يظن كثير من الناس أن ما يصطلح عليه باضطراب الوسواس القهري، والذي يرجع فيه إلى العلاج النفسي هو أي نوع من الوسوسة. ويخلطون بينه وبين الوسوسة كلفظ عام يستعمل في الكلام العادي أو في اللغة، أو الوسوسة كما وردت في بعض النصوص الدينية. لهذا لا بد من تدقيق المصطلح تفاديا للخلط والغلط. ويتضمن الاضطراب الوسواسي القهري أمرين: أفكارا وسواسية وأفعالا قهرية. والمريض قد يعاني منهما معا، أو من واحد منهما فقط. 1 الأفكار الوسواسية: هي أفكار أو مخاوف أو صور تتسلط على الفرد، بصورة متكررة وملحة، ومن سماته أن الفرد: يشعر بأنها نابعة من عقله على الرغم من كونها خارجه عن إرادته، فهو لا يريد أن يفكر بها لكنه يجدها مضايقة له ومفروضة عليه. وكأن عقله التصق بتلك الفكرة ولا يريد أن يتركها. وكل محاولاته لإيقافها أو تجاهلها تكون فاشلة. يعرف بأنها غير صحيحة وغير مقبولة، وأنها تافهة أو لا معنى لها. كما تسبب له قلقاً وتوتراً شديدا. وتختلف مواضيع تلك الوساوس من مريض لآخر. فقد يتعلق الأمر بأفكار ذات مضامين دينية أو فلسفية. فتتردد الأسئلة في ذهنه عن الذات الإلهية أو الكون وخلقه أو غيرها، فمثلا قد تنتابه أفكار وأسئلة مثل: إذا كان الله هو الذي خلقنا، فمن خلق الله؟. فيحاول جاهدا التخلص منها دون جدوى. ويبقى يتردد في ذهنه، ويرجع كل مرة بصورة مزعجة. وقد يجمد ذلك نشاطه الذهني. وأحيانا يخاف المريض من أن يقوم في الصلاة فيسب الله. وتلح عليه هذه الفكرة على الرغم من أنه يعرف عاده أنها ليست حقيقة. وقد يتعلق الأمر بوساوس مرتبطة بالمرض. فيقلق المريض بشكل غير منطقي من الإصابة بالجراثيم أو بمرض خطير مهلك. وقد لا يفارقه التفكير الملح في كونه التقط عدوى أو أنه سينقلها إلى أفراد أسرته. ومن الأمثلة المنتشرة الخوف المستمر من الإصابة بمرض السيدا أو بمرض السرطان أو بالعجز الجنسي. 2 الأفعال القهرية: هي أفعال يجد الفرد نفسه مكرها على تكرارها بصورة نمطية صارمة أحيانا، دون أن يستطيع الامتناع عن ذلك. وهي تكون عادة أفعالا قهرية نابعة عن أفكار وسواسية مرتبطة بموضوعها ومسببة لقلق شديد. فيلجأ المريض إلى الأفعال القهرية للتخفيف من قلقه، حيث تقوم بدور الطقوس الحركية الضرورية للتخلص من الوساوس. لكن هذه الوساوس لا تخف إلا لفترة محدودة ثم تعود مرة أخرى، مما يدفع المريض إلى تكرار الأفعال القهرية، وهكذا دواليك. ومن الأمثلة غسل الأيدي بصورة متكررة تخرج عن المعقول، وربما بمواد مضرة كالمطهرات الكيميائية. ومنها الغسل المبالغ للجسم بعد عمليات التبول أو التبرز أو أثناء العادة الشهرية. وقد رأينا مرضى يمكثون في الحمام ساعات طويلة لفعل ذلك، أو للاغتسال. وواضح أن كل ذلك يؤدي إلى الإنهاك وإضاعة الوقت. ومن الأمثلة أيضا أن يراجع المصاب الباب أو قنينة الغاز مرات ومرات ليتأكد من كونهما مقفلين. هناك ثلاث ملاحظات ضرورية لاستواء النظرة إلى تشخيص هذا الاضطراب. أولا إن المعايير المذكورة تبين أن معظم الوساوس التي يحس بها الناس ليست اضطرابا نفسيا، وذلك مثل الخوف من عدوى مرض معين أو القلق على قريب مريض أو مسافر. فهي لا تشكل مرضا إلا إذا استمرت لفترة طويلة، وأثرت على أداء الإنسان الأسري أو المهني أو التواصلي، أو سببت له قلقا وألما نفسيا. ثانيا يظهر الاضطراب الوسواسي القهري عادة لدى شخصية وسواسية تتميز أساسا بكثرة النظام وضبط الوقت والدقة في الأعمال والاهتمام بالتفاصيل وقلة المرونة. صحيح أن الإنسان الناجح يحتاج لبعض سمات الشخصية الوسواسية حتى تكون له دافعا لينظم ذاته ويكون دقيقا في حياته. لكن تلك السمات إذا زادت عن الحدود الطبيعية، تشكل إزعاجا لمن حوله، وقد تكون بداية للاضطراب الوسواسي القهري وفق سياقات نتحدث عنها في حلقة مقبلة بإذن الله. ثالثا إن من نتائج ضغط الاضطراب الوسواسي القهري على المريض أنه يحاول باستماتة مقاومته وعدم الاستسلام له. لكن مع مرور الوقت قد تضعف مقاومته، فتترتب على إحساسه بسيطرة الوساوس آلام نفسية ومشاكل اجتماعية ومهنية. لهذا فإن المريض كثيرا ما يلجأ إلى العيادة النفسية وهو يعاني أيضا من هذه الآلام النفسية، التي قد تتطور إلى اكتئاب أو يصاحبها أحد اضطرابات القلق الأخرى. .