«يرتقب أن يصل غدا إلى المغرب رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي، والذي سيكون مرفوقا بعدد من أعضاء حكومته، حيث كان المغرب أول محطة خارجية له بعد وصوله إلى الحكم في انتخابات الشهر الماضي، حين حصل الحزب الشعبي على أغلبية المقاعد البرلمانية. وسيجتمع ضيف المغرب راخوي مع المسؤولين المغاربة، حيث يتوقع المراقبون أن تكون زيارته تأسيسا لعهد جديد في العلاقات المغربية الإسبانية». هذا خبر متخيل، أو أنه من الخيال السياسي، لكن من الأكيد أن كلاما مثله سيقال في وسائل الإعلام المغربية والإسبانية خلال الشهور الأولى من سنة 2012، بعدما يصل الحزب الشعبي إلى الحكم في إسبانيا، حيث ترشحه كل استقصاءات الرأي لذلك، وسيكون من الطبيعي أن يكون المغرب أول بلد يزوره راخوي، وفق التقليد المتعارف عليه في إسبانيا، وسيعرف المغاربة والإسبان مرة أخرى أنه لا توجد في السياسة عداوات دائمة ولا صداقات دائمة، بل مصالح دائمة، وما يوحد بين المغرب وإسبانيا هو المصلحة فقط، والسياسي الناجح هو الذي يعرف كيف يخفي أزبال العلاقات الثنائية تحت نفس السجاد الأحمر الذي يمشي فوقه ضيفه. المغرب تعايش مع الحزب الشعبي الإسباني حتى عندما كان على رأسه دون كيشوت حقيقي اسمه خوسي ماريا أثنار، فكيف لا يتعايش مع ماريانو راخوي الذي يوصف بكونه براغماتيا كبيرا، وليس مستعدا على الإطلاق لتكرار حماقات رفيقه أثنار. هناك مسألة أخرى، وهي أن قياديين في الحزب الشعبي يوصفون، أو يصفون أنفسهم على الأقل، بكونهم أصدقاء للمغرب، وهناك مثال جلي على ذلك وهو غوستافو دي أريستيغي، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بالحزب، والحاصل على وسام ملكي في المغرب. أين المشكلة، إذن؟ المشكلة أن الحزب الشعبي يعادي المغرب أكثر من اللازم.. أو هذا ما يقال على الأقل. لكن الحقيقة أن اليسار الموحد الإسباني له مواقف أكثر تطرفا، لكنه لا يصل إلى السلطة، لذلك تبقى مواقفه في الظل. الذين يتهمون الحزب الشعبي بالعداء للمغرب ينسون أن العلاقات المغربية الإسبانية كانت ممتازة في عهد الجنرال فرانسيسكو فرانكو، فقد كان الدكتاتور الراحل يفهم المغرب جيدا، لأنه عاش سنوات طويلة في شمال المغرب، إلى درجة أنه حفظ عن ظهر قلب اللهجة الشمالية وكان يغني في خلواته أغاني الطقطوقة الجبلية. والحزب الشعبي الموجود اليوم هو الوريث الطبيعي لأفكار فرانكو. لماذا، إذن، كان فرانكو صديقنا والحزب الشعبي صار عدونا؟ هناك شبه جواب عن هذا السؤال وهو أنه، بعد موت فرانكو، وصل إلى السلطة في إسبانيا داهية شاب اسمه فليبي غونزاليس، والذي يوصف بكونه ساحرا يرقص الثعابين بالناي، لذلك تحولت العلاقات الإسبانية المغربية في عهده إلى شهر عسل دائم قرابة 16 عاما. اليوم، على المغاربة أن يدركوا أن زمن فليبي غونزاليس لن يتكرر، وأن الذين سيحكمون إسبانيا مستقبلا لن يختلفوا كثير عن أثنار وراخوي، وعلى الدبلوماسيين المغاربة أن يتوقفوا عن البكائيات أمام إسبانيا لأن سبب ضعف دبلوماسيتنا هو نحن وليس إسبانيا. نحن الذين نمنح ولدا اسمه الفاسي الفهري لعبة اسمها منتدى «أماديوس» ليلعب بها باسم المغرب، محاولا حل مشكلة الشرق الأوسط، بينما قرب أنفه مشكلة حارقة ومشتعلة اسمها الصحراء. نحن الذين نبعث إلى الخارج سفراء ليستمتعوا بالنزهات والتقاعد المريح عوض أن يشتغلوا لتقوية المغرب دبلوماسيا، نحن الذين نبعث أشباه المثقفين إلى أوربا لكي يمضوا أوقاتهم بحثا عن هدايا لزوجاتهم أو عشيقاتهم عوض أن يقدموا ثقافة المغرب إلى غيرنا، نحن الذين نبعث مسؤولين سياسيين ومنتخبين إلى أوربا لكي يسهروا ويشربوا الجعة ثم نشتكي لماذا يعادوننا هناك؟ نحن الذين نخاف من تاريخنا، إذ لا يوجد أي كتاب مدرسي يتحدث عن استعمال إسبانيا للأسلحة الكيماوية في شمال المغرب، ونحن الذين نخجل من انتصاراتنا ولا نلقن أطفالنا بطولة معركة «أنوال» وغيرها، ونحن الذين لا نرفع حتى أصبع احتجاج على تجنيد آلاف من أطفالنا في الحرب الأهلية الإسبانية الطاحنة، وليس في كتبنا المدرسية حرف واحد عن مأساة الشعب الأندلسي ومحاكم التفتيش الرهيبة. نحن الذين ننهش بعضنا البعض كأننا في غابة ويسحق قويّنا ضعيفنا ثم نريد أن نتحدى الآخرين بالبكائيات.