إذا كان هناك من انزعج كثيرا خلال مسيرة 20 فبراير، أول أمس الأحد، فهو الصحافة الإسبانية بالتأكيد، لأن الذين خرجوا للتظاهر أسقطوا السيناريوهات التي رسمتها وسائل الإعلام الإسبانية التي كانت أول من التحق بمكان المسيرة في الرباط على الأخص، وآخر من انسحب، ويدها على قلبها في انتظار حدوث المعجزة، وإن لم تعد هناك معجزات اليوم. اعتاد الصحافيون الإسبان والأجانب على ترديد الشعارات التي تكررت في تونس ومصر وتعاد اليوم في ليبيا واليمن والبحرين، وخاصة شعار «الشعب... يريد... إسقاط... النظام»، ولذلك عندما سمعوا النصف الأول من الشعار «الشعب يريد..» ينطلق من حناجر المشاركين في باب الأحد ركزوا كاميراتهم وأطلقوا آذانهم، لكنهم أصيبوا بالخيبة عندما هتف المشاركون بالنصف الثاني «دستور ديمقراطي». تكرار هذا الشعار في عدة مناطق من العالم العربي جعل الآذان تعتاد عليه، وهو ما أوقع مذيع قناة «العربية»، في تغطيته للحدث، من استوديو دبي، في الخطأ عندما قال إن عشرات الآلاف خرجوا في عدة مدن بالمغرب للتظاهر مطالبين ب«إسقاط النظام»، قبل أن يتدارك ويصحح معتذرا «إسقاط الحكومة والبرلمان»، أما قناة «الجزيرة» القطرية فلا شك أنها حاولت الحفر بضعة أمتار تحت الأرض لكنها لم تجد ماء. كان المغاربة الأولون يفسرون الزلازل بأن الملاك الذي يمسك الأرض يريد أن يغير الحمل الثقيل من كتف إلى كتف، ولذلك تتحرك الأرض، وما حدث يوم الأحد هو هذا بالفعل، فقد تحرك المغرب كله وانتقل مركز الثقل من الشعب إلى الدولة التي عليها بعد اليوم أن تحمل تلك المطالب التي رفعها المتظاهرون على محمل الجد وأن تشرع في فتح كوة على المستقبل لكي تسمح للأجيال المقبلة بأن تعيش وأن تتنفس وأن تتعرض للشمس. خرج المغاربة لكي يقولوا إنه لم يعد ممكنا أن يروا المفسدين يتجولون في البلد، وإنه يكفي ما سرقوه، وربما كان المغاربة متسامحين كثيرا لأنهم لم يطالبوا اللصوص والسراق بأن يردوا ما نشلوه، وإنما بأن يكفوا بعد اليوم عن وضع أيديهم داخل جيوب الشعب فحسب، على أن يختفوا قليلا في زاوية مظلمة ويأكلوا مما لم تصنع أيديهم مثل الأنذال، بالرغم من أن البلد أصيب بنوع خاص من اللصوص، بحيث يمكن للص أن يسرق وأن يظهر في التلفزيون بدون خجل لكي تراه الملايين، لذلك رفع المتظاهرون شعارا يقول «كفى نهبا، ألم تشبعوا بعد؟». ما أظهرته المسيرة حقا هو أن المغاربة شعب متحضر ويعرف ما يريده، أسقط جميع التوقعات وخيب أحلام الذين كانوا يريدون أن يأكلوا الثوم بفمه، والقضية بعد اليوم هي أن هذا الشعب لا يستحق حكومات فاشلة أفرزتها انتخابات مزورة، ومن العار أن يتم الاستمرار في التنكيل به بهذه الطريقة. وإذا كان المتظاهرون قد خرجوا وصرخوا وطالبوا وعادوا إلى بيوتهم، فإن على الدولة أن ترد التحية بأحسن منها أو بمثلها. لدينا شعب جميل ورائع، ويجب أن يستحق ما يريده، لأنه يريد ما يستحقه، لا أكثر.