وصلت المساعدات التي قدمتها فرنسا في سنة 2008 لعدد من الدول النامية وبعض المنظمات الدولية غير الحكومية إلى 7.5 ملايير أورو، واحتلت بذلك المرتبة الرابعة عالميا في ترتيب الدول المانحة للمساعدات الدولية. غير أن هذه الأرقام المعلن عنها خادعة في الحالة الفرنسية، لأنها تخفي حقيقة أخرى لا صلة لها بالمعلن عنه من لدن مسؤولي التعاون بالخارجية الفرنسية. كان الرئيس الفرنسي السابق، جاك شيراك، وعد برفع قيمة المساعدات التي تمنحها فرنسا للدول النامية والمنظمات غير الحكومية من 0.5 في المائة في سنة 2007 من الناتج الداخلي الخام إلى 0.7 في المائة منه بحلول سنة 2012. غير أن الوعود الرئاسية ذهبت أدراج الرياح بعد تسليم شيراك مفاتيح الإليزي لخلفه نيكولا ساركوزي، الذي لم يتأخر في التأكيد على أن النسبة التي راهن سلفه شيراك على الوصول إليها في سنة 2012 بعيدة المنال، علما أن هذه السنة ستتميز بالأساس بإجراء الانتخابات الرئاسية بفرنسا. ورغم أن ساركوزي أكد أن الأمر يتعلق بتعديل بسيط في تواريخ إقرار الزيادات في المساعدات الدولية، وذلك بتأجيل رهان 0.5 في المائة من الناتج الداخلي الخام من 2007 إلى 2012، واستبعد ساركوزي أن تصل هذه المساعدات إلى 0.7 في المائة من الناتج الداخلي الخام قبل سنة 2015. لكن «الكتاب الأبيض» لوزارة الشؤون الخارجية والأوربية اعترف بصعوبة بلوغ الهدف المسطر لسنة 2015 ل«أسباب تتعلق ببنية مساعداتنا الدولية ووضعية المالية العمومية». وإذا كان ساركوزي أبان عن «حسن نيته» وكذب تكهنات إقدامه على تقليص مساعداته للدول النامية عندما رفع هذه المساعدات من 0.39 في المائة إلى 0.44 في المائة من الناتج الداخلي الخام، فإن نسبة لا يستهان بها من الجمعيات الفرنسية التي تنشط في الدول النامية «فضحت» الفرق بين «المساعدات الرسمية»، المعلن عنها من طرف الحكومة الفرنسية، و«المساعدات الحقيقية» التي تسلم حقيقة إلى الدول المستفيدة منها، لأن عملية حساب هذه المساعدات في غاية التعقيد وغالبا ما تدمج فيها عناصر تؤدي بالضرورة إلى تقليص الأموال التي ترصدها فرنسا للتنمية في الدول النامية وتعزيز التعاون معها. وقد وصل التشكيك في صدقية الأرقام الرسمية للمساعدات الدولية المعلن عنها أوجه حينما تحدثت كل من «تنسيقية جنوب-تضامن»، «تنمية مستعجلة»، و«أرضية عمل المنظمات غير الحكومية الفرنسية» عما أسمته «مساعدات اصطناعية»، بسبب تعدد العناصر التي تدخلها الحكومة الفرنسية في حساب قيمة مساعداتها للدول النامية. وذكرت من بين العناصر، التي تؤدي إلى تقليص قيمة المساعدات التي تصل نقدا إلى الجهات المستفيدة منها، إلغاء ديون الدول النامية، وغالبا ما تكون من التي استعصى على الدول المدينة تسديدها. فهل يعتبر هذا الإلغاء مساعدات حقيقية؟ وتحتسب ضمن المساعدات أيضا تكاليف دراسة طلبة الدول النامية في الجامعات الفرنسية، والتي قدرت في سنة 2007 بحوالي 891 مليون أورو، بالإضافة إلى نفقات استقبال اللاجئين. وقد صدمت «تنسيقية جنوب-تضامن» الرأي العام الفرنسي يوم أعلنت أن «المساعدات التي قدمتها فرنسا للدول النامية في سنة 2007 لم تتجاوز 0.23 في المائة فقط، وهي نسبة أقل بكثير من الرقم الذي أعلنت عنه حكومة ساركوزي المتمثل في 0.39 في المائة من الناتج الداخلي الخام. لم تكن المنظمات المدنية الوحيدة التي اتهمت الحكومة الفرنسية ب«تضليل الرأي العام» بخصوص قيمة المساعدات التي تمنحها باريس للدول النامية، بل أعلنت لجنة المساعدات التنموية في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، التابعة للأمم المتحدة، في فبراير 2010، عن تسجيل تراجع مهم في المساعدات التي تقدمها الدول المانحة الكبرى للدول النامية، حيث لم تتسلم القارة الإفريقية سوى 12 مليار دولار من أصل 25 مليار دولار التي وعدت بالحصول عليها، وهو ما يعني أن القارة السمراء ستحرم من أكثر من 40 في المائة من المساعدات التي كان مقررا أن تحصل عليها. وكانت المنظمة غير الحكومية «أوكسفان فرنسا» كشفت، في شهر أكتوبر 2008، عن برقيات أرسلتها باريس إلى سفاراتها بالدول الإفريقية التي كان منتظرا أن تستفيد من المساعدات الفرنسية لإعلامها بأن المساعدات الفرنسية للقارة السمراء ستعرف تقليصا يختلف من دولة إلى أخرى. ومباشرة بعد الكشف عن تراجع المساعدات التي تمنحها باريس للدول النامية، خلافا ما تعلن عنه الحكومة الفرنسية من أرقام صار هذا السؤال يفرض نفسه بقوة في المشهد السياسي الفرنسي: «ما هي الأسس التي تستند إليها فرنسا في تحديد قيمة مساعداتها للدول النامية؟». وفي الوقت الذي بدا أن ثمة إجماعا على أن تسخر تلك المساعدات لخدمة أهداف الألفية الثالثة للتنمية التي تسعى الأممالمتحدة لتحقيقها في مجالات محاربة الفقر والتربية والتعليم والصحة العمومية وغيرها من المجالات ذات الصلة بالتنمية البشرية، كشفت الحكومة الفرنسية عن وثيقة أطلقت عليها اسم «الوثيقة الإطار للتعاون» يتم توقيعها بين الحكومة الفرنسية والدول النامية المستفيدة من المساعدات الفرنسية وتمتد على مدى خمس سنوات بهدف ضمان تدبير أمثل للمساعدات التي تقتطع من أموال دافعي الضرائب. وجاء في الكلمة التقديمية لهذه الوثيقة، المتوفرة بموقع وزارة الشؤون الخارجية والأوربية على شبكة الانترنت: «ستسمح هذه الوثيقة بتدبير أفضل للمساعدات التي تمنحها فرنسا للدول النامية. ستجعل هذه المساعدات أكثر وضوحا وتدبيرها أكثر شفافية، كما سيسهل توقع حجمها على مدى السنوات الخمس التي تكون فيها الوثيقة سارية المفعول، مما سيرفع، بكل تأكيد، من فعاليتها». غير أنه من السابق لأوانه الحديث عن انعكاسات هذه الوثيقة على تدبير المساعدات الفرنسية، خصوصا وأن الاتفاقيات التي تنظمها تمتد على مدى خمس سنوات.