كيف كانت حياة السيدات الأوليات للبيت الأبيض؟ وأي دور لعبنه في المسار السياسي لأزواجهن؟ وكيف كانت علاقتهن بالمجتمع الأمريكي؟ وكيف واكبن نشأة وتطور الولاياتالمتحدةالأمريكية لتصبح أكبر قوة عالمية؟...من مارتا واشنطن إلى ميشيل أوباما حلقات تزيح الستار عن حياة وأسرار السيدات الأوليات بالولاياتالمتحدةالأمريكية على مدار التاريخ. لم يحالف الحظ آنا هاريسون لتدخل البيت الأبيض وتكون سيدته الأولى، ففي طريقها إلى واشنطن تلقت خبرا صادما مفاده أن زوجها وليام هنري هاريسون، الرئيس التاسع للولايات المتحدةالأمريكية قد توفي إثر التهاب رئوي بعد شهر واحد على توليه منصب الرئاسة، لتكون «آنا هاريسون» أول سيدة أولى بشكل رسمي لا تدخل البيت الأبيض مطلقا. طفولة مرفهة ولدت «آنا» في الخامس والعشرين من يوليو عام 1775 بالقرب من موريستاون مقاطعة ساسكس بولاية نيوجرسي. كان والدها «جون كليفس سايمس» عقيدا في الجيش القاري خلال الثورة الأمريكية، ثم عين رئيسا للقضاة بالمحكمة العليا ب«نيوجرسي» و«أوهايو» ثم مندوبا عن ولاية «دولاوير» عن الكونغرس القاري كما كان مؤسس مستوطنات «بنيد الشمالية». وكانت ل «آنا» شقيقة تدعى «ماريا». توفيت والدة «آنا» وهي رضيعة، فحملها والدها، نظرا لالتزاماته المهنية، إلى جديها لوالدتها «هنري وفيوبي تاتهل» ب «لونغ إيسلند»، حيث قضت 3 سنوات هناك لتعود إلى والدها الذي كان قد تزوج مرة ثانية من السيدة «هالسي» ثم مرة ثالثة من «سوزان»، ابنة محافظ نيويورك «وليام ليفنغستون». في عام 1781 التحقت «آنا» بمدرسة «إيزابيل مارشال غراهم» ب«نيويورك» حيث تلقت تعليما رسميا وكانت في نفس صف «نيللي كاستس»، حفيدة مارتا واشنطن زوجة أول رئيس في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية. في عام 1794 التحقت «آنا» بوالدها وزوجته الثالثة بولاية أوهايو، وهناك ستلتقي ب «وليام هنري هاريسون» شاب يكبرها بسنتين يعمل كملازم في البحرية وينحدر من عائلة أرستقراطية من ولاية فرجينيا. زوجة وأم لعشرة أطفال وقع الاثنان في غرام بعضهما، وتزوجا عام 1795 رغم معارضة والد «آنا» الشديدة لتحفظه على مهنة زوج ابنته التي تحول دون تحقيق الاستقرار الأسري. ولم يعرف إن كانت «آنا» قد تزوجت برضا والدها أو بدونه حيث قيل إنها هربت وتزوجت رغم أنفه وقيل إنه رضخ في النهاية أمام إصرار ابنته. أنجبت «آنا» في نفس السنة ابنتها الكبرى «إليزابيث» واكتفت بلعب دور الأم في حين كان زوجها يواصل صعوده السياسي حين انتخب عام 1799 ممثلا للكونغرس وانتقلت العائلة إلى العاصمة المؤقتة آنذاك فيلاديلفيا» (كانت العاصمة واشنطن تعيد بناء نفسها بعد أن تعرضت للتدمير على يد القوات البريطانية). في العام الموالي انضمت إلى قائمة «آل هاريسون» الطفلة لوسي وهي السنة التي انتخب فيها «وليام» حاكما ولاية إنديانا. في السنة الموالية أي عام 1802 رزق الزوجان بطفل أطلقا عليه اسم «وليام هنري الثاني» وجاء بعده بسنتين «جون سكوت» ثم «بنيامين» 1806، وماري في عام 1809 وكارتر في عام 1811. مع اندلاع حرب 1812 عادت «آنا» رفقة أبنائها السبعة إلى أوهايو، وستنضم إلى العائلة الكبيرة في العام الموالي طفلة اختارت لها اسم «آنا» ثم «جيمس» في عام 1814 الذي تصادفت ولادته مع وفاة جده لترث «آنا» بعض الأملاك والكثير من الديون المتراكمة على والدها أيضا. في عام فجعت آنا بوفاة ابنها الأصغر «جيمس» وبعده بسنتين سترزق بطفل أطلقت عليه اسم والدها «جون كليفس». سيدة أولى لم يكن ل «آنا» أي اهتمام سياسي وحصرت دورها في ثوب الأم التقليدية وكانت توزع بعضا من وقتها في خدمة الكنيسة. وحتى حين انتخب «وليام» عضوا بمجلس الشيوخ لم ترافقه إلى واشنطن كما لم ترافقه إلى «بوغوتا» عاصمة كولومبيا حين انتخب مندوبا لأمريكا هناك. خلال غياب زوجها بدأت «آنا» تولي اهتماما للسياسة من خلال مطالعة الصحف المحلية، وحين عاد زوجها وتقدم إلى الانتخابات الأمريكية باسم حزب «الأحرار»... فاز وليام هنري بالانتخابات وأصبح الرئيس التاسع للولايات المتحدةالأمريكية عام 1841 عن سن الثامنة والستين. كانت «آنا» ب«أوهايو» متعبة خاصة بعد أن عانت من صدمات فقدان كل من «جون كليفس» عام 1831 و»كارتر» عام 1839 و بنيامين عام 1840، ولم تستطع أن تلحق بزوجها بالعاصمة واشنطن إلى أن تتعافى، فأرسلت أرملة ابنها بنيامين «جين إيروين هاريسون» لتلعب دور السيدة الأولى. خلال حفل التنصيب كان الطقس باردا جدا وألقى الرئيس خطابا مدته الزمنية قاربت الساعتين دون أن يرتدي معطفه أو قفازات، فأصيب بنزلة برد حادة تحولت إلى داء رئوي ألزمه الفراش.. وفي طريقها نحو البيت الأبيض بعد أن تعافت، جاء الخبر الصادم ل»آنا» يخبرها أن الرئيس «وليام هنري هارسون» قد توفي بعد مضي 32 يوما فقط من توليه منصب الرئاسة لتكون بذلك أول سيدة أولى على قيد الحياة ولم تدخل البيت الأبيض. خلف الرئيس نائبه «جون تايلر» الذي كان أول رئيس يسن قانونا يعطي بموجبه أرملة رئيس أمريكي منحة مالية قدرها 25 ألف دولار آنذاك إضافة إلى امتيازات أخرى. لم تقف أحزان «آنا» عند هذا الحد إذ ستفقد ابنتها «ماري» عام 1842 و«آنا» عام 1845 وفي نفس السنة ستفقد أرملة ابنها بنيامين «جين إيروين هاريسون» وتترك في عهدتها أبناءها، ثم ابنها «إليزابيث» عام 1846. أحزان وخدمة الكنيسة أحزانها لم تمنعها من الاستمرار في خدمة الكنيسة حيث كانت سخية مع الفقراء، كما حثت أحفادها على الدفاع عن وحدة الولاياتالمتحدةالأمريكية خلال الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب. بعد احتراق منزلها انتقلت للعيش عند ابنها «جون سكوت» إلى حين وفاتها عام 1864. وتتفرد «آنا هارسون» بأنها المرأة الوحيدة التي تحمل إلى حد الآن لقب زوجة رئيس وجدة رئيس أمريكي حيث انتخب حفيدها «بنيامين هاريسون الثاني» الرئيس الثالث والعشرين للولايات المتحدةالأمريكية.