كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. وصفت بأنها كانت جميلة، ذات قوام رشيق وشعر بني وعينين عسليتين ومتذوقة للفنون والآداب.. إنها مارتا وايلس جيفرسون، الأولى على قائمة خمس نساء لم يحملن لقب السيدة الأولى ولم تطأ أقدامهن البيت الأبيض. تقاسمت هذه الثرية الحسناء ثروتها مع زوجها توماس جيفرسون وساهمت في صنع نجاحه كسياسي بارع سيكون ثالث رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. أحزان مبكرة كانت مارتا كبرى أبناء جون وايلس، الذي كان محاميا ثريا وتاجر رقيق و وكيل شركة للتبغ وصاحب مزارع بمدينة شارل سيتي بفرجينيا. أبصرت مارتا النور عام 1748، وبعد أسبوعين و10 أيام توفيت والدتها مارتا إيبس ليتولى والدها والمربيات رعاية شؤونها. تزوج والدها مرتين، الأولى من ماري كوك، التي أنجبت له ابنة توفيت في سن المراهقة، ثم مرة ثانية من إليزابيث لوماكس، التي ولدت له ثلاث بنات. وبعد وفاة هذه الأخيرة، اتخذ جون وايلس من بيتي همينغز (أمة) عشيقة له وأنجب منها ستة أطفال غير شرعيين، ضمنهم سالي همينغز التي سنأتي على ذكرها لاحقا. تلقت مارتا تعليما منزليا في الموسيقى والرسم والشعر والآداب، وعندما أصبحت شابة أشرفت على تسيير المنزل ومساعدة والدها في إدارة شؤون المزرعة وخاصة الجانب المالي. وفي سن الثامنة عشرة تقدم لخطبتها شاب يدعى بارشورست سكتلون، يكبرها بسنوات قليلة، وكان سليل عائلة مزارعة ثرية. وفي نفس السنة، أي في العام 1766، تم الزفاف لتحمل مارتا لقب «سكلتون» وتنتقل إلى مزرعة بشارل سيتي وتنجب في العام الموالي طفلا ذكرا أطلقت عليه اسم جون وايلس سكلتون. إثر وعكة صحية مفاجئة توفي بارشورست سكتلون سنة 1768 لتصبح مارتا أرملة دون سن العشرين، وتعود إلى مزرعة والدها، رفقة رضيعها الذي ستفقده في عامه الرابع إثر إصابته بالحمى. تعرفت مارتا عام 1868على توماس جيفرسون، الذي كان سليل عائلة ثرية، وكان محاميا بارعا، ودام تعارفهما أربع سنوات كانت خلالها تحثه على مواصلة مساره السياسي الناجح، خاصة أن خصائص الزعامة كانت متوفرة فيه. دخل توماس جيفرسون معترك السياسة وأصبح نائبا عن منطقته فرجينيا عام 1769 وصعد بسرعة حتى أصبح أحد زعماء المعارضة. وفي فاتح يناير من العام 1872 أعلن توماس جيفرسون زواجه من مارتا وانتقلا معا إلى مزرعة عائلة جيفرسون، حيث قضيا أسبوعين قبل أن ينتقلا معا إلى مونت سيلو، حيث ستبدأ مارتا في تهييئ الجو المناسب لزوجها لمساعدته على مواصلة طريق نجاحه السياسي. وفي نفس السنة أنجبت مارتا طفلة أطلقت عليها اسم مارتا، وفي السنة الموالية فقدت والدها جون وورثت عنه أملاكه وعبيده، وكان ضمنهم أشقاؤها غير الشرعيين، الذين يحملون لقب والدتهم هيمنغيس، والذين انتقلوا معها إلى مزرعة زوجها حيث شغلوا وظائف مهمة داخلها، إذ لم يعودوا يحملون لقب عبيد وإنما خدم. لم تمنع الأحزان مارتا من مزاولة أنشطتها الاجتماعية وكذلك ممارسة هواياتها المفضلة بمونت سيلو، حيث استمرت في إدارة شؤون المزرعة والعبيد، إضافة إلى العزف على الكمان وقراءة الشعر والأشغال اليدوية وكتابات موسيقية. سيدة فرجينيا الأولى في عام 1779 انتخب توماس جيفرسون حاكما لولاية فرجينيا وحملت مارتا لقب سيدة فرجينيا الأولى. أحبها السكان وحظيت باحترامهم بفضل أعمالها الاجتماعية، وخاصة جمع الأموال من أجل قضية الاستقلال. وقد كانت لمارتا اتصالات مع مارتا واشنطن، زوجة أول رئيس أمريكي، للعمل في إطار جمعية لجمع أموال لشراء ما يلزم الجيش الأمريكي. في غضون ذلك ظلت أحزان مارتا تتوالى، إذ فقدت طفلتها الرابعة جين ذات الأربع سنوات في العام 1775. كما تضاعفت متاعبها الصحية مع حملها الخامس في العام 1781 نتيجة مضاعفات مرض السكري، وأثناء وضعها ابنتها لوسي إليزابيث كادت تفقد حياتها، فيما توفيت رضيعتها بعد 12 شهرا. وفي عام 1782 أصبحت صحة مارتا جيفرسون هشة خلال حملها بطفلتها السادسة، وعانت كثيرا خلال أشهر الحمل، فاضطر زوجها إلى ملازمتها و اعتزال العمل السياسي ورفض جميع الدعوات السياسية، كما رفض منصبا دبلوماسيا رفيعا في أوربا. عانت مارتا خلال عملية الوضع كثيرا، ولم تغادر سريرها، الذي أصبحت لا تفارقه، وبعد أربعة أشهر من المعاناة لفظت أنفاسها لتترك طفلتها الأخيرة، التي أطلقت عليها أيضا اسم لوسي إليزابيث، والتي ستموت بعد ثلاث سنوات. بكى توماس بحرقة على زوجته مارتا، وعلى فراش الموت عاهدها بأن لا تحل سيدة أخرى مكانها. وقد أجمعت جميع الكتابات المدونة أن مارتا وتوماس- طيلة إحدى عشرة سنة هي عمر زواجهما- خلقا ليكونا معا وكرس كل واحد نفسه للآخر. خلال مراسيم جنازة زوجته، كان الذهول باديا على وجه توماس جيفرسون، و حين عاد إلى منزله وجد مغمى عليه في مكتبه.وقد قضى جيفرسون أياما عصيبة، حيث أقفل على نفسه باب غرفته مدة ثلاثة أسابيع، كما كان يهيم على وجهه وحيدا على صهوة جواده. تقول ابنته الكبرى مارتا جيفرسون راندلفو: « كنت أرافقه خلال جولاته. كان قلبه ينفطر حزنا وقابلا للانفجار في أي وقت». بعد ثماني عشرة سنة من وفاتها أصبح توماس جيفرسون ثالث رئيس أمريكي لفترتين متتاليتين. ولأن البيت الأبيض كان دون سيدة أولى تتولى مهام حفلات الاستقبال والعشاء، تولت هذه المهمة بالتناوب كل من ابنته الكبرى مارتا جيفرسون راندلوف، التي تؤرخ الكتابات بأن أحد أطفالها كان أول مولود يبصر النور في البيت الأبيض، أو دولي ماديسون. قيل إن الرئيس جيفرسون اتخذ من السمراء سالي هنغيز أخت مارتا غير الشرعية خليلة له، بل أنجب منها طفلين غير شرعيين، وهو ما فنده الكثيرون، معتبرين إياه إشاعة مغرضة أطلقها خصومه السياسيون، لكن تحليلات الحامض النووي، التي أجريت عام 1998 أكدت أن أحد أبناء سالي يحمل جينات وراثية لآل جيفرسون.