يتأكد يوما بعد آخر أن الولايات المتحدةالأمريكية تشهد على صعيد أجهزتها الاستخبارية والعسكرية من جهة والسياسية من جانب آخر، صراعا داخليا غير مسبوق يخفي بين طياته تطاحنا بين قوى داخلية مختلفة تتحكم في القرار السياسي للبيت الأبيض، كل واحدة منها تحاول فرض تصوراتها وخياراتها. في نفس الوقت فإن هذه المواجهة الداخلية قد تكون مقدمة لحدوث تحول أساسي في توجهات واشنطن التي يعتبرها الكثيرون حتى الآن القوة الأولى عالميا والأكثر قدرة على صياغة التحولات على الساحة الدولية. وحتى إذا كان هذا الصراع مسرحية تستهدف خداع أطراف محددة عبر العالم كما يقول قلة من المحللين فإنها تعكس تحولا في أسلوب تعامل يكشف عن تقلص حجم المناورات المتاحة للسياسة الأمريكية. يوم الاثنين 26 يوليو 2010 نشر موقع «ويكيليكس» الإلكتروني عشرات الالاف من المستندات السرية التي تلقي الضوء على الحرب في أفغانستان مع كشف أسرار حول الضحايا المدنيين والعلاقات المفترضة مع أجهزة الاستخبارات الباكستانية والمتمردين وتورط الجنود الأمريكيين في قتل مدنيين فيما يعتبر جرائم حرب. وفي الإجمال، تم نشر حوالي 92 ألف وثيقة بدأ تأريخها عام 2004 وتنتهي في ديسمبر 2009. مقتطفات من تلك الوثائق نقلتها صحف «نيويورك تايمز» الأمريكية و»الغارديان» البريطانية الاسبوعية ومجلة دير شبيغل الالمانية. وذكرت صحيفة الغارديان، ان هذه المستندات تتضمن «وصفا مدمرا لحرب في طريقها الى الفشل»، وتصف كيف قتلت قوات التحالف المئات من المدنيين في حوادث لم يتم الإبلاغ عنها وكيف تصاعدت هجمات طالبان. وقد تواترت تقارير أخرى حول احتواء هذه الوثائق على اتصالات حساسة مع إسرائيل وتعاونها مع قوات شمال الأطلسي ضد المقاومة في كل من العراق وأفغانستان، ولذا فإن الأضواء قد تسلط لاحقا على أنشطة «الموساد». وأشارت نيويورك تايمز من جانبها إلى أن هذه المستندات تبرز «بكثير من التفاصيل الأسباب التي جعلت من عناصر طالبان، بعدما أنفقت الولايات المتحدة حوالي 300 مليار دولار في هذه الحرب، أكثر قوة من أي وقت منذ 2001». نشر هذه الوثائق أثار غضب البيت الأبيض وقالت وزارة الخارجية الامريكية أنه تم فتح تحقيق لمعرفة مصدر التسريبات وتحديد تاثيرها على الأمن القومي. الرئيس أوباما قال أن الوثائق لم تأت بجديد. من جانبها قالت وزارة الدفاع الأمريكية إن البحث في أمر تسرب الوثائق سيستغرق أياما إن لم يكن أسابيع، وإن من السابق لأوانه تقييم حجم الأضرار. وذكر المتحدث باسم البنتاغون الكولونيل ديف لابان «سنفحص الوثائق لمعرفة حجم الضرر المحتمل لحياة جنودنا وجنود شركائنا في الائتلاف، وما إذا كانت تكشف عن مصادر وأساليب وأي ضرر محتمل للأمن القومي». موقع «ويكيليكس» يذكر أن «ويكيليكس» موقع يحيط نفسه بشيء من السرية والغموض. لكن يعرف عنه أنه «منظمة دولية» تتخذ من السويد مقرا لها. وهو يتخصص فقط في كشف النقاب عن الوثائق والقرارات الحساسة الصادرة عن الحكومات أو المؤسسات والمنظمات، ولا يمانع أيضا في نشر فضائح كبار المشاهير والأثرياء. لكنه يحرص قبل كل شيء على سرية هويات مصادره. وتبعا للمعلومات المتوفرة، فقد تأسس الموقع في ديسمبر 2006 وتديره وكالة الأنباء «صنشاين برس»، ويرد على الموقع أنه تأسس على أيدي بعض المعارضين لعدد من أنظمة دول كبرى في العالم، إضافة إلى عدد من الصحافيين والمشتغلين بعلم الرياضيات وخبراء التكنولوجيا من الولايات المتحدة وأوروبا وتايوان وأستراليا وجنوب أفريقيا. وقال مسؤول في إدارة البيت الأبيض: «لا نعلم كيفية الرد على ذلك التسريب، فالواضح أن الكونغرس والرأي العام في حالة مزاجية سيئة». ومن ثم يواجه الرئيس أوباما خيارا صعبا: فإما أن يحاول العثور على وسيلة لإقناع الكونغرس والشعب الأمريكي بأن استراتيجيته لا تزال ماضية في طريقها ومثمرة أو الانتقال سريعا إلى وجود أكثر محدودية هناك. صحيفة «واشنطن بوست» قالت: «كشف هذه الكمية العملاقة من الوثائق عن كتابات رسمية عسكرية يعيد إلى الأذهان تساؤلات عن منطق تدخل أمريكا في حرب غامضة، وبعيدة، واستمرت سنوات كثيرة، تماما مثلما كشفت (أوراق البنتاغون)» وهي التي صدرت أُُثناء حرب الفيتنام. وأضافت: «لكن، بينما أوضحت (أوراق البنتاغون) عدم مصداقية إدارة الرئيس جونسون لأنها كشفت معلومات كانت خافية، قال مسؤولون في إدارة الرئيس أوباما إنهم لم يخفوا شيئا عن الشعب الأمريكي حول معوقات حرب أفغانستان، وإنهم قالوا مرات كثيرة إنها ليست سهلة». وقال دانيال ألسبيرغ، خبير البنتاغون والأستاذ الجامعي الذي سلم «أوراق البنتاغون» إلى صحيفة «نيويورك تايمز» سنة 1971: «يوجد تشابه كثير بين الاثنتين. هذه أكبر وثائق سرية تكشف منذ (أوراق البنتاغون). بل هي أكبر حجما. شكرا ل(الإنترنت)، نشرت الوثائق حول العالم بين يوم وليلة». وفي حين لم ينف ألسبيرغ أن نشر وثائق حرب فيتنام أحدث ردود فعل قوية بالمقارنة مع نشر وثائق حرب أفغانستان، قال إن النتيجة واحدة، وهي «زيادة الشكوك في قدرة القوات الأمريكية على النصر»، وأضاف: «حتى لو استطاع كل أمريكي أن يقرأ كل وثيقة من هذه التسعين ألف وثيقة، لا أعتقد أن الأغلبية ستقول إننا يجب أن نستمر في هذه الحرب. وأن نرسل ثلاثين ألف جندي إضافي، وأن نصرف ملايير الدولارات، بعد أن صرفنا، حتى الآن، ثلاثمائة مليار دولار». البحث عن مفر من جانبهم أدان نواب وشيوخ امريكيون نشر الوثائق التي اعتبروا أنها تهدد أمن الجنود الأمريكيين. وقال آيك سكيلتون رئيس لجنة الدفاع في مجلس النواب الامريكي «ان بعض هذه الوثائق يورط باكستان على انها تساعد طالبان وتغذي التمرد في أفغانستان. إنه لأمر حاسم ألا نستخدم تقارير بالية لوصف تعاون باكستان في اطار جهودنا في أفغانستان». واضاف سكيلتون ان باكستان «عززت منذ ذلك الوقت بصورة كبيرة جهودها في مكافحة طالبان». ولكنه قال ان الوثائق تؤيد رأيه حول الحرب في أفغانستان والقائل بأن الأمور «لا تسير على ما يرام» وأن هناك حاجة لإستراتيجية جديدة. واعتبر السناتور كيت بوند المسؤول الجمهوري عن لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ ان التسريبات من فعل اشخاص «يخونون بلادهم». ومن جانبه، أدان الديمقراطي دنيس كوتشينيتش التسريبات مكررا موقفه المعارض للحرب والمؤيد لسحب كل القوات الأمريكية. وبحسب الجنرال جيمس جونز، مستشار الأمن القومي للرئيس الأريكي باراك اوباما، فان نشر مثل هذه الوثائق يمكن ان «يعرض للخطر حياة امريكيين وحلفائنا ويهدد الأمن القومي» للولايات المتحدة. لكن مؤسس موقع «ويكيليكس» المتخصص في الاستخبارات جوليان اسانغ وهو صحافي أسترالي وناشط في حقوق الإنسان على الإنترنت، برر قراره كشف الوثائق بتاكيده أن «الصحافي الجيد مثير للجدل بالفطرة». وخلال مؤتمر صحافي في لندن دافع أسانغ عن نشر الوثائق، فقال: «أود أن أرى هذه الوثائق تؤخذ بجدية ويتم التحقيق فيها وأن ينتج عنها سياسات جديدة لا محاكمات». محظورات ومن بين ما نشره الموقع أيضا سلسلة من «المحظورات» فيما يتعلق بمعتقل غوانتانامو. وهو ما تعتبره أجهزة المخابرات الأمريكية خطرا على الأمن القومي. وفي شهر أبريل من سنة 2010، نشر «ويكيليكس» على موقعه على الشبكة العنكبوتية شريط فيديو، يظهر هجوما غير مبرر نفذه مرتزقة من على متن طائرة هليكوبتر أمريكية من نوع أباتشي ضد مجموعة من المدنيين العراقيين في أحد أحياء بغداد عام 2007، مما أدى لمقتل 17 شخصا، من بينهم صحافيان يعملان لصالح وكالة «رويترز» للأنباء. وفي شهر أكتوبر 2009، نشر الموقع أيضا قائمة بأسماء وعناوين أشخاص، قال إنها تعود لأعضاء في الحزب القومي البريطاني المتطرف «بي إن بي». وخلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2008، نشر الموقع أيضا لقطات تظهر البريد الإلكتروني ودفتر العناوين والصور الخاصة بالمرشحة الجمهورية لمنصب نائب الرئيس، سارة بيلين. ومن بين الوثائق الأخرى المثيرة للجدل، والتي نشرها «ويكيليكس» في موقعه على الإنترنت، نسخة من إجراءات التشغيل الموحدة لمعسكر دلتا، وهي وثيقة تتضمن تفاصيل القيود المفروضة على السجناء في معتقل خليج غوانتانامو الأمريكي بكوبا. وتتضمن تلك الوثائق، معلومات كذلك حول نشاط عدد من حكومات دول الشرق الأوسط وأجهزة مخابراتها. كما تحتوي على تقييمات حادة حول أداء بعض القادة الأجانب إضافة إلى وصف مفصل لكيفية اتخاذ القرارات داخل وزارة الخارجية الأمريكية ونشاطاتها. الوثائق تعتبر مدخلا كذلك يمكن أن يكشف عن تلاعب الأجهزة الأمريكية ومنها الخارجية بتقارير لتوجيه اتهامات وتشويه قادة وحكومات بإستخدام معلومات مختلقة، زيادة على ذلك ولعل هذا من بين الأخطر يمكن أن تقود أجزاء من الوثائق المنشورة إلى الكشف عن العلاقات الوثيقة بين الأجهزة الأمريكية المختلفة وتنظيمات وأحزاب سياسية في عدد من الدول وكيفية استخدام الإدارة الأمريكية لتلك التنظيمات بعلم منها أو بعدمه في التدخل في شؤون الدول المعنية. والملفت أن التعاون والتوجيه المفترض للأجهزة الأمريكية مع التنظيمات السياسية الأجنبية وغيرها تغلب عليها ما يعتبر أمريكيا وحتى على الصعيد الإقليمي أطرافا تعتبر خصما أو عدوا للسياسة الأمريكية. جدل حول موقع «ويكيليكس» أثار موقع «ويكيليكس» جدلا واسعا عندما تم إنشاؤه في شهر ديسمبر من عام 2006، ولا تزال الآراء منذ ذلك الحين منقسمة حياله بين مؤيد ومعارض لما يقوم بنشره. ففي الوقت الذي يشيد البعض به «كمثال على الصحافة الاستقصائية»، يعتبره البعض الآخر «خطرا داهما في حد ذاته»، البعض قدر أن الموقع يستخدم سواء بمعرفة أو بدون معرفة مسييريه في تمرير معلومات من طرف أجهزة إستخبارية. في أواسط شهر مارس 2010، نشر مدير الموقع وثيقة قال إنها صادرة عن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعتبر فيها أن الموقع «يمثل تهديدا للجيش الأمريكي». هذا وقد أكدت الحكومة الأمريكية فيما بعد ل»بي بي سي» أن «تلك الوثيقة حقيقية بالفعل». هذا ويمكن لأي شخص كان أن يقدم، بشكل لا يضطر معه للكشف عن هويته، وثائق لموقع «ويكيليكس» الذي يقول إنه يمتلك أكثر من مليون وثيقة. إلا أن من يقرر في نهاية المطاف ما ينشر على الموقع هو فريق من الخبراء الذين يقومون بمراجعة وتقييم الوثائق، بالإضافة إلى متطوعين من وسائل إعلام كبرى ورئيسية في العالم، وصحافيي وموظفي «ويكيليكس» أنفسهم. ويقول الموقع أيضا إنه يقبل تلقي «مواد ووثائق سرية، أو مواد تكون خاضعة للرقابة، أو لقيود هي على قدر من الأهمية السياسية، أو الدبلوماسية، أو الأخلاقية». ولكن الموقع في الوقت ذاته لا يقبل المواد والوثائق التي تقوم على «الإشاعات والأقاويل والآراء، أو أي نوع من البلاغات والتحقيقات الأولية، أو المواد التي باتت معروفة ومتاحة للعامة». إدارة واشنطن حاولت تسفيه ما نشر ووجهت انتقادات لجوليان أسانغ، وبعث البيت الأبيض برسائل بريد إلكتروني إلى الصحافيين تحمل مقتطفات من مقابلة مع أسانغ التي أجراها مع «دير شبيغل»، أكد فيها على عبارات التي كان من بينها تأكيده أنه «يستمتع بسحق الأوغاد». كما صرح متحدوثون بإسم البيت الابيض أن الصورة الفوضوية التي ترسمها السجلات كانت نتيجة «لنقص في توفير الموارد» في ظل إدارة سلف أوباما، مضيفا ان «من المهم الإشارة إلى ان الفترة الزمنية التي تذكرها الوثائق تتناول الفترة الواقعة بين يناير 2004 وديسمبر 2009. الأمن القومي مع تجدد النقاشات حول الحرب، ساق مسؤولو الإدارة الأمريكية نفس حجج الإدارة السابقة للدفع عن استمرار الاستراتيجية الحربية في أفغانستان. فقال ريتشارد هولبروك، المبعوث الخاص لإدارة الرئيس أوباما إلى أفغانستانوباكستان في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية قبل أسبوعين بأن الحرب الأفغانية ترقى إلى مصاف قضايا الأمن القومي الأمريكي. وساق السكرتير الصحافي للبيت الأبيض روبرت غيبس حجة مشابهة يوم الاثنين 26 يوليو ردا على الوثائق وقال: «نحن نوجد في هذه المنطقة من العالم بسبب ما حدث في 11 سبتمبر 2001، لضمان عدم قيام ملاذات آمنة في أفغانستان يمكن أن تنطلق منها هجمات ضد الولايات المتحدة ودول العالم الأخرى وربما يكون ذلك السبب في أننا سنواصل تحقيق تقدم في هذه العلاقة». وكان العديد من مسؤولي الإدارة قد عبروا سرا عن أملهم في استخدام الوثائق، ووصفها للحليف الباكستاني بذي الوجهين، للضغط على الحكومة الباكستانية للتعاون بشكل كامل مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب. لكن المساعي الأمريكية التي بذلت خلال اليومين الذين تليا نشر الوثائق، كانت في سبيل التأكيد على أن العلاقات بين وكالة الاستخبارات الباكستانية وطالبان معروفة. وقال غيبس: «لا أعتقد أن ما نشر لم يأت بجديد، حيث كانت تلك الموضوعات مثار نقاشات من الصحافيين أو الحكومة الأمريكية، لبعض الوقت». يوم الثلاثاء 27 يوليو نشرت عدة مصادر اخبارية تصريحات لليفتينانت جنرال حميد غول رئيس الاستخبارات الباكستانية الأسبق قال فيها إن التقارير المنشورة عن اتصالاته بقيادات حركة طالبان لا تعدو كونها مجرد أكاذيب حاكتها عقول غير محترفة من أجل تبرير المخصصات الكبيرة التي تدفع إلى متعهدي استخبارات داخل أفغانستان. وقال حميد غول «من الممكن أن تكون الاستخبارات الأفغانية زرعت هذه المعلومة الخاطئة من أجل الحصول على أموال من متعهدين غربيين». وأضاف: «من المعروف حاليا أن البنتاغون أعطى عقودا إلى شركات خاصة من أجل تجميع معلومات استخباراتية داخل أفغانستان. وقد خصص البنتاغون مليار دولار من أجل ذلك. وعليهم القيام بشيء لتبرير هذه المخصصات الضخمة للمتعهدين». وأضاف غول إن هذه التقارير الاستخباراتية مفبركة وإنها «محض أكاذيب». وأضاف: «هذه ليست معلومات استخباراتية، فأنا رجل استخبارات وأعرف أن هذه أكاذيب مختلقة وليست معلومات استخباراتية. وهؤلاء المتعهدون الخاصون لا يعلمون شيئا عن جمع المعلومات الاستخباراتية. الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو تبرير هذه المخصصات الكبيرة ولذا نجدهم يصدرون هذه التقارير المختلقة». وأكد غول «سأستمر في فضح الأمريكيين والأعمال الوحشية التي يقومون بها داخل أفغانستان. الأمريكيون يواجهون هزيمة في أفغانستان ويبحثون عن كبش فداء». وعندما سئل عما إذا كان ينكر علاقته مع حركة طالبان وقيادات مسلحة أخرى داخل أفغانستان، قال: «تحترمني جميع القيادات الأفغانية من كلا الجانبين، ويحترمني حكمتيار ورباني وعبد الرسول سياف». قصص التجسس الإلكتروني قبل نشر الوثائق الخاصة بأفغانستان ويوم الأربعاء 7 يوليو 2010 نشرت وكالة أسوشيدت بريس الخبر التالي: في قصة جديدة من قصص التجسس الإلكتروني أقرب إلى الخيال، تطارد السلطات الأمريكية متهما بسرقة ما يزيد على ربع مليون وثيقة وبرقية سرية تم تسريبها من وزارة الخارجية الأمريكية. وقالت تقارير إعلامية إن خبراء مختلف الوكالات الأمنية الأمريكية يسابقون الزمن لإلقاء القبض على أسانغ الأسترالي الذي قد يقوم بنشر عدد من الوثائق التي قدر أقصى عدد لها ب260 ألف وثيقة سرية. وذكر كيفن كولمان المراسل في الحرب المعلوماتية في مجلة «ديفينس» الإلكترونية المتخصصة في شؤون الدفاع، إن نشر هذه الوثائق والمراسلات قد يؤدي إلى إحداث ضرر في الأمن القومي الأميركي لأنها ستكشف عن «مصادر وطريقة» التزويد بالمعلومات، التي توظفها وكالات المخابرات الأمريكية في الخارج. مصادر رصد ألمانية وفرنسية ذكرت أنه ضمن الوثائق المسربة توجد ما يوصف «بالمدسوسة» أو «المغلوطة» وهي تلك التي وضعت في أوقات سابقة ضمن المجموع بهدف استخدامها في وقت لاحق بهدف تحقيق أهداف معينة، وأشارت إلى انه عندما يحدث تسرب لوثائق سرية نتيجة قرصنة أو فعل مبرمج فإنه لا يمكن بسهولة التمييز ضمن الكم الهائل المتوفر على تلك المدسوسة. على هذا الأساس كانت عدة عواصم غربية بعضها تورط في الحرب الأمريكية متحفظة في التعامل مع مجمل الوثائق على أساس أنها سليمة. البحث عن الحقيقة هكذا طلبت ألمانيا يوم الاثنين 26 يوليو «درس» المعلومات حول الدعم المفترض لإيرانوباكستان لطالبان الوارد في الوثائق. وقال وزير الخارجية الألمانية غيدو فسترفيلي على هامش اجتماع في بروكسل مع نظرائه في الاتحاد الأوروبي «أرى إنني مدعوم في موقفي عندما قلت انه يجب عدم تجميل الوضع في أفغانستان الذي يعد خطيرا للغاية». وتابع «لكن الالتزام في أفغانستان ضروري في رأي الحكومة الألمانية لأنه يضمن أمننا في أوروبا وألمانيا». وفي برلين انتقد متحدث باسم وزارة الدفاع تسريب وثائق سرية لها علاقة بالحرب في أفغانستان. وقال كريستيان دينست خلال مؤتمر صحافي إن «نشر وثائق بعضها سري عمل يثير جدلا لان ذلك قد يؤثر على أمن حلفاء الأطلسي ومهمة هذه الهيئة برمتها». وقال وزير الخارجية الالماني غيدو فسترفيلي على هامش اجتماع في بروكسل مع نظرائه في الاتحاد الاوروبي «علينا ان ندرس المعلومات الجديدة الواردة». ودعا الجنرال الالماني ايغوس رامز المسؤول عن العمليات في اطار قوة (ايساف) في أفغانستان الى التعاطي بمزيد من الحذر مع الاف الوثائق السرية التي نشرت. ونقلت الطبعة الالكترونية لصحيفة هاندلسبلات الاقتصادية عن الجنرال الالماني قوله «علينا دائما ان نتوقع تسرب اوراق أو وثائق الى الخارج، وهذا الامر يجبرنا على العمل بكثير من التأني». واضاف الجنرال الذي يعمل في مركز قيادة الحلف الاطلسي في برانسوم في هولندا «نحن لا نشن حربنا الخاصة في افغانستان بل نتحرك بامر سياسي». أكاذيب يذكر عدد من المحللين الذين يعملون لصالح جهاز المخابرات الألماني (بي ان دي) أن الوثيقة المتعلقة بتقديم إيران مساندة للمقاومة الأفغانية لا يمكن تقبلها وهي تعتبر من الوثائق المدسوسة، فإيران في حالة حرب شبه رسمية ضد طالبان حتى قبل الغزو الأمريكي وكل المعطيات العملية تؤكد ذلك. ويشبه المحللون الألمان تلك الإدعاءات بتلك التي تنشرها أجهزة الإحتلال الأمريكية في العراق عن تقديم طهران دعما للمقاومة العراقية. بينما يدور الجدل في العالم حول ما يعنيه من بين 92 ألف تقرير سري عن النشاط العسكري الأمريكي في أفغانستان قالت مجلة «نيوزويك» انها علمت أن عشرات الاف من المستندات الحكومية الأمريكية، بما فيها تقارير عسكرية تتعلق بحرب العراق وببرقيات دبلوماسية لوزارة الخارجية الأمريكية، قد تطفو على السطح خلال عملية الكشف التالية. ونقلت عن مصدرين على معرفة بالمواد المتوفرة حاليا لدى موقع «ويكيليكس» طلبا عدم الكشف عن هويتهما قولهما ان موضوع الكشف التالي الذي سيظهر على ضوء المستندات التي تسربت الى الموقع سيتركز على التصرفات الامريكية في حرب العراق. واشار المصدران الى النوعية التي يتوقع ان تكشف عنها هذه المستندات فقالا أنها تصنف ضمن التقارير العسكرية السية ومعظمها من وحدات عسكرية امريكية عاملة في الميدان. وقال المصدران انهما لا يمكنهما التكهن بموعد نشر تلك المستندات، الا انهما اشارا الى ان توقيت الكشف المستقبلي قد يتعلق بكون احدى وسائل الاعلام المنخرطة في العملية. العراق قبل أن يقدم موقع «ويكيليكس» على نشر الوثائق الجديدة وجه شاهد رئيس ادلى بشهادته امام لجنة شيلكوت البريطانية حول الحرب على العراق، اصابع الاتهام نحو الحكومة البريطانية لمحاولتها التستر على شهادة محرجة تقوض اسس عملية غزو العراق. ونشرت صحيفة «ذي اوبزرفر» البريطانية مقالا جاء فيه ان كارني روس، الخبير البريطاني في شؤون العراق خلال الاعوام 1997 إلى 2002، أوضح ان دوائر نافذة حجبت امكان الكشف عن الدوافع الحقيقية للحكومة البريطانية للمشاركة في غزو العراق عن التحقيق. وقال روس الذي مثل امام لجنة التحقيق خلال شهر يوليو 2010، انه لم يتمكن من الحصول على مستندات هامة تتعلق بشهادته، وأن مسؤولين حذروه من الاشارة إلى مذكرة داخلية بوزارة الخارجية البريطانية تناقض الرواية العلنية التي نشرتها الحكومة عن الحرب. سواء نشر أو لم ينشر موقع «ويكيليكس» ما يدور حوله الحديث عن وثائق حرب العراق، فإن حقيقة من العيار الثقيل طفت إلى السطح قبل ذلك. ذكرت وكالة فرانس برس في خبر مؤرخ بيوم الجمعة 30 يوليو 2010: اظهر تقرير لمجلس الشيوخ الأمريكي يوم الخميس 29 يوليو ان الافا من الجنود الامريكيين تمت مواراتهم في مقبرة ارلينغتون العسكرية من دون ذكر اسمائهم على شواهد القبور او في قبور تحمل اسماء جنود اخرين. أول ما يعنيه ذلك أن التقارير الأمريكية الرسمية عن حرب العراق كاذبة، وأن تقديرات المقاومة في بلاد الرافدين عن الخسائر الامريكية هي الأقرب إلى الحقيقة. وحسب وسائل الإعلام الأمريكية تبدو القضية أكثر خطورة، كون التقرير الذي صدر الخميس كشف أن ما بين 4900 و6600 قبر تحمل شواهد «من دون أي كتابة» او تتضمن «أخطاء في الكتابة». حتى أنه تمت في بعض القبور مواراة جنود لا يحملون الأسماء التي كتبت على الشواهد. هناك من يعتقد أن هذه ليست سوى قمة جبل الجليد العائم التي يختفي الجزء الأعظم منه تحت الماء. وتضم مقبرة ارلينغتون التي انشئت العام 1864 لمواراة ضحايا حرب الانفصال، نحو 300 الف قبر تعود في غالبيتها الى عسكريين وايضا الى شخصيات سياسية. صراع مراكز القوى يقدر عدد من خبراء الرصد الأوروبيين بمن فيهم هؤلاء الذين عملوا لحساب أجهزة الإتحاد السوفيتي أن تسريب الوثائق الخاصة بأفغانستان، وفي هذا التوقيت بالذات يكشف عن وجود شخصيات عسكرية امريكية نافذة تعارض هذه الحرب، والاستمرار فيها، لانها تعرف الوقائع على الارض جيدا، وحجم الخسائر الامريكية، المادية منها والبشرية، ولهذا قررت ان تعلق الجرس، وتطلق صفارة الانذار. فالمؤسسة العسكرية الامريكية بدأت تتمرد على قيادتها السياسية وقراراتها، ومن بينها الاستمرار في الحرب في أفغانستان، وعبر عن هذا التوجه الجنرال ماكريستال الذي اقاله الرئيس الامريكي باراك اوباما من منصبه بعد تهكمه في مقابلة مع مجلة «رولنغ ستون» على جوزيف بايدن نائب الرئيس. ضمن القيادات الأمريكية من يرى كذلك أن الحرب الأمريكية على البوابة الشرقية للأمة العربية تسير في عكس ما تروج له دعاية البيت الأبيض وأنه قد حان الوقت للتفاوض مع المقاومة العراقية لتنظيم عودة إلى النظام الشرعي بأقل الأضرار الممكنة لسمعة الولايات المتحدة وللخروج من ذلك المستنقع الذي كلف واشنطن غاليا، بدلا من الانتظار حتى يفر الأمريكيون ومن معهم بواسطة الطائرات العمودية من عاصمة الرشيد كما حد لهم سنة 1975 في سيغون بجنوب فيتنام. هناك حسب مصادر رصد عديدة ترابط يفتح الأبواب أمام كارثة أكبر خاصة للأجهزة الإستخبارية الأمريكية والإسرائيلية ويتعلق الأمر بقضية الجندية عنات كام ابنة البالغة من العمر 23 عاما والعميلة التي هددت أمن إسرائيل ففي أبريل 2010 أمرت السلطات الإسرائيلية وفي محاولة لتخفيف وقع كشف جزء من أسرارها برفع الحظر عن حالة التكتم العام التي رافقت قضية «العميلة» الإسرائيلية عنات كام التي تتهمها الدولة العبرية بأنها صورت أكثر من ألفي وثيقة سرية عسكرية، ثم سلمت 700 وثيقة سرية في غاية الأهمية لجهات صحافية. الحفاظ على السرية يوم الأربعاء 28 يوليو 2010 كشفت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية النقاب عن ان رئيس الوزراء الاسرائيلي، بنيامين نتنياهو قام قبل اسبوعين بالتوقيع على تعليمات تمنع الجمهور من الاطلاع على مواد سياسية أمنية في الأرشيف الحكومي. وافاد المراسل السياسي للصحيفة، باراك رافيد، انه وفق التعليمات الجديدة فان هذه المواد، التي كان يفترض الافراج عنها لاطلاع الجمهور عليها او بهدف البحث التاريخ بعد 50 عاما، سيتم الكشف عنها بعد 70 عاما. وبحسب المصادر الاسرائيلية، فان جهازي الموساد (الاستخبارات الخارجية) والشاباك (جهاز الامن الداخلي) وجهات امنية اخرى مارست الضغوطات على نتنياهو بهدف منع فتح الارشيف امام الجمهور. ونقلت الصحيفة عن من يسمى رئيس مجلس الارشيفات الاعلى، د. يهوشواع فرويندليخ قوله ان لبعض هذه الوثائق المؤرشفة ابعادا تتصل باحترام القانون الدولي. قد يطرح البعض تساؤلا مفاده، إذا كان توقيت المواد السابق ذكرها يعود إلى 50 عاما فما علاقتها بالحاضر ؟. القصة تتعلق بتحركات رسمية أمريكية وغربية في نطاق ما يصنف ضمن الأمني والسياسي، وبتنظيمات وأجهزة وأحزاب وتنظيمات مدسوسة في هذه الأمة التي تمتد من الخليج العربي حتي مشارف الأطلسي والتي تشارك في تبرير العملية التي أدت إلى غزو أفغانستان والعراق وغيرها من أساليب التعجيز، واللعب على وتر الإسطوانة المشروخة حول القاعدة، والتي تتورط كذلك في الصراعات المحلية المصطنعة والقائمة على أسس عرقية وطائفية. وقد افادت «هآرتس» ان القيود الجديدة سيتم فرضها على مواد تاريخية في شعبة الاستخبارات العسكرية (امان)، والحديث عن مواد من مصادر مصنفة على انها سرية وسرية جدا، وكذلك عن عمليات جمع المعلومات الاستخبارية التابعة لشعبة الاستخبارات في الجيش، بما في ذلك نشاطات عملانية او تكنولوجية تصنف على انها سرية فما فوق. علاوة على ذلك، تسري القيود الجديدة على المواد المؤرشفة لكل وحدة في وزارة الامن والجيش والتي يوقع عليها وزير الامن ويصادق عليها من قبل اللجنة الثانوية للاجهزة السرية التابعة للكنيست. ولفتت المصادر ذاتها الى ان هذا الامر يمنح وزير الأمن صلاحية منع الافراج عن مواد مؤرشفة بموجب اعتباراته. واضافت الصحيفة ان هذه القيود تسري ايضا على عدد من الاجهزة التي خرقت قانون الارشيف وتحتفظ بأرشيفات مستقلة، مثل جهاز الامن العام (الشاباك)، والموساد، ولجنة الطاقة الذرية، ومعهد الابحاث البيولوجية في (نس تسيونا)، والهيئات التابعة مباشرة الى رئيس الحكومة. وتسري القيود الجديدة ايضا على مواد فتحت امام الجمهور للاطلاع عليها قبل 10 سنوات، وخاصة تقارير الاستخبارات السرية الموجودة في ارشيف الجيش، والتي عرض قسم منها امام الجمهور والباحثين للاطلاع عليها. حركة التاريخ هناك من يعتبر حركة التاريخ مثل تواصل الليل بالنهار، أي أن لا مفر من مسارها. على أرض افغانستان أقبرت إمبراطوريات وكذلك على أرض العراق.