إلى روح هشام ديدجي لفناير وقفت يوم الخميس على خشبة سينما الريف بمارتيل لأقدم فيلم «الثوار الجدد» لجمهور المدينة وللعديد من الفنانين والمبدعين والصحفيين، ولم تمض سوى أيام قليلة على عرضه بمدينة العيون، لكن بين الجنوب والشمال، حتى فقدت ثائرا من ثواري.. تركت ابتسامتي وحملت الحزن في حقيبتي.. حينما توصلت بمكالمة تخبرني بوفاة عضو فرقة لفناير المرحوم هشام بلقاس، لم أتقبل الخبر، أجبت دون أن أفكر أن ليس مع لفناير فتى اسمه هشام.. كانت رغبة قوية ملحة بداخلي تؤكد لي أنه ليس هو.. حملت هاتفي واتصلت بمحسن فجاءني صوته باردا.. كنت أتمنى أن يجيبني ضاحكا، مداعبا ويجعلني أحدث كل رفاقه وأسرته أيضا كما يفعل دائما.. ويترك الهاتف لهشام كي يخبرني عن جولتهم بأوربا ونجاحاتهم المتتالية وألبوم «يد الحنة»، تلك الدعوة المفتوحة إلى الحب والسلم و«المحنّة».. كنت أرغب في تقديم عرض للفيلم صحبتهم جميعا وبحضور كل «الثوار» الآخرين الذين جمعتني بهم الصداقة والأخوة والأحلام المشتركة وثورة سلمية رصينة ترنو لغد أفضل.. حينما يفصل الموت بينك وبين قريب، تشعر بالخيانة لأنه مضى دون أن يودعك، يرحل ويتركك لعذاباتك وحيدا، مهزوما، عاجزا، منهارا، حزينا ومخذولا.. لقد اضطربت من وقع المفاجأة، لأن الموت لم يمهلنا قليلا كي نكمل حديثا بدأناه في غمرة تصويري الفيلم ضيفة على الفرقة بمدينة مراكش، تعرفت على هشام حديثا، لكنه شاب لطيف رقيق وذكي، يمنحك شعورا بالألفة.. يترك لك الكلام ويختار الصمت.. فتى بتواضع فطري وبخصال نبيلة نادرة، وبموهبة كبيرة في الدراسة والموسيقى.. ليست له سحنة متكبر ولا مغرور.. يختار الظل ويترك لرفاقه الأضواء والكلمة والصفوف الأمامية.. أعرف أن الحزن يتربص بفرحتي، يلازمها ويتحرش بها، فلم أسعد إلا بعرض ناجح للفيلم على قناة «الجزيرة الوثائقية»، وعرض ثان بمهرجان العيون، كي أصعد الخشبة بمارتيل وأطلب قراءة الفاتحة على روح هشام النقية قبل العرض وأجهش بالبكاء كطفلة.. أحيانا تحاول أن تسيطر على أحزانك، تراوغها، تطاوعها، تستجديها، تحاربها إلى ما لا نهاية.. لكنك تظل كديك مذبوح تنتفض كلما طفت بقوة وأجهزت على ابتسامتك.. لقد رحل هشام دون استئذان، ترك إخوة اسمهم «لفناير» وآلاف الأصدقاء والمحبين الذين لم يستسيغوا هذا السفر الطويل المباغت.. لقد داهمني الحزن.. الجو حار جدا لكنني أشعر بالبرد.. إنها دموعي التي أستحم بها..