فاجأ الجنرال دان حالوتس- رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السابق والذي تولى في السابق منصب قائد سلاح الجو- الجميعَ عندما أعلن بوضوح، وفي أكثر من مقابلة صحفية مؤخرًا أنه وفق المعلومات المتوفِّرة لديه فإنّه ليس بوسع إسرائيل توجيه ضربة لإيران، مشددًا على أنه يقول ذلك من منطلق معرفته بقدرات الجيش الإسرائيلي وطبيعة الأهداف الإيرانية المرشحة للقصف. ويُرجِع حالوتس عدم قدرة إسرائيل على توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني إلى حقيقة انتشار المنشآت النووية الإيرانية على مساحة شاسعة، بحيث تمّ توزيعها في مختلف أرجاء إيران، بالإضافة إلى حرص الإيرانيين على إقامة منشآتهم النووية في عمق الأرض، الأمر الذي يقلص من قدرة سلاح الجو الإسرائيلي على قصف هذه المنشآت بنجاعة كبيرة، بالإضافة إلى حاجة إسرائيل إلى إمكانيات لوجستية هائلة من أجل تحقيق إصابات كبيرة في المشروع النووي الإيراني. ويرى جنرال الاحتياط الإسرائيلي المتقاعد يغال شاؤولي أنّ نجاح إسرائيل في ضرب المنشآت النووية الإيرانية لن يكون ممكنًا إلا في حال تعاونت دول الجوار العربي وتغاضت عن استخدام مجالها الجوي من قبل سلاح الجو الإسرائيلي. ويرى شاؤولي أنّه حتى لو تجاوزت إسرائيل كل هذه المخاطر فإنّه لا يوجد هناك ضمانة بألا تنجح القوات الإيرانية في مفاجأة الطيران الإسرائيلي وإسقاط عدد كبير من الطائرات، مما يعني عمليًا تحويل العملية إلى عملية فاشلة حتى لو أدّت إلى تدمير عدد من المنشآت. لكن مما لا خلاف حوله في إسرائيل هو المخاطرة الهائلة التي تنطوي عليها إهانة إيران وضربها؛ حيث إنه سيكون في حكم المؤكّد أن الإيرانيين سيردون بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى تهديد المنطقة والعالم بشكل كبير. وتفترض الكثير من الأوساط أن توجيه ضربة لإيران يعني المخاطرة بأن تقوم إيران بالردّ بشكل قد يؤدي إلى تدخل الولاياتالمتحدة. ولعل أحد أهم الأسباب التي تدعو الإدارة الأمريكية إلى ثَنْيِ إسرائيل عن شنّ عملية عسكرية ضد إيران هو حقيقة مخاوف أوباما من أن يقوم الإيرانيون بتوجيه ضربات موجِعة للوجود الأمريكي في كلٍّ من العراق وإيران والخليج، بشكل يمثل تهديدًا هائلًا للمصالح الأمريكية، وقد يضطر واشنطن للتدخل في الحرب ضد إيران، وهو سيناريو الرعب الذي تتجنبه إدارة أوباما التي تدرك أنها لم تنتخب من أجل شنّ مزيد من الحروب، بل لتدارك الأخطاء الإدارة السابقة التي أدّت الحروب التي شنتها فقط إلى تدهور مكانة واشنطن. في نفس الوقت فقد صدرت دراسة إسرائيلية جديدة تحذِّر من أن حربًا بين إسرائيل وإيران ستكون مدمرة وطويلة الأمد حال نشوبها، وستتسع لتشمل عدة جبهات. وأشار الباحث موشيه فيرد في دراسة بعنوان "الحرب بين إيران وإسرائيل" الصادرة عن مركز الأبحاث "بيغين سادات" إلى أنّ الحرب بين إيران وإسرائيل في حال نشبت لن تنشب فقط بسبب المشروع النووي، بل أيضًا على خلفية الكراهية الدينية والسياسية. وتتوقع الدراسة أن تتورّط إسرائيل في حرب عصابات طويلة كما حدث في حرب لبنان الأولى عام 1982 في حال قامت باجتياح لبنان لإحباط صواريخ المقاومة اللبنانية التي من المتوقع أن يطلقها حزب الله ردًا على ضرب إيران. وأشارت الدراسة إلى إمكانية أن تقوم إيران بتعزيز ميزان القوى لصالحها بإرسال تعزيزات عسكرية هائلة لسوريا ولبنان للمشاركة بالقتال، مستغلة انسحاب الولاياتالمتحدة من المنطقة نهاية العام القادم. ولم يستبعد نجاح إيران في استغلال المتغيرات الإقليمية لإرسال عتاد وسلاح ومتطوعين إلى سوريا مباشرة عن طريق العراق أو تركيا، منبهًا إلى أن ذلك سيصعب جدًّا على إسرائيل حسم معركة برية ويورِّطها في حرب طويلة. وتعرضت الدراسة إلى إمكانية قيام إيران باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر وشنّ حملات مكثفة تستهدف الخطوط الجوية الإسرائيلية والمصالح الإسرائيلية في العالم. وهناك في إسرائيل مَن يرى أنه بات من العبث التفكير في ضرب إيران بسبب الشوط الذي قطعه الإيرانيون في تطوير برنامجهم النووي. ويرى رئيس هيئة أركان سلاح الجوّ الإسرائيلي السابق رؤوفين بديهتسور أن أي ضربة إسرائيلية مهما كانت ناجحة ستسفر عن تأجيل المشروع النووي الإيراني لعدة سنوات وليس إلى القضاء عليه، مشيرًا إلى أن الإيرانيين سيستغلون الضربة في تكثيف أنشطتهم من أجل إنجاز المشروع النووي. بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية أشارت إلى بعض مستويات صنع القرار في تلّ أبيب باتت تدرك المخاطر الهائلة والكامنة في توجيه ضربة للمشروع النووي الإيراني، لكنها في نفس الوقت ترفض تقديم تعهد لواشنطن بعدم توجيه مثل هذه الضربة من أجل ابتزاز واشنطن ودفعها للموافقة على قيادة جهود دولية غير مسبوقة من أجل تجنيد المزيد من الدول للموافقة على فرض عقوبات غير مسبوقة على إيران، على اعتبار أنّ إسرائيل تدرك حجم مخاوف إدارة أوباما من تداعيات توجيه ضربة إسرائيلية لإيران على المصالح الأمريكية. وهناك في إسرائيل من دعا إسرائيل إلى التسليم بقدرة إيران على التحول إلى دولة نووية والبحث عن بدائل أخرى لضمان أمنها. ويرى الصحفي إيتان هابر الذي شغل في الماضي منصب مدير مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحاق رابين أنّ على إسرائيل أن تستعد للتسليم بقدرة إيران على إنتاج سلاح نووي في القريب العاجل، مشددًا على أن كل المؤشرات تؤكّد أن إسرائيل ليس بوسعها الحيلولة دون ذلك. لكن أكثر ما يثير مخاوف هابر هو إمكانية تبلور تحالف بين كل من إيران وسوريا وتركيا، فهذا السيناريو في نظره سيناريو رعب. وأشار هابر إلى أن حملة الاعتقالات التي طالت عددًا كبيرًا من كبار الضباط في الجيش التركي، والتي تؤكد حسب وجه نظره أنه لم يعد بالإمكان الاعتماد على التحالف بين إسرائيل وقيادة العسكر في منع هذا السيناريو. من هنا فإن هابر ينصح دوائر صنع القرار في إسرائيل بالتوجه فورًا نحو التوقيع على حلف دفاع مع الولاياتالمتحدة، مشددًا على أنه لم يعد من الطائل معارضة هذه الخطوة خشية أن تقوم واشنطن بفرض قيود على إسرائيل تحدّ من قدرتها على العمل العسكري ضد أعدائها بشكل منفرد. قصارى القول بخلاف الانطباع الذي تحاول تل أبيب أن تبرزه فإنّ شواهد عدة تشير إلى وجود خيارات عسكرية حقيقية لمواجهة المشروع النووي الإيراني، لكنها في نفس الوقت تحاول استغلال الانطباع السائد عنها كقوة لا تحسب لأحد حسابًا من أجل ابتزاز دول العالم ودفعها لفرض عقوبات حاسمة على طهران.