أول ما يثير انتباه زائر منطقة آسا المدينة الهادئة، الواقعة بجهة كلميمالسمارة، على بعد حوالي 113 كلمترا في اتجاه كلميم، هي مآثرها التاريخية وكثرة الزوايا. كما تتميز بمناظر تمزج بين الصحراء والطبيعة الصامتة. والزائر لآسا دون استحضار ما تنفرد بها هذه المنطقة الصحراوية، يكون قد فوّت فرصة نادرة، تمكنه من اكتشاف خصوصيات المجتمع الصحراوي بآسا، من خلال عاداته وتقاليده التي يتميز بها عن باقي الأقاليم الجنوبية، والعرس أحد هذه الخصوصيات الفريدة، إذ تمتزج فيه الطرافة بالغرابة. ورغم التقارب والانسجام الذي يبدو واضحا في منطقة آسا، فإن هذا المجتمع منقسم إلى فئتين :الصحراويون العرب والأمازيغ. وبالرغم أيضا من توحدهما في كثير من الأمور، يظل الاختلاف بارزا في العادات والتقاليد، خاصة طقوس العرس التي لها نكهة خاصة في آسا، إذ يرتبط جميع شرائح هذا المجتمع بمحيطها البسيط. جريدة «المساء» تسلط الضوء على عادات المنطقة في جلسة فريدة مع نسائها. «إلا ماقدرتي تصبحها نجيبوا لي يصبحها هكذا بدأت «منينة» كلامها، بلهجتها الحسانية الأصيلة، وهي مستلقية على الطريقة الصحراوية، في جلسة خاصة للنساء الصحراويات. اختزلت «منينة» حديثها في قصة طريفة وقعت عندما تقدم رجل «من أهل الداخل»- أي ليس من قبائل الصحراء- بطلب يد ابنتها. وبتلقائية تروي «منينة» مشهدا فريدا، أثناء الاستعدادات للاحتفال بزفاف ابنتها، فتقول: الزوج لم يكن يعرف الكثير عن الطقوس الصحراوية، التي يفرضها المجتمع الصحراوي بآسا، فوجد نفسه أمام عادات مختلفة عن تلك التي يعرفها، فعادة «الدخلة» بهذه المنطقة لها نكهتها، وأي تأخر لا يقبل التبرير، والإدلاء بعربون العذرية شرط واجب. تقول «منينة» ضاحكة: «الراجل حشمان من أهله، وحنا عجلانين بالصباح». لم يمر على «ترويح» العروس سوى دقائق معدودة حتى «بدينا نخبطو الباب محلش دخلنا عليه». العريس وقف مشدوها أمام المشهد غير المنتظر، خاصة عندما خاطبته أم العروس بلهجتها «واش مقدرتي تفتض البكارة، نجيبو شي حد اللي يفتضها». وأضافت أنهن كدن يدخلن شخصا آخر ليفتض بكارتها، موضحة أن مجتمع آسا لا يجد في هذه العادات التي توارثها أبا عن جد أي حرج، لكن عندما يتعلق الأمر بزواج مختلط بين قبيلتين مختلفتين، قد تبدو هذه الطقوس إلى حد ما غريبة، خاصة عندما تصر هذه الفئات على عدم تجاوز عاداتها. هذا فقط جزء من الثقافة الصحراوية القديمة، التي ما يزال مجتمع آسا يحتفظ بالكثير منها، بل ينفرد بها على غرار باقي الأقاليم الصحراوية المجاورة. وتفسر «منينة» أن فض البكارة يتم بالإبهام عن طريق «لف ثوب أبيض عليه»، ولا يحق للرجل أن يفتض بكارة المرأة الصحراوية بآسا إلا بهذه الطريقة. لم تتمم «منينة» حديثها حتى قاطعتها إحداهن، بعدما سألتها بغرابة عن الشخص الذي من حقه أن يتطوع ل«فض» بكارة الزوجة بالإبهام إذا عجز الزوج عن ذلك، فكان جواب «منينة» غير منتظر: «الخدم ديالها»، أي النساء الخادمات، قبل أن توضح بأن خدم الصحراء يتميزون بسواد البشرة، وعادة ما يكونون من أصول أمازيغية، مفسرة أن كلمة «الخدم» لا تعني في ثقافتهم العبيد أو الرقيق، فتقاطعها إحدى النساء المسنات، التي بدت بشوشة المحيا، والتي مر في حياتها ثلاثة رجال لأنها كانت حسناء، وقد تزوجت وهي لم تكمل بعد ربيعها التاسع، «نحن نساء آسا نتزوج ونعود إلى بيت أهلنا لمدة عام». بدت هذه القولة التي نطقت بها هذه المرأة بلهجتها الحسانية الأصيلة في البداية مزحة، لكنها كانت صحيحة. فمن لا يعرف طقوس الزواج بمنطقة آسا ما عليه سوى أن يحضر عرسها الفريد، ويجالس نساءها ورجالها. «غليلة»، التي يقارب عمرها ال50 سنة، لم تفوت بدورها فرصة اللقاء، وحدثتنا بعفوية عن قصة زواجها المبكر، دون أن تنسى ليلة «الدخلة» التي انتابها فيها خوف كبير نظرا لصغر سنها وقلة تجربتها، فاضطرت العائلة إلى إدخال «الخدم» عندما امتنعت عن الاستسلام ليلة «الدخلة»، بعدما خيرتها العائلة بين قبضة «الخدم» أو الزوج، حفاظا على ماء وجه العائلة، التي «تقدس دم العذراء»، وتتباهى به، بل لا بد لها أيضا أن تحطم الرقم القياسي في الإدلاء بعربون العذرية الذي ينتظره الكل. في هذه الجلسة الاستثنائية ل«المساء» مع هؤلاء النساء، في دردشة «حسانية» استمتعن فيها بالحديث عن طقوسهن الفريدة بتفاصيلها الصغرى، وعدن بذاكراتهن إلى الماضي بحنين، بل جسدن كل ذلك عبر إحضارهن اللباس والحلي المحلية المخصصة فقط للأعراس. على غرار الأقاليم الصحراوية الأخرى تكون آسا الوحيدة التي تنفرد وتتشبث بهذه الطقوس داخل تركيبة اجتماعية تنقسم إلى مجتمعين منسجمين ومتكاملين: الصحراويون العرب والصحراويون الأمازيغ، الذين يطلق عليهم «أهل القصر»، وهم مالكو قصر آسا «المعلمة الأثرية»، غير أن طقوس الاحتفال رغم التآلف والتقارب، تختلف بين هاتين القبيلتين. سبعة أيام فقط تقضيها الفتاة الصحراوية بآسا مع زوجها بعد العرس، قبل أن يشترط عليها أن تعود إلى بيت أهلها ولا تغادره إلا بعد أن تستوفي عاما كاملا. وتطول هذه المدة إلى ثلاث سنوات إذا كانت الفتاة لم تصل بعد إلى السن القانونية للزواج، وهنا لا يحق للزوج أن يلمسها فتبقى عذراء وهي متزوجة في الوقت ذاته. والاحتفال بطقوس ليلة «الدخلة» بآسا أمر يبدو غريبا وفريدا، وقد يعتبر حكما قاسيا بالنسبة للمناطق الأخرى، «ففض» بكارة العروس شرط أساسي ولا يقبل المخالفة. و يكون «الإبهام» الوسيلة المستعملة في هذه المهمة، إذ يلف عليه ثوب أبيض تكون العروس قد ارتدته في الأيام الأولى من الزواج قبل مغادرة البيت. ولا يحق للرجل الصحراوي مضاجعة زوجته، وإن تعَذر عليه القيام بالمهمة كما يجب، خاصة أن أهل العريس ينتظرون عربون العذرية، أو تأخر «تقتحم» العائلة الغرفة، حسب روايات كثيرة لنساء المنطقة، ويتم تكليف «خدم» الصحراء بالمهمة عوضا عنه، وهي مسألة بديهية في هذا المجتمع. العام الذي تقضيه الزوجة في حضن أهلها بعد سبعة أيام من الزواج ليس تقليدا عشوائيا، إذ تتكلف أسرة العروس بجمع ما يسمى في المجتمع الصحراوي ب«الرحيل»، وهو كل ما تحتاجه الفتاة في بيت الزوجية من أثاث وحلي وأوان. ومن بين الأشياء الواجب الالتزام بها أثناء إعداد مستلزمات العروس، أن يكون اللحاف المقدم لها من طرف الزوج أسود اللون ومصنوعا من «النيلة الحرة»، التي تعد من أجود الأثواب المستوردة من دكار، ويتراوح ثمن الواحد منه ما بين 3000 درهم و5000 درهم، ويسمى محليا ب«ملحفة الشرق الحرة»، وهو يستورد على شكل قطع صغيرة، يتم رتقها من طرف أحد محارم الزوجة الذي يشترط فيه أن يكون غير متزوج. كما يُمنع عليه الحديث كليا أثناء رتق الثوب، حتى يصل طوله إلى 8 أمتار، ثم ترتديه العروس في اليوم الثالث من زواجها. كما أن ارتداء اللحاف يفرض على العروس أن تكون «عارية»، ولا ترتدي أي شيء آخر سوى اللحاف الأسود والأبيض الذي يُخاط كذلك بنفس الطقوس والشروط، ويوضع ك«باروكة» فوق الرأس، وتبقى العروس بهذا الزي ثلاث ليال، منعزلة في زاوية من زوايا غرفة نومها بحضور الزوج، دون أن يقربها. وكانت هذه العادة في السابق تقام على سبعة أيام. (خ.ن) سيدة صحراوية من آسا رفضت التصريح باسمها، تزوجت في نفس المنطقة، وباعتبار التقاليد في آسا مسألة أساسية لا تقبل التغيير، حكت لنا بأسف عندما حاول زوجها فض بكارتها بالإبهام، فعارضت بشدة هذه الطريقة التي تعتبرها غير لائقة، وقالت إنه نوع من « الاغتصاب» الممارس على المرأة بسبب التشبث بهذه الأعراف، التي كانت في وقت ماض ولا جدوى منها اليوم، كما جاء على لسانها، ولم يعد هذا التقليد يتلاءم مع الوضع الحالي الذي تعرفه المنطقة. وروت لنا(خ.ن) قصة صديقة لها تزوجت بنفس الطريقة التقليدية، لكنها فوجئت عندما وجدت الزوج عاجزا جنسيا، مما دفع العديد من فتيات آسا إلى رفض نهج نفس طقوس ليلة «الدخلة»، تجنبا لأي مشاكل قد تنهي الزواج في بدايته.
إحضار حجرة من «دار الورثة» في جو احتفالي خاص، تستحم رفيقات العروس، وبتنسيق وتناغم يحرسن العروس بعناية، كأنهن جزء من عائلتها، وأول شيء يجب عليهن التفكير فيه هو رحلة البحث عن حجرة من دار الورثة، وجلبها كي تقف عليها العروس أثناء استحمامها وسط جو من الزغاريد والأهازيج، تعبيرا عن فرحتهن.كما أنهن يهيئن العروس ويتبعن مراحل الطقوس بحذافيرها، ويخلقن جوا لا يخرج عن قدسية المنطقة، ولا يخرج عن طقوس الاحتفال لدى الأمازيغ الصحراويين. إحضار «حجرة من دار الورثة» يمثل في ثقافتهن البعد التقليدي الذي يحمي الفتاة مما يسمى محليا بعادة «التقاف»، التي ظلت فتاة آسا متشبثة بها. وإحضار الحجر لا نقاش فيه للتبرك به وإبطال «التقاف» وأيضا من أجل مرور ليلة الدخلة, «بسلام»، التي تعتبر شرطا موحدا بين قبائل الصحراء. تقول «مينة»، وهي صحراوية أمازيغية، إن كل رفيقة من رفيقات العروس تقوم بمهمة خاصة بتوزيع الأدوار بينهن. وتقول أخرى: «أنا أتكلف في الوقت الذي تستحم فيه العروس بإعداد خبز الشعير بمعايير خاصة. نعده بالماء البارد وبدون خميرة، إذ يوضع العجين مباشرة على الجمر، وألتزم بإنهاء المهمة قبل خروج العروس من الحمام، فأضع الخبز في طبق به مواد التجميل، التي أُعدت قبليا، وأحمل الطبق إلى البيت الذي ستقضي فيه العروس سبع ليال». وتضيف أن «العروس الصحراوية الأمازيغية تُمنع من أكل طعام أهلها وأهل زوجها يوما كاملا، وتأخذها الرفيقات بعيدا، ونسمي هذه العملية (الهروب)». وتتزين العروس بالحناء، الذي تكتفي بوضعه فقط على يدها ثلاثة أيام على التوالي، حيث يُزال الخضاب ويعاد وضعه مرتين أو ثلاثا في اليوم، وهو بمثابة «وصفة سحرية» تتباهى بها العروس، ولا تُستعمل أي أداة (عصرية) للتزيين بالحناء سوى قطعة صغيرة من القصب. الطلاق.. احتفال آخر وتفاؤل بقدوم زوج ثان في الوقت الذي تعتبر بعض المجتمعات طلاق المرأة عارا على العائلة، ومذلة للمرأة وسبة لها لعدم صبرها وتحملها المسؤولية في عش الزوجية، وفشلها في إنجاح سفينة الحياة حتى لو أوشكت على الغرق، تتجاوز المجتمعات الصحراوية هذه النقطة، وتعلن فرحة الطلاق ولو مرت على زواج المرأة عشرون سنة، وخلفت أبناء، إذ تتشبث المرأة المطلقة بأمل الزواج للمرة الثانية أو الثالثة دون حرج، والاحتفالات تكون بشكل علني. «هبلة» سيدة مطلقة تحكي لنا فشل تجربتها بعد أربع عشرة سنة من الزواج من الرجل الأول، الذي أنجبت معه طفلين: «احتفلت عائلتي بطلاقي ودعوت صديقاتي بالمناسبة، وبعد ذلك بمدة ليست طويلة تزوجت للمرة الثانية، وأنا أعيش حياة سعيدة. الرجل الصحراوي لا يتخذ أي موقف من المرأة المطلقة، ومعاملته للمرأة قد لا نجد مثيلا لها في مدن أخرى». ومن حق الصحراوية المطلقة استرجاع كل ما ساهمت به من حلي ومجوهرات وملابس، حيث تكون مساهماتها مدونة في عقد الزواج، تحسبا لأي صراع حول الممتلكات بين الزوج وطليقته. زاوية «سيدي محند بآسا».. مزار للعرسان بامتياز ثلاثة أيام متتالية يقضيها العريس في هذه الزاوية بلباسه الأبيض الناصع، برفقة أصدقائه، كما هو الشأن بالنسبة للعروس، إذ يتكلفون بكل شيء يخص العريس. و«يُحاصَر» الزوج داخل هذا المقام، ويُمنع من الخروج من هذه الزاوية، إلا بعد مرور ثلاثة أيام. زيارة الزاوية تكون بعد توثيق عقد الزواج، إذ تقوم عائلة الزوج بإحضار خاتم من الفضة، تُعلق عليه قطعة ثوب محشوة ب«الحرْمل»، وفي اليوم الذي سيغادر العريس الزاوية تجتمع العائلة في فضاء قريب منها، حيث يقدم الزوج الخاتم، الذي تتسلمه من عائلته بطريقة شبيهة بالطريقة الأجنبية في حفلات الزفاف برمي الورود لمعرفة من سيحظى ب«بركة» العريسان. وفي آسا يدير العريس ظهره للحاضرين، ويرمي بالخاتم خلفه دون أن يدري من أخذه، ويُقدم في نهاية المطاف إلى زوجته، ولا يحق للزوج استرداده مرة أخرى. والزوج الصحراوي بآسا قد لايحظى بنفس الاهتمام الذي تحظى به المرأة الصحراوية، غير أن بعضا من هذه العادات يتقاسمها رجال آسا الصحراويون مع القبائل الأمازيغية الموجودة بالمنطقة، لكن هذا التقليد لم يعد يعمل به الرجل الصحراوي، على عكس الأمازيغ الذين لا زالوا يحتفظون به حتى اليوم.
عادة «الفسخة» بعدما تأخذ العروس الهدايا المكونة من حوالي 50 لحافا وقنينات عطر وهدايا أخرى... تقوم في اليوم الثاني بعد ليلة «الدخلة» بتوزيع البعض منها على عائلتها، ولا تستثني أيضا «المعلمين»، وهم «الخدم» الذين يتكلفون بإعداد كل ما تحتاجه العروس. كما توزع «الفسخة» على كل المساهمين في العرس الصحراوي بآسا. والعروس لا تكتفي فقط بتوزيع الهدايا المقدمة من قبل الزوج، بل تقوم بدورها باقتناء هدايا خاصة بعادة «الفسخة».
«العربون» الأحمر الثوب الأبيض الذي تضع فيه العروس عربونها الأحمر تكلف العائلة الصحراوية بآسا شخصا من محارم العروس، يسمونه «العزري»، برتقه دون أن يتكلم مع أحد أثناء قيامه بالمهمة. ويشترط فيه أن يكون غير متزوج. كما يتكلف أيضا بإلباس العروس «الكرك»، أي بلغة حمراء توضع بداخلها قطعة نقدية، ثم يأخذها إلى خيمتها، والخيمة في الثقافة الصحراوية تعني عش الزوجية