيازات في السياسة لمنحهم حصانة من الابتزاز». ونقلت برقيات اخرى عن وزير الدفاع الامريكي روبرت غيتس قوله ان «الديموقراطية الروسية اختفت» ووصف الرئيس ديمتري مدفيديف انه بمثابة «روبن» بالنسبة ل»باتمان» بوتين. في رد على ما نشر قال رئيس الوزراء الروسي بوتين في مقابلة مع شبكة «سي ان ان» ان غيتس «مخطئ تماما» محذرا المسؤولين الامريكيين من مغبة «التدخل» في شؤون روسيا السياسية الداخلية. وقال ان «بلادنا يقودها اشخاص من الفدرالية الروسية من خلال حكومة منتخبة شرعيا». وأضاف بوتين في تصريح في برنامج «لاري كنغ مباشرة «لم نتوقع ان يحدث ذلك بمثل هذه الغطرسة .. وبشكل لا اخلاقي». وحذر الولاياتالمتحدة من «التدخل» في روسيا. الا انه المح إلى نظرية أكثر تعقيدا وهي أن «شخصا ما» له أجندة سياسية يزود ويكيليكس بهذه البرقيات. وأضاف «لذلك لا اعتبر هذه المسالة كارثية». تركيا وباكستان في تركيا أعرب رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان عن غضبه الشديد بسبب المزاعم الواردة في البرقيات الأمريكية التي نشرها موقع «ويكيليكس» بأنه يحتفظ بحسابات سرية في بنوك سويسرا. وقال «ليس لدي اي بنس في اي بنك سويسري»، وحث واشنطن على محاسبة الدبلوماسيين المسؤولين عن هذا «التشهير والاكاذيب والاراء غير الدقيقة». وفي الارجنتين قال وزير في الحكومة انه «من المعيب» ان تتساءل وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون في برقية عن الصحة النفسية للرئيسة كريستينا كيرشنر. وفي دول اخرى من امريكا اللاتينية التي تزداد فيها الشكوك في السياسة الامريكية الخارجية، قالت حكومة الأروغواي انها ستتصل بالسفارة الامريكية لمناقشة البرقيات. اما رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني فقد استدعى السفير الأمريكي لاجراء محادثات معه بعد البرقيات التي تسربت في شأن التحالف الحساس بين البلدين في شأن الحرب على الإرهاب، وما ذكر عن خطط واشنطن للسيطرة على أسلحتها النووية. وفي قمة في كازاخستان، التقت كلينتون بالامين العام للامم المتحدة بان كي مون الذي جاء في احدى البرقيات المسربة انه خضع لرقابة امريكية. وصرح بان للصحافيين «لا اعتقد ان اي شخص سيكون مسرورا عندما يعلم انه مراقب من قبل شخص ما». اعتذار بعد يوم من نشر وثائق الخارجية الأمريكية، قدمت الولاياتالمتحدة أول اعتذار مباشر وشخصي عن الحرج الذي سببه نشر الوثائق إلى أنقرة عندما استقبلت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون نظيرها التركي احمد داود اوغلو، في واشنطن. وكانت الوثائق قد تطرقت إلى عدد كبير من الشخصيات والمواقف التركية، ولا سيما اتهام داود اوغلو بأنه يسعى لعثمانية جديدة تحل محل السعودية وإيران، وانه يسعى إلى إبعاد سوريا عن إيران. وقال داود اوغلو انه ليس في وضع لمناقشة حقيقة الوثائق، لكن من الطبيعي أنها شكلت محور المباحثات مع كلينتون. وقال «إنها هي أيضا أعربت عن أسفها، وقد تقدمت ببيان اعتذار من تركيا وحكومتنا ومن رئيس حكومتنا على ورود اسمه في الوثائق». وشدد على أن علاقات تركيا سواء مع كلينتون أو مع الرئيس باراك اوباما تستند إلى الاحترام المتبادل، وان مثل هذه التقارير لا تعكس مواقف الزعماء السياسيين. وتابع داود اوغلو إن «تسريب الوثائق أمر سيء. وسيقوم المسؤولون الأمريكيون أنفسهم بتقدير الوضع. لكن كما لن يحدث نشر الوثائق تغييرا في المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية التركية فلن يكون سببا لأي تغيير في نظرتنا إلى العلاقات التركية الأمريكية. ولن يؤثر على إستراتيجية السياسة الخارجية التي نتبعها مع الدول الأخرى. تركيا لا تقود سياستها الخارجية تبعا للتحليلات والتعليقات التي يقوم بها دبلوماسيو الدول الأخرى». وفي تعليق على نشر الوثائق، قال رئيس معهد الفكر الاستراتيجي التركي ياسين أقتاي «إن ما نشر من معلومات في الوثائق عن تركيا لم يكن مفاجئا، بل كان ينسجم مع الصورة التي نعتقد أنها موجودة في الأساس في عقل الدبلوماسية الأمريكية. لكن يمكن أن يشكل نشر الوثائق إحباطا كبيرا لإدارة نشر الوثائق وجمع المعلومات في الولاياتالمتحدة». سقطة سنة 1973 قال ضابط عربي كبير شارك في حرب أكتوبر 1973، على الذين يتعاملون مع ما ينشره موقع ويكيليكس عن البرقيات السرية للخارجية الأمريكية أن يستعينوا بتجارب الماضي للتمييز بين الحقيقة والوهم في التقارير المتسربة. فخلال أشهر طويلة قبل حرب رمضان أو أكتوبر 1973 أفادت كل تقارير السفارات الأمريكية في المنطقة العربية ومعها تلك التي أصدرتها المخابرات المركزية الأمريكية أن لا مصر ولا سوريا في موقع لشن حرب ضد إسرائيل، وأن تهديدات الرئيس المصري أنور السادات عن عام الحسم ليست سوى للاستهلاك الداخلي والخارجي. الجميع كانوا على خطأ ففي الساعة الثانية بعد الظهر من يوم 6 أكتوبر عبر مئات آلاف الجنود العرب خط بارليف على قناة السويس ومواقع الدفاع الصهيونية الحصينة جنوبدمشق وشمال الجولان ليهزموا الجيش الإسرائيلي رغم الدعم الأمريكي المباشر وليمحوا من كتب التاريخ أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر. وثائق الخارجية الأمريكية قد تقل في تأثيرها خطورة عما سبقها، حيث كشفت الوثائق التي سبقتها عن حرب العراق ضخامة عملية التجسس التي مورست من طرف الأجهزة الأمريكية في العراق قبل وبعد الغزو حيث أقر البنتاغون عبر ممثله الصحافي جيف موريل أن لدى موقع «ويكيليكس» قوائم تتضمن أسماء 60 ألف عميل عراقي خدموا مع الجيش الأمريكي، وحتى الآن لم ينشر الموقع هذه الأسماء. تسريبات ويكيليكس ستساعد رغم ما تضمنته من معلومات منافية للحقيقة عن إناطة اللثام عن شبكة طابور خامس تساعد واشنطن على تنفيذ مشاريعها الاستعمارية خاصة في منطقة الشرق الأوسط الكبير. فيوم الاربعاء وفي اعتراف رسمي اعلنت وزارة الخارجية الامريكية انها مستعدة لحماية مصادرها داخل المجتمع المدني وفي صفوف عن من سمتهم بالمدافعين عن حقوق الانسان بعدما باتت حياة هؤلاء معرضة للخطر جراء الوثائق الدبلوماسية التي نشرها موقع ويكيليكس. وقال المتحدث باسم الخارجية الامريكية فيليب كراولي ان «سفاراتنا في العالم على اتصال بافراد المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الانسان. لقد نبهناهم الى ما ينتظرهم. نحن مستعدون لحمايتهم بكل الوسائل اذا اقتضت الضرورة». واضاف «من الواضح ان هناك مصادر معلومة في هذه الوثائق، وخصوصا في الدول الديكتاتورية، تحدثت الينا». وتابع المتحدث «ونعتقد ان نشر هذه الوثائق يعرض بالتأكيد حياة اشخاص للخطر». ولم يوضح كراولي ما اذا كانت الولاياتالمتحدة مستعدة لتقديم اللجوء السياسي الى بعض المصادر المعنية، لافتا الى ان القضية تتطلب «حذرا كبيرا». لكنه اكد ان واشنطن مستعدة ل»المساعدة في نقل اشخاص لوقت معين». وقال انه لا يملك معلومات تتصل باشخاص محددين معرضين للخطر، رافضا تسمية الدول المعنية.