تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 44 سنة. متزوجة ولي 3 أطفال. منذ سنتين تقريبا بدأت أشكو من عدم انتظام العادة الشهرية ومن غزارتها أيضا. مما سبب لي عدة مشاكل. كما أنني أشعر بآلام مبرحة في العمود الفقري ومن مشكلة العرق الغزير. مؤخرا غابت لدى العادة الشهرية لمدة زادت عن 5 أشهر. فهل معنى هذا أني قد بلغت سن اليأس أم قد تظهر هذه العادة من جديد؟ وهل يمكن أن أنجب خلال هذه السن إذا عاودت الظهور؟ أرجو أن تفصلوا مشاكل العادة الشهرية في هذه السن؟ وما هي المخاطر التي تتعرض لها المرأة خلال هذه المرحلة؟ لا يحل سن اليأس بشكل فجائي بل تمهد له مرحلة اضطرابات وتقلبات تقصر أو تطول قليلا تدعى مرحلة ما قبل سن اليأس تظهر خلالها على المرأة علامات وأعراض سريرية وبيولوجية تنذر بانقطاع الطمث الذي يوشك أن يحل قريبا. يضم خريف الخصوبة هذا أيضا الاثني عشر شهرا التي تعقب سن اليأس. فخلال كل هذه المراحل يسود اللايقين حيث يظل كل شيء ممكنا. فقد يعاود المبيضان نشاطهما. بغتة وتظهر العادة الشهرية بعد أن لم يكن أحد يترقبها. لذلك فقد تم التوافق على انتظار سنة بعد آخر نزيف عند امرأة لها 50 سنة للإعلان عن ولوجها سن اليأس. ولكن كلما عجل سن اليأس في الحضور كلما تطلب ذلك إطالة مدة «عدم الأمان» هاته بعد توقف العادة الشهرية لتقرير انتهاء عهد الخصوية. فعند نساء أصبن بيأس مبكر قد نتفاجأ أحيانا سنوات بعد ذلك باستفاقة المبيضين من سباتهما. بل هناك من سجل حالات حمل خلال هذه المرحلة. مما يجعل اليقين طيلة هذه المرحلة أمرا نسبيا. ولكي أشرح ما يقع على مستوى الخلايا لابد أن أقول لكم إن كل عضو لنا يشيخ بسرعة خاصة به تمت برمجتها وراثيا. فالسن العام الذي يحدده تاريخ الولادة لا يفصح إلا عن السن النظري لشخص ما. فكل جزء من الجسم له عمره الخاص. ترتبط الشيخوخة إذن بالاضمحلال التدريجي لرصيد الخلايا داخل أعضائنا. لكن شيخوخة المبايض تبدأ بشكل مبكر جدا. فخلال الحمل تملك الجنين الأنثى في الأسبوع الثاني لمكوثها في الرحم 7 ملايين من الجريبات أو البويضات. لكنها لا تملك يوم الولادة إلا 1 مليون يبقى منها 400.000 فقط عند البلوغ، و35000 عند سن الأربعين السن التي تبدأ عندها مرحلة ما قبل سن اليأس و1000 بويضة فقط عندما تتوقف العادة الشهرية. إن هذا النقص في عدد البويضات مبرمج جينيا كما أسلفت. ويدعى الموت المبرمج للخلايا. وهكذا فإن سن اليأس يحدده معياران : رصيد البويضات عند الانطلاق، وسرعة اختفاء هاته البويضات بعد ذلك يمكن رصد أولى الاختلالات البيولوجية لمرحلة ما قبل سن اليأس عند سن 38 سنة التي يمكن اعتبارها السن الفاصلة التي تشرع عندها الخصوبة في التراجع بشكل مثير. يفرز المبيضان عدة هرمونات: (1) الأستروجين الذي تتبدل معدلاته بشكل دوري خلال كل دورة شهرية مع ذروة إفراز في اليوم 14، وتراجع خلال 48 ساعة قبل العادة الشهرية. (2) البروجيسترون : ويعني هرمون الحمل ويقوم بتهيئ بطانة الرحم لاستقبال الحمل كل شهر. وعندما لا يأتي هذا الجنين المنتظر ينخفض معدل هذا الهرمون فتسقط بطانة الرحم هاته فتقع إذن العادة الشهرية التي تتكرر كل شهر: يعمل المبيضان تحت إمرة الغدة النخامية التي توجد بالمخ وتخضع هاته بدورها لغدة أخرى تدعى الغدة الصنوبرية. وتتفاهم هذه الغدد بينها من خلال رسائل يوصلها الدم فتعدل إفرازاتها بشكل يضمن انتظام العادة الشهرية. بمرور السن ولأسباب نجهلها تبدأ البويضات في التمنع على الهرمون FSH الذي تفرزه الغدة النخامية. فتريد هذه الأخيرة مقاومة هذا التمرد بزيادة في إمدادات هذا الهرمون المنبه. مما يجعله يرتفع في الدم. وهذا الارتفاع هو أول العلامات الخفية لمرحلة ما قبل سن اليأس التي نرصدها بالمختبر. ولكن فرط الإفراز هذا يؤدي أيضا لأن تنمو بسرعة هذه البويضات مما ينقص من مدة الدورة الشهرية فيحدث ما نسميه عدم انتظام العادة الشهرية. إن هذه البيوضات التي يراد لها أن تنضج بسرعة غير معتادة ستفرز كثيرا من الأستروجين مما يؤدي إلى مشاكل وأعراض تجمع تحت اسم متلازمة ما قبل العادة الشهرية التي تشكو منها النساء كثيرا خلال هذه المرحلة : انتفاخ الثديين... الخ. وبمرور الوقت يشيخ المبيض فينتهي به الأمر إلى عدم التبويض مع ما يعنيه ذلك من عدم إفراز هرمون البروجسترون فتظهر على المرأة أيضا علامات هذا النقص. أول علامة لمرحلة ما قبل سن اليأس هو حلول خريف الخصوبة لدى المرأة الذي تبدأ نذره الأولى مبكرا خلال حياة المرأة عند سن 30 سنة لكنه يتسارع بشكل فجائي بعد 38 سنة. إن هذا الانخفاض في الخصوبة يرتبط بشيخوخة البويضات وسنها أكثر من ارتباطه بالاختلالات الهرمونية. لكننا مع ذلك لا نستطيع تقييمه إلا من خلال قياس بعض الهرمونات في الدم في اليوم الثالث للدورة الشهرية. خلال مرحلة سن اليأس تتأثر الدورة الشهرية. فرويدا رويدا تقصر مدة العادة الشهرية على حساب مرحلة نمو البويضات التي تسبق التبويض والتي تصل في المعتاد ل 14 يوما عند الفتاة والشابة لكنها تبلغ فقط 12 يوما في 39 سنة. أي أن التبويض يتم في هذه السن في اليوم 12 وليس اليوم 14. ويتفاقم الأمر بين 40 و45 سنة إذ يقع هذا التبويض في اليوم 10. إن قصر الدورة الشهرية هذا يعد علامة فارقة لمرحلة ما قبل سن اليأس. تعاني المرأة خلال هذه السن من أعراض انتفاخ الثديين وآلامهما خلال نهاية الدورة الشهرية كما تشكو من تعكر المزاج ومن القلق النفسي. ويكون لهذا الاضطراب البسيكولوجي في هذه السن الحرجة آثار مدمرة أحيانا على حياة المرأة وحتى على العلاقات التي تنسجها مع محيطها عندما لا يكون هناك وعي وتفهم لخصوصيات هذه المرحلة. تترافق متلازمة ما قبل العادة الشهرية مع نهم شديد مما يزيد وزن المرأة ويغير شكلها كما نلاحظ عادة في هذه السن. إن قصر الدورة الشهرية يؤدي بداهة لارتفاع وتيرة العادة الشهرية مما يؤثر سلبا على الاستعداد وعلى الكفاءة الجنسية خلال هذه السن. لكن المرأة قد تفاجأ خلال كل هذا بأن دورتها الشهرية قد طالت وأن عادتها الشهرية قد تأخرت فتظن نفسها حاملا أو تقر في سريرة نفسها أنها قد وصلت سن اليأس. لكن ظنونها تذهب غالبا سدى. فلا هي بحامل ولا هي قد شيعت عادتها الشهرية. إذ تظهر هذه العادة غالبا من جديد كما لوأنها تلعب مع المرأة لعبة الغميضة. فماذا يعني كل هذا الاضطراب؟ أنه يعني أنه لا وجود لأي تبويض خلال الدورة الشهرية. وفي غيابه تستمر بطانة الرحم في مكانها وتنمو لمدة أطول. فيتم إرجاء العادة الشهرية إلى أجل لاحق. لكن هذه البطانة تنتهي بعد مدة من النمو إلى السقوط تلقائيا بعد أن بلغت مداها من النمو، فيكون سقوطها مدويا لأنها تضخمت بشكل مفرط. فتكون العادة الشهرية غزيرة وطويلة المدة مما يؤدي إلى فقر الدم وإلى قرف المرأة من كل أعباء هذه المرحلة. وبمرور الوقت يزداد تمرد المبيض فلا يستجيب لأي أمر وينتهي إلى أن يتوقف في المرحلة الأخيرة عن إفراز الأستروجين مما يؤدي لظهور السخونة أو الهبات الدافئة التي تحل ليلا على المرأة فتمنعها النوم. أحيانا يمكن ربط هذا الأرق بظاهرة التعرق الغزير هذا. وذلك عندما تنتبه المرأة إلى أنها قد بللت كل ملابسها وأغطية النوم. لكن في مرات أخرى لا تحفل بكل هذا وتكون كل شكواها من الأرق فقط. تصيب الهبات الدافئة 40% من النساء قبل سن اليأس رغم عدم وعيهن بذلك. ومنذ هذه السن تبدأ حالة العديد من الأجهزة في التدهور. إذ تخسر المرأة كتلة عظامها التي ينخرها الترقق. وترتفع نسبة الدهنيات في دمها وتتعثر قليلا اختبارات التخثر لديها فتلج بوابة أمراض القلب والشرايين. كذلك يؤدي انعدام التبويض إلى فرط نمو بطانة الرحم مما يرفع خطر سرطان الرحم خلال هذه المرحلة ويزيد احتمالات الأورام الحميدة للثدي. تظهر خلال هذه المرحلة أيضا أعراض أخرى لا علاقة لها بمرحلة ما قبل سن اليأس لكنها تتزامن معها حيث يرتفع الوزن بسبب شيخوخة العضلات. كذلك نلاحظ انخفاضا في الرغبة الجنسية وفي بلوغ الشبق بسبب مصاعب نفسية لها علاقة بكلا الزوجين وبسبب انخفاض إفراز الهرمونات الذكرية عند المرأة. ثم هناك أعراض وأمراض أخرى كارتفاع نسبة الأورام الليفية في هذه السن. لكن الأدهى من كل هذا هو ظهور اختلالات على المستوى السلوكي والنفسي لها ارتباط وثيق بالمحيط كسفر الأولاد إلى الخارج، مرض الآباء وبلوغهم أرذل العمر. الشعور باقتراب الهرم وبعدم القدرة على الجذب والإغراء ولفت الانتباه كالسابق. كل هذه الأمور قد تؤثر سلبا على أداء المرأة الزوجي والأسري والمهني. فلا يكون هناك مناص من العلاج.