اسمه المختار جدوان. وكما شغل الناس بأغانيه وسهراته داخل المغرب وخارجه، شغلهم بحكاية اعتزاله الفن بالشكل الذي ألفه منه المغاربة طيلة عشرين عاما، ودشن طريقا آخر لحفظ القرآن وتدبر آياته حيث باتت أمنية الأماني بالنسبة إليه هي تسجيل كتاب الله مرتلا بصوته الجميل. أسئلة كثيرة واكبت هذا التحول الذي فاجأ الكثيرين من عشاق هذا الفنان. ففضلا عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي وقفت خلف «الاعتزال»، يتساءل الكثيرون عن شكل جدوان بعد التغيير، وهل سيعود إلى الفن أم لا? وهل أصبحت مواقفه متطرفة متشددة، أم إن المطرب الشاب التزم فعلا لكن بالإسلام الوسطي المنفتح الذي لا إكراه فيه ولا تطرف ولا تشدد؟. «المساء» وسعيا منها لتسليط الضوء على تفاصيل هذا «الانقلاب» الجذري في حياة المطرب الشعبي «جدوان»، ستمنح قراءها فرصة الاطلاع على ما جرى طيلة شهر رمضان الفضيل من خلال سلسلة حلقات مع المطرب صاحب «وراك خليتيني نساين» الذي بات قاب قوسين أو أدنى من حفظ المصحف كاملا، وصار لا يدع مجلس علم إلا حضره وأمتع الحاضرين بترتيل آياته الكريمة. وهي حلقات تتضمن تفاصيل صريحة ومثيرة عن الأجواء التي يعيش فيها الفنان المغربي، كما تتضمن شرحا لمواقف جدوان من القضايا المطروحة على الساحة الإعلامية والثقافية المغربية, والتي تثير في الغالب جدلا واسعا بين المهتمين. - متى جاءت الانطلاقة الحقيقية لفرقتكم الشابة؟ الانطلاقة الحقيقية لمجموعتنا الفنية كانت عام 1994 مع نهاية العقد الاحتكاري الأول حيث غيرنا شركة التسجيل التي احتكرتنا لمدة خمس سنوات، وبدأنا العمل وفق شروط أكثر راحة مع شركة ثانية سجلنا معها شريط «مول الطاكسي» وبعده ألبوم «وراك خليتيني نساين» وهو الشريط الذي حقق نجاحا كبيرا ومنح مجموعتنا الشابة سمعة طيبة في أرجاء الوطن وبين أوساط الجالية المغربية. - إذا كان هناك اتفاق على أن أغاني جدوان لم تتضمن كلاما خادشا للحياء، هل يمكن القول إنك الآن راض عن أغانيك؟ سأعطي مثلا لتوضيح هذه النقطة، فقد قلت إن الشريط الذي صدر عام 1994 اشتهر بأغنية «وراك خليتيني نساين» وللأسف فقد تضمنت استنجادا بالموتى و«السادات» والأضرحة وهو مخالف للعقيدة الإسلامية التي تحرم الاستغاثة إلا بالله تعالى. وهنا أوضح أن هناك بعض الفنانين يحرصون على تضمين أغانيهم مثل هذه المخالفات بالنظر إلى أن الاستنجاد بالأضرحة أمر مهم داخل الثقافة الشعبية المغربية، وحينما يجد سكان كل جهة أن «الأولياء» المنتشرين في مناطقهم ك «سيدي يحيى بوجدة» أو بوشعيب الدكالي بدكالة، والعربي بن السايح بالرباط ومولاي إدريس بفاس، ومولاي عبد السلام بمنطقة الشمال، مستنجد بهم داخل أشرطة غنائية فهم يقبلون عليها. بالإمكان في نظري أن نتغنى بمحاسن أولئك «السادات» وذكر ما قاموا به تجاه دينهم ووطنهم ومحاولة جعل الشباب يقتدون بهم، لكن دون الاستغاثة بهم لأن ذلك يدخلنا في متاهات عقدية خطيرة يجب الانتباه إليها. - بعد هذا النجاح انهالت عليكم طلبات إحياء حفلات وسهرات فنية في مدن المغرب المختلفة؟ بعد الانتشار الكبير الذي حققه الشريط الثاني أحيينا عدة سهرات وحفلات فنية بمختلف مدن المغرب ومنها مدينة سبتة السليبة التي لفت انتباهي بها حرص سكانها على التشبث بقيم المغاربة وعاداتهم وتقاليدهم برغم هذا الاحتلال المستمر منذ قرون. السفر بمدن وطننا العزيز مسألة حيوية وضرورية، وشخصيا أعتبره مدرسة يتعلم منها المرء الشيء الكثير، فكل مدينة أو قرية بها ثقافة غنية وثرية تؤثر في زائرها إيجابا وتجعل فكره منفتحا على آفاق متعددة لا تحصرها الجغرافيا الضيقة. - نود أن نعرف كيف يتفاعل الجمهور المغربي مع الفنانين وهل ذلك يختلف من منطقة إلى أخرى؟ لفت انتباهي في بعض المناطق أن الجمهور يتابع بدقة شديدة أداء الفنان وتحركاته وحتى نظراته، إذ يخشون كثيرا على بناتهم من بعض الفنانين. وهنا أذكر قصة طريفة وقعت لنا خلال مشاركتنا في إحدى السهرات، حيث اندمج أحد العازفين في أغنية كنا نؤديها ويبدو أن نظراته تركزت على مكان فيه عدد من السيدات وهو ما لفت عناصر من الجمهور الحاضر الذين توجهوا إليه بكلمات غاضبة وحذروه من مغبة الاستمرار في النظر إلى أولئك السيدات، فما كان من الزميل المسكين إلى أن قضى السهرة كاملة وهو ينظر إلى الأرض ! - بعد عروض فرقة جدوان داخل المغرب، كيف جاءتكم فرصة إحياء أول حفل خارج البلاد وما هي قصة السهرة التي غنيتم فيها دون أن تعلموا أنها من تنظيم معارضين للنظام؟ كانت فرنسا أول دولة أجنبية نزورها، أحيينا حفلات بالعاصمة باريس وليون سنة 1997 وهنا في هذه الجولة وقعت لنا حادثة غريبة وطريفة. نحن سافرنا بناء على دعوة من متعهد حفلات خاص ولم نكن نعلم وقتئذ أن منظمي إحدى تلك الحفلات كانوا ينتمون لجمعية تعنى بشؤون المهاجرين ولها موقف معارض للحكومة المغربية، فكنا نؤدي الأغاني بحبور ونشاط، وتجاوب معنا الجمهور وكنا ننهي بعضا من تلك الأغاني ب «الله ينصر سيدنا مولاي الحسن» الأمر الذي كان يصيب منظمي الحفل بانقباض، في حين نحن لم نكن نبالي إلا بالتجاوب مع الجمهور الذي طرب للأغاني الشعبية التي كنا نؤديها ولم نكن نعرف الخلفية السياسية لمنظمي الحفل. وأستغل هذه المناسبة للتوضيح بأن الذي يتحمل مسؤولية انتقاد شخص ما فعليه أن يتقرب منه ويتواصل معه ليعرف تفاصيل الحدث حتى يصل إلى الحقيقة، فمثلا كان بإمكان أي صحافي أن يقرر من تلقاء نفسه أن مجموعة جدوان أحيت حفلا فنيا لفائدة فئة معارضة للنظام في المغرب، في حين نحن لم نكن نعلم شيئا عن خلفيات لجنة التنظيم، وكل همنا كان ينحصر في أداء الأغاني والتفاعل مع جمهورنا. - هل في هذا السياق تندرج مشاركتكم في مؤتمر حركة إسلامية هي حركة التوحيد والإصلاح المقربة من حزب العدالة والتنمية؟ هذا ما أود توضيحه، أنا إنسان وفنان ملك للمجتمع بشتى طوائفه السياسية، بعيد كل البعد عن السياسة وسراديبها وتبايناتها، وحضوري مع هذا الحزب أو ذاك أو هذه الجمعية أو تلك لا يعني بالضرورة أنني أشاطرهم آراءهم السياسية أو الفكرية.