عرفت إيهود باراك أول مرة في مكتب إيتان هابر الذي كان المستشار الإعلامي واليد اليمنى لوزير الدفاع آنذاك إسحاق رابين. تولى باراك في تلك الأيام رئاسة أمان، وبدت زياراته الكثيرة إلى مكتب هابر -في نظري- تعزيزا لعلاقة بالشخص الأقرب من رابين. وعندما تبين له أن أصلي من تركيا، ألصق بي سريعا لقب التحبب «يوئليكو». كان باراك -مع كونه ذا ماض، إذ كان محاربا في دورية هيئة القيادة العامة، واشتمل ذلك على عملية «أفيف ناعوريم» التي تنكر فيها بلباس امرأة- رجل محادثة آسرا. كان مدعوا مركزيا إلى احتفالات المجتمع الرفيع في تل أبيب التي حضرها وزراء ذوو شأن وأناس أعمال أجلاء. بلغ باراك رئاسة الأركان بصفته كان الجندي الأكثر أوسمة في الجيش الإسرائيلي، بسهولة وهو يعلن: «من لا يطلق النار سيقتطع منه». كانت غايته الأولى وفشله الأول إذاعة الجيش الإسرائيلي. فمن الحقائق أن إذاعة الجيش الإسرائيلي تنشد وتغني حتى هذا اليوم. وصف باراك بأن ذكاءه المرتفع يسيل من رأسه. أوجد اختراع المستعربين، وإن كان رئيس الشاباك في تلك الأيام قد اعتقد أن كشف باراك عن اللعبة كان خطأ. قال باراك إنه في المنطقة التي نعيش فيها يقتضي الواقع الانتقام، وإذا لم نعمل حسب ذلك سيفسر الأمر على أنه ضعف. وقد ابتدع آنذاك -حسب الصحافة الأجنبية- فكرة اغتيال صدام حسين انتقاما عن صواريخ سكود. وهي عملية فشلت فشلا تاما بكارثة تسالم. استغل باراك فترة الانتظار بين رئاسة الأركان والسياسة في صنع المال، ولا عجب في هذا. فقد جال طوال سنين في بيوت أثرياء، ولا بد أنه اعتقد أنه إذا كان أغبياء كهؤلاء يصلون إلى حيث وصلوا فإنه يستطيع ذلك أكثر منهم. استدعى رجل أعمال معروفا لقضاء الظهر معه، وسأله كيف يصنع مليونا في نصف سنة أو سنة. كان باراك رجلا مخططا: فالمال أولا ورئاسة الحكومة بعد ذلك. كان هذا هو المسار الذي حدده لنفسه. بلغ باراك رئاسة الحكومة بانتخابات مباشرة عن حزب العمل، تمت في مايو 1999 بأكثرية 56 في المائة إزاء نتنياهو. يتذكر هذا النصر بصوته المرتجف: «هذا فجر يوم جديد»، الذي كتبه موشيه غئون. هرب من ذاكرته جميع أسياد الأرض الذين أقاموا له حفلا قبل الانتخاب ووعدهم بالاحتفال بالنصر معهم. في افتتاح المكتب الجديد في أكيروف، أجرى مقابلة في إحدى الغرف مع أعضاء العمل الذين عملوا من أجله. خرجت دالية إيتسك من اللقاء والدموع في عينيها وقالت: «لم أر فظاظة كهذه». وخرج عوزي برعام من الغرفة وهو يقول إنه لم يقترح عليه شيئا. من يبحث عن جذور ما يكتب فيه أولمرت في كتابه، سيجدها في هذه الفترة. تفضل أولمرت، رئيس بلدية القدس عن الليكود، على باراك بظهوره في برنامج مذاع للانتخابات قال فيه: «لن يقسم باراك القدس»، وهذا التزام خصم لا يقدر بالذهب. وكان شكر ذلك أن مر نحو نصف سنة قبل أن يستجيب باراك لطلب أولمرت أن يلتقي به للنظر في شؤون القدس. عندما بلغ أولمرت رئاسة الحكومة، عاد باراك إلى طريقته منذ أيام رابين كما يصف الفصل الثاني في كتاب أولمرت: «تملق واقترح إقالة عمير بيرتس وتعيينه وزيرا للدفاع. بعد حرب لبنان الثانية فقط، تغلب باراك على عمير بيرتس وأصبح تعيينه وزيرا للدفاع محتوما... إن باراك الذي عرفته إذ كان وزير دفاع، كان يختلف تماما عن الشخص الذي عرفته مدة عشرات السنين. كان في الأساس مترددا وثرثارا وسواسيا، ومما فاجأني كثيرا أنه بلا قدرة على القرار أيضا». عندما كشفت في مقالة بعد «الرصاص المصبوب» عن كون «باراك أراد أن يوقف الحرب في وقت مبكر، لكن أولمرت عارض»، وبّخه أولمرت. وعلى إثر ذلك وبخني باراك وكففت منذ ذلك الحين عن أن أكون «يوئليكو». يكشف أولمرت أن علاقة باراك بالخاضعين له كانت هي الأسوأ. فقد وبخ أفضل قادة الجيش الإسرائيلي في جلسات المجلس الوزاري المصغر. وبلغ الذروة عندما أوقف جنرالا رفيعا في وسط استعراضه وأمره قائلا «أسكت واجلس» (الحديث عن اللواء ناحوشتان وهو اليوم قائد سلاح الجو). وأظهر باراك سلوكا مخجلا مشابها في جلسة هيئة القيادة العامة الأخيرة قبل الأعياد وزعموا من مكتبه طوال الطريق منذ ذلك الحين أنه كانت هنالك «مؤامرة» لإطالة ولاية أشكنازي. «يوجد مذنب واحد فقط في هذا الجو غير الممكن، وهو باراك نفسه»، يخرج إيتان هابر عن صمته. لا يوجد «تمرد كولونيلات»، كما اتهم آري شفيت في صحيفة «هآرتس». أتى الانقلاب على أشكنازي من أعلى بل من الأعلى. عن ال«هآرتس» يوئيل ماركوس