أنا سيدة أبلغ من العمر ثلاثون سنة، لدي طفلان وأعاني منذ أربع سنوات من اضطراب الوسواس القهري الذي زرت بسببه طبيبا نفسانيا فوصف لي بعض الأدوية التي خففت من حدة معاناتي، لكن الإضطراب لم يختف تماما بشكل نهائي.. أتساءل دائما مع نفسي إن كان هذا الاضطراب ينتقل بشكل وراثي إلى الأبناء، إذ لا أريد أن يعاني طفلاي من هذا المشكل.. لذلك أطلب توضيحات حول إمكانية انتقال الوسواس القهري إلى الأبناء، لأنني قلقة جدا بشأن هذا الأمر.. > أريد أن أوضح أولا بعض النقط المتعلقة باضطراب الوسواس القهري. فهو اضطراب نفسي يتضمن الأعراض التالية: أولا، أفكار وسواسية لا يستطيع المريض التحكم فيها والتي تأتيه بشكل متكرر. والمريض في هذه الحالة يعرف بأن هذه الأفكار لا علاقة لها بالواقع، ولكنه لا يستطيع تجاوزها، مثلا أفكار أو صور متعلقة بالجنس كأن يفكر المريض أو يتصور بأنه في حالة أو في موقف جنسي مع شخص هو من المحارم.. وهذا شيء يكون بالطبع ضد أخلاق ومبادئ المريض، لكن هذه الصور والأفكار تقتحم ذهنه دون أن يستطيع صدها.. هناك نوع آخر من الوساوس متعلق بأفكار حول الدين تكون أيضا ضد الإيمان العميق للشخص، وهناك كذلك الوساوس الاندفاعية لتي يكون الخوف فيها شديدا من إيذاء شخص مقرب، إلى غير ذلك من الوساوس الأخرى. إضافة إلى الأفكار، هناك ما يسمى بالطقوس، أي أن المريض يكرر فعلا ما عدة مرات وبشكل يومي، كغسل اليدين أربعين مرة في اليوم أو أخذ ساعة من الوقت للتأكد من إغلاق قنينة الغاز.. ترافق هذه الأفكار والطقوس شخصية وسواسية من أهم صفاتها الدقة الشديدة في تناول الأمور، الإحساس بالذنب وتضخم المسؤولية، والحرص المفرط على الحفاظ على النظام، إضافة إلى بعض البرود العاطفي.. في الحقيقة هناك تضارب بين الأطباء النفسانيين والأخصائيين النفسانيين حول هذا الموضوع..إذ أن الأطباء النفسانيين يعتقدون بأن هناك جانبا وراثيا يلعب دورا في انتقال المرض، أي أن الاستعداد البيولوجي على مستوى الجهاز العصبي له دور في احتمال ظهور المرض عند الأبناء، ولكن ليس في كل الحالات.. أما الأخصائيون النفسانيون المختصون في الجلسات النفسية، وخصوصا منهم الذين يشتغلون على طريقة التحليل النفسي، فهم يعتقدون بأن له علاقة بما عاشه الشخص المعني في طفولته وباستعداده النفسي الخاص به.. ولذلك ليس من الضروري أن ينتقل المرض إلى الأبناء.. إنهم يركزون على الطريقة التي يعاش بها المرض داخل الأسرة.. شخصيا، أعتقد بأن الجانب البيولوجي الوراثي في حد ذاته لا يمكنه أن يفسر لوحده احتمال انتقال الاضطراب، وإنما الشيء المهم والأساسي الذي أود التركيز عليه هو الطريقة التي تعيشين بها اضطرابك داخل البيت، وكذلك شخصيتك التي يمكن أن يكون لها تأثير على تربية أبنائك.. أؤكد لك أولا بأن الاضطراب النفسي ليس عيبا أو جريمة وإنما هو كباقي الاضطرابات الأخرى التي يمكن للفرد أن يتعايش معها بشكل أفضل إن توفرت له الفرصة للتفكير في مرضه بطرق أفضل.. أقول لك هذا لأن أبناءك قد يلاحظون عليك بعض أعراض الاضطراب، وهنا ينبغي عدم تهويل الأمر إذ لا بأس من التحاور معهم لإفهامهم بأن الأمر يتعلق باضطراب وبأنك تخضعين لعلاج.. هذا أمر ضروري لكي لا يفهم أبناؤك عن طريق مخيلتهم بأن ما تعانين منه هو سلوك لا بد أن يتكرر عند كل الناس..لقد ذكرت قبل قليل بأن الشخصية تكون غالبا عند الشخص الوسواسي تركز على الدقة والنظام والمنهجية الصارمة في الحياة وداخل البيت، وسأدعك تتساءلين إن كنت تفرضين هذا النمط داخل الأسرة.. أخيرا، أود الإشارة إلى أن الجلسات النفسية يمكنها أن تساعدك على التخفيف من حدة المرض والتعامل مع أطفالك بطرق تريحك نفسيا أكثر وتساهم بشكل أفضل في صحتهم النفسية.. < أسمع كثيرا عن الأطباء النفسانيين والأخصائيين النفسانيين لكنني لا أعرف الفرق بين مهمة كل واحد منهما. اتسائل في أي الحالات ينبغي زيارة الطبيب النفسي وفي أي الحالات الأخرى يمكن زيارة الأخصائي النفساني؟ وما الفرق بينهما. > هناك خلط كبير عند كثير من الناس فيما يخص التمييز بين الطبيب النفساني والأخصائي النفساني. فالأول لديه تكوين طبي، أي بعد إكماله لمساره الدراسي في الطب العام يتخصص في الطب النفسي. هذا التخصص يؤهله لتشخيص الأمراض النفسية وإعطاء الأدوية المتناسبة مع نوع المرض. إذن فالمهمة الأساسية للطبيب النفساني هي العلاج عن طريق الأدوية، أما إذا أراد الطبيب النفساني إجراء جلسات نفسية علاجية للمريض بغض النظر عن الأدوية فإن تكوينه في الطب النفسي لا يؤهله لذلك فيكون عليه القيام بتكوين آخر في العلاج النفسي الذي يعتمد على الجلسات لكي يستطيع مساعدة المريض عن طريقها. أما بخصوص الأخصائي النفساني فلديه تكوين خاص في علم النفس العيادي، هذا التكوين يدوم على الأقل خمس سنوات، تؤهل المتكون لمساعدة المريض على تجاوز معاناته النفسية عن طريق الجلسات النفسية والتي يتم التركيز من خلالها على شخصية المريض وسلوكياته ومحيطه الأسري والاجتماعي وطفولته والتربية التي تلقاها، ودور كل هذا في ظهور الاضطراب النفسي واستمراره، وكذلك البحث عن الإمكانيات الغير مفكر فيها من قبل المريض لتجاوز معاناته. والجلسات النفسية تتيح الفرصة للشخص من أجل الحديث عن دواخله بمنهجيات خاصة يعتمد عليها الأخصائي النفساني الذي يدخل في نطاق تكوينه أيضا تطبيق اختبارات نفسية على الشخص للتعمق في شخصيته والأسباب الكامنة من وراء معاناته النفسية. مهمة الأخصائي النفساني لا تقتصر فقط على العلاج النفسي داخل العيادات وإنما يكون باستطاعته أيضا القيام بالمرافقة والدعم والإرشاد السيكولوجي داخل المدارس والجمعيات والمؤسسات المختلفة. بقي أن أتحدث عن الحالات التي ينبغي فيها زيارة الطبيب النفساني والأخرى التي تستدعي القيام بجلسات لدى الأخصائي النفساني، كما جاء في سؤالك. فحينما يتعلق الأمر بمرض عقلي، أي حينما ينفصل المريض عن الواقع وتكون لديه هلاوس كأن يرى أو يسمع مثلا أشياء لا وجود لها في الواقع، وحينما يصبح المريض في حالة من الهذيان ويتحدث بأشياء لا وجود لها في الواقع أو تصبح لديه أفكار غير واقعية بتاتا كأن يعتقد بأنه نبي مثلا، فهنا يستدعي الأمر تناول الأدوية بشكل مستمر لكي تستقر الحالة النفسية للمريض وبعدها يمكن القيام بجلسات نفسية عند الأخصائي النفساني الذي يساهم في استقرار الحالة بشكل أطول إلى جانب الأدوية. هناك حالات أخرى متعلقة بالاضطرابات النفسية كالخوف المرضي والاكتئاب والوسواس والقلق التي يمكن علاجها منذ البداية عن طريق جلسات نفسية منتظمة تختلف مدتها باختلاف المريض وشخصيته وطبيعة مرضه والأحداث التي عاشها والمعاناة الكامنة وراء اضطرابه، لأن الجلسات النفسية تعتمد أولا على التركيز على خصوصية المريض وتفرده بغض النظر عن نوع الاضطراب الذي يعيشه.