تنشغل النساء وخاصة الفتيات في مقتبل العمر بإيجاد الأجوبة للعديد من المشاكل الصحية التي تواجههن في حياتهن اليومية. البروفيسور خالد فتحي المختص في أمراض النساء والتوليد يجيب عن هذه الأسئلة المحيرة. -عمري43 سنة، متزوجة ولدي طفلان. منذ سنتين وأنا أعاني من عدم انتظام العادة الشهرية وغزارتها، مما سبب لي عدة مشاكل. كما أنني أشعر بآلام في العمود الفقري ومن مشكلة العرق الغزير. مؤخرا، غابت عني العادة الشهرية لمدة زادت عن 3 أشهر، فهل معنى هذا أني قد بلغت سن اليأس أم قد تظهر هذه العادة من جديد؟ وهل يمكن أن أنجب خلال هذه السن إذا عاودت العادة الظهور؟ أرجو أن توضحوا لي المشاكل الصحية التي تسبق هذه السن لدى المرأة؟ وما هي المخاطر التي تتعرض لها خلال هذه المرحلة؟ لا يحل سن اليأس بين يوم وليلة، بل تسبقه مرحلة اضطرابات وتقلبات، تقصر أو تطول قليلا، تدعى مرحلة ما قبل سن اليأس، تظهر خلالها على المرأة علامات وأعراض سريرية وبيولوجية تنذر بانقطاع الطمث الذي سيحل قريبا. يضم خريف الخصوبة هذا، أيضا، 12 شهرا التي تعقب سن اليأس. فخلال كل هذه المراحل، يظل كل شيء ممكنا، فقد يعاود المبيضان نشاطهما، فتختفي مظاهر السخونة والتعرُّق وتظهر العادة الشهرية ،بعد أنْ لم يكن أحد ينتظرها، لذلك فقد تم التوافق بين الأطباء على ضرورة انتظار سنة على آخر نزيف عند امرأة تبلغ 50 سنة، للإعلان والحسم في مسألة ولوجها سنَّ اليأس. ولكنْ، كلما عجل سن اليأس بالحضور، كلما تطلب ذلك إطالة مدة «عدم الأمان» هاته، بعد توقُّف العادة الشهرية لتقرير انتهاء عهد الخصوبة. فعند نساء أصبن بيأس مبكر، قد نتفاجأ، أحيانا، سنوات بعد ذلك، باستفاقة المبيضين من سباتهما، بل هناك من سجل حالات حمل خلال هذه المرحلة، مما يجعل اليقين طيلة هذه المرحلة أمرا نسبيا. ولكي أشرح ما يقع على مستوى الخلايا، لا بد أن أقول لكم إن كل عضو لنا يشيخ بسرعة خاصة به تمت «برمجتُها» وراثيا. فالسن العام الذي يحدده تاريخ الولادة لا يفصح إلا عن السن النظري لشخص ما، فكل جزء من الجسم له عمره الخاص. ترتبط الشيخوخة، إذن، بالاضمحلال التدريجي لرصيد الخلايا داخل أعضائنا. لكن شيخوخة المبايض تبدأ بشكل مبكر جدا. فخلال الحمل، تملك الجنين الأنثى في الأسبوع الثاني لمكوثها في الرحم 7 ملايين من الجريبات أو البويضات. لكنها لا تملك يوم الولادة إلا مليونا يبقى منها 400.000 فقط عند البلوغ و35000 عند سن الأربعين، السن التي تبدأ عندها مرحلة ما قبل سن اليأس و1000 بويضة فقط عندما تتوقف العادة الشهرية. إن هذا النقص في عدد البويضات «مبرمَج»، جينيا، كما أسلفت، ويدعى الموتَ المبرمَج للخلايا. وهكذا، فإن سن اليأس يحدده معياران: رصيد البويضات عند الانطلاق وسرعة اختفاء هذه البويضات. بعد ذلك، يمكن رصد أولى الاختلالات البيولوجية لمرحلة ما قبل سن اليأس عند سن ال38 سنة التي يمكن اعتبارها السنَّ الفاصلة التي تشرع عندها الخصوبة في التراجع، بشكل مثير. يفرز المبيضان عدة هرمونات: (1) الأستروجين، الذي تتبدل معدلاته، بشكل دوري، خلال كل دورة شهرية، مع ذروة إفراز في اليوم ال14، وتراجع خلال 48 ساعة قبل العادة الشهرية. (2) البروجيسترون: ويعني هرمون الحمل ويقوم بتهييء بطانة الرحم لاستقبال الحمل كل شهر. وعندما لا يأتي هذا الجنين المنتظَر، ينخفض معدل هذا الهرمون فتسقط بطانة الرحم هذه، فتقع إذن العادة الشهرية التي تتكرر كل شهر: يعمل المبيضان تحت إمرة الغدة النخامية التي توجد في المخ وتخضع هذه، بدورها، لغدة أخرى تدعى الغدة الصنوبرية. و»تتفاهم» هذه الغدد بينها، من خلال رسائل يوصلها الدم، فتعدل إفرازاتها، بشكل يضمن انتظام العادة الشهرية. بمرور السن، ولأسباب نجهلها، تبدأ البويضات في التمنع على الهرمون «FSH»، الذي تفرزه الغدة النخامية، فتريد هذه الأخيرة مقاومة هذا التمرد، بزيادة في إمدادات هذا الهرمون، مما يجعله يرتفع في الدم. وهذا الارتفاع هو أول العلامات الخفية لمرحلة ما قبل سن اليأس التي نرصدها في المختبر. ولكن فرط الإفراز هذا يؤدي، أيضا، إلى أن تنمو هذه البويضات بسرعة، مما ينقص من مدة الدورة الشهرية، فيحدث ما نسميه عدم انتظام العادة الشهرية. ستفرز هذه البويضات، التي يراد لها أن تنضج بسرعة غير معتادة، كثيرا من الأستروجين، مما يؤدي إلى مشاكلَ وأعراضٍ تجمع تحت اسم «متلازمة ما قبل العادة الشهرية»، التي تشكو منها النساء كثيرا خلال هذه المرحلة: انتفاخ الثديين... إلخ. وبمرور الوقت، يشيخ المبيض، فينتهي به الأمر إلى عدم التبويض، مع ما يعنيه ذلك من عدم إفراز هرمون البروجسترون، فتظهر على المرأة أيضا علامات هذا النقص. أول علامة لمرحلة ما قبل سن اليأس هي حلول خريف الخصوبة لدى المرأة، الذي تبدأ نُذُره الأولى مبكرا، خلال حياة المرأة عند سن 30 سنة، لكنه يتسارع، بشكل فجائي بعد 38 سنة. إن هذا الانخفاض في الخصوبة يرتبط بشيخوخة البويضات وسنها، أكثر من ارتباطه بالاختلالات الهرمونية لكننا، مع ذلك، لا نستطيع تقييمه إلا من خلال قياس بعض الهرمونات في الدم في اليوم الثالث للدورة الشهرية. خلال مرحلة سن اليأس، تتأثر الدورة الشهرية، فرويدا رويدا، تقصر مدة العادة الشهرية على حساب مرحلة نمو البويضات التي تسبق التبويض والتي تصل في المعتاد إلى 14 يوما عند الفتاة والشابة، لكنها تبلغ فقط 12 يوما في سن ال39، أي أن التبويض يتم في هذه السن في اليوم ال12 وليس في ال14. ويتفاقم الأمر بين 40 و45 سنة، إذ يحدث هذا التبويض في اليوم ال10. ويعد قِصر الدورة الشهرية هذا علامة فارقة لمرحلة ما قبل سن اليأس. تعاني المرأة، خلال هذه السن، من أعراض انتفاخ الثديين وآلامهما خلال نهاية الدورة الشهرية، كما تشكو من تعكر المزاج ومن القلق النفسي. ويكون لهذا الاضطراب البسيكولوجي في هذه السن الحرجة آثار مدمرة، أحيانا، على حياة المرأة وحتى على العلاقات التي تنسجها مع محيطها، عندما لا يكون هناك وعي وتفهم لخصوصيات هذه المرحلة. تترافق متلازمة ما قبل العادة الشهرية مع نهَم شديد، مما يزيد وزن المرأة ويغير شكلها، كما نلاحظ عادة في هذه السن. إن قصر الدورة الشهرية يؤدي، بداهة، إلى ارتفاع وتيرة العادة الشهرية، مما يؤثر سلبا على الاستعداد وعلى الكفاءة الجنسية خلال هذه السن. لكن المرأة قد تفاجأ خلال كل هذا بأن دورتها الشهرية قد طالت وأن عادتها الشهرية قد تأخرت، فتظن نفسها حاملا أو تقتنع في قرارة نفسها بأنها قد وصلت سن اليأس. لكن ظنونها تذهب، غالبا، سدى. فلا هي بحامل ولا هي قد «شيَّعت» عادتها الشهرية، إذ تظهر هذه العادة، غالبا، من جديد، كما لو أنها تلعب مع المرأة لعبة «الغميضة»... فماذا يعني كل هذا الاضطراب؟ إنه يعني أنه لا وجود لأي تبويض خلال الدورة الشهرية. وفي غيابه، تستمر بطانة الرحم في مكانها وتنمو لمدة أطول. فيتم إرجاء العادة الشهرية إلى أجَل لاحق. لكن هذه البطانة تنتهي بعد مدة من النمو إلى السقوط، تلقائيا، بعد أن بلغت مداها من النمو، فيكون سقوطها مدويا، لأنها تضخمت بشكل مفرط. فتكون العادة الشهرية غزيرة وطويلة المدة، مما يؤدي إلى فقر الدم وإلى قرف المرأة من كل أعباء هذه المرحلة. وبمرور الوقت، يزداد تمرد المبيض، فلا يستجيب لأي أمر وينتهي إلى أن يتوقف في المرحلة الأخيرة عن إفراز الأستروجين، مما يؤدي إلى ظهور السخونة أو الهبات الدافئة التي تحل ليلا على المرأة، فتمنعها النوم. أحيانا، يمكن ربط هذا الأرق بظاهرة التّعرُّق الغزير هذا، عندما تنتبه المرأة إلى أنها قد بلّلت كل ملابسها وأغطية النوم. لكنْ، في مرات أخرى، لا تحفل بكل هذا وتكون كل شكواها من الأرق فقط. تصيب الهبات الدافئة 40% من النساء، قبل سن اليأس، رغم عدم وعيهن بذلك. ومنذ هذه السن، تبدأ حالة العديد من الأجهزة في التدهور، إذ تخسر المرأة كتلة عظامها التي ينخرها الترقُّق وترتفع نسبة الدهنيات في دمها وتتعثر، قليلا، اختبارات التخثر لديها، فتلج بوابة أمراض القلب والشرايين. كما يؤدي انعدام التبويض إلى فرط نمو بطانة الرحم، مما يرفع خطر سرطان الرحم خلال هذه المرحلة ويزيد احتمالات الأورام الحميدة للثدي. تظهر خلال هذه المرحلة، أيضا، أعراض أخرى لا علاقة لها بمرحلة ما قبل سن اليأس، لكنها تتزامن معها، حيث يرتفع الوزن، بسبب شيخوخة العضلات التي تؤدي إلى خفض استهلاك الجسم للطاقة ويتفاقم الأمر، بسبب الشَّرَه الناجم عن ارتفاع إفراز الأستروجين في بداية تلك المرحلة، مما يعني أن المرأة تستهلك أقلَّ مما تجنيه من الطاقة، فيزداد وزنها.. كما نلاحظ انخفاضا في الرغبة الجنسية وفي بلوغ الشبق، بسبب مصاعب نفسية لها علاقة بكلا الزوجين، وبسبب انخفاض إفراز الهرمونات الذكرية عند المرأة. ثم هناك أعراض وأمراض أخرى، كارتفاع نسبة الأورام الليفية في هذه السن. لكن الأدهى من كل هذا هو ظهور اختلالات على المستوى السلوكي والنفسي، لها ارتباط وثيق بالمحيط، كسفر الأولاد إلى الخارج، مرض الآباء وبلوغهم أرذل العمر والشعور باقتراب الهرَم وبعدم القدرة على الجذب والإغراء ولفت الانتباه، كالسابق. كل هذه الأمور قد تؤثر، سلبا، على أداء المرأة الزوجي والأسرى والمهني. فما العمل، إذن؟ وما هو العلاج؟ هذا ما سنتطرق له لاحقا...