تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. - عمري 35 سنة، متزوجة منذ 5 سنوات ولم أرزق لحد اليوم بطفل أو طفلة، مشكلتي أنني أدخن بشراهة منذ ما يربو عن عشر سنوات، لقد فسر لي أحد الأطباء مؤخرا بأن التدخين يقلل من خصوبة المرأة، هو ما جعلني أشعر بكثير من اليأس والإحباط وولد لدي شعورا بالذنب، أرجو أن تتناولوا هذا الجانب من خصوبة المرأة في ردودكم. أنت تعانين بالفعل من مشكلة العقم أو تأخر الإنجاب، خصوصا وقد انصرمت أكثر من سنتين على زواجك دون أن يثمر هذا الزواج مولودا، لذلك فإنه يحق لك أن تبحثي في الأسباب وتحاولي ما أمكن تدارك الوقت الضائع، وقبل أن أتطرق لتأثير التدخين على خصوبة المرأة والرجل على حد سواء لا بد أن أشير إلى أن هناك أسبابا أخرى لا تحصى للعقم، لذلك وجب أولا استبعادها فالتدخين لا يعدو كونه عاملا من العوامل المؤثرة بشكل سلبي على خصوبة المرأة فقط، فهو ليس بأي حال من الأحوال سببا مباشرا للعقم بدليل أن كثيرا من المدخنات ولدن أكثر من مرة، لكنه على الأقل عادة يتعين الإقلاع عنها لتحسين الخصوبة لدى امرأة تأخرت في الإنجاب مثلما ما هو واقع لك، لذلك ينبغي لك أن تعرفي أن للتدخين آثارا سلبية قبل وخلال وبعد الحمل سنحاول التصدي لها بإيجاز. أولا: يتسبب التدخين في تقديم سن اليأس حيث تبلغها المرأة في سن مبكرة مقارنة بالنساء غير المدخنات، كذلك أثبتت الدراسات أنه كلما دخنت المرأة مبكرا قبل سن العشرين سنة، كلما تضاعفت نسبة انقطاع العادة الشهرية لديها قبل سن الأربعين سنة، مما يعني أن المدخنات يعانين من أعراض سن اليأس قبل غيرهن من النساء، مع ما يعنيه ذلك من اضطرابات نفسية وتعكر المزاج وكسور للعظام وتعرق غزير واختلالات تهم الأوعية والقلب. قبل حدوث الحمل، يتسبب في انخفاض خصوبة المرأة فمعدل الإخصاب عند سيدة تدخن 20 سيجارة يوميا هو 8 % فقط في مقابل 25 % عند امرأة سوية ممتنعة عن التدخين، ويجد هذا الانخفاض في الخصوبة تفسيره في أن المواد السامة التي تشتمل عليها السيجارة تؤثر سلبا على إنتاج الهرمون الأنثوي الأستروجين، وتقلل من فعاليته، وهكذا فإننا نسجل لدى المرأة المدخنة انخفاضا في عدد البويضات التي يتم استنفارها كل دورة شهرية في المبيضين وارتفاعا في عدد البويضات غير الطبيعية. ويحتد خطر التدخين بصفة خاصة لدى المرأة التي تتناول أقراص منع الحمل فلكأنها تنتحر بهذا السلوك الذي يعرضها لمضاعفات القلب والشرايين، لذلك دأب الأطباء على التحذير من مغبة الجمع بين السيجارة وحبة منع الحمل. كذلك يعرقل التدخين تقنيات الإنجاب المدعوم طبيا، حيث يتأثر نضوج البويضة التي تكون حاملة لاختلالات كروموزية تجعلها بويضة معيبة مما يثبط من قدرتها على التلقيح والإخصاب. وهكذا فإن فرص تكون أجنة تكون أقل مرتين لدى المدخنات مقارنة مع غير المدخنات، كما أن معدل الحمل المحصل عليه من خلال هذه التقنيات ينخفض بخمس درجات عن المعدل العادي لدى كل امرأة تشعل أكثر من 10 سجائر في اليوم. لذلك، فإن مراكز الحمل المدعوم طبيا تحث بقوة وصرامة المتعاملات معها على الإقلاع عن آفة التدخين، بل منها ما يذهب إلى أبعد من هذا حيث ترفض بعض المراكز استقبالهن وتمتيعهن بخدماتها، لأن من شأن النتائج الضعيفة التي تتحقق مع المدخنات أن تؤثر سلبا على سمعة المركز وتفوقه العلمي، ويجد هذا التصرف تبريره في أن التكلفة الباهظة لعلاجات العقم تفترض بالبداهة استبعاد كل العوامل المؤثرة على الخصوبة منذ بداية رحلة العلاج والبحث عن مولود، لذلك فإن الامتناع عن التدخين من قبل المرأة يعد مؤشرا جديا على انخراطها في هذا العلاج مما يسمح بالتقليل من عدد محاولات ا لإخصاب ويقلص كثيرا آجال النجاح. ومع كل هذا، فإن الكثير من المدخنات لا يجدن صعوبة في الحصول على حمل بشكل طبيعي، لكن هذا الحمل في حالة الاستمرار في نفث الدخان يظل مهددا بالعديد من المخاطر التي تمكن الأطباء من التعرف عليها، فقد تتعرض المرأة للإجهاض بشكل تلقائي، إذ بينت الإحصاءات أن التدخين يضاعف هذا الخطر 3 مرات، بما في ذلك التدخين السلبي الذي تتعرض له بعض الحوامل من طرف محيطهن. كذلك ثبت أن التدخين يلحق أضرارا فادحة بالخلايا الهدبية لقنوات فالوب ويعيق تأديتها لوظائفها، مما يؤثر سلبا على عملية نقل البويضة الملحقة في الثلث الخارجي لقناة فالوب نحو الرحم، الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع حالات الحمل خارج الرحم عندما تحتجز هذه البويضات الملقحة بداخل القناة بسبب عدم دفعها بالأهداب في اتجاه الرحم الذي هو المكان الطبيعي لتطور الحمل. وتظهر الدراسات أيضا أن التدخين يؤدي إلى انخفاض في وزن المواليد الجدد، بل قد يتسبب أحيانا في موت الجنين داخل الرحم، وأحيانا أخرى في حدوث الولادة قبل الأوان وفي تمزق الأغشية قبل 34 أسبوعا من الحمل بنسبة تضاعف 3 مرات مثيلتها لدى غير المدخنات. وليت أضرار التدخين تقتصر على الحامل فقط، أو ليتها تنتهي بنهاية الحمل، فهي تشمل الأطفال وتؤثر على صحتهم على المدى القريب والبعيد أيضا، فقد أظهرت دراسة أمريكية حديثة أن طفرات جنينية يتم استحثاثها داخل الرحم من قبل المواد السامة للسيجارة، فالحوامل اللائي ينفث أزواجهن دخان السجائر في وجوههن يضعن للعالم مواليد ذوي مناعة ضعيفة بسبب إخفاق وراثي للخلايا المناعية عندهم. إن المواد السامة من نيكوتين وأوكسيد الكاربون وغيرهما تتمكن من اختراق حاجز المشيمة، مما يقلل من تدفق الأكسجين وبعض المغذيات نحو الجنين، كذلك فإن دخان السجائر يرفع دقات القلب ومستوى ضغط الدم كما أن كثيرا من المواد المترتبة عن احتراق التبغ تضر بالرضيع والطفل، هذا وقد توصلت دراسة قام بها باحثون من جامعة مشيغان (Michigan) إلى إن هذه الأضرار تكون مضاعفة أكثر عند المرأة ذات الحمل التوأمي. بالنسبة للرضع، فقد كشفت بعض الإحصائيات عن أرقام مريعة، حيث إن خطر الموت المفاجئ للرضيع يتضاعف 4 مرات إذا دخنت الأم طيلة الحمل وب4 ر3 إذا دخنت قبل موعد الولادة و4 ر7 إذا كان الوالدان يدخنان أكثر من 20 سيجارة في اليوم، كذلك يعاني أطفال المرأة المدخنة من التهابات في الحلق والجيوب الأنفية ومن مشاكل الربو والجهاز التنفسي. كذلك يؤثر التدخين على كمية الحليب لدى المرضعة، حيث إن معدل الإفراز اليومي للحليب يقل عند المدخنة ب270 مل، هذا بالإضافة إلى رصد مادة النيكوتين بكمية ترتفع بشكل متواز مع حدة التدخين. لا بد لي أيضا أن أشير إلى أن المدخنة لا تغامر فقط بخصوبتها بل تضع خصوبة الجنين الأنثى في مهب الريح، حيث إن بعض المواد الموجودة في السيجارة تقتل البويضات المكتنزة في مبيضي هذا الجنين في المراحل الأولى للنضوج التي تتم لدى الجنين داخل رحم أمه فتولد هذه الطفلة برصيد أقل من البويضات، الشيء الذي يؤدي إلى نفادها بشكل أسرع وبالتالي الوصول مبكرا لسن اليأس ولو كانت هذه الطفلة ستنتمي مستقبلا لصنف النساء غير المدخنات. بالنسبة للرجل هناك أيضا تأثير للتدخين على خصوبته فقد يؤدي لديه إلى اضطرابات تحيل على العجز الجنسي وإلى عدة اختلالات تهم السائل المنوي كارتفاع عدد الحيامن (الحيوانات المنوية) المشوهة غير الطبيعية وانخفاض العدد الإجمالي لهذه الحيامن، بالإضافة إلى تأثر حركيتها وكذا حملها لاختلالات في المادة الجينية الوراثية. إن هذه الأضرار السلبية للتدخين على خصوبة الزوجين تفرض عليهما الإقلاع عن هذه العادة السيئة لأجل حصول الحمل ولأجل أن يكون هذا الحمل صحيا خاليا من المتاعب سواء بالنسبة للأم أو بالنسبة للجنين. - عمري30 سنة، أنجبت 3 أطفال وأعاني دائما خلال فترات الحمل من آلام الظهر وآلام المفاصل، أغلب الأطباء نصحوني بألا أعير اهتماما كبيرا لهذه الأعراض فما رأيكم؟ هم محقون في رأيهم فما تتحدثين عنه هي مجرد تغييرات تطرأ على الجسم بمناسبة الحمل تستطيع الحامل في أغلب الأحيان التأقلم معها لأنها أعراض فيسيولوجية غالبا ما تندثر بنهاية الحمل، لكن استمرارها بعده يتطلب زيارة طبيب مختص لبحث الموضوع. فبالنسبة لآلام الظهر، فإنها تحدث بسبب تطور الحمل وامتلاء الرحم الذي يجبر عظام الظهر على الانحناء للخلف كرد فعل تجاوبي مع الضغط الذي يمارسه الرحم مما ترتب عنه بعض الآلام التي تهم منطقة الظهر، في الغالب لا تكون هذه الآلام مبرحة بحيث تستطيع أغلب النساء تحملها والتخفيف منها من خلال الاسترخاء والتمدد لكن في حالة تفاقمها يخشى أن يكون الأمر أكثر تعقيدا فتضطر المرأة لطلب الاستشارة الطبية. أما آلام المفاصل فتنتج بدورها عن تغيرات مرافقة للحمل من قبيل زيادة السائل المتجمع في المفاصل وميل الغضاريف والأربطة إلى الارتخاء، مما يزيد من حركة هذه المفاصل ومن ثمة الشعور ببعض الألم من قبيل بعض الحوامل، لذلك لا تعيري أهمية كبرى لهذه الأعراض، فهذه مشاكل صغرى تهون دائما أمام الحدث السعيد الذي تنتظرينه حين يطل ابنك سليما معافى على هذه الدنيا.