سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
جدوان: رؤيا للرسول صلى الله عليه وسلم شكلت دعما روحيا كبيرا لي في قراري الاعتزال قال إنها تخصه لوحده وإن الأحاديث الشريفة وأقوال العلماء حصنتها ضد التلاعبات
اسمه المختار جدوان. وكما شغل الناس بأغانيه وسهراته داخل المغرب وخارجه، شغلهم بحكاية اعتزاله الفن بالشكل الذي ألفه منه المغاربة طيلة عشرين عاما، ودشن طريقا آخر لحفظ القرآن وتدبر آياته حيث باتت أمنية الأماني بالنسبة إليه هي تسجيل كتاب الله مرتلا بصوته الجميل. أسئلة كثيرة واكبت هذا التحول الذي فاجأ الكثيرين من عشاق هذا الفنان. ففضلا عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي وقفت خلف «الاعتزال»، يتساءل الكثيرون عن شكل جدوان بعد التغيير، وهل سيعود إلى الفن أم لا? وهل أصبحت مواقفه متطرفة متشددة، أم إن المطرب الشاب التزم فعلا لكن بالإسلام الوسطي المنفتح الذي لا إكراه فيه ولا تطرف ولا تشدد؟. «المساء» وسعيا منها لتسليط الضوء على تفاصيل هذا «الانقلاب» الجذري في حياة المطرب الشعبي «جدوان»، ستمنح قراءها فرصة الاطلاع على ما جرى طيلة شهر رمضان الفضيل من خلال سلسلة حلقات مع المطرب صاحب «وراك خليتيني نساين» الذي بات قاب قوسين أو أدنى من حفظ المصحف كاملا، وصار لا يدع مجلس علم إلا حضره وأمتع الحاضرين بترتيل آياته الكريمة. وهي حلقات تتضمن تفاصيل صريحة ومثيرة عن الأجواء التي يعيش فيها الفنان المغربي، كما تتضمن شرحا لمواقف جدوان من القضايا المطروحة على الساحة الإعلامية والثقافية المغربية, والتي تثير في الغالب جدلا واسعا بين المهتمين. - الجانب الروحي لحظة قرار الاعتزال لا شك أنه كان له الدور الأكبر، كيف كان يشعر جدوان مع اقتراب سنه الأربعين وبعد اتخاذ قرار الاعتزال؟ كما سبق وقلت فإن الآية الكريمة الموجودة في سورة الأحقاف وهي التي يقول فيها الله عز وجل « وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا، حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ»، كان لها بالغ الأثر في نفسي منذ بلوغي سن الثالثة والثلاثين، ولطالما ذرفت عيناي الدموع وأنا أستمع إلى هذه الآية الكريمة يرتلها قارئ هنا أو هناك وهو أمر مستمر سبحان الله حتى الآن. كانت روحي تتوق نحو ترك مجال الغناء إلى أفق أرحب يرضي الله تعالى، وكنت أحس بضيق شديد بسبب التناقض بين ما أريده وما أمارسه، حتى إنني كنت أضطر لتمثيل دور الإنسان السعيد وأنا أغني في حفلة أو سهرة داخل أو خارج البلاد. وكنت أدعو الله تعالى بحرقة في كل مناسبة أن ييسر لي سبل الهداية مع بلوغ هذه السن، آملا أن تنطبق علي هذه الآية الكريمة. وبدون شك فللثبات النفسي دوره المهم جدا في الثبات على الرأي بعد قرار الاعتزال وهذا ما حدث فعلا. - في هذه الفترة ومع بلوغك سن الأربعين رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في منامك؟ بالفعل، تأثرت وبكيت كثيرا بسبب تلك الآية الكريمة كلما قرأتها أو سمعتها، وبدأت بنحو 7 سنوات قبل الاعتزال أتخذ الإجراءات اللازمة استعدادا لما بعد اتخاذ القرار في سن الأربعين كما سبق وتحدثنا عن ذلك. وقد أحسست أن الله تعالى استجاب لدعائي بعدما أكرمني الله تعالى برؤيا نبيه الحبيب صلى الله عليه وسلم في المنام. وقبل أن أحكي تفاصيل الرؤيا التي كانت دعما نفسيا كبيرا من عند الله جل وعلا، لا بد أن أوضح ابتداء بأن رؤية خير خلق الله في المنام مسألة شرعية مؤطرة بأحاديث نبوية شريفة وضوابط وضعها العلماء حتى لا يبقى ذلك عرضة للتلاعب. فقد روى البخاري في كتاب التعبير عن أنس رضي الله عنه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من رآني في المنام فقد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل بي»، والمعنى كما أكده العلماء هو أن «من رأى النبي صلى الله عليه وسلم على صورته التي كان عليها في الدنيا فرؤياه حق، فإن الشيطان لا يتمثل بصورته». كما أن العلماء يوضحون بأن «ما يُدَّعَى أنه أمر به أو نهي عنه أنه في الرؤيا الشخصية لا يُمكن أن يُعارِض الثابت في القرآن والسنة»، مثلما أنه «يَنبغي لمن حَصَل له ذلك ألا يَستغله استغلالاً سيئًا لمصلحة نفسه أو لغرض آخر لا يَتفق مع الدين، وهو حر في تصديق ما يراه، لكن لا يَفرِضه على غيره». ويشدد العلماء على أنه يجب «الاهتمام بتنفيذ ما جاء في القرآن والسنة، فالاعتصام بهما سبيل الهُدى وحماية من الضلال، والدين واضح وكامل وتامٌّ ليس في حاجة إلى زيادات بعد ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه والأئمة المجتهدين. وكل ما يقال عن الجديد فلابد أن يَأخُذ شرعيته من أصول الدين». من ثم فالرؤيا التي تحققت لي بفضل الله تعالى شكلت دعما نفسيا كبيرا لي في قراري اعتزال الفن، والغريب أن الرؤيا تزامنت مع بلوغي سن الأربعين ! وكما يرى القارئ الكريم فإن كافة المؤشرات والعلامات النفسية والروحية كانت تشير إلى اتجاه واحد وهو الاعتزال لحظة بلوغي السن المذكورة في سورة الأحقاف. - وماذا عن تفاصيل الرؤيا وكيف كان أثرها عليك؟ حدث ذلك خلال إحدى ليالي 2007 حينما بلغت سن الأربعين من عمري، حيث قمت ليلا وأديت صلاة الفجر ونمت بعدها، فرأيت نفسي أدخل المسجد الذي عادة ما أؤذن فيه الأذان الثالث لصلاة الجمعة، وتزامن دخولي المسجد مع إقامة الصلاة. كان هناك صف واحد من المصلين خلف الإمام، وسألت أحدهم بجانبي ونحن متوجهين إلى الصف عن هوية الإمام الذي لم نكن نعرفه فأخبرني مرافقي بأنه الرسول صلى الله عليه وسلم. ما لفت نظري هو أن الصف كان مكتملا والمكان الوحيد الفارغ هو الذي يلي يمين الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة. توجهت إلى ذلك المكان وبمجرد أن اقتربت منه أحسست بقشعريرة ورهبة وخوف ورعشة وإحساس غريب متضارب.. لما اقتربت من الصف ترددت في الدخول وبقيت بعيدا بنحو نصف متر، فالتفت صلى الله عليه وسلم نحوي ووجه إلي كلمتين نفذتا إلى قلبي فقال لي «قاد الصف» مشيرا إلي بيده اليمنى الشريفة إلى الصف. راودني إحساس غريب بعد هذه الرؤيا وأحسست بفرحة عارمة لا أستطيع وصفها. - وماذا فعلت بعد ذلك؟ توجهت بعد ذلك إلى خطيب الجمعة بحثا عن تفسير للرؤيا الكريمة، فقال لي إنه كوني كنت على يمين رسول الله فإن الأمر يتعلق بصلاة صحيحة كان إمامها هو صلى الله عليه وسلم، كما توجهت عند الإمام الراتب للاستفادة من رأيه بخصوص تفسير الرؤيا، وقد كنت حدثته بالمناسبة في وقت سابق عن أمنيتي اعتزال الفن لحظة بلوغي سن الأربعين، فتأثر بالرؤيا وأخبرني بأنها تثبيت نفسي لي كي أبقى مصرا على قراري بالاعتزال في تلك السن الواردة في آية سورة الأحقاف التي طالما أبكتني وجعلتني أدعو الله تعالى أن ييسر لي النجاح في اتخاذ ذلك القرار والثبات عليه. وقد بعثتْ فيَّ تلك الرؤيا التي هي أمر يخصني لوحدي، سكينة وطمأنينة لا حدود لهما. وما أود توضيحه كخلاصة هو أن الله تعالى كريم ويفرح بتوبة العبد ويستجيب للدعاء، فقط علينا نحن المسارعة إلى التوبة وطلب العون منه تعالى.