قد لا تكون هذه المقالة مخصصة للجميع. يستطيع القومجيون والعنصريون وطالبو الحياة العسكرية والفاشية الاستمرار في الرضى عن تطورات الشهور الأخيرة. فهم يرون أن الديمقراطية لا تعني سوى انتخابات واحدة كل بضع سنين، وطغيان الأكثرية ووطء الأقلية، ووحدة الآراء، والدولة فوق الجميع، واليهودية قبل الديمقراطية، مع وسائل إعلام مجندة وأجهزة رقابة مشلولة، وحياة أكاديمية تحت الرقابة، ومواطنين يمتحنون امتحان الإخلاص ولتذهب للجميع جميع القيم الأساسية التي توطأ واحدة بعد أخرى إزاء نواظرنا. وليست هذه المقالة مخصصة للوطنيين المزيفين، والجهلاء ومغسولي الأدمغة، أولئك الذين يريدون رؤية كنيست يهودية، نقية من العرب، ومجتمع يهودي نقي من الأجانب، ودولة بغير محكمة العدل العليا وبغير بتسيلم. لكن المجتمع الإسرائيلي ليس مؤلفا من هؤلاء فحسب. فما يزال يوجد فيه عنصر ذو شأن آخر. ما تزال معنا الجموع التي خرجت للتظاهر على المجزرة في صبرا وشاتيلا. يوجد ها هنا كثيرون يعرفون التاريخ، ويفهمون فصلا من الديمقراطية، من أولئك الذين يفترض أن يشفقوا مما يحدث هنا في المدة الأخيرة. أهم مشفقون؟ كلا. فهم يصنعون الذي جرى بعضو الكنيست حنين الزعبي ويصمتون، وهم يسمعون أعضاء الكنيست من المركز واليمين يتحدثون في استهتار لا يطاق إلى نظرائهم العرب ويتجاهلون، وهم يقرؤون عن طوفان اقتراحات القوانين الخطرة ويغفرون، وهم يشهدون الحصار المكارثي الذي يقع على الروابط والمنظمات وأعضاء الكنيست والمحاضرين ويبقون وديعين. وهم يدركون أن شيئا خطرا لا مثيل له يجري، أكثر تهديدا من كل الأخطار الخارجية، الحقيقية والموهومة التي تترصد إسرائيل، ويظلون مع ذلك كله على عدم اكتراثهم. تعلموا من التاريخ أن نظم الحكم التي تبدأ بهذا السلوك تنتهي إلى أن تصبح ظلامية، وأن المنزلق الذي تنزلق فيه إسرائيل دحض، ولاسيما أن أجهزة الرقابة قد خصيت كلها، وهم لا يفتحون فما. إنهم يشعرون بأن شيئا ما سيئا جدا يحدث، لكنهم يوهمون أنفسهم بأن هذا «لن يحدث لهم»، ولهذا لا يهمهم ذلك. إنهم يسمعون كل يوم عن تفاقم الخطر، وهم يفرقعون بألسنتهم، ويتنهدون، ويعيبون ويتخلون عن الساحة. هذه المقالة مخصصة لهم. الزعبي مطاردة وأحمد الطيبي مهدد، لكنهما عربيان أصلا. وأصحاب الآراء الشابة يتهمون بأنهم خونة، والمبادرون إلى القطيعة سيغرمون، والمشاركون في قافلة الاحتجاج البحرية عوقبوا، ومراقبو الجيش الإسرائيلي ونشطاء حقوق الإنسان سيخرجون خارج القانون. وأكثر الإسرائيليين يظنون أنه لن يحدث لهم أي سوء. إنهم يظنون أنه يكفي من أجل مواطنة جيدة أن تكون مؤيدا لجلعاد شليط. لو كانت في العالم جماعة يهودية محاصرة لنظموا قافلة بحرية مشايعة لها، لكن الزعبي، التي فعلت فعل مشايعة أساسية لأبناء شعبها، عاقبوها لأنها عربية ولا يهمهم ذلك. وهم يسمعون بمنشورات الحاخامات في مقاومة مؤجري الشقق للأجانب، وبصيد متسللي العمل، وبطرد أبناء اللاجئين، وهم يسمعون أيضا بعنف الشرطة الذي يطغى، وهم يعتقدون أن كل هذا غير حسن حقا لكنه لن يحدث لهم. وهم يرون ممثلي حزب أملهم، كاديما، يشاركون في حملة الإغراء الهوجاء هذه، وهم يرون ممثلي «المركز» الكاذب هذا يصبحون أكثر ليبرمانية من أفيغدور ليبرمان، وهم يرون زعيمتهم، تسيبي ليفني، تلف نفسها بصمت آثم، وهم لا يحتجون على أن هذا الحزب المخادع قد خدعهم. لماذا؟ لأنهم على ثقة من أنه لا ينتظرهم أي خطر. كل شيء عندهم على ما يرام. حان الوقت لأن نقول لهم، وهم منطوون على أنفسهم مشغلون فقط بحياتهم الخاصة، هذا في الطريق إليكم. فبعد قليل سيحدث هذا لكم أيضا. لن يقف هذا عند أعضاء الكنيست العرب ولا عند الروابط ولا عند الجامعات والمتظاهرين، بل لن يقف عند مداخل بيوتكم. سيبلغ حياتكم اليومية. هل الشرطة عنيفة؟ ستبلغ أبناءكم أيضا. أهي شرطة أفكار؟ ستبلغكم أيضا. ستبدو صحيفتكم وتلفازكم على نحو مختلف، والجامعة والمحكمة والمدرسة ستتغير حتى لا تعرف. حدث هذا أكثر من مرة في التاريخ وسيحدث هنا أيضا إن لم يكن اليوم فمنذ الغد. لقد رفع الغول رأسه، وأخذ يقترب منا جميعا ولا يوجد من يوقفه، وعندما يصل سيكون الوقت متأخرا، متأخرا جدا. عن ال«هآرتس»