سُمح لأفراد عائلة الرئيس الموريتاني المخلوع سيدي ولد الشيخ عبد الله بمغادرة مبنى القصر الرئاسي، حيث تم احتجازهم لمدة 24 ساعة تقريبا، بعد أن صودرت هواتفهم وعطل جهاز تلفازهم. «المساء» التقت بنجل الرئيس بمنزل العائلة الشخصي، الذي لا يبعد سوى بأمتار قليلة عن بناية قصر المؤتمرات الذي يحتجز فيه والده، حيث قدم لقرائها روايته لما حدث. كانت جنبات فيلا الرئيس، التي ترابط ببابها عناصر الحرس الرئاسي، مزدحمة بالزوار الذين يأتون لمؤازرة السيدة الأولى وأبنائها سواء من أفراد العائلة أو من عامة المواطنين الذين تحدوا الحصار الأمني المضروب على البناية، لكن غير بعيد عنها كانت صور الجنرال محمد بن عبد العزيز، الحاكم الجديد لموريتانيا، ماثلة أمام الجميع حملتها سيارات مساندي الانقلاب.. الذي اعتبره محمد نجل الرئيس المخلوع أفضل طريقة لمغادرة والده لكرسي الرئاسة... - هل أجريتم كعائلة اتصالات بالرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله بعد الانقلاب ضده واحتجازه من طرف الضباط الذين أقالهم؟ < لا، لم يسمح لأفراد العائلة بأي اتصال مع الوالد منذ اختطافه واحتجازه من طرف الانقلابيين، وكل ما توصلنا به لائحة بأغراضه الشخصية نقلها إلينا أشخاص من طرف محتجزيه، وقد أعطيناهم ما طلبه الرئيس... - هل كتب اللائحة بخط يده؟ < نعم، كانت مكتوبة بخط يده، والذين حملوها قدموا إلى بيت العائلة الشخصي الذي عدنا إليه بعدما سُمح لنا بمغادرة القصر الرئاسي الذي احتجزنا به لحوالي 24 ساعة. - وكيف تم احتجاز الوالد؟ هل عاينت ما حدث؟ < نعم كنت حاضرا إلى جانبه.. فبينما كنا نتناول وجبة الفطور بشكل جماعي، سمعت على أمواج الإذاعة خبر قرار الرئاسة بإقالة الضباط الذين قادوا الانقلاب، وتعيين ضباط في مناصب جديدة.. وقتها توقعت حدوث الانقلاب، وطلبت من شقيقي أن يغادر مبنى القصر الرئاسي. فيما فضلت البقاء إلى جانب الرئيس.. وبالفعل بعد ساعة أتت فرقة من العسكر تتكون من حوالي 10 أفراد، ما بين ضباط وجنود، طلبوا من الوالد مصاحبتهم، وحين رفض الأمر هددوه باستخدام القوة. - ما الذي قالوه له بالضبط؟ < قالوا له: السيد الرئيس تفضل معنا، فالجنرال يريد أن يقابلك، فأجابهم قائلا: لا، لن أذهب معكم، وإذا كان الجنرال يحتاجني فليأتي عندي بنفسه، فقالوا له: لدينا أوامر باصطحابك معنا، وإذا رفضت فإننا سنلجأ إلى استخدام القوة.. فقبل بالأمر الواقع ورافقهم. - بمعنى أن الانقلاب تم بهذه السهولة.. هل كان جميع ضباط الجيش متفقين على الانقلاب، حتى لا يتدخل أحد لمنع احتجاز الرئيس؟ < الأمر ليس كذلك، فالذي حدث لم يكن انقلابا للمؤسسة العسكرية، وإنما هو من فعل قائد الحرس الرئاسي.. فهو من أمر باختطاف الوالد، وحين تمت العملية وأصبح الانقلاب أمرا واقعا قبل الباقون بالوضع، لأنهم لا يستطيعون فعل أي شيء. محمد بن عبد العزيز يتحكم في الحرس الرئاسي منذ 20 سنة، وهو من رتب أمور قيادته ويعرف لمن يسند المسؤولية في صفوفه. والمعروف هو أن الحرس الرئاسي يتوفر على أفضل الأسلحة وله قدرة عالية على القتال تفوق قدرة وحدات الجيش النظامي. لا يجب أن ننسى أن هذا الجنرال هو من قاد انقلاب سنة 2005 ضد معاوية ولد الطايع، وبإمكانه قيادة أي انقلاب آخر. - ألم يكن الوالد على علم بهذه التفاصيل؟ وإذا كان الجواب بالإيجاب فلماذا لم يتخذ إجراءات لمنع تكرار أسلوب الانقلاب بالسهولة التي تم تنفيذه بها؟ < الرئيس كان يعرف بأن اعتقاله أمر ممكن، ورغم ذلك فقد اتخذ قراره دون خوف، فالمفروض أن الحرس الرئاسي هو الجهة المنوط بها حماية الرئيس، وثكنة هذا الجهاز لا تبعد عن مبنى القصر سوى بمائة متر.. وعموما فإن الوالد كان يحتفظ في البداية بود خاص للجنرال محمد بن عبد العزيز، وسمعته بنفسي يثني عليه، ويقول إنه رجل وطني يحب الخير لموريتانيا، وهو ما أكده في مقابلات تلفزية. لقد كانت له الثقة الكاملة في من انقلبوا عليه فيما قبل، وسبق له أن قال لي شخصيا إن لديه الثقة الكاملة في محمد بن عبد العزيز والغزواني قبل أن يكتشف العكس قبل أسبوعين أو ثلاثة حسب علمي. - وما الذي حدث قبل ثلاثة أسابيع حتى اختفت هذه الثقة وتغير موقف الرئيس من الجنرالين؟ ماهي تفاصيل هذا التحول؟ < الرئيس لا يتحدث معي في أمور الدولة، وإنما يفعل ذلك مع مستشاريه، والمسؤولين المعنيين. إلا أننا كعائلة علمنا بأن الجنرالات زاروه بالمنزل، وبلغنا أنه أصبح على علم بتدخلهم في الشؤون السياسية، رغم أن الدستور لا يسمح لهم بذلك. - ما الذي جرى في هذا اللقاء الذي تم بمنزل الرئيس؟ < أغلب المواطنين الموريتانيين يعلمون أن الجنرالات تحدثوا مع الرئيس حول تشكيلة الحكومة، وأنه تشاور معهم قبل تعيين الحكومة الأخيرة وحاول من خلال تشكيلها تجنب تفاقم المشاكل معهم، إلا أنهم لم يقفوا عند هذا الحد واستمروا في تدخلهم في الشؤون السياسية. - لكن ماهو أصل المشكل بين الطرفين؟ < المشكل بدأ حين لاحظ الجنرالات أن الرئيس لا يتناقش معهم في الشؤون السياسية، فهو أراد أن يطبق مبدأ فصل السلطة بشكل فعلي، وفعل ما ينص عليه الدستور.. الأمر الذي لم يرق بعض ضباط الجيش. - وما الذي تطالبون به الآن كعائلة أولا ثم كمواطنين موريتانيين ثانيا؟ < نحن كعائلة نريد بطبيعة الحال عودة الرئيس سالما والإفراج عنه في أقرب وقت، وكمواطنين نريد عودة الديمقراطية التي كنا نفتخر بها قبل وقوع الانقلاب، كما نرى أنه يجب على الجيش أن يبتعد عن السياسة ويعود إلى ثكناته. وإذا كان قد تولى السلطة لمدة 30 سنة دون أن ينجح في الخروج بالبلاد من أزماتها، فليعط فرصة للديمقراطية لتثبت نجاحها في تجاوز مشاكل موريتانيا.. يجب أن يعطوا لها مهلة أكثر من 15 شهرا ليرى المواطنون ما الذي بإمكانها فعله. - وهل تتوقع أن ينظم ضباط الجيش انتخابات رئاسية جديدة تكون حرة ونزيهة؟ < أظن أن الوضع العالمي لا يسمح لضباط الجيش أن يحكموا البلاد لفترة طويلة دون تنظيم انتخابات وتسليم السلطة للمدنيين، لكن المشكلة هي أن هؤلاء الضباط الذين قادوا الانقلاب هم أنفسهم من أشرفوا على الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ولما وجدوا أن الرئيس لم يصبح لعبة في أيديهم انقلبوا ضده. لقد استطاعوا بعد انقلاب 2005 أن يقنعوا الناس بأنهم صادقون في دعم مسلسل الديمقراطية وتسليم السلطة لرئيس منتخب بشكل نزيه. لا أعرف إن كانوا سيصدقونهم هذه المرة بعدما فعلوه برئيس شهد الجميع أنه فاز في انتخابات نزيهة وشفافة، بما في ذلك معارضوه. - يتحدث العديد من السياسيين عن كون هؤلاء الضباط هم من دعموا الوالد في الانتخابات ليفوز بها.. فلماذا انقلبوا ضده؟ < أولا: جميع المتتبعين يعلمون أن المجلس العسكري قد انقسم حول المرشح الذي سيدعم، وصحيح أن محمد بن عبد العزيز كان من بين الذين أرادوا دعم الرئيس، لكن هذا الدعم لم يكن كافيا لوحده لإنجاحه، وإلا لما كان احتاج إلى دور ثان. أما الأمر الثاني: فأعتقد أن هؤلاء الضباط كانوا يريدون من وراء دعم الرئيس اقتسام السلطة معه، وحين فشلوا في ذلك انقلبوا ضده. - الشارع الموريتاني منقسم الآن بين مؤيد ومعارض للانقلاب.. والمؤيدون يرون أن الرئيس فشل في حل مشاكل البلاد وأدخلها في أزمة سياسية كلفتها الكثير؟ < صحيح أن هناك من أيد الانقلاب، لكن الذين يدافعون عن الديمقراطية والشرعية لا يمكنهم أن يدافعوا عن أسلوب الانقلاب ضد رئيس مدني تم انتخابه بشكل نزيه من طرف الشعب. أما بخصوص المشاكل، فلا يعقل أن نطالب رئيسا بحل جميع المشاكل في ظرف 15 شهرا... فارتفاع الأسعار أمر مرتبط بالأوضاع الاقتصادية الدولية، وهو واقع تعرفه معظم الدول في الفترة الأخيرة، لا مسؤولية للرئيس بخصوصه، كما أن الإرهاب أصبح ظاهرة دولية مرتبطة بما يحدث في العراق وغيره ولا علاقة له بها.. ونفس الأمر بالنسبة إلى البطالة.. - لكن ألا تعتبر أن الوالد أخطأ حين أقال الضباط الأقوياء في الجيش؟ < الدستور الذي صوت عليه الموريتانيون بكثافة يمنح للرئيس صفة القائد الأعلى للجيش، وبالتالي فإن من صلاحياته إقالة أو تعيين هؤلاء الضباط أو غيرهم. والذي فهمته هو أن الرئيس حين وصل إلى الباب المسدود مع هؤلاء الضباط أراد أن يكتشف العالم حقيقتهم، وهو الأمر الذي تم بعد ساعة من إقالتهم. هؤلاء الضباط خرجوا من ثكناتهم وطلبوا من البرلمانيين عرقلة عمل الرئيس والحكومة.. - أليس من حق البرلمانيين انتقاد عمل الحكومة وأداء الرئيس؟ < لا أحد يقول بالعكس، لكن الرئيس انتخب على أساس برنامج، ووعد من خلاله بالعمل على عودة اللاجئين، وحل مشكل العبودية، وفصل السلط، وإصلاح الإدارة، وضمان حرية التعبير.. وفي الفترة التي قضاها بعد انتخابه لم يكن موجودا أي معتقل رأي أو معتقل سياسي في السجن.. إذن، فهو لم يقم إلا بما ورد في برنامجه أثناء الانتخابات، والضباط الذين انقلبوا عليه كانوا يساندونه ويعملون بتفاصيل برنامجه، لكنهم حين وجدوه يطبق فعلا ما وعد به الناخبين عرقلوا عمله بشكل لا يتماشى مع مقتضيات الدستور. وهو حين أقال الجنرالات من مناصبهم، إنما استخدم صلاحياته التي يخولها له الدستور وهم استخدموا القوة خارج الشرعية. - لكن ألم يكن بإمكانه حل المشكل معهم دون اللجوء إلى إقالتهم حتى لا ينقلبوا عليه؟ < الذي بلغني هو أن الرئيس حاول غير ما مرة الوصول إلى حل.. وحتى الحكومة الأخيرة تم تشكيلها بالمشاورة معهم.. لكنهم استمروا في التدخل في الشؤون السياسية التي لا تندرج في إطار ما يخوله لهم الدستور. فلو أراد الرئيس البقاء في السلطة لبقي، وكان يكفيه أن يعطيهم ما يريدونه ويفعل ما يحلو لهم، ولن يمسوه بسوء، لكنه لم يكن يحرص على الرئاسة لذاتها.. فهو انتخب على أساس برنامج وحاول تطبيقه. - يقول معارضوه إنه أعاد رموز عهد معاوية ولد الطايع الذي انقلب عليه هؤلاء الضباط إلى السلطة.. وهذا مخالف لروح الإصلاح الذي أتوا به عبر تنظيم انتخابات نزيهة؟ < هذا كلام مردود، والعكس هو الصحيح. فإذا عدنا إلى لائحة البرلمانيين الذين انسحبوا من الحزب الموالي للرئيس، سنجد أن معظمهم من قدماء نظام معاوية ولد الطايع من مثل وزير داخليته، ومدير حملته الانتخابية، ومدير ديوانه السابق.. وهؤلاء هم من دعموا الانقلابيين. والذي أغضب هؤلاء من الرئيس هو أنه لم يعينهم في أي منصب، لأنه اختار أن يعين الأكفاء وإن كانوا من معارضيه، ورفض تعيين من عرفوا بفسادهم وتحملوا مسؤولية سوء التدبير في المرحلة السابقة. - وماذا عن اتهام السيدة الأولى باختلاس الأموال العامة عن طريق جمعيتها الخيرية؟ < هم الآن يحكمون البلاد، فليأتونا بوثائق تثبت ذلك. السيدة الأولى تحدت كل من اتهمها باستغلال المال العام بأن يأتي بدليل واحد ضدها، لكن لا أحد أحضر وثيقة واحدة تثبت هذه الاتهامات.. التي لم يظهر لها أثر إلا قبيل إسقاط الحكومة الأولى. - وماهو تقييمك الشخصي لما قام به الوالد؟ < أنا جد فخور بالقرار الذي اتخذه الرئيس، فهو أثبت أنه شجاع، ولا يريد السلطة لذاتها. فحين عرقلوا عمله، ولم يتركوا له الفرصة لتطبيق برنامجه الذي انتخب على أساسه رئيسا فضح أسلوبهم، ورأى العالم كيف انقلب هؤلاء الضباط على الشرعية والديمقراطية التي أرادوها واجهة فقط، ليتحكموا هم في كل شيء من خلف الستار. ونحن جميعا في العائلة رأينا أن أفضل طريقة لخروج الرئيس من السلطة هي الانقلاب، فكيفما كان الحال فهو أفضل له من الطرق المهينة التي كان يخطط لها الضباط الانقلابيون من خلال تحريك الخيوط في الخفاء.