أصبح لطنجة، رسميا، عمدة جديد بعد انتخاب فؤاد العماري، منسق حزب الأصالة والمعاصرة في جهة طنجة تطوان، بعد الاستقالة التي كان قد قدمها العمدة السابق سمير عبد المولى، فيما يرتقب استمرار جدل رافق عملية الانتخاب، بسبب ما اعتبره الكثيرون «خروقات غير قانونية شابت عملية الانتخاب». وقد انتُخِب فؤاد العماري في جلسة جرت أول أمس (الأحد) في قصر البلدية بمجموع 59 صوتا، مقابل 23 صوتا، هي مجموع أصوات المعارضة التي يشكلها حزب العدالة والتنمية، مع صوت إضافي. وتمت جلسة الانتخاب وسط إجراءات أمنية مشددة، حيث تم إقفال جميع المنافذ المؤدية إلى مقر البلدية بعدد وافر من أفراد الأمن، فيما تم منع مستشارين ومواطنين من الدخول، بمن فيهم مستشارون أعضاء في مجلس المدينة لهم حق التصويت في هذه الانتخابات، قبل أن يتراجع مسؤولون أمنيون عن هذا القرار. وتجمع عشرات المواطنين أمام قصر البلدية ورفعوا شعارات منددة بما اعتبروه «طبخة جديدة تتم لانتخاب عمدة جديد للمدينة»، في أجواء وصفوها بأنها «غير ديمقراطية». وبدأت عملية الانتخاب وسط جدل قانوني، بسبب تقدم عضو العدالة والتنمية، عبد اللطيف بروحو، لترشيح نفسه أمام مرشح «البام»، فؤاد العماري، رغم أنه كان الثاني في لائحة الانتخابات الجماعية، ومع ذلك صمتت السلطة أمام هذا الترشح وبدأت المنافسة أمام استغراب الحاضرين من صمت الجميع. وكان حزب العدالة والتنمية يروم من وراء هذا الترشح إحراج السلطات، نظرا إلى الجدل القانوني الذي رافق ترشح العماري لهذا المنصب، على اعتبار أنه كان وصيف اللائحة في الانتخابات الجماعية المقبلة وأن القانون ينص على حقه في ذلك في حالة وفاة وكيل اللائحة، وليس فقط الاستقالة، كما جرى في الواقع. وفي الوقت الذي يعتبر حزب العدالة والتنمية أنه استطاع من وراء ذلك إيصال رسالة حول الجانب القانوني من مسألة ترشح العماري لهذا المنصب، فإن بيانا صدر عن أحزاب البام والتجمع والاتحاد الدستوري ندد بتصرف «العدالة والتنمية» واعتبره «محاولة يائسة لخلط الأوراق»، وفق تعبير البيان. من جهته، يقول الخبير في مجال القوانين الانتخابية، حسن جماعي، إن المرشحين اللذين تقدما للمنافسة على منصب رئيس المجلس الجماعي لا حق لهما في الترشح ولا يتوفران على أهلية الترشح لهذه الانتخابات. وأضاف الخبير القانوني، في تصريح ل«المساء»، أن المادة السادسة من الميثاق الجماعي تجعل حق الترشح محصورا في رؤوس اللوائح، وهذا الشرط، في رأيه غير متوفر في المرشحيْن المذكورين. وقال الأستاذ الجامعي إن السلطات المحلية، التي كان من المفروض أن تسهر على سلامة العملية الانتخابية، غضَّت الطرف عن إعمال ضوابط الترشيح لرئاسة المجلس الجماعي، وهو ما مس بمبدأ الشرعية الذي يفرض عليها حسن تنفيذ القانون يوم الاقتراع. وقدم الخبير القانوني تفسيرين حول سكوت السلطة عن هذا الخرق القانوني، الأول أن السلطات تواطأت مع المرشحين وخرقت بذلك القاعدة القانونية، والتفسير الثاني هو أن تطبيق المادة السادسة، التي لا تحدد كيفية معينة لتقديم الترشيحات قبل يوم الاقتراع، جعلها تتجاهل تطبيق النص العام المتمثل في مدونة الانتخابات، خاصة المواد المنظمة لتقديم الترشيحات. وأوضح نفس المتحدث أن مرشح العدالة والتنمية كان خرقه للقانون واضحا ومقصودا، لكن السلطات المحلية سكتت عن هذا الوضع، بالرغم من تدخل أحد أعضاء المجلس، الذي طالب بأن يتضمن المحضر توصية تفيد بعدم أهلية ترشح أحد المنافسين على الرئاسة، وقال جماعي إن عدم تدخل السلطة، بعد إثارة المستشار الجماعي هذا الأمر، يعتبر خرقا آخر قامت به السلطات المحلية. ولم تحدث خلال عملية الانتخاب مفاجآت، حيث إن لائحة مكتب العمدة، التي تسربت قبل الانتخاب بيوم كامل، هي نفسها التي تم «انتخابها»، إذ بدا أن الأشياء كانت «محبوكة» بكثير من الدقة، وظهر «انضباط» غير معهود على أعضاء مجلس المدينة، وعددهم حوالي 85 عضوا. وكانت الأيام التي سبقت عملية الانتخاب عرفت اجتماعات كواليس مكثفة، تمت أغلبها في فنادق ومقاه ومنازل قادة حزبيين، بالإضافة إلى تحول حفل زفاف في منزل منسق حزب الاتحاد الدستوري في طنجة إلى مناسبة لتداول آخر الترتيبات لرسم ملامح مجلس المدينة، بالإضافة إلى عقد اتفاقية بين هذه الأحزاب سميت ب«اتفاقية حكامة»، هي أشبه ببنود وشروط تلتزم بها هذه الأحزاب من أجل عدم الإخلال بانسجام الأغلبية الجديدة في مجلس المدينة وتجنب الصراعات التي عرفها المجلس السابق. ولوحظ خلال عملية انتخاب العمدة الجديد غياب عضوين فقط من أعضاء مجلس المدينة الخمسة والثمانين، أحدهما سمير عبد المولى، العمدة السابق، الذي قدم استقالة لا تزال تثير الكثير من التساؤلات حول أسبابها الحقيقية. ووفق مصادر مطلعة من مجلس المدينة، فإن الخلاف الذي كان مشتعلا بين أعضاء في حزب الأصالة والمعاصرة في طنجة كانت السبب الرئيسي لهذه الاستقالة، على اعتبار أن التحالف الذي تم نسجه اليوم بين ثلاثة أحزاب رئيسية في المجلس كان من الممكن جدا رسمه قبل ذلك، لكن الصراع الخفي بين أعضاء «البام» في طنجة لم يكن يسمح بذلك.