اسمه المختار جدوان. وكما شغل الناس بأغانيه وسهراته داخل المغرب وخارجه، شغلهم بحكاية اعتزاله الفن بالشكل الذي ألفه منه المغاربة طيلة عشرين عاما، ودشن طريقا آخر لحفظ القرآن وتدبر آياته حيث باتت أمنية الأماني بالنسبة إليه هي تسجيل كتاب الله مرتلا بصوته الجميل. أسئلة كثيرة واكبت هذا التحول الذي فاجأ الكثيرين من عشاق هذا الفنان. ففضلا عن الأسباب المباشرة وغير المباشرة التي وقفت خلف «الاعتزال»، يتساءل الكثيرون عن شكل جدوان بعد التغيير، وهل سيعود إلى الفن أم لا? وهل أصبحت مواقفه متطرفة متشددة، أم إن المطرب الشاب التزم فعلا لكن بالإسلام الوسطي المنفتح الذي لا إكراه فيه ولا تطرف ولا تشدد؟. «المساء» وسعيا منها لتسليط الضوء على تفاصيل هذا «الانقلاب» الجذري في حياة المطرب الشعبي «جدوان»، ستمنح قراءها فرصة الاطلاع على ما جرى طيلة شهر رمضان الفضيل من خلال سلسلة حلقات مع المطرب صاحب «وراك خليتيني نساين» الذي بات قاب قوسين أو أدنى من حفظ المصحف كاملا، وصار لا يدع مجلس علم إلا حضره وأمتع الحاضرين بترتيل آياته الكريمة. وهي حلقات تتضمن تفاصيل صريحة ومثيرة عن الأجواء التي يعيش فيها الفنان المغربي، كما تتضمن شرحا لمواقف جدوان من القضايا المطروحة على الساحة الإعلامية والثقافية المغربية, والتي تثير في الغالب جدلا واسعا بين المهتمين. - البعض يرى في الزواج المبكر مخاطرة لأن فرص نجاحه تكون قليلة خاصة وأن الإحصاءات الرسمية تؤكد ارتفاع نسب الطلاق نتيجة الخلل الذي أصاب الأسرة المغربية؟ الأمور نتجت عن سوء فهم لمضامين مدونة الأسرة الجديدة، التي أعتقد شخصيا أنها جاءت بخير كثير للأسرة المغربية وخاصة الأطفال الذين كانوا يعيشون حالة من الإهمال الشديد في ظل فراغ قانوني واضح. الزواج المبكر نعمة لكن بطبيعة الحال يجب أن يكون محصنا برعاية الأسرة وبتأهيل الابن والبنت لتحمل المسؤولية وإدراك المعاني الحقيقية للزواج. هذا من جهة أما من جانب آخر، فقبل المدونة الجديدة كان باب التعدد مفتوحا على مصراعيه أمام الأزواج والآن الأمر مقيد بشروط عديدة منها موافقة الزوجة الأولى وتوفير ضمانات للعدل بين الزوجات. الإسلام لا يتجزأ، والتعدد شرع للحفاظ على توازن المجتمع، فلا يحق لأحد بحجة شرعية التعدد أن يستمتع بهذا الحق لكن دون أن يلتزم بتعاليم الإسلام من بعد عن المخدرات والموبقات. البعض يريد تقليد التطورات التي عرفتها الأسرة الغربية في العديد من الأشياء وأنا أتساءل ببساطة وبعيدا كل البعد عن الخلفيات السياسية والفكرية: هل النموذج الغربي في الأسرة ناجح حتى نقلده؟ هل الإنسان يبحث عن تقليد التجارب الناجحة أم الفاشلة؟ سؤال بسيط وأترك للناس الإجابة عنه. ومن الأشياء الجميلة في المغرب جو الانفتاح والحرية الذي يتيح للإنسان أن يختار الطريق الذي يمشي فيه، ويتحمل مسؤولية اختياره. - بمناسبة الحديث عن التعدد، هناك من يرى ضرورة تجريمه قانونيا، ما تعليقك؟ القرآن ليس تاريخا، بل هو كلام الله يعلو ولا يعلى عليه.. كنت ذات مرة في سهرة بالولايات المتحدةالأمريكية عام 2000، ونظم لنا بعض المغاربة والعرب هنالك مأدبة على هامش الحفل، ودار بيننا نقاش ساخن حول قضية التعدد التي تلقى رفضا مطلقا من طرف النساء خصوصا. طلبوا مني معرفة رأيي فخاطبتهم بقولي: «النقاش الموضوعي يجب أن يكون مجردا من المواقف المسبقة والخلفيات الفكرية والإيديولوجية، ويجب النظر إلى الموضوع من زاوية بعيدة عن الأهواء. فالتعدد في نظري تشريع جاء كضرورة اجتماعية، ألمانيا مثلا عانت الشيء الكثير مع فقدان مئات الآلاف من أطفالها ورجالها خلال سنوات الحرب حيث أصبح عدد النساء يفوق بكثير عدد الرجال، فنتج عن ذلك خلل اجتماعي رهيب تسبب في ظهور العديد من المظاهر الاجتماعية الشاذة والفاسدة، ولو كان التعدد مشروعا في ألمانيا لتم التخفيف من حدة المشكل بتشريع الزواج بأكثر من واحدة، وقد عاش المسلمون في سنوات الفتح الإسلامي حالات مشابهة عندما كان يقتل الرجال فجاء التعدد لكي لا تضيع حقوق النساء. - هل هذا يعني فتح الباب على مصراعيه أمام التعدد؟ طبعا لا، التعدد حل لمشاكل محددة في الزمان والمكان ويجب أن يكون مؤطرا بضوابط شرعية وقانونية، فالإسلام لا يأتي بالحلول النظرية الباردة، بل أوجد الحل لكل مشكل يبرز، وبمجرد علاج المشكل يبقى الحل قائما وثابتا يؤخذ به كلما برز المشكل نفسه إلى الوجود؛ كأن يلجأ إلى هذا الحل (التعدد) الزوج الذي يكتشف أن زوجته عقيم أو مصابة بمرض ما، فعوض أن يطلقها بعد سنوات طويلة من العيش المشترك يمنحه الشرع وبكل واقعية حق الزواج من ثانية مع إجبارية ضمان حقوق الأولى ماديا ومعنويا. أما الذي لا يستطيع ضمان تلك الحقوق، أو الشخص الذي لا يلتزم بالسلوك الأخلاقي المتزن فحتى زوجة واحدة لا تجوز له لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير» رواه الترمذي وغيره. - توضح أنك تأكدت من خلال تجربتك الشخصية أن الاستقرار الأسري مهم للشباب لمواجهة ظاهرة الفساد والانحلال ؟ هذا واضح ومؤكد وقد عشته شخصيا وكان بفضل الله للاستقرار الأسري الأثر الإيجابي الأكبر على مساري الشخصي والمهني. وهنا أستغل المناسبة للحديث عن هذا الانحلال الخلقي البارز في مجتمعنا، وأؤكد أن الاستعمار العسكري والثقافي الذي ضرب المغرب وأغلب الدول الإسلامية كانت له اليد الطولى في ذلك، حيث ساهم في إيجاد ثقافة للفساد الخلقي وهو يعلم تمام العلم أن الأخلاق هي الأساس الذي تقوم عليه الحضارة. كذلك لا يمكن تبرئة دور السينما والقنوات التلفزية من نشر ثقافة الانحلال تلك، حتى إن كثيرا من المسلسلات التي تقدم على شاشة القنوات المغربية كلها تشجع على نسف القيم والأخلاق الفاضلة حيث تجد المشاهد المعروضة مركزة على الجسد بتضاريسه المختلفة في غياب للحس الفني والذوق الأخلاقي. وشخصيا أحترم كثيرا السيدة هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية، التي تلتزم بلباس أنيق ومحتشم غير مثير أفضل وأحسن من بعض المذيعات المسلمات. - لكن البعض يعتقد أن اللباس السافر هو الذي يساهم في تحقيق الأمنيات؟ (ضاحكا) إذا كان هذا هو المعيار فاعلم أن ذلك الزواج سيكون فاشلا وأن تلك الوظيفة لن تحقق للمرأة ما ترجوه منها وستبقى عرضة للتحرش. وأنا شخصيا «اللي كرهني» في العمل الفني هو وجود مثل هذه المناظر المثيرة حيث كنا نصادف في سهراتنا عريا فاحشا. بطبيعة الحال أنا لا أتحدث عن تحجب الفتاة فهذا متروك لطبيعة علاقتها بربها وهو من سيحاسبها عليه، ولكن أتحدث عن حشمة ووقار من المفترض أن يتوفرا ليس فقط في اللباس وإنما أيضا في السلوك مثلما كان عليه الحال عند نساء المغرب خلال العقود الماضية. على شبابنا أن يعلم أن النمط الاستهلاكي واللوبيات التي تقف وراءه هو المستفيد الوحيد من هذه الصراعات الموجودة في المجتمع والتي تتجسد في الإقبال المكثف على اللباس والسهرات ومعالم عدم احترام الهوية المغربية، وأكثر ما يزعج المستفيد من النمط الاستهلاكي هو التزام الشباب بمظاهر الحشمة والوقار والتعامل مع الحياة بجدية أكبر.